صنعاء نيوز/ محمد عبد الوهاب الشيباني - قبل اربعة اعوم وتحديدا 24 مارس 2014 ،غادرنا الاستاذ عبد الله احمد علوان الحناني ،المولود في احدى قرى منطقة ذبحان بالقرب من مدينة التربة عاصمة الحجرية في العام 1946. عاش مؤمنا بفعل التنوير كأدة للتغير في مجتمع اعطاه علوان كل ما يملك ولم يأخذ منه سوى النكران والجحود، والذي وصل ذروته حين قطر جسده اخر مباهجه، على احد اسرة مستشفى الثورة بصنعاء دون ان يلتفت اليه احد.
في احد الحوارات معه في 2003 قال ان اسرته واهل قريته لقبوه في طفولته بـ "اللهيم" وهي لفظة تطلق على الشخص الفطن سريع الفهم وسريع الحفظ، ولقبوه ايضا بـ "الحنك" وتعني الشجاع المقدام. وهاتان الصفتان ظلتا تلازمانه حتى مماته. فاللهيم ويقال "الوهيم "ايضا تحول فيه الى ذات قادرة على الاحاطة الممكنة بالمعارف، التي انشغل بها وفيها "نقد وشعر وتاريخ" .اما الشجاعة فقد ظل علوان وفيا لها ،يقارع بدون خوف او وجل. ولولا شجاعته واعتداده ،لما تعرض لكل ما تعرض له ،من اقصاء وتهميش وعدا من نخبويي المؤسسة الرسمية.
قبل قرابة ثلاثين عاما وبمبنى مؤسسة 14 اكتوبر بعدن ـ حيث كان يعمل ـ تعرفت مباشرة بعبدالله علوان الشاعر والناقد ،الذي عرفت عنه من القراءات ومن احاديث اخرين الكثير . كنت قبلها احتفظ بنسخة مهترئة من ديوانه الاول " مزامير الزمن القرمطي" واحفظ قليلا من ابياته التي استعرضتها امامة في ذات اللقاء:
في المساء
تتبعثر صنعاء بين الرصاص
طلقة في دمي
صرخة في فمي
وتراب يئن .
بذات السجية التي لازمته حتى مماته ،احتفى بي وقدمني الى الكثيرين من الاسماء الرائدة في المؤسسة ، الراحلين معروف حداد وابراهيم الكاف وعلي فارع الشيباني و الاحياء جلال احمد سعيد ونجمي عبد المجيد و ...و ... تحمس للكتابة عن بعض قصائدي، ولم اكن اكثر من شاب في اول الطريق، بالكاد يعرفني كشاعر بعض الاصدقاء.
وحين عاد بداية التسعينيات الى صنعاء ـ التي غادرها مطلع الثمانينيات هربا من قمع الاجهزة التي كانت ترى فيه معارضا ومحرضا ضد استبداد نظام صنعاء ـ استمر في وفائه النادر لمشروعه الشعري والنقدي، وعمل جاهدا في التعريف بعشرات الاسماء الشابة من شعراء وكتاب سرد ونقاد .لم يتأفف او يتعالى او يشكو جحود الاصدقاء ، الذين استضافهم في مسكنه وانفق عليهم لسنوات طويلة، حين كان موظفا مرموقا في شركة الاتصالات، فتنكروا له ، وآلموه في فترة تعبه.
وعبد الله علوان السياسي والنقابي الصلب ساهم في تأسيس نقابة المواصلات في العام 1973،وبعدها بثلاثة اعوام كان من الاعضاء المؤسسين لاتحاد الادباء بصنعاء و نقابة الصحفيين اليمنيين ، هي اسباب كافية جعلته مستهدفا من قبل اجهزة النظام، التي ضيقت عليه فاضطر المغادرة الى عدن، التي عانى فيها كثيرا ، وكثيرا جدا.
قبيل وفاته بأربعة اعوام اصدر كتابين نقديين من اصل 11 مخطوطة مختلفة (نقدية وشعرية وسردية) هيأ اغلبها للطباعة ،ووعدت اكثر من جهة بطبعها عقب رحيله ولم تف بوعودها حتى الان . الكتابان المعنيان هما "بردونيات النص والمنهج 2010" و "القصة اليمنية .. الموقف والاسلوب 2010" ويشكلان مع الاصدرات السابقة له " مزامير الزمن القرمطي/ شعر1984" و" رقبة الزير/ قصص قصيرة 2004" و "روضة الحارثي/شعر" و" الماساوي والهزلي في شعر البردوني / نقد 2004" خارطة تعريف جمالية بمشروعه الابداعي، اذ تغطي اهتماماته وانشغالاته كشاعر وكاتب قصة وناقد.
اما كونه شاعر مطبوع ،فهذا امر مفروغ وليس بحاجة لتوكيد، اذ يعتبر علوان احد رواد الجيل السبعيني، الذي حمل على كاهله لحظة التجسير الواعية بين قارتين شعريتين ،اثثتهما التنويعات الاسلوبية والجمالية لعشرات الشعراء من جيلين متتابعين في الشمال والجنوب ، لحقهما جيل ثالث هو الجيل التسعيني ،الذي كان علوان احد الاباء الروحيين لكثير من اسمائه. اذا عمل على التعريف بهم من خلال الكتابة عن خطواتهم الشعرية في بواكيرها. ولو سالت احد الشعراء المكرسين والمحسوبين على هذا الجيل ، لأشار الى ما اسداه اليه علوان من صنيع التعريف. ولعلوان الشاعر خمسة دواوين مخطوطة تنتظر الطبع واختار لها عنوانا جامعا هو "مواسم الجدب" حسب سيرته المدونة في اغلفة اصداراته الاخيرة.
في ديوانه الاول " مزامير الزمن القرمطي 1984/ عدن" سيتجلى المنزع الاسلوبي ،الذي طبع معظم شعراء اليسار المؤدلجين ، الذين ركزوا على الموضوعات السياسية الكبرى، دون العناية الكافية بالجوانب الجمالية :
اعطني زهرة
اسكن نسغها وافوح
جمرة
تنبض بالدفء في كل كوخ
راية تتصدر زحف الجموع.
او
جمرة في يريم
وردة في تريم
لعنة في القصيم
هتافا يحرض اصواتكم ان تنام.
اما "عبدالله علوان" القاص فقد اصدر في حياته ـ وبعد عشرين عاما من صدور ديوان المزامير مجموعته الوحيدة " رقبة الزير 2004" لكنه ترك ضمن مخطوطاته مجموعتين اخريين عنونهما بـ "الانذار الاخير" و"زمن النحس" . وفي مشروعه السردي يكرس النزعة الواعية في مقاربات الموضوع الاجتماعي والحكاية الشعبية، والمعاش اليومي بحس الناقد القادر على تحويل الفكرة العابرة الى نص بموجهات دلالية مشبعة بالحكمة .
في هذه المجموعة سنبصر الحياة كما رآها بعيون الفنان الساخر المتمرد. فالتعليم ليس اكثر من تلقين فارغ فتتساوى على قاعدته حالة الجهل بين المعلم والتلميذ. سنرى مجسم المنزع المناطقي الاجوف ،الذي بدأ ينخر نسيج التعايش الهش في علاقة المقهوي العبدلي وابن بائعة القات المقطري مثلا. سنرى المنطق الاهوج الذي يحكم تصرفات النخب التي تقود الى مآسي ، كما تحاول اختزالها الحكاية الشعبية لثور ادخل رأسه في جوف زير من الفخار ، وحين تعذر اخراجه ،تطلب الامر سجال اهوج بين الشيخ والفقيه ومالك الثور انتهت بذبح الثور وكسر الزير معا، كما تحاول ان تقوله الحكاية الشعبية.
اما عبد الله علوان الناقد فهو صاحب مشروع مستنير، كرس كتابين من اصداراته لمقاربة شعر وفكر عبدالله البردوني باعتباره القيمة الاكثر اكتمالا لمعاينة التحول التاريخي والفكري الذي عاشته البلاد في تاريخها القريب والبعيد. ففي الكتاب الاول الذي اصدره تحت عنوان " المأساوي والهزلي في شعر البردوني 2004" يتتبع المرجعيات النشطة والمؤثرة في فكر وشعر البردوني وعلى رأسها "علم الكلام المعتزلي فهو اصل الثقافة البردونية ،وهو التذي سيجعله يرى بوضوح موضوعات المعرفة دون زيف، ليغدو شاعر الثقافة الانسانية وضميرها الصادق الامين. انه الضمير التواق الى الحرية والعدل، والى مجتمع خال من الحروب والصراعات الدامية." ص5 لهذا لا غرابة في ان يكون شاعر المدينة الحديثة ،التي ابصرها بدواخله كرمز للتعايش والتعدد بعيدا عن العلاقات القروية المغلقة.
اهم انصرافات البردوني عند علوان فكانت في جعله من سبتمبر مرموزا ليس سياسيا ، بوصفه حلم اليمنيين الاعظم بل جماليا ايضا ، كون النصوص والقصائد التي كتبت في سبتمبر عبرت عن منزع التجديد وفيوضه التي لاتحد, كقصيدة "في طريق الفجر " كنموذج.
في هذا الكتاب يقارب علوان عشرات المفردات في تجربة البردوني الشعرية في قراءات مسترسلة تتيحها في الاصل ثقافة البردوني العميقة، التي لو وضعت في مقابل غيرها لأبانت سطحية الجميع كما قال صراحة,
وفي كتابه التالي "بردونيات النص والمنهج 2010" ينطلق من السؤال عن منهج البردوني:
هل هو واقعي يأخذ بالمادية الجدلية و التاريخية ؟! ام هو رومانسي يأخذ بالمثالية الذاتية؟! ام هو كلاسيكي يأخذ بالمثالية الموضوعية ؟! وهل هو اشعري ام معتزلي؟!
اما الاجابة التي سيحسمها علوان وسيبثها في ثنايا الكتاب وستكون بنعم ،انه كل ذلك واكثر كما قال.
الموقف الشعري عند البردوني لا يعني المحمول الجمالي فقط وانما نظرته الى الشعر بوصفه رسالة .. يحملها رسول الشعر ، يبشر وينذر ويشكو ويبكي ويرثي !!
في كتابه المهم " القصة اليمنية .. الموقف والاسلوب 2010" سنعيش تطوافا نقديا ذا قيمة عالية مع تجارب قصصية ، لم تقف في حدود التأسيس والريادة بل امتدت الى التجارب الشابة، مغطية في ذلك تقريبا خارطة القص في سبعة عقود ابتداء من محمد علي لقمان ، وانتهاء بإيمان عبد الوهاب وعفاف البشيري واروى عاطف. لكن قبل ذلك سنقف عند توصيفه لفن القص باعتباره : فن انساني لا يقتصر على امة دون اخرى. أي انه فن عالمي نشأ مع نشوء الكلام والمدنيات الاولى " الحضارة" ، وعن هذا الفن نشأت علوم اخرى ابرزها علم لتاريخ ، فليس التاريخ سوى حكايات مسرودة.
ولان الريادة الروائية عنده ـ مثل معظم الدارسين ـ ابتدأت مع روية "سعيد "لمحمد علي لقمان المحامي، فان الريادة القصصية ستكون مع قصة محمد سعيد مسواط " سعيد المدرس" وبين هاتين سيحضر عمل الطيب ارسلان "يوميات مبرشت" ، الذي رأى فيه علوان مجرد تقارير عن عدة ظواهر ثقافية وادارية وتجارية واخلاقية يصورها الكاتب، استسهل دارسو السرد بتصنيفها "رواية" .
وبعد جيل الريادة سيعمل الساردون الواقعيون على تطوير هذا الفن الجديد للتعبير ،عن حالة التحول التي تشهدها البلاد، وعلى راس هؤلاء محمد عبد الولي واحمد محفوظ عمر وحسين سالم باصديق وعبدالله سالم باوزير، الذين جعلوا من الموضوع الاجتماعي والسياسي " الهجرة و الاعتقال والتعليم والثورة" هماً للكتابة الادبية ، التي تجاوزت البدايات التقريرية الى فضاءات التجريب الواعي، كموقف في الحياة ومنها.
ومع الجيل الشاب سنرى طرائق التفكير ، في الموضوعات التي تنتجها العولمة وعصر السرعة والانترنت التي جعلت العالم خلية واحدة .فقضايا المرأة والاضطهاد الجنسوي ،والفساد السياسي والجريمة المنظمة والبطالة والتمايزات والتطرف والحروب، بوصفها التجلي الواضح لمشكلات المجتمعات المعاصرة، ستصير موضوعات للكتابة عند هؤلاء من داخلها ،ليس اعتمادا على خبرات القراءة والتثاقف ، ولكنها تعليلا لمتعينات محلية صرفة، اقرب لانشغالاتهم وهمومهم الكتابية.
ختاما
في عجالة مثل هذه لا نستطيع الاحاطة بمنجز رمز ثقافي اسمه عبدالله علوان الا في حدود الانفعال التي تفرضها المناسبة .. رمز لا يمكن القفز على اسهاماته الخلاقة في اربعة عقود، انفقها صبرا ومكابدة ، لإيصال رسالته الانسانية بكل محبة وتواضع. فسلام على روحه في ذكرى معراجها الرابع .
للتذكير
صاحب «مزامير الزمن القرمطي» في خطر
أيها السادة.. أنقذوا حياة عبد الله علوان
الأحد 23 فبراير 2014 الساعة 09:44
يمن فويس - محمد عبد الوهاب الشيباني :
يرقد الأستاذ الكبير المناضل عبدالله أحمد علوان الحناني في مستشفى الثورة بصنعاء.. حيث أسعف إليها قبل نحو عشرة أيام وأدخل العناية المركزة ،بسبب مضاعفات السكر الذي يعانيه، وهو الآن في حالة خطرة، كون ساقه معرضة للبتر بالكامل بعد بتر بعض أصابع قدميه مع جزء من القدم. والموت يحدق به وهو بحاجة إلى علاج سريع وإنقاذ جسده القليل من الغرغرينا التي تهدده.
عبد الله علوان.. المثقف العصامي التنويري الفقير أنهكته تكاليف العلاج وتكاليف المستشفى المرتفعة ..
رئيس الجمهورية
رئيس الوزراء
وزير الإعلام
وزير الثقافة
نقابة الصحفيين
اتحاد الأدباء
المؤسسات الثقافية
أصدقاؤه «الذي لم يبخل عليهم يوماً ،حين كانت بيته ملاذاً للجميع».
جميعهم مطالبون بالوقفة الجادة والسريعة لعلاج الأديب الكبير وإنقاذ حياته ،ومن لا يعرف من السادة المبجّلين من هو«ابن علوان» نقول:
قامة أدبية كبيرة «شاعر وناقد وقاص» من مواليد منطقة ذبحان ..في العام 1946أصدر ديوانه الأول المعنون بـ «مزامير الزمن القرمطي» مطلع الثمانينيات واتبعه في مطلع الألفية الجديدة بديوان« روضة الحارثي»، ثم مجموعة «رقبة الزير» في .2002
أما اسهاماته النقدية فهي كثيرة ومتشعبة ولعل أبرزها انشغالاته المتميزة في تجربة الشاعر الراحل عبد الله البردّوني التي جُمعت في كتابين، الأول عنون بـ «المأسوي والهزلي في شعر البردوني» والآخر بعنوان «بردونيات النص والمنهج»، أما آخر ما أصدره من كتب النقد فكان كتاب «القصة اليمنية ..الموقف والأسلوب».
أما مخطوطاته التي تنتظر النشر فهي كثيرة تتوزع بين الشعر والنقد والسرد، ومنها «شعر الزبيري.. من التنوير الى التثوير»و«نظرية المعرفة القرآنية» و«دراسة في النقد الأدبي» و «حمينيات ـ دراسة في الشعر الحميني» و«مأساوية الشاعر العربي» و«مواسم الجدب ـ خمسة دواوين شعرية» و«الإنذار الأخير وزمن النحس ـ مجموعتان قصصيتان » و «نقد الشعر الحديث».
أما سيرته النقابية فيمكن اختزالها في ثلاث محطات، الأولى مساهمته في تأسيس نقابة المواصلات عام 1973 بصنعاء، حين كان واحداً من أبرز موظفي شركة البرق اليمنية، والثانية مساهمته في تأسيس نقابة الصحافيين اليمنيين عام 1976 ،والثالثة إسهامه المميز في تأسيس اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين فرع صنعاء عام 1976م وشغر في النقابات الثلاث مواقع قيادية مهمة.
قبل أن تمطرونا ببيانات النعي وسرد مناقبه ميتاً.. أيها السادة أنقذوا حياته الآن. |