|
|
صنعاء نيوز -
ليس امام الحكومة العراقية الجديدة الا ان تنجح، وذلك لاربعة اسباب مهمة، وهي؛
اولا: فبعد مرور ثمان سنوات على التغيير، سوف لن يجد العراقيون ما يبررون به فشلها اذا فشلت او قصرت او اخفقت، فمن المفترض ان يكون الجميع قد تعلموا من التجربة وطوروا بها افكارهم وعقلياتهم وادواتهم، ما يساعدهم على تحقيق النجاح المرتقب.
ثانيا: ان كل من هو تحت قبة البرلمان، من كتل واحزاب، يشترك فيها، ولذلك فان فشلها يعني فشل كل هذه الاحزاب والكتل، ما سيوجه الى مصداقيتها ضربة في الصميم، بل والى كل العملية السياسية.
بمعنى آخر، فان الحكومة الجديدة لا تقف بازائها معارضة، لنقول، مثلا، اذا فشلت الحكومة فسنستبدلها بالمعارضة، طبعا بغض النظر عن صحة هذا الامر من عدمه، الا انني هنا اتحدث عن واقع سياسي قائم ليس بامكاني ان اغيره او ابدله، ولهذا السبب اقول، اذا فشلت الحكومة فستفشل كل هذه الاحزاب والكتل، ما يدخل العراق الجديد في دوامة السلطة والحكم، بل والعملية الانتخابية.
ثالثا: انها تشكلت حسب المقاسات التي توافق عليها الجميع، بما فيهم رئيس الوزراء وحزبه وكتلته البرلمانية، ولذلك فليس فيهم من يمكنه ان يبرر الفشل اذا ما حصل.
رابعا: كما ان الظروف السياسية والامنية تطورت بشكل كبير جدا لصالح العراقيين، كان آخرها القرارات الدولية الثلاثة التي اصدرها مجلس الامن الدولي الاسبوع الفائت، ما يساهم في تحسين الظروف السياسية بدرجة كبيرة، ينبغي توظيفها والاستفادة منها من اجل النجاح، هذا التطور الذي اسقط الكثير من الاعذار التي ظل بعض المسؤولين يسوقونها كحجج كلما سئلوا عن اسباب الفشل والتلكؤ.
ان مصير العملية السياسية برمتها مرتبط بمصير هذه الحكومة، بل ان مصير التجربة الديمقراطية برمتها مرتبط، الى حد كبير، بمصير هذه الحكومة، ولذلك فانها لا تمتلك خيارا الا ان تنجح لتنجح معها العملية السياسية ولتنجح التجربة الديمقراطية ولينجح العراق الجديد، الذي سيتحول بهذا النجاح الى نموذج يحتذى، بعد ان راهن الجميع على فشله خوفا من عدوى الديمقراطية، ولقد راينا كيف انهم بذلوا كل ما يملكون من دون ان يوفروا شيئا لاسقاط التجربة والتخلص من مخاطرها، فوظفوا فتاوى التكفير التي حرضت على القتل والتدمير، ووظفوا المال الحرام لتحريض المغرر بهم للذهاب الى العراق لتفجير انفسهم بالعراقيين، كما انهم وظفوا الاعلام الطائفي والعنصري الحاقد الذي ظل ينعق كالغربان ليل نهار من اجل تدمير العملية السياسية التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، ولولا صبر العراقيين وحكمتهم ومثابرتهم لكانت التجربة اليوم في خبر كان.
فبماذا، يا ترى، ستنجح الحكومة الجديدة؟ وباية ادوات ووسائل؟.
اولا: ستنجح الحكومة اذا كان بامكان رئيس الوزراء اقالة الوزير الذي لم يثبت كفاءته وقدرته على الانجاز، من دون ان تعطل كتلة الوزير او حزبه هذه القدرة التي يجب ان يتمتع بها رئيس الحكومة لنقول بان الوزراء وزراءه وليس وزراء الكتل والاحزاب.
ثانيا: كما انها ستنجح اذا مارس مجلس النواب كامل صلاحياته في الرقابة عليها، يحاسب ويعاقب ويستجوب ويقيل ويحجب الثقة عمن يراه مقصرا او مسوفا او فاشلا، وزيرا كان ام برنامجا، لا فرق، من دون ان يتعرض للضغوط المعرقلة من قبل كتل المستهدفين، اما اذا ظل البرلمان مشلول اليدين لا يقوى على الرقابة، ولم يكن بامكانه ان يستجوب وزير بسبب دفاع كتلته او حزبه عنه، فان البرلمان سيفشل في هذه الحالة في اداء نصف مهمته ان لم اقل كلها، لان التشريع سوف لا يكون صحيحا اذا غابت الرقابة، فالتشريع والرقابة، برايي، جناجان لا يطير مجلس النواب الا بهما معا، اما اذا جرب ان يطير بواحد منهما فسيسقط حتما.
ثالثا: لقد ثبت لي شخصيا ان مشكلة العراق الاولى تكمن في انعدام (الامانة) عند من يتصدى للمسؤولية، اما الكفاءة والخبرة والتجربة وغير ذلك فامور تاتي في الدرجة الثانية، والا، الم يتصد للكثير من الوزارات السابقة وزراء يحملون اعلى الشهادات والاختصاصات؟ فلماذا فشلوا اذن؟.
ان الامانة هي العنصر الاهم في المنظومة المطلوبة لتحقيق النجاح، فماذا ينفعنا الوزير الحاصل على اعلى الشهادات اذا كان لصا محترفا؟ وماذا ينفعنا الوزير صاحب الخبرة المتراكمة اذا كان مرتشيا؟ وماذا ينفعنا الوزير الكفوء اذا كان فاسدا اداريا وماليا؟.
ان كل تجارب النجاح اثبتت ان اول صفة يجب ان نبحث عنها في المسؤول هي (الامانة) ثم بقية الصفات المطلوبة لكل موقع من مواقع الدولة، فالامانة هي القاسم المشترك الذي يجب ان يجتمع عليه كل المسؤولين، وهو القاسم المشترك الذي تجتمع وتتراكم عنده النجاحات، فبالامانة يمكن ان يعوض المسؤول عن اي نقص آخر في شخصيته، اما اذا فقد المسؤول صفة الامانة فان اية صفة اخرى لا يمكن ان تعوضها ابدا.
ولذلك، فليس غريبا ان تصف قريش، الجاهلية والظالمة والكافرة التي تعبد الاصنام، رسول الله (ص) بالامانة، وذلك قبل البعثة النبوية الشريفة، فتسميه بالصادق الامين، فكانت تلجا اليه لحل مشاكلها، وتلوذ به للفصل في نزاعاتها، وتثق بحلوله وتتمسك بقوله وكل ذلك لما يتميز به من (امانة) وهو بعد في ريعان الشباب وفي قريش من الكهول والشيوخ الكثير.
وفي القران الكريم تتحدث آياته عن ثلاث تجارب في النجاح كان عمادها الامانة اولا، الاولى هي قصة موسى عليه السلام بقوله {قالت احداهما يا ابت استاجره ان خير من استاجرت القوي الامين} والثانية هي قصة نبي الله يوسف عليه السلام في قوله {قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم} و{وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين امين} اما الثالثة فهي قصة نبي الله سليمان بقوله {قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين}.
اما عن رسول الله (ص) فان القران الكريم يكرر صفة (الامانة) فيه مرات عديدة لتوكيدها ولتنبيه الناس الى مدى اهمية هذه الصفة في تحقيق النجاح، سواء في تبليغ الرسالة او في تحقيق مصالح الناس، كما في قوله عز وجل {اني لكم رسول امين} كما ان (الامانة) هي الصفة الابرز في الملاك الذي نقل الوحي من الله تعالى الى نبيه ليبلغه عباده، فقال تعالى {نزل به الروح الامين}.
لماذا؟.
لان اول ما يغلب، بضم الياء، عليه المسؤولون هو الخيانة، فاذا احس الناس ان المسؤول ليس امينا وانه يخونهم فانه سيفقد مصداقيته عندهم، ما يدفعهم الى التشكيك في كل ما يقوله ويفعله ويدعيه، حتى اذا حلف باغلظ الايمان، الامر الذي سيدفعه الى الفشل دفعا.
وبالمناسبة، فان الامانة والصدق توءمان سياميان لا ينفصلان، فالصادق امين، والعكس هو الصحيح، فالامين صادق وصدوق، وبالصدق والامانة يكسب المسؤول ثقة الناس، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عيله السلام بقوله {الكذاب والميت سواء، لان فضيلة الحي على الميت الثقة به، فاذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته} لماذا؟ يجيب عليه السلام بقوله {لا سوأة اسوا من الكذب} و {الكذاب يخيف نفسه وهو آمن} و {ان من عدم الصدق في منطقه فقد فجع باكرم اخلاقه} ولكل ذلك كان عليه السلام يوصي بالصدق على اية حال، فيقول عليه السلام {عليك بالصدق في جميع امورك} لانه {ما السيف الصارم في كف الشجاع باعز له من الصدق}.
ان على المسؤولين ان يشنوا حملة واسعة ضد الكذب، ابتداءا من انفسهم، ليشيعوا الصدق الذي سينتج الثقة المتبادلة، والا فان مصداقيتهم في خطر عظيم.
ان انتشار الكذب على السن المسؤولين اشاع جوا من عدم الثقة، وسوء الظن، ولذلك فاننا اليوم بامس الحاجة الى استبدال هذا الجو الموبوء بالكذب وانعدام الثقة بجو آخر ملؤه الصدق والمصداقية والثقة المتبادلة، وليس في الامر غرابة او شذوذ، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام {من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن من اساء به الظن }.
يقول امير المؤمنين عليه السلام {يوشك ان يفقد الناس ثلاثا، درهما حلالا، ولسانا صادقا، واخا يستراح اليه} والعياذ بالله.
ولكثرة ما سمع العراقيون من المسؤولين وقادة الكتل والاحزاب، من قصص اللصوصية والرشاوى والفساد المالي والاداري بمختلف اشكاله، ممزوجة بالكذب على رؤوس الاشهاد، لذلك فان مصداقيتهم اهتزت بدرجة كبيرة جدا، ما صنع فجوة واسعة بينهم وبين الشارع العراقي، ولذلك فان على الحكومة الجديدة ان تبذل قصارى جهدها من اجل اعادة مد جسور الثقة بينها وبين المواطنين، والا فان اتساع فجوة الشك والريبة بينها وبينهم، سوف لا يساعدها على تحقيق برنامجها الحكومي ابدا، كما ان ذلك سيقلل من فرص نجاح الديمقراطية في العراق الجديد، لان اتساع هذه الفجوة سيدفع بالناس الى الاحجام عن المشاركة في الانتخابات القادمة، ما يضعف مصداقية صندوق الاقتراع.
تاسيسا على ذلك، فانا ارى ان اول خطوة يجب ان يتخذها مجلس النواب وكذلك الحكومة الجديدة، هو تاسيس لجنة مختصة لملاحقة المفسدين، من اجل انزال اشد العقاب بحقهم، والعمل على اعادة كل الحقوق الى نصابها، خاصة المال العام الذي يجب ان تسترده الحكومة من كل من سرق واعتدى عليه، وعلى وجه الخصوص اولئك اللصوص الذين سرقوا اللقمة من افواه الاطفال وذوي الدخل المحدود، ولا يقولن احد ان (ما فات مات) ابدا، فلقد قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في اول خطاب له بعيد توليه الخلافة ببيعة عامة {الا وان كل قطعة اقطعها عثمان، وكل مال اعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فان الحق لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء وفرق في البلدان لرددته، فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق} فالحق لا يسقط بالتقادم، والمال المسروق لا يضيع بمرور الايام، خاصة اذا كان اللصوص لازالوا على قيد الحياة، وما اكثرهم في العراق الجديد.
ان مثل هذا القرار سيطمئن الشارع العراقي على حقوقه وعلى المال العام، وسيساهم في ترميم الثقة بينه وبين المسؤولين، وسوف لن يتصور العراقيون بان هؤلاء المسؤولين، كمن سبقهم، همهم الدينار والدرهم، تسنموا مواقعهم من اجل تحقيق الاثراء الحرام من المال العام، ومداراة اقاربهم وعشائرهم واحزابهم وترضيتهم بتوزيع المناصب عليهم.
كما ان مثل هذه الخطوة ستثبت للعراقيين بان اللص ليس بامكانه ان يفلت من العدالة مهما كان اسمه وعنوانه وعشيرته وحزبه وزيه وموقعه.
انها خطوة ستثبت للعراقيين بان الحكومة الجديدة لا تصانع احدا ولا تضارع حزبا ولا تتبع المطامع، ولذلك فهي تستحق الثقة والدعم لتنفيذ برنامجها الحكومي.
ثم تواصل هذه اللجنة عملها بكل جد ومثابرة من اجل مراقبة المسؤولين لتضع يدها على المفسدين واللصوص لحظة السرقة، فلا تاخذها في الله لومة لائم ولا تخشى الا الله في عملها، ويستحسن ان يتشكل ديوان يحمل اسم (ديوان المظالم) مهمته ملاحقة المال العام لاعادته الى الخزينة.
ومن مهام هذا الديوان هو انصاف المظلومين الذين تجاوز فساد المسؤولين عليهم، ليس في سرقة اموالهم ولقمة عيشهم فقط، وانما كل من ظلمه مسؤول بسبب الفساد الاداري، فابعده عن المكان المناسب وقدم آخر غير مناسب بدلا عنه، اما بسبب رشوة استلمها او واسطة تقدم بها او بمحاصصة مذهبية او اثنية او سياسية او حزبية، او ان فرصة فاتته بسبب فساد المسؤول الذي منحها قريبه واضاعها عليه، او انه ظلم عن حقه بسبب الروتين والبيروقراطية القاتلة، ان كل امثال هؤلاء يجب ان تنصفهم الحكومة الجديدة، سواء كانوا في العراق او خارجه، فلكل عراقي حق في هذا البلد، ليشعر العراقيون بان حكومة جديدة بالفعل قد تشكلت ليس بالاسم والشخوص فقط وانما بالمنهجية والبرنامج والفعل قبل القول.
لقد ظلم عراقيون كثيرون خلال السنوات التي اعقبت سقوط الصنم، ولقد حان الوقت لانصافهم، فليس هناك اي داع او مبرر لبقائهم مظلومين، وصدق امير المؤمنين عليه السلام عندما قال {وليس شئ ادعى الى تغيير نعمة من الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم، فان الله سميع دعوة المظطهدين، وهو بالظالمين بالمرصاد}.
ان تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض تاخذ على عاتقها البحث عن كل مظلوم، في داخل العراق وخارجه، ولاي سبب كان، لانصافه واعادة حقوقه كاملة، امر في غاية الاهمية، فلقد صرف السياسيون وقادة الكتل والاحزاب اكثر من عشرة اشهر يوزعون (الحقوق) على انفسهم وفيما بينهم، فلقد حان الوقت اليوم ليصرف هؤلاء معشار الوقت الذي صرفوه على تقاسم الكعكة على انفسهم، لانصاف المظلومين من الناخبين الذين لولاهم لما وصل احدهم الى موقع المسؤولية الذي هو فيه.
ان على الحكومة الجديدة ان تبحث هي عن المظلومين، فان فيهم الكثير ممن لم يتمكن من الوصول الى المسؤول لعرض ظلامته، اما بسبب تعففه او بسبب حواشي المسؤولين وبعض جلاوزتهم الذين لا يتمكن المظلوم من اقتحام عيونهم وتحطيم اسوارهم للوصول الى غايته.
يقول امير المؤمنين عليه السلام:
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك واعوانك من احراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن {لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع} ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنهم الضيق والانف يبسط الله عليك بذلك اكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، واعط ما اعطيت هنيئا، وامنع في اجمال واعذار}.
ان امور البلاد لا تستقيم اذا اكتفى هؤلاء بارضاء انفسهم فقط، وانما ستستقر الامور بانصاف العامة من الناس وليس الخاصة، ولقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذه الحقيقة في عهده الى مالك الاشتر بقوله {وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق، واعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى العامة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس احد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، واقل معونة له في البلاء، واكره للانصاف، واسال بالالحاف، واقل شكرا عند الاعطاء، وابطا عذرا عند المنع، واضعف صبرا عند ملمات الدهر من اهل الخاصة، وانما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدة على الاعداء، العامة من الامة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم}.
رابعا: واخيرا، فان الحكومة الجديدة بحاجة الى بذل كل ما في وسعاها من اجل تفعيل دور المستشارين في كل مفاصلها.
ان الوزير قائد في موقعه، مهمته الاولى ادارة الوزارة في عملية توازن دقيقة بين الواقع والطموح من المشاريع من جهة، وبين ما هو متاح من الاموال المرصودة من الميزانية العامة للدولة من جهة اخرى، من اجل التقليل من العبء الذي يتحمله كاهل المواطن، ومن اجل النهوض بالواقع الى مستويات افضل واحسن، وكل هذا لا يمكن ان يضطلع بمسؤوليته الوزير لوحده، بل ان عليه ان يعتمد على مستشارين مهمتهم الوحيدة هو تقديم الدراسات اللازمة والافكار الخلاقة لكل مشروع تنوي الوزارة تنفيذه.
ان مهمة الوزير ادارية وقيادية وليست تنفيذية، ولذلك فهو بحاجة مستمرة الى الافكار الجديدة التي تساعده على التطوير والتحسين، ولا يكون ذلك الا بالمستشارين الذين يقدمون مثل هذه الافكار بشكل مستمر وبلا انقطاع، ولذلك قيل (قل لي من هم مستشاروك، اقل لك من انت) لان المسؤول بمستشاريه، ليس فقط الوزير ، وانما عضو مجلس النواب كذلك، وكل مسؤول آخر في الدولة.
ان مشكلة القائد في موقعه تبدا عندما يفقد الرؤية، فيخطط وينفذ بلا رؤية، فكيف للقائد ان يحصل عليها؟.
ان الرؤية عملية مهمة جدا لتحقيق النجاح، وهي لا يحصل عليها من هو في خضم العمل اليومي بتفاصيله التي تستنزف جهده الفكري وطاقته البدنية، وهنا ياتي دور المستشار الذي يمكنه افضل من غيره ان يرى الصورة بشكل اشمل، فهو لا يكتفي بالنظر الى جانب منها دون الجوانب الاخرى، وانما ينظر الى اللوحة بكامل ابعادها وبكل تفاصيلها، ولذلك نرى مثلا هنا في الولايات المتحدة ان المسؤول في موقع السلطة، بمن فيهم الرئيس الاميركي، يعتمد كثيرا جدا على استشارات مراكز الابحاث والدراسات التي تقدم استشاراتها بشكل مستمر، لانها ترى الصورة افضل حتى من الرئيس نفسه الذي ينغمس عادة في جزئيات العمل اليومي ما يفقده القدرة على النظر الى الصورة بشكل شامل لتحديد الرؤية المطلوبة.
هنا اود ان اشير الى نقطة في غاية الاهمية، الا وهي:
ان في العراقيين الكثير جدا من العقول والخبرات والكفاءات، سواء في داخل العراق او خارجه، الا ان ابتلاء العراق الجديد بمبدا المحاصصة ضيع الكثير جدا من الفرص عليه للاستفادة من هذه الخبرات، كما انه اضاع الفرص امام هذه الخبرات لخدمة البلد وشعبه، ولذلك فانني ارى ان يصار الى تشكيل لجنة خاصة مرتبطة بشكل مباشر بالسيد رئيس الوزراء مهمتها البحث عن الخبرات والكفاءات والاستفادة منهم كمستشارين، كل واختصاصه، وليس بالضرورة ان يطلب، بضم الياء، منهم الاقامة في العراق، فلقد اتاحت لنا التكنولوجيا الحديثة مختلف الطرق والوسائل السريعة والسهلة والبسيطة للتواصل مع مثل هذه الخبرات من اجل تقديم افضل الاستشارات للنهوض بالعراق الذي ينتظر الكثير جدا من الافكار الخلاقة والجهود لتحقيق النجاحات المطلوبة.
ان مهمة هذه اللجنة المختصة صناعة شبكة واسعة من المستشارين تنتشر في كل بقاع العالم، بدءا من العراق، لجمع وتحليل الافكار التي يقدمها المستشارون المرتبطون في هذه الشبكة.
اما المعايير التي يلزم ان تعتمدها هذه اللجنة في اختيار المستشارين، اللذين قد يدخلوا مستقبلا في الجهاز التنفيذي، فهي:
اولا؛ معيار الانتاج، واقصد به انتاج الافكار الصحيحة والسليمة.
يقول امير المؤمنين عليه السلام {ثم اعرف لكل امرء منهم ما ابلى، ولا تضمن بلاء امرئ الى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ الى ان تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيما} اي، وبعبارة اخرى (لا تنظر الى من قال، وانظر الى ما قال) ويقول عليه السلام {لا تقبلن في استعمال عمالك وامرائك شفاعة الا شفاعة الكفاية والامانة}.
ثانيا؛ معيار الاختبار، اي اختبار الافكار التي ينتجها المستشار، وما اذا ثبت بمرور الزمن صحتها من سقمها، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام {من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء، فانه لو غص بغيره لاساغ الماء غصته}.
ويقول عليه السلام {ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة واثرة، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم اهل التجربة والحياء}.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان على كل مسؤول في العراق، بدءا من الرئاسات الثلاثة فنازلا، ان يتعلموا فن الاصغاء ويروضوا انفسهم على الاستماع لهؤلاء المستشارين، كما ان عليهم ان يهتموا اكثر فاكثر بالقراءة ليطلعوا على ما تكتبه الخبرات العراقية في الصحف والمجلات البحثية ومواقع الانترنيت، ولعل هذا الامر بحاجة الى ان يوظف كل مسؤول عنصرا بجانبه مهمته متابعة ما يكتبه الخبراء وتلخيص الافكار الجيدة والمقترحات العملية والمقترحات المهمة لتقديم الملخص الى المسؤول للاطلاع عليها، فاذا وجد فيها ما يساهم في تطوير مشروع او حل معضلة، يحوله الى الجهة المختصة لدراسته واتخاذ اللازم للاستفادة منه، من اجل ان لا يهمل المسؤول فكرة خلاقة او رايا سليما.
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
|
|
|
|