صنعاء نيوز/ السفير د. عبدالله الأشعل - مستقبل سوريا
وحسابات الأطراف المتصارعة على سوريا
المأساة السورية تعنى المؤامرة على سوريا الدولة والوطن والشعب وتضمن المؤامرة تقسيم سوريا وإرهاق جيشها وحلفائها الروس والايرانيين وحزب الله لصالح المعسكر الآخر الذى يضم إسرائيل والسعودية وتركيا والولايات المتحدة. فى هذه المقالة نحلل الوضع السورى ونبين الأطراف الفائزة ومقدار الفوز والأطراف الخاسرة ومقدار الخسارة.
الخاسر الأول هو الشعب والوطن والدولة التى تدور عليها المؤامرة.
الخاسر الثانى هو حزب الله الذى تم انهاكه فى سوريا ومضايقته فى لبنان حتى يفقد قوته التى لا تخشى إسرائيل سواها. ولكن خسارة حزب الله لم تقف عند الجوانب المادية وإنما يتعرض حزب الله لحملة طاغية من المعسكر الآخر الذى انضم إليه التيار الإسلامى الذى يكفر الشيعة كما انضم إليه قطاع ممن لا يحسنون تحليل المواقف من العامة والنخب على أساس من القول بأن حزب الله ينفذ سياسة إيران فى التوسع في العالم العربى والقضاء على السنة فى العراق وسوريا ومساندة الحاكم الذى قامت عليه الثورة السورية. كل هذه المصطلحات تحتاج إلى بيان وتفكيك والغموض حولها هو الذى دفع معسكر الحكومة السورية وإيران وحزب الله إلى التماهى مع إسرائيل والسعودية والخليج والولايات المتحدة فى الموقف من الثورات العربية وهي أن الثورات العربية كانت مؤامرة وفاتهم أن لكل بلد ظروفه وأنه يستحيل أن تقوم ثورة بمؤامرة كما أن أقوال ترامب تتناقض مع أقوال إدارة أوباما، وإذا كانت المؤامرة قد نفذت إلى سوريا بالذات فإن سبب نجاح المؤامرة هو ارتفاع موجتها وكذلك عجز الحكومة السورية عن المعالجة السياسية للحركة فى شهورها الأولى والتركيز على الحل الأمنى القاسى والعسكرى البربرى تحسباً للمؤامرة ولكن هذه الطريقة هى التى مكنت من نجاح المؤامرة. ولذلك يجب فك الاشتباك بين الساحات العربية فالجزء الصحيح من المعادلة هو أن كافة النظم لا تستمد شرعيتها من الشعوب وأن الشعوب لها مطالب مشروعة ولكن وجود إسرائيل فى المنطقة يعوق الإستجابة لهذه المطالب المشروعة وأهمها أن يكون الشعب فعلاً مصدر السلطات وهذه قصة طويلة تحتاج إلى بيان مفصل يكفى الاشارة إلى الدور الإجرامى الذى يقوم به الغرب دعماً لإسرائيل لينكر على الشعوب العربية الحق فى الديمقراطية ويدعم المستبد الذى يستفيد منه أما المستبد الذى يعاند الغرب وإسرائيل مثلما كان الحال مع عبدالناصر تتصدي له المؤامرة.
أما إيران التى تدافع عن بقائها وتحاول أن يكون لها منفذ على البحر المتوسط ودخولها من باب الصراع العربى الإسرائيلى فإنه من قواعد السياسة الدولية فإن أجادتها إيران نجحت بقطع النظر عن العواطف وان فشلت هلكت. ولا شك أن استمرار المأساة السورية وشكل التسوية فى سوريا يضع فى اعتباره استنزاف إيران حتى يسهل القضاء عليها كقوة مناوئة لإسرائيل ليس لصالح العرب ولكن من قبيل التنافس الإيرانى الإسرائيلى على الجسد العربى.
أما روسيا فرغم خسائرها فى سوريا إلا أنها تحقق سبعة مكاسب استراتيجية الأول هو محاربة التيارات الإسلامية وكثير منها من شباب آسيا الوسطى على الأراضى السورية استباقاً لمحاربتها على الأراضى الروسية فالهدف الأول للدور الروسى هو تأمين روسيا والانتقام من التيارات الإسلامية التى وظفتها الولايات المتحدة ضد روسيا طوال العقود الأربعة الأخيرة وكانت أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتى.
المكسب الثانى هو الحصول على قاعدة فى البحر المتوسط توازن الأسطول السادس الأمريكى وتوسع دائرة القوة العسكرية الروسية. المكسب الثالث توثيق العلاقات مع إيران نووياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وتشكيل جبهة مع الصين وإيران ضد الولايات المتحدة.
المكسب الثالث هو مناهضة القوة الأمريكية وتوسيع دائرة التصنيع العسكرى وكسب ورقة قوة جديدة فى مواجهة أوروبا والولايات المتحدة فى قضية أوكرانيا. ومن المفيد دراسة موقف الرأى العام العربى من التدخل الروسى فى سوريا لنرى تفتت الموقف العربى بسبب تفتت مواقف القوى المتصارعة.
المكسب الرابع هو محاولة استعادة مقومات القوة العظمى بغير الرداء الشيوعي واعتماداً على الوطنية الروسية التى تهددها السياسة الأمريكية ولذلك فإن الدور الروسى في سوريا هو من أسباب تماسك الشعب الروسى وتزايد شعبية بوتن بسبب جسارته فى مواجهة الولايات المتحدة .
المكسب الخامس هو أن روسيا التى استماتت فى سوريا والتى تدافع عن كل هذه المكاسب وليس من بينها طبعاً مصلحة الشعب السورى أو الحكومة السورية فإنها تسعى لكى تكون الطرف الأساسى فى تقرير مصير سوريا إزاء السياسات الأمريكية المتناقضة والمترددة بمفهوم معين ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن الحرب العالمية الثالثة قد تنطلق من الأراضى السورية.
المكسب السادس هو إعادة ترتيب العلاقات مع تركيا ومحاولة جذب تركيا إلى الصف الروسى خاصة وأن موسكو تعارض انشاء دولة كردية وهو أكبر تحدى لتركيا بينما يريد المعسكر الآخر انشاء هذه الدولة.
المكسب السابع هو تجربة أسلحة جديدة فى الساحة السورية وازدهار سوق السلاح الروسى وضبط العلاقة مع إسرائيل فى سوريا بعيداً عن الولايات المتحدة استناداً إلى تعهد روسيا بحماية كافة الأجواء السورية وكذلك قدرة روسيا على تحجيم إيران وحزب الله لصالح إسرائيل فى سوريا وهذه خبرة جديدة لروسيا فى إدارة واحدة من أعقد سياسات الملفات فى السياسة الدولية خاصة وأن هناك أطرافا مثل السعودية ومصر فى المعادلة.
أما تركيا فتبدو أنها الخاسر الثانى بعد سوريا لأن الأزمة السورية دفعت تركيا إلى التحالف بعض الوقت مع داعش والتيارات الإسلامية فقربتها من الخليج وإسرائيل والولايت المتحدة ولكنها ابعدتها عن روسيا ولكن الخسارة الكبرى لتركيا هى تخلخل وضعها فى المنطقة واحتمال اقامة دولة كردية تمثل نزيفاً مستمراً للجيش التركى. تحول تركيا إلى النظام الرئاسى واستمرار الإرهاب الكردى والداعشى وتخبط تركيا فى سوريا والعراق وتوتر علاقاتها مع الناتو والولايات المتحدة يمكن أن يمثل تهديداً خطيراً لنظام الحكم والانجازلت التى حققها اردوغان لأن الثوابت في سياساته أقل بكثير من المتغيرات.
الولايات المتحدة تصر على التحكم في سوريا والعراق لصالح إسرائيل خاصة فى عهد ترامب وهذه السياسة تنطوى على مخاطر كبيرة لأن واشنطن تتسلل مرة أخرى إلى العراق وتتواجد ميدانياً بالتدريج فى سوريا لترعى بعض الفصائل استعدادا لمعركة قادمة مع الوجود الإيرانى فى سوريا والعراق وتحاول تنفيذ الخريطة الإسرائيلية لسوريا والعراق المعلنة لعدة سنوات بحيث تنشئ كيانات طائفية وعرقية متناحرة وهذه نقطة أساسية فى صفقة القرن واعادة رسم خرائط المنطقة لصالح إسرائيل.
أما السعودية فهى الخاسر الثالث وربما تتساوى مع سوريا مع فارق واحد أن سوريا ضحية والسعودية هى المعتدى والغريب أن مختلف القوى التى تدعمها السعودية معظمها قوى إسلامية تتناقض تماما مع المنطلق الإسلامى للسعودية ولكنها السياسة والمال التى جعلت هذه القوى تستغل فى نفس السياق الأمريكى الأسرائيلى. السعودية يتم استنزافها ويتم اغواؤها تمهيداً للقضاء عليها وهى حتي دون أن تدرى قدمت خدمة كبرى لأعداء الإسلام والمسلمين ولصالح إسرائيل والولايات المتحدة ولذلك فإن التقديرات تشير إلى أن هذه الأدوار وهذا العبث يجعل السعودية هى أكبر الخاسرين في الساحة السورية. وإذا كانت السعودية تتوهم أنها الدولة العظمى العربية التى تحارب إيران فى سوريا وتريد اسقاط الأسد وأنها متعاطفة مع الشعب السورى فإن نتائج الدور السعودى تتناقض مع كل هذه المنطلقات وتجعل الدور السعودى أداة هامة لتنفيذ المخطط الإسرائيلى ضد الأمة العربية والإسلامية ولذلك لابد من الحوار السعودى الإيرانى إذا توفرت الارادة السياسية للبلدين لانقاذ هذه الأمة ولافشال المخطط الصهيونى ضدها لأن الصورة واضحة وهى الصراع الإيرانى الإسرائيلى على الأرض العربية وليس للسعودية مشروع حتى تدخل به هذا الصراع.
أما إسرائيل فهى الفائز الأكبر التى نجحت فى خلق الوضع السورى وتوظيفه وتوظيف الأطراف العربية والإسلامية ضد عدوها اللدود الوحيد سياسياً وهو إيران، وأن هذا الانتصار الكبير لإسرائيل باركه ترامب بصفقة القرن وإشعال الفتنة الطائفية في المنطقة حتى يحترق العرب وتقوم إسرائيل الكبرى على البقايا والخرائب العربية.
فى ضوء هذه الصورة من السهل أن نتوقع أين تتجه الأوضاع فى سوريا. |