صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
لقد استطاع الشعب المصري العظيم ان يجهض مخطط الولايات المتحدة الامريكية للاحتلال مصر مدنيا باعتباره بديلا عن التدخل العسكري لتنفيذ مخطط الشرق الاوسط الجديد بعد ان تم اسقاط حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر والتي كانت ردود افعال الجماعة نفسها بعد سقوطها كاشفة لحقيقة المؤامرة علي مصر وسقطت اقنعة الديمقراطية الامريكية التي كانت ترتديها قيادات هذه الجماعة لتعلن اكاذيب مؤلفات جاريد كوهين مؤسس منظمة موفمينتس دوت اورج ودراسات وتوصيات مؤسسة راند الامريكية صنيعة البنتاجون في تحويل منهجية مجاهدي افغانستان الي مريدين للحرية والديمقراطية وان نجحت افكار بريجينسكي وبرنارد لويس عرابي البطاقة الاسلامية في مد قوس الازمات بالمنطقة العربية من خلال توصيل التيار الاسلامي الراديكالي الي سدة الحكم بهذه المنطقة .
موجات غضب عارمة ومستمرة من جماعة الاخوان علي ضياع حلم خمسة وثمانين عاما هو عمر تنظيم خرج من رحم حسن البنا لينتهي علي يد اليوم من الاخوان المسلمين ممن يعتنقون الفكر الارهابي الدموي لسيد قطب والذي يستبيح دماء المسلمين ويكفر المجتمع ويستحل الاعراض في سبيل التمسك بالسلطة لتدخل البلاد في نفق مظلم من تيارات العنف المضاد وتنذر بنشوب حرب اهلية .
لقد انتصر الشعب المصري ولن يستطيع احد فرض ارادته علية فحجم المؤامرة من الغرب علي مصر لم تكن سوي حرب علي الاسلام فالثورة الفرنسية التي قامت لفصل الدين عن الدولة ثم حذت حذوها كل دول اوربا والولايات المتحدة الامريكية التي تبنت قيما ديمقراطية قدمت بها نفسها للعالم كان من ضمن مبادئها فصل الدين عن الدولة اراد كل هؤلاء ان يصدروا للشعب المصري دينا يحكم الدولة ليعيدوا الوطن الي ما كان عليه الغرب في القرون الوسطي ولكن عظمة المصريين تجلت في اعظم صورها بعد ان اخذوا الدولة وردوا لهم دينهم ليظل المصريون علي دين ابائهم الذي تربوا علي قيمة وتعاليمه الاسلامية دون ان يختلط الدين بالسياسة ما اطلق علية الاسلام السياسي وعملا بقول الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي حينما قال اذا رأيتم رجل الدين يتمسك بالسياسة فلا تولوه .
واذا قام في مصر نظام ديمقراطي معتدل فان الوضع الجديد يضع اسرائيل في مواجهة مشاكل صعبة وان ابسط طريقة للتعبير عن ذلك هو استبدال اليقين بالشك او بعدم اليقين واذا اخترقت مصر كامب ديفيد فسوف يكون من الصعب علي اسرائيل ان تقنع امريكا بالتدخل فكيف يمكن للإسرائيل ان ترد دون التسبب في صدام ؟
والان ستجد اسرائيل صعوبة في الاعتماد علي مصر فالعزلة المتعاظمة في المنطقة وضعف امريكا الظاهر سيجبران اسرائيل علي البحث عن حلفاء جدد لقد سعت اسرائيل طيلة الثلاثين عاما الماضية عن 30 يونيه الي اقصاء مصر عن قيادة العالم العربي وجعلتها دولة وسيطة فقط ليس اكثر فقد فقدت مصر ريادتها ولكن الحراك الشعبي نسف هذه الحالة واكد ان مصر هي قلب العالم العربي وفي طريقها الي استعادة مكانتها الرائدة التحولات في سياسات ادارة اوباما تسعي لضمان المصالح الامريكية بعيدا عن اجندات اسرائيل وتطلعاتها الي تكوين شرق اوسط جديد اسرائيلي لهذا فان قلق اسرائيل ليس محصورا فيما يجري في المنطقة فحسب انما في مراقبة التحرك الامريكي المستقبلي الذي سيأخذ بعين الاعتبار العالم العربي الذي يتشكل ذاتيا من جديد .
بعد تتابع سقوط حلفاء امريكا الاستراتيجيين الواحد تلو الاخر لا يمكن الحديث عن تغيير ملحوظ سيطرأ علي السياسية الخارجية الامريكية تجاه الوطن العربي اذ ستبقي المصالح هي التي تحكم السلوك الامريكي بشكل عام والثورات الشعبية بشكل خاص فسياسة امريكا في المنطقة اعتمدت لعقود علي فرضيات او تصورات سياسية معينة والثورات قوضت اهم هذه الفرضيات .
ان الاحداث قد تزيد من شعور قادة اسرائيل بالعزلة وتضع المسؤولين الامريكيين في مأزق لانهم سيتعرضون لضغوط داخلية ( من اللوبي الإسرائيلي ) لزيادة مساعداتهم الضخمة لإسرائيل وزيادة الضمانات العسكرية المقدمة لها التي تضمن من بين ما تضمن عدم تزويد اي دولة من دول المنطقة بأسلحة قادرة علي تحدي سيطرة اسرائيل العسكرية النوعية وليست الكمية .
بمعني ان القوانيين الامريكية تسمح بتصدير كميات كبيرة من الاسلحة للدول العربية ولكنها كثرة لا تؤثر علي التفوق العسكري الاسرائيلي بسبب نوعية الاسلحة التي تمتلكها اسرائيل . ودفع عجلة النمو الاقتصادي ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان الا ان هناك معضلتين امام الولايات المتحدة يجب ان تتحرر من قيودها التي تكبل أيديها عن الفعل في المنطقة العربية وهما معضلة قيود المصالح علي حساب القيم تدخل امريكا لمنح اسرائيل مزيدا من المساعدات والضمانات سوف يجعلها في نظر العرب والراي العام العربي مسؤولة بشكل اكبر عن تصرفات اسرائيل في المنطقة مما يزيد من اعباء السياسيات الامريكية امام الراي العام العربي الصاعد وهذه معضلة كبيرة حيث ان امن اسرائيل والسلام قد يبقيها رهينة للدور الاسرائيلي الذي صار يمثل عبئا استراتيجيا عليها ويتضح مما سبق انه لا يوجد مكتوب ابدي في السياسة الدولية ولا في غيرها من مجالات الحركة والعلاقات الانسانية انما كل شئ في حركة وتحول لا يتوفقان .
وظهرت مشاريع الدعم المالي لصالح بالفئات والقوي الاقرب الي الفكر الغربي علي امل ان تكون لها كلمة الفصل في صناعة المستقبل السياسي والارجح ان تعامل الثورات العربية مع القوي الخارجية لن يكون نتيجة فكري نظري بل نتيجة تفاعل مباشر بين التطورات الميدانية التي تصنعها الثورات وبين التطورات الضرورية التي تحتاج اليها من صناعة الفكر وصناعة التصورات عبر الوسائل المتوافرة ونشأة الوسائل الجديدة المنبثقة عن الثورات نفسها .
الارتباط الوثيق بين الهيمنة الغربية الدولية وبين الهيمنة الاستبدادية القطرية اشد رسوخا من قابلية التخلي عنه لصالح تحكيم الارادة الشعبية في البدان العربية والاسلامية .
لقد اسقطت الثورات العربية دعم الاستقرار القائم علي استبداد محلي جنبا الي جنب مع الحملات الكلامية حول الحريات وحقوق الانسان وشبكة العلاقات المالية والاقتصادية التي تصنع القرار السياسي والامني في الاقطار المستهدفة وايضا اسقطت التركيز علي عنصر الحقوق المادية واعتبارها كافية لضمان الاستقرار .
هذه الاعمدة هي التي انهارت عبر مسلسل الثورات العربية حيث تبين للوعي الشعبي الواسع النطاق بما تعنيه ازدواجية الجمع بين متناقضات الاستبداد ودعوات حقوق الانسان وايضا استهداف الثورات للارتباط الوثيق بين الاستبداد والفساد والهيمنة الاجنبية وظهور حتمية سقوطهم .
وثبات الثورات علي المطالبة بالكرامة والحريات والحقوق وليس علي الصعيد المادي فقط مفعول الثورات العربية علي السياسات الاوربية في المرحلة القادمة سيأخذ صيغة جولة جديدة وليس صيغة القبول بأمر واقع جديد تصنعه الثورات العربية ومحاولة ايجاد ضوابط جديدة لفاعلية الارادة الشعبية للتحرر بحيث تمسك بها قوي محلية اقرب الي التفاعل التبعي او الاندماجي مع المصالح والمطامع التي تحكم سياسات الهيمنة الاجنبية مع انطلاقها من صبغة ديمقراطية يمكن وصفها بالديمقراطية المشروطة فهي تستثني لعبة الديمقراطية ( تدويل ارادة الشعب والتداول علي السلطة ) استثناء اقصائيا لكل من لا يقبل الالتزام بشروط اللعبة وفي مقدمتها الانطلاق من ذلك التفاعل التبعي او الاندماجي .
الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
والاقتصادية والاجتماعية
ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية
والإستراتيجية بفرنسا
ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية
والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات
ونائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمجلس المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية |