صنعاء نيوز/مهند النابلسي -
عرض جديد مشوق “وركيك” لحكاية جاسوسية عتيقة مع “بهارات” جنسية – عنفية “زائدة” وتشويه دعائي سافر/ مزيج “مزعج” لافت من عدة أفلام تجسس مماثلة:
كشف النقاب عن مدرسة عملية تعني بتدريب “العصافير” على وسائل الاغواء المختلفة!
*الاستهلال:
“دومينغا ايغوروفا” (جينيفر لورانس)هي راقصة باليه روسية شهيرة (باليرينا)، تعيش مع امها المريضة، وبعد ان تتعرض لاصابة بالغة أثناء العرض الراقص في المسرح، يقترب منه عمها الانتهازي ايفان (ماتياس شو نآرتس)، الذي يعمل بمنصب رفيع في المخابرات الروسية، ويطلب منها بصراحة اغواء “ديمتري اوستينوف”، السياسي الروسي المتنفذ الفاسد، واستبدال هاتفه الخلوي، مقابل الاستمرار بالبقاء في الشقة الحكومية المخصصة، وتقديم الرعاية الطبية الخاصة لوالدتها المريضة (بدلا من خيار الطرد من الشقة الجيدة، والذهاب لدار العجزة البائسة حيث الفئران والصراصير وفضلات المرضى الملقاة بجانبهم، وكأن امريكا ليس فيها اعداد هائلة من المشردين البائسين والمرضى الفقراء المزمنين)…ولكن عندما يحاول “ديمتري” اغتصاب دومينيكا، يقدم القاتل الماجور “سيميونوف” (اوتويكو) على قطع عنقه بسلك شنقا بضراوة، ثم يهربان معا، فيكشف لها “ايفان” انه كان يعتزم قتل “اوستينوف” منذ البداية، ولكنه اخفى ذلك عنها، ويشير بأنها قد تورطت بعملية الاغتيال، ويشترط عليها البدء بالعمل مع المخابرات الروسية، والا سيتم التخلص منها. ونفهم من سياق الأحداث وطريقة انتقامها العنيف من الباليرينا المنافسة وشريكها الراقص، أنها تعرضت ربما لما يشبه المؤامرة بتعريضها هكذا للاصابة الصعبة لاخراجها من الرقص نهائيا، وفيما يبدو ان عمها الخبيث متواطىء ايضا، بغرض ابتزازها لكي تنفذ خطته الاستخبارية المعقدة.
*خفايا الحبكة والعديد من التساؤلات:
*هكذا يتم توظيف شابة جميلة في المخابرات الروسية، بغرض اغواء عميل مخابرات امريكية (جويل اجيرتون)، وهو المسؤول عمليا عن عملية اختراق المخابرات الروسية، حيث يصطدم الموظفان الذكيان اللدودان في بيئة احتقانية، ويعقدان صفقة يتخللها الخديعة والشفقة الممنوعة، التي لا تهدد حياتهما فقط، وانما حيوات الآخرين من الطرفين، لكن العلاقة بينهما افتقدت تماما للكيمياء وربما بقصد، كما أن الألغاز الغامضة تنكشف للمشاهد تدريجيا، وان كانت الحبكة المعقدة مضللة بعض الشيء وتثير العديد من التساؤلات ومنها: لماذا تستبدل هكذا ببساطة الجاسوس الأصلي (الذي اعترف لها طواعية وهو الجنرال كورشنوي “الممثل القدير جيرمي ايرونس”) بعمها الماكر الذي تكرهه، وتشك بميله الجنسي القديم تجاهها، هكذا ببساطة وبدون ان يلفت ذلك انتباه قائد المخابرات الفطن في موسكو (سياران هند بدور “زاكروف”)؟ ثم كيف يقبل الأمريكان هذه الخدعة بدون ان يطلعوا على التفاصيل…ومشهد تبادل الجواسيس (المشتق ربما من مشهد تبادل مماثل متقن ظهر في فيلم “جسر الجواسيس” لسبيلبيرغ) لم يكن مقنعا البتة، لأن الأمريكان على الطرف الاخر وافقوا ضمنيا على عودة “عميل مزيف” لطرفهم، كما لم يحركوا ساكنا ولم يدافعوا عنه عندما قام الروس بقتله في اللحظات الأخيرة، فيما نرى البطلة تنضم برفقة صديقها العميل الأمريكي للطرف الروسي…ربما انجبر المخرج “فرانسيس لورانس” لتصوير هذه اللقطات دون تمحص، استنادا لرواية “جيسون ماتيوز” التي صدرت في العام 2013، والذي أسهب كعميل مخابرات سابق لسنوات طويلة في شرح وكشف اسرار “مدرسة العصافير الجاسوسية”، التي برع السوفيت بانشائها في ستينات وسبعينات القرن الفائت، والتي شاهدنا في الفيلم بعض تفاصيل التدريب التي تنتهك “خصوصية وكرامة” المنتسبين، بغرض دفعهم لاستغلال اجسامهم وذكاؤهم لكشف وصيد وابتزاز العملاء…
تقنيات “الأغواء والتلاعب النفسي” كسلاح لاستخراج المعلومات!
*بالحق تبدع الممثلة “شارلوت رامبلينغ” بدور المديرة والمعلمة “ماترون” التي تكشف تقنيات “الأغواء والتلاعب النفسي” كسلاح لاستخراج المعلومات في مدرسة “التعهير” الغريبة هذه، ويبقى السؤال “البريء” فيما اذا كان “ملائكة المخابرات الأمريكية” اللطفاء هؤلاء يملكون مدرسة مماثلة ام لا؟!…ويقال أن هذا المفهوم القديم الذي يسمى “كومبرومات” ويعني باستخدام الاغواء، بدلا من الانترنت ووسائل القرصنة الرقمية والحرب السيبرانية والتواصل الاجتماعي العصرية، بغرض جذب الدبلوماسيين ورجال الأعمال، ولكن كاتب الرواية العميل المخضرم ما زال (وهو محق تماما) يعتقد بالدور المحوري “للجنس” مع الذكاء البشري في هذا السياق…أخيرا فان الذي لفت انتباهي في هذا السياق هو احتواء هذه المدرسة على كلا الجنسين لاستخداهما “كأواني عسل” لاسقاط الدبلوماسيين ورجال الأعمال الغربيين، وليس حصريا، لأن تشكيل العلاقات الانسانية ما زال يملك سحرا وكاريزما خاصة في مجال الجاسوسية العالمية، ولنتذكر كيف استخدمت دولة العدوان اسرائيل “الجنس” في هذا المجال… وتبقى الروح الدعائية الاستخبارية مهيمنة على معظم مشاهد وحوارات هذا الشريط، مع الحاجة الماسة للكثير من التوضيحات: فلماذا يذهب الجنرال “الروسي” العميل لبودابست لكي يفصح لها عن دوره المشبوه، ولكي يقدم لها هدية مجانية لكي تترقى ويلقى القبض عليه مضحيا بمهنته ومنصبه بل وحياته؟ ثم لماذا تطلب من صديقها الأمريكي 250 الف دولار لكي تنشق وتهرب للعيش في امريكا، ولمن كانت ستترك والدتها المريضة؟ ولماذا لم نرى رجالا يقودون عمليات التجسس من الجانب الأمريكي، سوى “جويل اجيرتون”، فيما تهيمن النساء متوسطات العمر على المشهد الجاسوسي سواء بالسفيرة الأمريكية في بودابست او بالعميلة المثلية المرتشية في لندن؟!
*الفيلم يسترسل بطرح رسائل مضللة مستخفا بذكاء وفطنة المشاهد والناقد على حد سواء، مثل: “نحن نحمي عملائنا”، والمعروف عن المخابرات الأمريكية تخليها اللئيم عن العملاء والجواسيس بعد انتهاء الحاجة لهم، كما لا نفهم سر ترك مصير المخبر “الجنرال كورشنوي” تحت رحمة مزاج “الباليرينا” المتقلب واستبداله بعمها المكروه هكذا ببساطة وبلا تنسيق، كما أن أسباب انشقاق الجنرال وتجسسه لمصلحة الأمريكان تظهر من قوله ضعيفة وواهية “لأن النظام فاسد”…ثم بطرح اسباب سخيفة “غير واقعية” لضعف الغرب، الغارق في “السكر والتسوق ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي”، بعكس روسيا الغارقة في البقاء في المنازل، وكتابة الرسائل والخواطر وروايات “بوشكين”!
*نهاية الحكاية ولغز الرواية:
بعد قضاء الليل مع ناش، تستيقظ دومينيكا على اصوات تعذيب خافتة، لتكتشف ناش مقيدا، وهو يتعرض للتعذيب الشديد من قبل القاتل المحترف “سيميونوف”، الذي يحاول جاهدا استجوابه لمعرفة اسم الجاسوس “ماربل” المندس داخل المخابرات الروسية، وتهرع متصنعة رغبتها بمساعدة “سيميونوف” لاستجواب وتعذيب ناش بتقشير عينات من جلده بآلة خاصة يستخدمها القاتل المحترف وكأنه يقشر البطاطا، الا انها تنجح خلسة بفك وثاق ناش فجاة، ويتضافران معا بقتل “سيميونوف” القاتل المتوحش الجامح، ويتعرضان لجروح عديدة، تذهب على اثرها للمستشفى، حيث يزورها الجنرال “فلاديمير كورشنوي” فجأة، ويكشف لها بصراحة وبرغبة مطلقة بالبوح بأنه هو نفسه الجاسوس السري المدعو “ماربل” الذي يبحث الجميع عنه، ثم يشرح لها اسباب انشقاقه: “لقد كنت وطنيا مخلصا في البداية، ثم تغيرت لما شاهدته من فساد كبير” … ثم يطلب منها أن تكشف هويته لرئيسه ايفان، حيث أن الترقية الكبيرة التي ستحوز عليها، ستؤهلها لمواصلة عملها كعميلة مزدوجة، قادرة على “تمرير” المعلومات الهامة للمخابرات الأمريكية (هكذا ببساطة وسذاجة)…لكن “دومينيكا” تتصل برؤسائها لكشف شخصية الجاسوس المندس، ولكنها تكشف عن ايفان بدلا من كورشنوي، فتعود لروسيا، ويتم استبدالها بايفان “لمسكين” عند التسليم الاستخباري “الطقوسي” (والذي يتم اغتياله قبل وصوله للطرف الأمريكي…هكذا ببساطة)، ويحدث لاحقا في روسيا أن تتوج في احتفال قومي كبطلة وطنية، وتستقر للعناية بوالدتها المريضة ولمواصلة عملها كعميلة مزدوجة، ثم تتلقى اخيرا مكالمة من ناش، الذي بدا وكأنه يعزف لحنا سبق وسمعاه معا…ولكن المحير في الأمر، انه سبق وقد تبخرت العاطفة بينهما في بودابست في غضون ثواني، بالرغم من انه جلب لها كوبا من القهوة في الصباح، وبصراحة فهذه المشاهد الأخيرة تبدو مطولة ولا لزوم لها وكأنها عقاب للمشاهد، وهي مشتقة ربما من مشاهد مماثلة من افلام “سالت والشقراء الذرية والأرملة السوداء” وغيرها، ويتساءل المرء عن مغزى كون معظم افلام الجاسوسية تبدو وكأنها تسعى “لتعذيب المشاهدين وعقابهم”، حيث لا يعرف المخرجون متى يتوقفون؟!
*ظاهرة “جنيفر لورانس” السينمائية:
يختلف نقاد السينما بشأنها ما بين متحمس وداعم ومنبهر، وبأن جمالها وبراعتها هي التي أنجحت هذا الفيلم المتواضع، الحافل بالسرد الغير متكافىء والمشوش (أقل من 6 على عشرة في موقع الطماكم الفاسدة)، وما بين الحيادي الغير متحمس الذي يصر على تكرارية نمط تمثيلها البارد والفارغ والمنحوت، والذي يخلو من الغموض والعمق والشغف، وأنا شخصيا اميل لهذا الرأي الأخير المثير للجدل، فقد الغى ظهورها المتكرر في العديد من الأدوار “الاستهلاكية” حاجتنا لمشاهدتها، وضيع هالة الفضول تجاهها، حيث لم تعد “لغزا كاريزميا” يلفت الانتباه!
/ كاتب وباحث وناقد سينمائي /
[email protected]
راي اليوم