صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يؤثر بشكل سلبى على شخصيات الأطفال وعلى محطات حياتهم، إذ يفقدون بفسخ الروابط الأسرية القائمة شعورهم بالأمان والاستقرار، ليصبحوا فريسة صراعات والديهم، ما يهدد الترابط المجتمعي.
أن إطلاق مصطلح الأحوال الشخصية على "أحكام الأسرة" محاولة لعزل مفهوم الأسرة وبلبلة المعاني والمفاهيم الشرعية، فالإسلام لا يعرف التجزئة كما عرفتها العقلية والثقافة الغربية فالأسرة ليست شأنًا شخصيًا أو أحوالاً شخصية ولكنها شأنٌ مجتمعي بل هي أساس المجتمع بها يبدأ وعبرها يتمدد وبها يحفظ عقيدته وهويته.
أن "الشريعة الإسلامية، واستقرار قواعدها، تفي بحاجات المجتمع، وتسد حاجات الناس ورغباتهم، ومما يدل على ذلك: أنها أصبحت راسخة بمرور الزمن. فقد مضى عليها أكثر من 14 قرنا من عمر الدعوة الإسلامية، والشريعة الإسلامية كشريعة خاتمة، إنما جاءت لتيسر على الناس أمر الحياة، لا لتعسرها عليهم ،
وبالتالي، فإذا كان أمر الزواج من الأمور الاجتماعية التي اقتضتها طبيعة البشر وفرضتها ظروف العمران الاجتماعي، فقد طرأ عليها بعض الخلل فيما قبل الإسلام، حيث كان التعدد في الجاهلية غير محدود بضوابط، وغير مقيد بقيود، فأَلِفَ الناس ذلك، وأصبح عادة لهم،
فلما جاءت الشريعة الإسلامية رشَّدت هذا التعدد، وجعلته أمرا مباحا، مع أنها أشارت إلى أفضلية التوحد، بدليل قول الله تعالى في إباحة التعدد "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ولكنها جعلت ذلك الأمر مشروطا بشروط العدل في المبيت، وفى القسمة ما بين الزوجات، وذلك في قول الله تعالى: "فإنْ خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، أي إنْ خاف الجور؛ فعليه الاكتفاء بواحدة".
إن حالة العشوائية التي تعانى منها مجتمعاتنا ترجع في الأساس إلى أن الزواج لم يعد بهدف تكوين أسرة مسلمة تساهم في بناء ونهضة الأمة وإنما أصبح فكرة استثمارية، وكثير من الأسر تبدأ مرحلة تكوينها كمشروع استثماري مادي هدفه تحقيق أقصى قدر من الربحية بعيدا عن الالتزام بمنهج الله ن ومن ثم تفاقمت الأزمات.
إن على النخب العلمانية ودعاة التغريب أن يتقوا الله ويتفكروا ما الذي جنته مجتمعاتنا منذ ما يقرب من قرن من الزمن في لهثها وراء الغرب سوى مزيد من المهانة والذل والانحدار ، على هؤلاء الذين يعملون في غير صالح أمتهم أن لا يتدخلوا في القوانين الإلهية التي شرعها الله تعالى لضمان سلامة وأمن المجتمع من الرذائل ولضمان الاستقرار.
فأي حضارة هذه التي تبيح الخليلة وتحظر الحليلة ، وأي تقدم هذا الذي يوجد في ظله أجيال كاملة لا تعرف معنى الأبوة ولا تنعم بدفء الأسرة ، وأي مدنية هذه التي تجعل من الزنا أمراً مباحاً وغير مستغرب تحت ذريعة الحرية الشخصية ، وأنه لا يجوز لأحد أن يتدخل في وضع قانون يحرم هذا العمل المنحرف الذي يخالف طبيعة الإنسان السوي والفطرة السليمة.
ولئن تتزوج الفتاة والشاب في سن مبكرة وينجبوا الأطفال في إطار الحياة الزوجية وفي مؤسسة الأسرة الشريفة الطاهرة وينعموا بالعطف والحنان الأسري ، خير من عقد مئات المؤتمرات والندوات لمناقشة مشاكل الأطفال غير الشرعيين .
تَشعبت وجهات النظر في الآوِنَة الأخيرة حول مدى تلبيّة قوانين الأحوال الشخصيّة في مصر لاحتياجات الأسرة باعتبارها النَّواة الأولى للمجتمع، وثار جدل واسع حول جدوى وأهميّة ضم نصوص تلك القوانين في مُدوّنة واحدة تُعدّ مرجعيّة قانونيّة متماسكة لا يعتريها تنابذ أو تضارب تشريعي على نحو يحقق العدالة الناجزة للمرأة والطفل والرجل على حد سواء، وعلى أساس أن القاعدة القانونيّة لابد وأن تخرج من دائرة الجمود وتواجه التطور والمتغيرات في الشَّخصيّة المصريّة وبمرجعيّة الاتفاقيات والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة.
وفي الواقع العملي كانت ثمة تعقيدات تشريعيّة تسببت في شعور المرأة بما يُسمى بالمواطنة المنقوصة التي أدّت إلى سلب المرأة بعض حقوقها السياسيّة والاجتماعيّة والصحيّة وعدم مساواتها مع الرجل في اتخاذ القرار وبلوغ مواقع السلطة.
في تَنامي وارتفاع نسب العجز التنموي الفادح الذي ساهم لحقب طويلة، في تأخر قطار التنميّة بمختلف أرجاء المنطقة العربيّة رغم وفرة الموارد الطبيعيّة والإمكانيّات الكافيّة إحداث النهضة المجتمعيّة الاقتصادية.
فأول قانون للأحوال الشخصيّة في مصر، كان القانون رقم 25 لسنة 1920، والذي نظّم في أربعة أبواب و13 مادة أحكام النفقة، وحالات العجز عن أدائها والتفريق بين الزوجين بالعيب والطلاق لعدم الإنفاق وغيبة وفقد الزوج. ثم صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 الذي تناول في 25 مادة أحكام القانون السابق نشأ من التفصيل، كما تناول تنظيم تحريك قضايا الطلاق والنسب والنفقة والمهر والحضانة التي كانت تستمر للحاضنة في ظل هذا القانون حتى بلوغ الصغير خمسة عشر عامًا.
واستمر العمل بهذا القانون حتى صدور القانون رقم 44 لسنة 1979 استجابة سياسيّة لتفجير أهم قضايا المرأة عبر سلسلة من الأعمال الدراميّة السينمائيّة والتلفزيونيّة. حيث جاء القانون بتعديلات جوهريّة على القانونين السابقين في سبعة مواد تناولت أحكام التطليق والنفقات والأجور وتوثيق إشهار الطلاق وإعلان الزوجة بالطلاق رسميًا.
وقد قُضِىَ بعدم دستوريّة هذا النص لاحقًا حتى صدر القانون رقم 100 لسنة 1985 الذي نظَّم أمور الطلاق على نحو أكثر تفصيلًا، وتحديد القاضي لطبيعة وملامح الضرر الواقع على الزوجة من ارتباط زوجها بأخرى.
وفصّل القانون حالات نفقات الأولاد وتحديد تاريخ الامتناع عن الإنفاق وظروف وشرائط استحقاق الزوجة لمسكن الحضانة. هذا مع ثبات منظومة القوانين والقواعد الدينيّة التي تَحكم أحوال المواطنين المصريين المسيحيين والمتمثلة في لائحة عام1938. ثم تكلّلت تلك المنظومة التشريعيّة بصدور القانون رقم 1 لسنة 2000 الذي نظَّم في 79 مادة طرق تيسير إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصيّة بُغيّة تحقيق فلسفة هذا التشريع بتخفيف أعباء التقاضي على السيدات غير القادرات، مُستحدثًا لأول مرة بنص المادة (20) إجراءات التطليق بطلب الخلع بافتداء الزوجة نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها الماليّة الشرعيّة ورد مقدم الصداق للزوج. كما راعت نصوص هذا القانون تفعيل التحكيم بين المتقاضين، وعدم مراجعة الزوج لمطلقته في الطلاق الرجعي عند الإنكار إلا بإعلان المراجعة للمطلقة رسميًا. ثم صدرت في أعقاب هذا القانون 1 لسنة 2000ـ لائحة «المأذونين» رقم 1727 لسنة 2000 التي سَمحت للزوجين بإبرام شروط خاصة بوثيقة الزواج مثل: النص على تحديد ملكيّة منقولات الزوجيّة، وحق الانتفاع بمسكن الحضانة في حال الطلاق أو الزواج بأخرى. وعدم زواج الرجل إلا بموافقة الزوجة الأولى كتابة على ذلك، وتفويض الزوجة بتطليق نفسها وخروجها للعمل أو الدراسة. فيما ليزيد أو يمس الحقوق الشرعيّة أو حقوق الغير. ثم جاء تباعًا صدور القانون الأشهر رقم ( 10 لسنة 2004 ) الخاص بإنشاء وتشكيل محاكم الأسرة والذي استهلت مذكرته الإيضاحيّة بنص المادة التاسعة من الدستور التي أكّدت على أن الأسرة هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية. في إشارة إلى أن مجلس الشورى قد طالب عام 1998 بإنشاء محكمة خاصة للأسرة تُحقق عدالة أوفى وأقرب مَنالًا يقوم عليها قضاة مُؤهلون وأخصائيون اجتماعيون ونفسيون مدربون، وكذا نيابة مُتخصصة لشئون الأسرة تتولى تهيئة الدعوى.
ورغبة من المُشرع في تفعيل قانون محاكم الأسرة لتحقيق عدالة واقعيّة ناجزة صدر القانون رقم 11 لسنة 2004 في ستة مواد ليناقش ويحدد سبل إنشاء نظامًا لتأمين الأسرة، طبقًا لنص المادتين (71 و72 ) من القانون 1 لسنة 2000، وكيفيّة إثراء وتجديد موارد صندوق نظام تأمين الأسرة الذي يتمتع قانونًا بشخصيّة اعتباريّة عامة وموازنة خاصة تابعًا لبنك ناصر الاجتماعي، محددًا هذا القانون للمبالغ المستحقة لصالح الصندوق بالفئات على كل واقعة زواج أو طلاق أو مراجعة أو ميلاد. ثم صدر القانون رقم 4 لسنة 2005 الذي رفع سن حضانة النساء للصغار إلى خمسة عشر عامًا يخُير القاضي الصغير/ة بعد بلوغ هذا السّن في البقاء في يد الحاضنة دون أن يُؤدِي الأب أو الوصي أجر الحضانة للحاضنة. مع استمرار حق الأبوين والأجداد في الرؤيّة التي ينظمها القاضي اتفاقًا.
وعن القانونين( 10 و 11 لسنة 2004 ) وتداعيات تطبيقهما ومدى فاعليتهما، ثارت العديد من التحفظات والانتقادات وتشعبت وجهات النّظر على ضوء إخفاقهماـ إلى حد كبير في تيسير وإنجاز إجراءات التقاضِي على نحو أضر فعليًا بالمرأة والطفل وحقوقهما الشرعية:
لذلك نري :-
• القضاء بنفقة مؤقتة للزوجة وللصغار قبل الفصل في دعاوى النفقة وتفعيل النص القانوني الخاص بذلك، حرصًا على أمن وكرامة الأسرة المصرية.
• ضرورة إنشاء إدارة خاصة لتنفيذ أحكام محكمة الأسرة بكل محكمة جزئيّة وكلية وتفعيل نص الفقرة الثانيّة من المادة ( 69 ) من القانون 1 لسنة 2000 بإصدار وزير العدل لقرار بتشكيل إدارة خاصة لتنفيذ تلك الأحكام.
• تعديل النص الخاص بأماكن ومواعيد الرؤيّة لعدم ملائمتها نفسيًا للصغار وطالبي الرؤيّة. بحيث توجد إمكانيّة لاصطحاب الطفل خارج أماكن ومقار الرؤيّة لمدة معينة .
• تعديل النص القانوني الخاص بمسكن الحضانة وتمكين الزوجة منه بعد انقضاء وانتهاء فترة الحضانة القانونيّة في حالة عدم زواجها من آخر أو إلزام الأب بتوفير مسكن بديل لها. • وضع حد أقصى عشرة أيام لنيابة الأسرة لإصدار قرار بتمكين الحاضنة من مسكن الحضانة درءًا لتشرد الأطفال خارج المسكن، ووضع حدٍ للتدخل الشرطي في تلك القرارات بتسهيل وضع الدراسات الأمنيّة لتنفيذ القرار خلال مدة محددة .
• إلزام قضاة محاكم الأسرة بقبول طعن الزوجة في تحريات رجل الإدارة حول تقديره لدخل الزوج الإضافي أو الأصلي وتحقيق مدى يسار أو عسر الزوج عن طريق تحقيقات نيابة الأسرة.
• ضرورة فرض نفقة مؤقتة للزوجة أثناء مباشرة دعاوى النفقات لحين الفصل فيها انتهائيًا، وذلك لتجنيب المرأة ذُل السُّؤال والاحتياج حال امتداد إجراءات التقاضي وإلزام بنك ناصر بصرف تلك النفقة المؤقتة على الفور.
• ضرورة اعتبار لجوء الزوجة لمكتب التسويّة للاعتراض على إنذار الطاعة خلال الثلاثين يومًا قاطعًا للمدة القانونيّة دون الاشتراط بتحريكها دعوى الاعتراض في تلك المدة.
• ضرورة وجود رقابة فعليّة على تقارير الإحصائيين النفسيين والاجتماعيين لما لها من خطورة في تنوير أو تضليل الهيئة القضائية.
• ضرورة إلغاء القرار رقم 148 لسنة 2006 الصادر من بنك ناصر بالامتناع عن تنفيذ التسويات بنفقة الزوجيّة والصغار من مكتب التسويّة، وكذلك النفقات المؤقتة لغير العاملين بالحكومة أو القطاع العام. وإلزام البنك بتنفيذ الاتفاقات الوديّة الصادرة من مكاتب التسويّة.
• عدم ترك الأمر بنك ناصر في صرف النفقات دون رقابة شعبية. ووضع آليات للمحاسبة والشفافية، فيما يَتعلق بأموال صندوق تأمين الأسرة وكيفيّة استثمارها على نحو قويم وشفاف.
• باتت ثمة ضرورة ملحة في أن تكون أسباب التطليق وشروطها واحدة للمرأة المصريّة سواء كانت مسلمة أو مسيحيّة لكونهن يعيشن ذات الظروف والمشاعر الهموم دون تمييز طائفي.
• ضرورة تعديل نص المادة 18 مكرر / 2 من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 والخاص بنفقة الصغير وإلغاء شرط ألا يكون للصغير مال حتى تصير نفقته واجبة على أبيه؛ لأن الأصل أن نفقة الصغير واجبة على أبيه حتى ولو كان لديه مال ضرورة تعديل نص القانون الذي يشترط أن ترفع الزوجة دعوى التطليق للضرر من الزواج بأخرى خلال سنة من تاريخ هذا الزواج. وجعله سنة من تاريخ علمها به وسواء أكان هذا الزواج رسميًا أو عرفيًا مادامت قادرة على إثباته بكافة طرق الإثبات حتى تتحقق حكمة النص.
• النص الخاص بمواصفات مسكن الطاعة الذي يشترط أن يكون واقعًا بين جيران مسلمين صالحين… الخ . وحذف كلمة مسلمين من النص والاكتفاء بصلاح الجيران سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين.