صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
ان مصر قادرة على الدخول في صناعة المواد الخام ، وقادرة على اكتشاف مركبات جديدة والقضية تتعلق فقط بحجم السوق وتكلفة المنتج بالمقارنة بالمنتج المستورد، لان تصنيع المادة الخام يحتاج لسوق كبيرة فلا يمكن انشاء مصنع مواد خام لمصر فقط ، فتصبح التكلفة اكبر من استيرادها،
أن من آليات تطوير المنظومة عمل التحالفات الاستراتيجية بين الدول العربية والأجنبية في إطار مشروعات بحثية وتسويقية على أن يكون هدف التحالفات اكتساب قدرات تطويرية في مجالات التكنولوجيا العالمية الجديدة، مثل تصنيع المواد الخام والتشكيل الصيدلي المتطور، الاهتمام بالتكنولوجيا الحيوية،
ثانيًا إنشاء مركز بحوث قطاع خاص من التحالف بين شركات الدواء والبنوك العربية وبتسهيلات من الحكومات القائمة على أن يدير هذا المركز بحوث تطويرية وأساسية موجهة طويلة المدى يكون هدفها عمل اختراق بحثى يعين الصناعات الدوائية العربية على التعامل مع التطورات الجذرية في التكنولوجيات الدوائية ومن الضروري أن تجرى أعمال المركز من خلال المشروعات والتعاقدات بحيث يكون له عائد مادى يتم توزيعه على المسهمين فيه، وبحيث يُجرى تطبيق إنجازاته البحثية بواسطة الشركات المساهمة في إنشائه،
ثالثًا تنسيق التنافسية العربية وتحقيق ما يمكن أن يطلق عليه «عروبة» صناعة الدواء في المنطقة بحيث يأخذ في الاعتبار تكامل الاتجاهات التكنولوجية مثل التشكيل الصيدلي التكنولوجيا الحيوية التشييد الكيميائي على المستوى العربي مع إتاحة التنافس داخل كل اتجاه ذلك، الاستفادة القصوى من الفترة الانتقالية قبل تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية، ويكون ذلك بتنمية القدرة التطويرية الوطنية خاصة في مجال التكنولوجيا الحيوية والذى يشكل حاليًا هدفًا رئيسيًا للاستثمارات الدوائية ويعتبر ولا يزال نسبيًا في بداياته،
أن أزمات الأدوية ليست وليدة الساعة، وإنشاء «مجلس أعلى للدواء» أصبح ضرورة للنهوض بالقطاع. حيث إن صناعة الأدوية في مصر مشروع قومي كبير منتج وليس عبئًا على المواطن، الحكومة أصبحت لا تجد حلًا سوى وضع يدها في جيب المواطن لابد أن تضع حلولًا للابتكار وتطوير منظومة الأدوية في مصر والاستفادة من هذه الصناعة، ولابد أن تكون عند الحكومة إرادة فعملية تصنيع الدواء من بداية استيراد المادة الخام وتحليلها وتصنيعها وتوجهها لشركات التوزيع الى وصولها للمستهلك عملية تستغرق نحو أربعة أشهر إذن يمكن التنبؤ بالأزمة متى ستحدث، وإدارتها بشكل جيد،
سمعة الدواء المصري في الأسواق الخارجية طيبة، 20 مليارا حجم استثمارات الأدوية في مصر، فللأسف مصر ليس بها «رقم وطني» للأدوية وهو أبسط الحقوق التي يجب أن تتمتع بها الصناعة المصرية بالخارج، تلك الصناعة الأقدم في الوطن العربي، وهو رقم ينظم حركة بيع وتجارة الأدوية في العالم وهو متوافر في كل دول العالم، وكان من الواجب أن تقوم مصر بتشكيل لجنة من الخبراء في شئون الدواء لبحث وضع رقم وطني للأدوية وذلك للحفاظ على الملكية الدوائية، الأزمة في وجود استراتيجية كاملة للدواء في مصر لمنع ظاهرة الغش، ظاهرة غش الأدوية تعتبر من الظواهر الخطيرة التي تهدد صحة الملايين في العالم، حيث إن خبراء منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والأدوية الأمريكية يقدرون حجم الخسارة التي يتعرض لها الاقتصاد الدولي فالصناعة الدوائية هي صناعة كبيرة تدخل في دعم وتنمية الدخل القومي للبلاد، وتهتم بها الكثير من الدول العظمي، فهناك 40 مليار جنيه حجم استثمارات الأدوية في مصر منها 15 % أدوية مزورة ومغشوشة في مصر، وقد تم وضع الحلول الاستراتيجية للتعامل مع هذه الأزمات من قبل الاتحاد العام للصيادلة العرب، ولكن لم يفعلها أحد وقد قدمنا مقترحات لوزارة الصحة حول مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الأدوية واختفاء بعض الأنواع من السوق المصرية، والحقيقة التي لا يعلمها الكثير أنه ليس من العقل أن نعلق كل أخطائنا على الدولار، فالحلول كثيرة وهناك مستفيدون من وجود أزمات في صناعة الأدوية.
وجود مجلس أعلى للدواء أصبح أمرًا مهمًا وأصبح الهدف الرئيسي الذى تسعى إليه نقابة الصيادلة الآن، لأنه سيعمل على تصحيح مسار صناعة الأدوية في مصر، والجميع من الحضور متفقون على أن هناك تعمّدا في هدم قطاع الأعمال الخاصة بالأدوية، وجعله ساحات للصراعات، بالإضافة إلى غياب البحث العلمي فقطاع الأعمال كان في الفترات السابقة يتميز بالجودة والعالمية في الصناعة بسبب تضافر الدولة لدعمها، وربطها بالبحث العلمي والذى ساعد على حماية الملكية الإنتاجية،
حيث إن هناك غياب السياسة في التعامل مع الأزمات فعندما حدثت أزمة نقص ألبان الأطفال غابت رؤية الحكومة في التعامل مع الأزمة، وتركت الجيش يقوم كالمعتاد بالتعامل مع الأزمة والعمل على حلها، رغم أن ما قام به الجيش ليس أمرًا صعبًا، وكان متاحًا أمام معظم الشركات المتخصصة، فلا بديل عن تطبيق منظومة التأمين الصحي وتطبيق التسعيرة الجبرية على المستلزمات الدوائية وألبان الأطفال لمنع التلاعب في أسعارها.
لذلك من الضروري وضع تشريعات خاصة بالدواء العربي يوحد آلياته ويحميه من الغزو الخارجي الذي يتمتع بكل المقومات التي تمكنه من السيطرة على مجريات السوق كما أنه لا بد من وضع قوانين محددة لتداول الدواء الأجنبي داخل البلاد العربية فلا معنى لإغراق الأسواق العربية المحلية بالدواء الأجنبي ما يهدد صناعة الدواء الوطنية .
ومن الضروري إقامة مراكز أبحاث الدواء لمجاراة التقدم العلمي في العالم وربطها بالجامعات ومصانع الأدوية ودعمها برأس المال الكافي الذي يؤهلها للقيام بدورها فهذا سيمكن مصانع الأدوية الوطنية من الاعتماد على نفسها وإنتاج دواء محلي. والجدير بالذكر أن نسبة إنفاق العالم العربي على البحوث لا تتجاوز 2% وهو ما أدى إلى تدهور أنشطة البحوث على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها خاصة بالنسبة لصناعات الدواء والأمصال واللقاحات.
صناعة الدواء العربية تعيش الآن مرحلة ما بعد تطبيق اتفاقية التجارة العالمية الجات التي بدأت مع يناير 2005 ورغم التحذيرات والدراسات التي رصدت الآثار السلبية التي ستنعكس على الصناعة مع بداية التطبيق الا ان الصناعة قد عاشت وتحدت وبدأت مرحلة ما بعد الاتفاقية. وان التحدي امام صناعة الدواء هو الصمود وتقديم الدواء ذي السعر الاجتماعي الذي يجعل المريض يسعى الى المنتج المحلي ذي الكفاءة العلاجية وايضاً الذي يلائم المواطن اقتصادياً ومن هنا تستمر الشركات الوطنية في الفوز بثقة المستهلك العربي وتصمد امام غزو الدواء الاجنبي المستورد هذه المعادلة تحتاج الى جهد من الشركات ومن الحكومات كي تخرج الصناعة من الامتحان وتفوز برضا المواطن العربي ويصبح الدواء احد اهم معوقات التعاون بين الصناعات العربية في السنوات القادمة.
ان الصناعة تعد من اهم الصناعات في عدد من الدول العربية وما زال الدواء المنتج محلياً يحظى برضا المستهلك بنسبة عالية ويلائم احتياجاته الاقتصادية وان المخاوف التي دارت خلال السنوات الماضية عن تطبيق اتفاقية الجات قد تلاشت لكن ما زال التحدي قائماً للصمود امام الشركات العالمية المحتكرة للصناعة وان الاتحاد العربي لمنتجي الدواء الذي أنشئ عام 1989 قد دعا منذ سنوات الى انشاء آليات للتعاون بين شركات الانتاج العربية والى انشاء شركات مشتركة عربية تخصص كل منها في تحقيق الريادة في اصناف معينة وذلك من خلال مشروعات مشتركة لإنتاج الدواء والمستلزمات الطبية.
ان الدراسات تؤكد ان خمس دول عربية فقط تقوم بتصدير الدواء هي الاردن ومصر والامارات وسوريا ولبنان من بين 14 دولة عربية منتجة بالفعل للدواء وان صناعة الدواء لدى هذه الدول يغلب عليها شكل الشركات الصغيرة حيث حققت جميع الدول العربية عجزاً في ميزانها التجاري الدوائي فيما عدا الاردن التي تحتل المركز الاول في تصدير الدواء العربي وتجيئ مصر في المركز الثاني عربياً.
ان تطبيق الاتفاقية ربما لن يؤثر على إنتاجية الشركات لكنه سيدفع بالأسعار الى الارتفاع وخاصة مع انتاج دواء جديد وان حجم الخسائر التي ستقع على الدول النامية قد تصل الى 250 مليار دولار تمثل عائدات تحقيقها الشركات الفنية في الدول المحتكرة للصناعة. حيث واجهت صناعة الدواء مصاعب كبيرة منذ التسعينات من جانب الشركات العالمية الكبرى حتى لا تدل فرصة كي تنافسها في الحصول على جزء من السوق العالمي وتقوم بإنتاج الادوية التي انتهت براءات اختراعها وهو المجال المتاح حالياً دون مشاكل مع اتفاقية الجات. رغم التحديات التي تواجه صناعة الدواء مع بدء تطبيق اتفاقية الجات فان خبراء الصناعة يؤكدون على ان المستقبل سيكون للصناعة ولكن في اطار التعاون سواء على المستوى العربي او الاقليمي وخاصة مع بدء اتفاقية التجارة العربية والغاء الجمارك بين 17 دولة عربية وهنا يكون الحديث عن الاندماج للشركات وانشاء الكيانات الكبرى وتقديم الدواء ذي السعر الاجتماعي.
الخطورة التي يجب ان تدركها الشركات هو التطور في امتداد الحماية وفق اتفاقية الجات الى جوانب اخرى فتوجد تعديلات بأن تمتد الحماية للاختراع الجديد نحو 20 سنة والاخطر هو امتداد الحماية الفكرية الى طريقة الانتاج للدواء أي الخطوات والعمليات الصناعية تصبح براءة اختراع ايضاً تمتد الحماية الى نوع المواد الخام المستخدمة بحيث تصبح كافة مراحل انتاج الدواء ذات حماية ولا مجال للشركات الاخرى في كسر هذه الحلقة والمنافسة في أي جزء منها. ان التطور العلمي قدم لنا الخريطة الجينية للإنسان والتي تحدد نحو 3 آلاف عنصر يتكون منها لخلية في الانسان وما زال البحث العلمي مستمرا في هذا المجال معنى ذلك ان هذا الاكتشاف لا بد ان ينعكس على صناعة الدواء في السنوات القادمة بحيث تطور الشركات العالمية اصنافا من الدواء وفق معلومات الخريطة الجينية المكتشفة للإنسان أي ربما يتم الاستغناء عن مساحة كبيرة من الادوية المستخدمة حالياً وتبدأ مرحلة جديدة من الدواء الجديد يخضع للملكية الفكرية ولأسعار صاحب هذه الملكية وسيكون عندها انتاج دواء جديد يصل الى تكلفة نحو 5 مليارات دولار وربما اضعاف.
وهنا فان السوق المصري للدواء والسوق العربي يتابع ويشاهد هذا ولن يكون امامه الا ايجاد كثرة صناعية دوائية كبرى ذات استثمارات ضخمة في شكل شركات دواء تعبر الدول العربية يمكنها في هذه المرحلة الفوز بالسياسات الاقتصادية العربية الميسرة بين الدول العربية وايضاً يمكنها المنافسة او حتى الفوز باتفاقيات انتاجية مع الشركات الكبرى تقدم من خلالها الدواء للمواطن العربي بكفاءة علمية مقبولة والاهم بسعر يلقى الرضا من المستويات الشعبية ولكن المجهود ضخم حتى نصل الى تلك الصورة.