صنعاء نيوز/ رافع حلبي -
أعلم حق العلم أن الكثيرين من شرقنا الأوسطي لن يوافقونني الرأي ولكنني قطعت عهداً على نفسي أن لا أضع على صفحاتي إلا الحقيقة كاملة حتى لو غضب من كلماتي الجميع أو لم يوافقني في الرأي أحد فاعتدت مذ نعومة أظفاري , قول الحقيقة كاملة جهراً , دون زيادة أو نقصان فالحق هو الله عز وجل والحق : كالفلين لا يغرق ولا يضيع أبداً , وهكذا تصرفت حتى الآن وسأستمر حتى آخر لحظة في حياتي.
العربي في الشرق الأوسط وغيره بحاجة ملحة جداً لبطل وقائد ونجاحات وانتصارات في أي موضوع كان , بات سهل جداً على هذا المجتمع المتخبط بنار المحن , أن يطيع مجرم حرب أو قاتل أو سفاح وسارق أزعر , من أجل أن يستريح ويريح نفسه من عناء البحث عن بطل وقيادي يأخذ بيد المجتمع إلى بر الأمان , والجميع يعلم أن العربي ليس أخ للعربي والمسلم ليس أخ للمسلم وهنا يدخل المجتمع في مشاكل ليس لها نهاية ولا تُعَرَّفْ في علم المجتمع السوسيولوجي متحضراً عصرياً كان أم لا فالتكافل العربي بات ضعيفاً ولن ينجح أحد في محو الظلم والقتل والذبح من تاريخ الشرق الأوسط أو حتى من الذاكرة , وما يحصل في الدول العربية في الشرق الأوسط مابين عربي لعربي ومسلم لمسلم وقد تمر وتمضي مئات الأعوام من السنين وربما مئات من الأجيال القادمة ولن ينسى أحد هذه الحالات المشينة التي تعيب الإنسانية والبشرية جمعاء.
منذ ما يزيد عن أربعين عام , لم تبرز شخصيات قيادية في المجتمعات العربية بلباس الأبطال الشعبيين وهذا يؤكد حاجة هذا المجتمع لأبطال قياديين , فالروايات والقصص عن الشاطر حسن , وعنترة ابن شداد , والزير سالم باتت بعيدة جداً في المسار الزمني الذي نعيشه ولا تناسب روح العصر والفكر المتجدد والحداثة في الرواية والقصة والقصيدة , بات كل فرد من أبناء المجتمع بطلاً وهمياً افتراضياً إما على صفحات الفيسبوك أو الواتساب أو تويتر أو إنيستجرام وغيرها من مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي , هذا الفراغ القاتل ومضيعة الوقت والتعطش لتغيير المفاهيم العربية في شتى المجالات في المجتمع , حتى العادات والتقاليد التي عاشوا العرب بموجبها لمئات السنين يدفع بكل عربي للبحث عن مثل أعلى أو قائد يُحتذى حذوه في سلسلة الأبطال المقطوعة منذ زمن طويل , وفي النهاية هذا الأمر المُلِّح غير العادي لواقع في مجتمع غير عادي جاء بالمرحوم محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد , احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد عربة لمواطن كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه وقوت أسرته اليومي , وشبت المظاهرات كالنار في الحقول الصيفية اليابسة وانتشرت العدوى إلى معظم الدول العربية لتحمل هذه المظاهرات ضد الحكام العرب أسم الربيع العربي , الذي أصبح وبسرعة وميض البرق , خريفاً عربياً يخجل به كل بني البشر في العالم لأن هذا الخريف لم يأتي إلا بالدمار والحروب ومقتل معظم زعماء الدول العربية الذين خدموا بلادهم لسنوات طويلة , وهنا يحضرني قول من إحدى كتبي : كل مجتمعات العالم تقدر زعماؤها صالحين كانوا أم ظالمين إلا المجتمع العربي فلا يُقَدَّرُ فيه حتى الزعيم الصالح , ونرى أن المواطن العربي لم يحصل على حريته المطلقة , فالمجتمع العربي بقي شبه غربي في حريته وشبه شرقي محافظ في عاداته وهذه الحالة النادرة ضمن مجتمعات الأرض لم يسبق لها مثيل على مر العصور والأزمان وما زال الرجل العربي والمرأة العربية بحاجة لقائد وبطل مقدام يتصدر كل شيء في تطور المجتمع نحو الأفضل , وهذا البطل مفقود حتى الآن ولم يصوره حتى الأدباء في قِصَصِهِم والشعراء في قصائِدِهِم حتى لو كان من نسج الخيال.
مازالت تعلو الأصوات حول عهد التميمي الطفلة الفلسطينية التي " قهرت جنود الاحتلال " على حد تعريفهم وتعليق بعض الصحفيين الذين يدعون أن بتصرفها هذا حررت فلسطين من يد الغزاة , وأنا أقول للجميع وبأعلى صوت , اليهود عادوا إلى بلادهم التي تركوها منذ آلاف السنين والتي كانت لهم منذ الأزل كأرض إسرائيل أرض الميعاد , وهذا ذكر في القرآن الكريم في - سورة المائدة – كعهد من رب العالمين لبني إسرائيل اليهود , وعهد التميمي احتلت منزلة البطولة على شاشات الفضائيات العربية وغيرها , وهنا تعلو بمخيلتي كل السيناريوهات العكسية الممكنة وأتساءل ماذا كان سيحل بهذه الطفلة عهد التميمي لو أنها تعيش في بلد عربي آخر وتقوم بالتصرف ذاته مع رجال الأمن أو الجيش والشرطة هذا أمر يكاد يكون واضحاً لنا جميعاً فستحمل عهد التميمي مع أسرتها إلى جهة مجهولة لا يدري ما سيحل بهم بعد ذلك إلا الله تعالى عز وجل , فالمجتمع العربي وإجمالي الشرق الأوسط يشير ومن دون حديث في عمق الأمور إلى أن هذا الشرق لا يُحْكم إلا بالقوة قوة السلاح , ليست فيه أفكار لاستيعاب الآخر المغاير المختلف ولا مكان للتعايش السلمي المشترك كمثل الغرب في حرية مطلقة في الدين والإيمان والمعتقد والعبادة والتجول والتنقل والعمل والمأكل والمشرب , حرية في كل شيء شريطة أن لا تسيء لأحد كلّ على دينه وكل على إيمانه فالدين لله تعالى والوطن أو الأرض للجميع , عهد التميمي ليست مسكينة أبداً بل وقحة لحد كبير وتصرفاتها تدل على أنها انفعالية وتمر في حالات نفسية ليست كباقي الأطفال الفلسطينيين العاديين , للأسف شاهدت لها بعض أشرطة صورت وهي في سن مبكر تهاجم جندي وتصرخ في وجهه وماذا تتوقعون من جندي مدجج بالسلاح أن يتصرف قبالة طفلة تهاجمه وتشبعه ضرباً وهو قادر على ضربها أو قتلها ومن دون سلاح , بوركت كل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي على هذه التصرفات المشرفة فقد علمت بعد أن أجريت دراسة عن تواجد الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان كيف تصرفوا من المواطنين الأصليين لتلك البلاد والدول وعلمت أيضاً كيف تصرف حكامها بعد نفاذ صبرهم الطويل على تصرفات اللاجئين الفلسطينيين. مع كل موقفها الحرج جعلوها بطلة قومية ورفعوها لمدار الخالدين بسبب تصرف تافه لا يستحق أي تقدير , فالشعب الفلسطيني ينادي بالسلام ليل نهار أهذى هو السلام الذي تعلمونه لأطفالكم ؟ أهذى هو المستقبل الزاهر الذي تتحدثون عنه ؟ وحتى الآن لم يغير الميثاق الوطني الفلسطيني الذي ينص في الكثير من بنوده على بناء دولة فلسطين على أنقاض دولة إسرائيل بعد تدميرها كلياً , وبموجب أتفاق السلام المبرم بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية كان يتوجب على القيادة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بالذات تغير هذه البنود وتعديلها لتتحقق دولة إسرائيل من النية الحسنة الموجودة في صفوف الفلسطينيين للتعايش السلمي المشترك وربما كان ليتغير جيل فلسطيني كامل يريد السلام ويسعى إليه , لكن العملية التحريضية المبرمجة المستمرة ضد دولة إسرائيل , تقف حاجزاً بل سداً منيعاً في وجه التقدم في عملية السلام هذا إلى جانب كل العمليات الانتحارية التي تنفذ على يد فلسطينيين فقط ضد مواطنين إسرائيليين عزل من السلاح حيث يذبح ويقتل الأبرياء أطفالاً ونساء على حد سواء , ولا نجد مواطن فلسطيني واحد يستنكر أو يشجب هذه العمليات التخريبية التي تقتل الكثيرين من الأبرياء وبدون سبب , إلى جانب ذلك نرى الأمور في غزة في تدهور متواصل قبالة دولة إسرائيل , بالرغم من أن دولة إسرائيل سلمت غزة والقطاع للسلطة الفلسطينية ولم تمر فترة زمنية طويلة حتى سيطرت عليها منظمات إرهابية كحماس والجهاد الإسلامي وغيرها من حركات متطرفة دينياً وهذه الحركات الإرهابية قامت بعمليات تخريبية ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي وأدخلت حالة الذعر في جنوب دولة إسرائيل على مدار سنوات طويلة وقصفت بعشرات آلاف القاذفات والصواريخ مدن وبلدات آمنة مليئة بمواطني الدولة حيث مكث ما يزيد عن مليون مواطن إسرائيلي لسنوات في الملاجئ وتتحدثون عن السلام , قامت هذه الحركات الإرهابية المتطرفة دينياً بقتل وذبح المئات من إخوتهم الفلسطينيين من حركة فتح متهمتهم بالعمل لصالح إسرائيل وطردت خارج غزة والقطاع من تبقى منهم على قيد الحياة بالحجج ذاتها وبتصريحاتها لتحرير الأرض وبناء الدولة الفلسطينية عن طريق المقاومة ومحاربة دولة إسرائيل , بالمقابل دولة إسرائيل تتصرف بثقافة وحضارة غربية متحضرة لا تفهم في مجتمعات الشرق الأوسط , فربطت قطاع غزة بشبكة المياه القطرية وشبة والكهرباء أيضاً وتُدخل آلاف الشاحنات يومياً لغزة محملة بالأدوية والمواد الغذائية والبضائع وتعالج مصابي الحرب والمرضى أيضاً على حسابها في مستشفياتها دون انقطاع , واستمرت على هذا النهج في ظل القصف الصاروخي المستمر للمنظمة الإرهابية حماس في غزة على دولة إسرائيل , وما ذكر أعلاه تقوم به دولة إسرائيل اتجاه غزة حتى يومنا هذا من دون توقف أو حتى أي تردد , الأمور لم تتوقف في القطاع ها هنا , بل تمت في الأسبوع الماضي محاولة اغتيال لرئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله باءت بالفشل بعونه تعالى , منذ استيلاء حركة حماس الإرهابية المتطرفة دينياً وحتى هذا اليوم لم يحرر شبراً واحداً أو ذرة تراب بهذه الطريقة السلبية القتالية ضد دولة إسرائيل , فقد أثبتت دولة إسرائيل أنها قادرة على حماية نفسها ومواطنيها وجيشها أقوى جيش في المنطقة , ليس هذا فحسب بل جيشها يعتبر من الجيوش القوية الممتازة عالمياً المدربة بشكل ممتاز هذه التدريبات تمكنه من اجتياز كل الصعوبات التي تواجهه في ساحة المعركة مستقبليا إذا دعى الأمر لذلك.
سيطرت الإرهاب على غزة والقطاع مؤشر خطير جداً ولن تسمح دولة إسرائيل أن يماثله خطأ آخر في منطقتي يهودا والسامرة مهما كلف الأمر , لذلك ندعو الشعب الفلسطيني وفصائله لحل كل النزاعات بتحديد الأهداف الآنية للمدى القصير والأهداف المستقبلية للمدى البعيد وفي الحالتين يتوجب بناء كونفدرالية مع دولة إسرائيل كي يحل السلام للمدى البعيد والعمل بموجب اتفاق السلام الموقع , ليتسنى للأجيال القادمة العيش بسلام وأمان وليتوقف البحث في المجتمع العربي عن أبطال قوميين في ساحات المعركة المنسية بمضي وقت قصير وليتحول البحث في المجتمع بكل أبنائه عن رجال السلام وقياديين اجتماعيين وسياسيين وشباب متعلم مثقف , باستطاعتهم قيادة المجتمع والوصول به إلى بر الأمان , فليس هنالك أي قيمة لإرهابي يودي بحيات الناس سدى وكل العالم لا يساوي قطرة دم تسيل من طفل يهودي أو مسيحي أو مسلم " فعلى هذه الأرض مكان يتسع الجميع " , هذه الدولة التي تحرض ضدها المنظمة الإرهابية حماس وأخواتها في الإرهاب كداعش وحزب الله والنصرة والحوثيين والجهاد الإسلامي وحركات إسلامية أخرى سنية وشيعية متطرفة دينياً , القضاء الإسرائيلي حكم بالسجن الفعلي لمدة أربعة سنوات ونصف على جندي يخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي لأنه أطلق النار أن أصيب بعيارات نارية من زميله ببضع دقائق واعتبرت المحكمة هذا التصرف عنيف وغير لائق لجندي في جيش الدفاع الإسرائيلي هذا والإرهابي كان قد طعن بالسكين زملاء للجندي وأصابهم بإصابات بالغة , وبموجب القوانين الاجتماعية الشرعية القاتل يعد أو يقتل لو بعد حين والمعتدي يدفع الثمن , لكن هذه القوانين الشرعية لا تقبلها المحاكم في إسرائيل اعتبرت النيابة العامة هذا تصرف الجندي غير أخلاقي وغير ملائم لحالة الإرهابي فقد أبطل الخطر منه بعد إصابته بالنار على يد زملائه الجنود ولم يكن هناك أي داعي لمتابعة إطلاق عيارات نارية في اتجاه المخرب.
أتمنى أن يبتعد الناس أجمعين عن المخاطر والتسبب بالشغب والقتل والذبح والعنف والإساءة للآخرين وخاصة المغاير المختلف , فنظرية لا يمكنك استمرار العيش بجانبي إن لم تكن مثلي تماماً ولت وزالت من عالمنا المعاصر ودين الرسول عليه السلام الذي قام بالسيف : " دين محمد قام بالسيف " , زمن لن يرجع وكسر السيف والرمح أيضاً والدرع ذاب واختفى كلياً ولم يعد لذلك الزمان أي أثر أو تأثير على مجريات الأمور في عالمنا هذا , أنهي مقالي هذا بقول لا ينطبق على الإرهاب الذي أنا ضده وعلى مجرمين قتلة , لأنهم يقدسون الموت بينما في الطرف الآخر يقدسون الحياة فتعالوا نقدس الحياة في الدرجة الأولى ومن ثم باقي الأشياء والأمور.
123.JPG
باحترام.
رافع حلبي
دالية الكرمل – دولة إسرائيل
|