صنعاء نيوز/فوزية باشا -
فوزية باشا"أستاذة القانون فوزية باشا تكشف لـ «الصحافة اليوم» سرّ صمت الحكومات على النفط والملح وغيرها من المعادن
اتفاقيات الاستقلال الذاتي فرطت في ثروات تونس والشركات الأجنبية تتمتع «بالحصانة»..!
حاورتها: جنات بن عبد الله
ما يزال ملف المحروقات وتحديد الثروة النفطية الوطنية الحقيقية من الملفات التي تتجنب حكومة الائتلاف الخوض فيها رغم ضغوط مكونات المجتمع المدني التي استندت في ذلك الى تقارير دائرة المحاسبات وخاصة تقرير سنة 2012 الذي تولى التدقيق في 7 رخص من سنة 2005 الى سنة 2010 والذي أفاد بأن ما يقارب عن 142 مليون دولار غير مستخلصة من الشركات الأجنبية العاملة في القطاع النفطي اضافة الى عديد الخروقات الخطيرة المتعلقة بعملية المراقبة وضبط كميات الانتاج.
ونشير الى ان عديد الأطراف طالبت بمراجعة اتفاقيات وعقود استغلال الموارد الطبيعية في بلادنا من بينها الاستاذة فوزية باشا استاذة القانون المختصة في العقود النفطية التي ردت على تبريرات الحكومات المتعاقبة بعد الثورة برفضها عملية المراجعة خوفا من خروج هذه الشركات من تونس، ردت بانه لا مكان في تونس لشركات تضع نفسها فوق القانون.
ونشير في هذا السياق أيضا الى مشاريع القوانين التي تقدم بها رئيس لجنة الطاقة بالمجلس الوطني التأسيسي انذاك شفيق زرقين وذلك بناء على الفصل 13 من دستور 2014 وهي مشروع قانون لمراجعة مجلة المحروقات ومشروع قانون لمراجعة مجلة المناجم ومشروع قانون لمراجعة الاتفاقيات والعقود السابقة من عهد الاستعمار، الا انه ما تزال هذه المشاريع تبحث لها عن انصار في مجلس نواب الشعب.
وفي المدة الأخيرة وخلال مناقشة مشروع ميزانية وزارة الصناعة أثار رد وزير الصناعة حول تساؤلات النواب بخصوص اتفاقية لزمة الملح جدلا كبيرا وبقي الغموض يسيطر على هذ الملف حيث لم يقدم الوزير التوضيحات الكاملة المتعلقة بهذا الملف.
ولتسليط الاضواء على خفايا وأبعاد اتفاقية لزمة الملح والتعرف على الاطار العام لعقود النفط والثروات الطبيعية بصفة عامة في تونس كان لنا لقاء أول مع الأستاذة فوزية باشا أستاذة القانون المختصة في العقود النفطية على ان نواصل معها في لقاءات لاحقة التعمق أكثر في خفايا الاتفاقيات النفطية وخروقات الشركات النفطية الأجنبية في تونس.
وفيما يلي نص الحوار...
كان مهدي جمعة أول رئيس حكومة بعد الاستقلال الذي طلب الاطلاع على وثيقة الاستقلال الذاتي الممضاة بباريس في 3 جوان 1955 والتي صادق عليها البرلمان الفرنسي في جويلية 1955 ومنشورة بالرائد الرسمي الفرنسي. وقد أصدر محمد الامين باشا باي الامر بنشرها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المؤرخ في 6 سبتمبر 1955، وذلك للاطلاع على التزامات تونس تجاه الشركات الاجنبية عموما. كيف تابعت هذا التصرف ولماذا هذا التعاطي من قبل حكومة تصريف أعمال مؤقتة؟
بموجب البحث في عقود النفط المبرمة بين تونس والشركات الأجنبية ورغم المخالفات والخروقات التي ارتكبتها هذه الشركات في حق الدولة التونسية والشعب التونسي الا أنها تتمتع بحصانة فوق الدولة ووزارة الصناعة تحديدا شريكة في التجاوزات من ناحية، وتغطي على جميع التجاوزات التي اقرتها دائرة المحاسبات من ناحية أخرى. وتساءلنا لماذا لا يتم سحب هذه الرخص والغاء العقود أو تسليط العقوبات على الشركات المخالفة.
وللوقوف على سبب تصرف الدولة وصمتها أمام هذه التجاوزات التي اقرتها دائرة المحاسبات والهيئات الرقابية الثلاث هيئة الرقابة العامة لرئاسة الحكومة، هيئة الرقابة بوزارة أملاك الدولة وهيئة الرقابة بوزارة المالية، بحثنا في تاريخ العقود ذاتها ومتى أبرمت وخاصة ما الذي تغير ما قبل الاستقلال وما بعد الاستقلال. وهنا تم الوقوف على الاتفاقية الاقتصادية وهي الاتفاقية السادسة ضمن مكونات الاتفاقيات الست للاستقلال الذاتي المبرمة بين الدولة الفرنسية والإيالة التونسية في 3 جوان 1955 والتي تنص في المادة 29 منها في الباب الرابع تحت عنوان: التعاون الاقتصادي وتشغيل رؤوس الأموال الخاصة ما يلي :«تضمن الحكومة التونسية للمالكين الفرنسيين بقاء أملاكهم ومشاريعهم الخاصة وبقاء مؤسسات التعاضد والتعاون كما تضمن صيانتها من كل حرمان لسبب غير الانتزاع للمصلحة العامة وذلك مقابل غرامة عادلة تقدم سلفا».
ويعني هذا ان الفرنسيين الذين كانوا بطبيعة الحال مسيطرين بصفة مطلقة على جميع الصناعات والمناجم والتنقيب على النفط سيحافظون على وضعياتهم دون تغيير ولن يتم تأميم هذه الشركات المستغلة للمناجم وحقول النفط وجميع الثروات الطبيعية بما فيها الملح لفائدة الدولة باعتبارها كانت مغتصبة من المستعمر.
ويتأكد هذا الاتجاه في انعدام السيادة الوطنية على المجال الاقتصادي بالمادة 33 والمادة 34 من اتفاقية الاستقلال الذاتي المؤرخة في 3 جوان 1955 حيث تقتضي المادة 33 :«تلتزم الحكومة التونسية بأن تفضل، عند تساوي الشروط، المشاريع الفرنسية أو التونسية، أو المشاريع المؤسسة لهذا الغرض باتفاق الحكومتين، للتحصيل على رخص التفتيش والاستثمار، وعلى اللزم، وتحتفظ الحكومة التونسية بحقها في ا لمساهمة في رأس مال هذه المشاريع».
بمعنى ان التنقيب عن النفط واستغلال المناجم لا يمنح الى أي مستثمر مهما كان الا بموافقة الحكومة الفرنسية وان الدولة التونسية لا تكون شريكا أصليا في هذه المشاريع باعتبارها مالكة الثروة، بل يمكنها فقط المساهمة في رأس مال هذه المشاريع.
وفي هذا السياق يمكن الاستشهاد بمثال منجم جبل الفجاج بالشمال الغربي الذي كان تحت تصرف شركة فرنسية قبل الاستقلال وتواصل استغلالها لهذا المنجم على أنه منتج للزنك الى حدود سنة 1976 عندما أصبحت الدولة التونسية مساهمة بأكثر من ٪50 من رأس المال في عهد حكومة الهادي نويرة، اكتشفت ان الشركة تنتج وتصدر الفضة وليس الزنك. وعندما تم التفطن لحقيقة المنتج غادرت الشركة تونس مخلفة وراءها الخراب حيث دمرت الطاقة الانتاجية.
لو نعود الى المادة 34 من اتفاقية الاستقلال الذاتي
تنص هذه المادة على :«ان آجال اللزم والاتفاقات ورخص التفتيش والاستثمار التي هي الآن مبرمة أو ممنوحة لا يمكن للسلطة العامة ان تغيرها الا بموافقة المستلزم أو المتعاقد أو الممنوحة له». أي انه حتى مجرد الموافقة المبدئية على اللزمة لا يمكن لحكومة الاستقلال التراجع فيها أو تغييرها.
هل نفهم من هذا ان الحكومة التونسية اليوم غير قادرة على إلغاء اتفاقية لزمة الملح المبرمة في أكتوبر 1949؟
فعلا، وموقف وزير الصناعة يؤكد ذلك اذ أنه أقر بالغاء لزمة الملح لكن ليس الآن بل عند انتهاء امد العقد في سنة 2029 بعد التمديد الضمني الحاصل بموجب الاتفاقية ذاتها والتي لم تعترض عليها الحكومة التونسية رغم ثبوت التهرب الضريبي.
لتوضيح أكثر القوة القانونية لوثيقة الاستقلال الذاتي والتي تتضمن الاتفاقيات الست مقارنة ببروتوكول الاستقلال لسنة 1956، نعلم ان بورقيبة الحقوقي أمر بعدم نشر بروتوكول 20 مارس 1956 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية...
ماذا تعني هذه الوضعية؟
فوجئنا كحقوقيين بعدم نشر وثيقة الاستقلال التام بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبتوقف مفاوضات الاستقلال التام التي باشرها الطاهر بن عمار بصفته رئيس الحكومة بعد مارس 1956، وانتهت المرحلة بالزج بالطاهر عمار في السجن في سنة 1958 وعدم ابرام أي اتفاق ثنائي بين الحكومة الفرنسية والحكومة التونسية يجسد الاستقلال التام ويلغي أو يعدل اتفاقية 12 ماي 1881 واتفاقيات الاستقلال الذاتي لـ 3 جوان 1955، هذا الوضع ومن الناحية القانونية الصرفة يجعل اتفاقية 3 جوان 1955 سارية المفعول بين تونس وفرنسا الى الآن.
وثيقة : بروتوكول الاستقلال (1956)
في 3 جوان 1955 على إثر مفاوضات حرة حصلت بين وفديهما، اتفقت الحكومة الفرنسية على الاعتراف لتونس بممارستها الكاملة للسيادة الداخلية فأبديتا على هذا النحو عزمها على تمكين الشعب التونسي من بلوغ ازدهاره الكامل وتولي الإشراف على مصيره على مراحل.
وتعترف الحكومتان بأن التطور المنسجم والسلمي للعلاقات التونسية-الفرنسية يتمشى مع مقتضيات العالم العصري ويلاحظان بابتهاج أن ذلك التطور يتيح البلوغ للسيادة الكاملة بدون آلام بالنسبة للشعب وبدون صدمات بالنسبة للدولة.
وتؤكد اقتناعهما بأنه بإقامة علاقتهما على أساس الاحترام المتبادل والكامل لسيادتيهما في نطاق استقلال الدولتين وتساويهما، تدعم فرنسا وتونس التضامن الذي يربط بينهما لأجل خير البلدين.
وعلى إثر خطاب التولية الذي ألقاه رئيس الحكومة الفرنسية وجواب جلالة الملك المؤكدين لعزمهما المشترك على التقدم بعلاقاتهما في نفس روح السلم والصداقة، افتتحت الحكومتان مفاوضات بباريس يوم 27 فيفري؛ وبناء عليه تعترف فرنسا علانية باستقلال تونس.
وينجم عن ذلك:
أ/ أن المعاهدة المبرمة بين فرنسا وتونس يوم 12 ماي 1881 لا يمكن أن تبقى تتحكم في العلاقات الفرنسية-التونسية؛
ب/ أن أحكام اتفاقيات 3 جوان 1955 التي قد تكون متعارضة مع وضع تونس الجديد وهي دولة مستقلة ذات سيادة سيقع تعديلها أو إلغاؤها.
وينجم عن ذلك أيضا:
ج/ مباشرة تونس لمسؤولياتها في مادة الشؤون الخارجية والأمن والدفاع وكذلك تكوين جيش وطني تونسي في نطاق احترام سيادتيهما تتفق فرنسا وتونس على تحديد أو إكمال صيغ تكافل يكون محققا في حرية بين البلدين بتنظيم تعاونهما في الميادين التي تكون مصالحها فيها مشتركة خاصة في مادة الدفاع والعلاقات الخارجية.
وستضع الاتفاقيات بين فرنسا وتونس صيغ المساعدة التي ستقدمها فرنسا لتونس في إنشاء الجيش الوطني التونسي.
وستستأنف المفاوضات يوم 16 أفريل 1956 قصد الوصول في أقصر الآجال الممكنة وطبقا للمبادئ المقررة في هذا البروتوكول لإبرام الوثائق الضرورية لوضعها موضع التنفيذ.
حرر بباريس في نسختين أصليتين يوم 20 مارس 1956.
عن فرنسا: (أمضى) كريستيان بينو
عن تونس: (أمضى) الطاهر بن عمار |