صنعاء نيوز/عاطف أبو الرب -
اليوم الأحد الموافق التاسع عشر من كانون أول من عام2010، المكان خربة طويل للشرق من بلدة عقربا، المناسبة جولة للاطلاع على جريمة حرق المواشي لأحد مواطني خربة طويل، ومن عقربا أصلاً. في الطريق لموقع الجريمة دار حديث بين أربعة مواطنين من عقربا وطويل، وتمحور الحديث حول مشروع ربط الخربة بشبكة الكهرباء. فجأة تمر سيارتان تابعتين للاحتلال، واحدة جيب عسكري، والثانية بيضاء تابعة لا يسمى إدارة مدنية. تكهن الرجال عن سر الزيارة، خاصة وأن لدى السكان عدد من الإخطارات لهدم منازل ومنشآت في الخربة، ولكن حجم القوة التي دخلت الخربة لا توحي بنية الهدم اليوم، والسؤال ما سر الزيارة؟
واصل الرجال يوسف، وباسم، وشخصان آخران الحديث والنقاش في موضوع ربط القرية بالكهرباء. للتعرف على زيارة الاحتلال للخربة اتصل باسم دلة بشخص وطلب منه مراقبة ما يجري، ليعرف ما يجري فري قريته. اتفق الرجال على ضرورة ربط الخربة بالكهرباء، واختلفوا حول طلب البلدية من الأهالي في الخربة رسوم اشتراكات، وتأمين مالي من كل ساكني الخربة، وذلك قبل ربطهم بالشبكة، هذا في وقت يجري العمل في نصب الأعمدة الضرورية لإنجاز المشروع، وانتشرت عدة أعمدة خشبية على طول الطرق، ولكن لم تبدأ طواقم البلدية عملية تمديد الأسلاك حتى الآن.
يوسف أحد ناشطي عقربا، يعتقد أن البلدية ملزمة بربط خربة طويل بالكهرباء، وأن عليها تدبر أمر التكاليف، وكثر من ذلك يرى أن من الواجب الوطني أن يتم إعفاء أهالي خربة كويل من أي أثمان للكهرباء. باسم لا يرى مشكلة في دفع رسوم الاشتراك والتأمين، ويقول المهم أن تنار الخربة بالكهرباء، الشخصان الآخران لم يشاركا كثيراً في النقاش، وينتظرون ما ستؤول إليه الأمور في الأيام القليلة القادمة.
دقائق مرت قبل أن يرن جرس هاتف باسم، حيث جاءه الخبر حول هدف زيارة الاحتلال، وكانت إن الإدارة المدنية قامت بوضع إخطار خطي مكتب على أحد أعمدة الكهرباء، تطالب فيه بوقف العمل في المشروع، وذلك باعتبار أن هذا العمل مخالف للقوانين، ولم يحصل على التراخيص والأذونات المطلوبة من سلطات الاحتلال. إذاً المشروع كله مهدد من قبل الاحتلال، وبذلك انتقلت المسؤولية من ساحة المواطنين، ولم تعد تتعلق بدفع التكاليف أم الإعفاء من دفعها، بل صار أمر الشبكة مرهون بقرار الاحتلال.
بهذا أضافت سلطات الاحتلال حلقة جديدة وفجرت أزمة إضافية لخربة طويل، التي تنتظر عشرات المنشآت فيها، على بساطتها، الهدم بعد نفاذ المدة المحددة من قبل هذه السلطات. والسؤال هنا، كيف يمكن للمواطنين تدبر أمرهم؟ وهل مواجهة الاحتلال مسؤولية رعاة المواشي فقط؟ هذا في وقت يواصل فيه عدد من أهالي خربة طويل الصمود بوجه الاحتلال، ويصرون على البقاء في بيوتهم ومضاربهم، محتسبين ما يواجهون من مشاكل في سبيل الله.
وبعد أن شاهدنا فظاعة الجريمة التي ارتكبتها مجموعة من المستوطنين بحق قطيع الماشية، حيث تفحمت الأغنام في المرعى، وأحرقت النيران عدد منها فأصابها العمى، عدنا لنرى حقيقة الإخطار الذي ألصقه جنود الاحتلال على أحد أعمدة الكهرباء، وتأكد لنا أن الأمر مختص بشبكة الكهرباء.
في العادة عندما تسلم سلطات الاحتلال مواطنين إخطارات تنذرهم فيها بضرورة ترخيص المباني، لمنع هدمها، يطلب من المواطنين إحضار مخططات، وسندات ملكية، وموافقات، غالباً غير ممكنة، وبالتالي تقوم سلطات الاحتلال بالهدم. ولكن في حال شبكة الكهرباء، فإن الأمر مختلف، فلا سندات ملكية للشوارع التي نصبت فيها هذه الأعمدة، وليس بإمكان مواطن بشخصه تحضير متطلبات الاحتلال من مخططات وغيرها، وعليه فلا بد من جهة أخرى تتحمل مسؤولية حماية هذه الشبكة، باعتبارها ملك عام لكل أبناء الشعب الفلسطيني.
الأمر الآخر بخصوص رسوم الاشتراك وتأمينات من قبل المواطنين لصندوق البلدية في حال تم دفع هذه المبالغ وقامت البلدية وربطت البيوت بالشبكة، وعادت سلطات الاحتلال ودمرتها، هل سيتم إرجاع ما دفعه المواطن؟ أمر غير منطقي فما يدخل صندوق البلدية يصبح ملكاً لها، وعليه فإن المواطن يكون قد دفع مقابل لا شيء، وهذا أمر لا يتحمله رعاة أغنام بالكاد يتدبرون أمرهم، ولا بد من جهة أخرى تتحمل مواجهة سلطات الاحتلال، وهنا أقصد السلطة الفلسطينية، وزاراتها بشكل عام، وسلطة الطاقة ووزارة مواجهة الاستيطان، فهل يمكن للوزير المكلف بهذا الملف، وأقصد الوزير ماهر غنيم، أن يقدم مساعدة طارئة لبلدية عقربا تمكنها من إقامة هذا المشروع الهام، والذي لا يحتاج الكثير؟ وهل يمكن لأصحاب الاختصاص أن يبادروا ويبحثوا سبل ردع سلطات الاحتلال، التي تمادت في الفترة الأخيرة؟ فمن يتابع اعتداءات الاحتلال خلال العامين الماضيين يرى أنها تسعى لإفراغ المناطق المصنفة "ج" من سكانها، وذلك بمنع أي نشاط للفلسطيني في هذه المناطق، بحجة أنها مسؤولية إسرائيلية، السؤال هنا، ما هي صلاحيات إسرائيل بموجب هذه الاتفاقيات المشؤومة؟ وهل حقيقة لا يحق لنا زراعة أرضنا في هذه المناطق؟ إذا الأمر كذلك فمن المسؤول عن توقيع هكذا اتفاق؟ وإن كان الأمر مختلف، وإسرائيل غير ملتزمة بنصوص وروح الاتفاقيات، فمن المسؤول عن وقف جرائمها بحق السكان؟ وهل يجوز أن تبقى مسؤولية ردع الاحتلال ووقف جرائمه مسؤولية فردية؟ إن كان الأمر كذلك فعلى الفلسطيني أن يعيد النظر في ولائه لسلطته الفلسطينية باعتبارها صاحبة السيادة والولاية، وإن كان لدى السلطة الفلسطينية غير ذلك، فعلى المسؤولين فيها تحمل مسؤوليتهم تجاه الشعب والأرض، وإلا ليرحل كل من هو غير قادر على تحمل هذه المسؤولية.
عودة لعامود الكهرباء، فلا بد من التذكير انه عاجز عن مواجهة الاحتلال، وأنه يحتاج لمن يحافظ عليه مزروعاً في الأرض، فمسؤولية العامود حمل الأسلاك، ومسؤولية الأسلاك نقل تيار الكهرباء، ومسؤولية البلدية ربط الأسلاك بشبكة الكهرباء، ومسؤولية السلطة أن تذود وتحمي هذه المنجزات من الضياع في لحظة من لحظات بطش الاحتلال. بقي أن أقول أن اراضي عقربا التي تمتد حتى نهر الأردن تئن من وطئة عدد كبير من المستوطنات، وأقربها لموقع خربة طويل، مستوطنة جتيت، التي ترتبط بشبكة كهرباء، وشبكة مياه، وشبكة اتصالات، وبيوتها ترى من بعيد، في حين بيوت وعرائش أبناء البلد عاجزة عن الصمود بوجه آلة الاحتلال. والسؤال الموجه للمفاوض أولاً وللوزير ماهر غنيم ثانياً هل ستنار طويل، وطانا، وافجم من أراضي عقربا وبيت فوريك بالكهرباء؟
|