صنعاء نيوز/ ياسين التميمي - لم تجد أبو ظبي نفسها في مأزق حقيقي في اليمن كما وجدته اليوم، فقد كانت تظن أنها سوف تتحكم بتوجيه مسار الأحداث في اليمن على نحو ما يستقر من قناعات لدى رجلها النافذ والمهووس بالسلطة محمد بن زايد، الذي يعتقد بأن محاربة "الإسلام السياسي" مقدم على أي أولوية أخرى لديه ولدى أبو ظبي والإمارات بشكل عام، ليس في اليمن فقط، بل في الوطن العربي والعالم الإسلامي كله.
وضعت الإمارات بيضها في السلة الأمريكية التي تعتبر أن مهمة مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في اليمن في رأس أولوياتها، وتفصل مواقفها على مقاس رد فعل الأطراف الداخلية والخارجية من مهمة كهذه، وتقوم بتصنيف اللاعبين الداخليين على أساس قربهم من الأهداف الأمريكية واتساقهم معها.
لكن الذهاب خلف الأولويات الأمريكية كما تفعل أبو ظبي يعني تجاهلا يصل حد الصفاقة، لدور السلطة الشرعية التي تحتكم في إدارتها للسلطة الانتقالية إلى مرجعيات أساسية ومعتبرة، تشمل اتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن الدولي، ومخرجات الحوار الوطني.
وأثبت الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي أنه مستعد للدفاع عن خياراته وعن مشروعه الذي لا يخرج عن هذه المرجعيات ولا يحيد عنها، حينما رفض مبادرة كيري، التي قدمت منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
وكان قد أقال حينها خمسا من أهم الشخصيات القيادية الحكومية والمحلية التي كانت تعتمد عليها أبو ظبي في تمرير مخططاتها في المحافظات الجنوبية، ويبدو أن الرئيس هادي يلقى تأييدا من القيادة السعودية، التي لا يروق لها إطلاق يد أبو ظبي في جنوب اليمن، دون تقييد يسمح بالإبقاء على مصالحها مصانة في هذه المنطقة المهمة من جنوب الجزيرة العربية.
لكن ذلك أيضا لا يُبقي الرياض في منأى عن شبهة الترتيبات الإماراتية وغاياتها النهائية، خصوصا وأن جانبا من هذه الترتيبات المتعلقة بإمكانية إعادة إنتاج نظام المخلوع صالح باتت توجها مشتركا لكل من أبو ظبي والرياض.
مأزق أبو ظبي على علاقة مباشرة بتداعيات الأزمة الخليجية التي فجرها محمد بن زايد، أملا في تحييد قطر وإخراجها من المشهد، وإنهاء تأثيرها في الترتيبات التي يحتفظ بها حيال أزمات المنطقة المختلفة من اليمن وحتى ليبيا.
وهذا التأثير يأتي من زاوية الانكشاف غير المتوقع لهذه الترتيبات التي يمكن وصفها بأنها سيئة للغاية، حيث تمول أبو ظبي تحركات أطراف انفصالية متطرفة في اليمن، تسعى إلى فصل الشمال عن الجنوب، وتتورط القوات الإماراتية في بناء شبكة من السجون والمعتقلات السرية، التي تمارس فيها انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان، وتسخرها للمحققين الأمريكيين.
وتقوم عبر هذه السجون والاعتقالات المتواصلة، باستهداف سياسيين وناشطين وشباب ممن يثبت أن لهم صلة بمشروع الدولة اليمنية الاتحادية، وممن يتبين انتماؤهم للتجمع اليمني للإصلاح، الذي تصنفه أبو ظبي على أنه الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، إلى جانب التيارات السلفية التي لا تتعاطف مع المشروع الإماراتي.
وتتورط أبو ظبي في بناء نفوذها الخاص في المحافظات الجنوبية، عبر إنشاء القواعد العسكرية، خصوصا القاعدة التي تقوم بإنشائها في جزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب، إلى جانب تورطها في إنشاء تشكيلات شبه عسكرية بقيادات ميلشياوية مناطقية، ما يهدد بإعادة إنتاج دورات أكثر عنفاً من الحروب الأهلية في جنوب البلاد كتلك التي شهدها في 12 كانون الثاني/ يناير 1987.
وإلى جانب ذلك، تواصل أبو ظبي فرض هيمنتها ونفوذها في أرخبيل سقطرى ومحافظة المهرة، وهما محافظتان ظلتا بعيدتين عن الصراع والحرب الدائرة، وكان يفترض أن تترك أمور إدارتهما للسلطة الشرعية، لكن الإمارات عملت على تهميش السلطة الشرعية وتنصيب مسؤولين على علاقة بها وبالمجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي) الذي دعمت إنشاءه بعدن في أيار/ مايو الماضي.
وتحاول جاهدة إنهاء النفوذ التقليدي لسلطة عمان في محافظة المهرة التي تستأثر بكل خط الحدود الفاصل بين اليمن وعمان، وتحتفظ في بعلاقات اجتماعية واقتصادية خاصة منذ زمن بعيد، بحكم تشابه العادات والتقاليد والتشابه في اللغات المحلية المحكية وهي بقية من اللغة اليمنية القديمة، ومنها ثلاث لغات، تتوزع على سقطرى والمهرة اليمنيتين وعلى إقليم ظفار العماني.
حالة الانكشاف هذه التي ساهم فيها إعلام قوي تتقدمه قناة الجزيرة دفع بأبو ظبي والتحالف إلى تبني سلسلة من الإجراءات لتبييض سمعتهم في اليمن.
فقد جرى تصعيد العمليات العسكرية في الساحل الغربي، وتم تحريك الزيارات الميدانية لكبار المسؤولين في الحكومة لمحافظات ظلت في إطار الإهمال المتعمد مثل محافظة تعز، التي زارها قبل أسبوع تقريبا وفد حكومي مكون من ثلاثة وزراء هي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب.
وفي السياق ذاته، زار رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عبيد بن دغر، قاعدة العند في محافظة لحج، وما وصفت بأنها الجبهات المتقدمة للجيش الوطني في هذه المحافظة، ويقصد بها خطوط التماس التي تفصل بين كل لحج وتعز.
خلال زيارة قاعدة العند العسكرية التقى رئيس الوزراء قيادات التحالف العربي، وقد لوحظ أن البيان الرسمي الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية، عكس وجود إيعاز من جانب أبو ظبي على ما يبدو لاستغلال هذا الاجتماع من أجل تمرير رسالة على لسان قائد قوات التحالف العربي في عدن العميد الإماراتي أحمد أبو ماجد في إعادة توضيح دور ومهمة التحالف العربي في اليمن عندما.
فقد أكد "أن مهمة قوات التحالف العربي هي الحفاظ على الشرعية الدستورية وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي والمرجعيات الأخرى، وهزيمة العدو ممثل في مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية، ودعم البنية التحتية لليمن".
فهل يكفي هذا لإقناع اليمنيين بأن أبو ظبي تزرع الياسمين في أرضهم، وهم يرون هذا الكم من المؤامرات التي تحيكها ضد وجودهم وأحلامهم؟ |