صنعاء نيوز دنيا الوطن -
في ما يمكن اعتباره أحدث انشقاق من نوعه داخل النظام الحاكم في ليبيا، أقرت طرابلس الغرب أمس للمرة الأولى بشكل علني هروب نوري المسماري، الياور الخاص للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي إلى الخارج بعدما اختفى عن الأنظار منذ نحو شهرين.
وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن المسماري الذي يعتبر من أبرز المقربين للقذافي، وكاتم أسراره انشق عن النظام الليبي وفر إلى تونس قبل أن ينتهي به المطاف في فرنسا.
وبناء على مذكرة ضبط وإحضار ليبية رسمية بتهمة ارتكاب مخالفات مالية جسيمة، وتبديد أموال الشعب الليبي، اعتقلت السلطات الفرنسية المسماري بمقر إقامته في فرنسا أمس، لكن لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت فرنسا ستقوم لاحقا بتسليمه إلى السلطات الليبية أم لا.
ويعد المسماري أول مسؤول ليبي يعلن في الآونة الأخيرة انسحابه المفاجئ من الدائرة المقربة من العقيد القذافي، علما بأنه كان أحد رجال الخيمة (البدوية الشهيرة التي يستخدمها القذافي في حله وترحاله)، وهو التعبير الذي يطلق على المقربين والمحسوبين على القذافي.
وطبقا لمعلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط»، فإن المسماري قرر بشكل مفاجئ الهروب من ليبيا خشية ملاحقته أمنيا أو تصفيته جسديا، بعدما نمى إلى علمه أن السلطات الليبية بصدد إعداد ملف رسمي يتضمن جملة من الاتهامات تمهيدا لمحاكمته.
وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» اشترطت عدم تعريفها، إن المسماري انتهز فرصة انتهائه من زيارة إحدى الدول الأفريقية بتكليف رسمي من العقيد القذافي، ليبلغه لاحقا أنه سيعود إلى ليبيا بعد تمضية بعض الوقت في تونس المجاورة.
لكن المسماري في المقابل توجه بشكل مفاجئ إلى فرنسا من دون سابق إنذار، في حين ترددت معلومات غير مؤكدة حول تقديمه طلبا رسميا للحصول على اللجوء السياسي هناك.
ورفض المسماري العودة طواعية إلى ليبيا بعد سلسلة من الاتصالات المكثفة التي أجراها معه بعض المقربين من الزعيم الليبي، كما طلب من مسؤول قطري رفيع المستوى نقل رسالة شخصية إلى العقيد القذافي مفادها أنه لا يعتزم الرجوع بأي حال من الأحوال إلى ليبيا، وأنه في المقابل لن ينضم إلى أي جهة معارضة لنظام حكم القذافي كما لن يمارس أي عمل سياسي على الإطلاق.
ولم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي من السلطات الليبية حول ملابسات هروب وانشقاق المسماري أو اعتقاله، لكن وكالة «ليبيا برس» أعلنت نبأ اعتقال المسماري لكنها لم تشر صراحة إلى اسمه. واكتفت بالقول إن السلطات الفرنسية اعتقلت أول من أمس مسؤولا ليبيا بارزا خلال إقامته في فرنسا بعد تقديم السلطات الليبية طلبا للحكومة الفرنسية بتوقيفه بناء على مذكرة توقيف وقبض صادرة عن السلطات الليبية.
وتناقلت عدة مواقع إلكترونية ليبية معارضة ومستقلة على مدى الأسابيع القليلة الماضية شائعات عن هروب المسماري إلى الخارج قبل أن يتأكد رسميا لـ«الشرق الأوسط» نبأ اعتقاله في فرنسا بناء على طلب رسمي من طرابلس.
وتتداول الأوساط الليبية في الداخل والخارج عدة روايات حول مبررات إقدام المسماري على هذه الخطوة غير المسبوقة، أبرزها تعرضه للإهانة الشخصية من العقيد القذافي خلال القمة العربية - الأفريقية التي استضافتها ليبيا الشهر الماضي.
وقالت المصادر إن المسماري تلقى تهديدات بإجراء تحقيق رسمي في قضية اختلاس أموال عامة بحكم موقعه كمسؤول عن التشريفات والمراسم الخاصة بالزعيم الليبي.
وفور هروبه فرضت السلطات الليبية الإقامة شبه الجبرية على عائلة المسماري كما منعت ابنته وزوجته من اللحاق به والسفر إلى الخارج.
ومثل هروب المسماري بهذه الطريقة إلى الخارج صدمة قوية لكبار المسؤولين الليبيين، لكن أحدهم قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع أن يتعرض النظام الليبي إلى أي هزة عنيفة بسبب ما حدث، على الرغم من حجم المعلومات التي يمتلكها المسماري الذي عمل على مدى السنوات العشر الماضية بشكل لصيق للغاية مع العقيد القذافي، وشهد خلالها معظم التحولات الدراماتيكية المهمة التي طرأت على علاقات ليبيا مع العالم الخارجي، خاصة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: «في نهاية المطاف هو كان موظفا عاديا، صحيح أنه يشغل منصبا مرموقا، لكنه هامشي للغاية».
وكان موسى كوسا، أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وزير الخارجية)، قد أصدر مطلع الشهر الحالي قرارا يقضي بتكليف فوزي عمار أبو صبع مديرا عاما لجهاز المراسم العامة خلفا للمسماري، وذلك في أول إشارة إلى مغادرة المسماري منصبه رسميا.
ولم يتم الإعلان عن هذا القرار بشكل رسمي حتى الآن، على الرغم من تداوله في أوساط العاملين بوزارة الخارجية الليبية.
وفي نهاية عام 2007 فقد المسماري نجله محفوظ في حادث مثير للجدل بعدما اقتحم مجهولون منزله بحي الأندلس في العاصمة الليبية طرابلس، كما ترددت في السابق شائعات عن هروبه لكنه نفاها جملة وتفصيلا.
واشتهر المسماري الذي يتحدث عدة لغات بطلاقة، ودرس السياحة والفندقة والعلاقات العامة، بين الليبيين بلقب نوري «حركات»، حيث عرف بقامته الفارعة، وحسن هندامه بالإضافة إلى مصاحبته اللصيقة للقذافي بحكم منصبه.
وغالبا ما كان المسماري هو المسؤول عن الترتيبات كافة الخاصة بزيارات القذافي الخارجية ولقاءاته مع المسؤولين في الداخل والخارج.
ومن النوادر التي لا ينساها الليبيون أن المسماري أمسك المبخرة وطاف بها حول القذافي خلال إحدى زياراته إلى تونس، كما شوهد وهو يمازح بعض الراقصين الأفارقة، ويمسك بالدف، ويراقص الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.