بقلم/ نبيل مصلح التويتي -
في الوقت الذي بدأت فيه القنوات التعليمية بالانتشار بشكل لافت ،أصبحت الكثير من الدول تولي هذه القنوات اهتماماً خاصاً كإحدى وسائل التعليم المساعدة ,الأمر الذي جعل البعض يتجاوز إلى اعتبارها البديل الأساسي للمدرسة في حال تعثر على الطلاب الوصول إليها تحت أي ظروف محتملة ..فهل ستكون القنوات التعليمية هي الجواد الرابح في هذا السباق ،خاصة ونحن في طور العد التنازلي لاستقبال بث أول قناة تعليمية يمنية ؟!.
ولاشك بأن استحداث قناة تعليمية متخصصة قد تكون فكرة مشجعة إذا تمكنت القناة التعليمية من إنجاز المهام الموكلة إليها ،بل وستحدث نقلة نوعية في منظومة العملية التعليمية والتربوية وعندها يمكن القول بأن القناة التعليمية هي البديل الأساسي والمناسب .
ولكن المتأمل للوضع الحالي للقناة التعليمية اليمنية يدرك بأن تلك الآمال ما تلبث أن تظهر حتى تتبخر من جديد وهو ما يجعل الكثير يراهنون على أنها لا يمكن أن ترتقي لتكون بديلا للمدارس ،نظرا لغياب المهنية في إنتاج البرامج الملائمة للمستويات التعليمية المختلفة إلى جانب غياب التخطيط والإدارة الذي تفتقر إليها قيادة القناة وهو ما يوحي إلى أن القناة في حالة إطلاقها فضائياً ستمثل خطوة متسرعة وعبئاً جديداً سيضاف على الإعلام الرسمي الذي لم يعد يحتمل المزيد من ذلك .
إن القناة التعليمية بشكلها الحالي لا يمكن الاعتماد عليها في التعليم كبديل أساسي للمدرسة إلا في حالة إصلاحها بشكل كلي ،بدءاً من الجانب الإداري عن طريق اختيار الكوادر التربوية المؤهلة ذات الكفاءة التي ستضع أهدافاً ذكية قابلة للقياس والتحقق خلال فترة زمنية محددة ،معتمدة على دراسة حقيقة لمعطيات الميدان التربوي .
إلى جانب تطوير البرامج بشكل يسمح باستخدامها لتحقيق تلك الأهداف وأولها تطوير طريقة التعلم قبل التفكير و يتأتى ذلك من خلال استحداث طرق جديدة تعتمد على الإبداع والتعليم التفاعلي أو التشاركي وتفعيل عمليات التوجيه والتقويم باستمرار إلى جانب تفعيل دور المعلم أكثر مما يظهر عليه حالياً ،بحيث يقوم بشرح المنهج بأكثر من طريقة وأكثر من فكرة ،مراعاة للفروق الفردية وذلك لاختلاف درجة الفهم من طالب لآخر.
وهو ما يعني أن البرامج الهزيلة التي تعج بها مكتبة القناة والتي يرجع تاريخها إلى عقود ولاتزال تكبد خزينة الدولة سنوياً عشرات الملايين أصبحت عديمة الجدوى ،خاصة في ظل التحديثات التي طرأت على المنهج وانتقاله من السرد والتلقين إلى الاستنتاج والاستدلال في الوقت الذي لاتزال تلك البرامج تعتمد أسلوب الشرح والتلقين فقط وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر في طريقة تقديمها , يضاف إلى ذلك أن إيقاع المعلمين بها بطيء للغاية مما يشعر الطالب بالملل, وهو ما ينبغي على معدي البرامج التركيز عليه بحيث يقوم المعلم بنفس الواجبات التي يقوم بها في الفصل المدرسي وبنفس الطريقة على الهواء مباشرة مع وجود تفاعل من الطلاب عن طريق الاتصالات الهاتفية وهو ما يتطلب سرعة الإيقاع في المحتوى المقدم مع وجود أنشطة مكثفة للطالب بحيث يكون على درجة كافية من النشاط أثناء مشاهدته للقناة .
وبالتالي فان المطلوب من قيادة وزارة التربية والتعليم ممثلة بالدكتور/عبدالسلام الجوفي القيام بإعداد دراسة جدوى لهذه القناة قبل البدء بخطة إطلاقها ,بما يضمن تقديم محتوى جيد يستطيع الطالب الاعتماد عليه تماماً كما لو كان في المدرسة .
فهل تضمنت الوزارة في خطتها تطوير البرامج التعليمية فعلاً لتصبح على مستوى جدير بوقت الطلبة, وهل ستقدم القناة محتوى مفيد أم ستتخلل البرامج فقرات لإضاعة وقت الطلاب ..وهل ستستعين بمعلمين أكفاء أم بمعلمين يجمعون بين المظهر وعيوب النطق ..وهل ستقوم بإعداد سيناريو للبرامج وخطة عمل أم ستظهر تجليات بركة دعاء الوالدين .
وهل ستراجع البرامج قبل تقديمها أم ستذاع بعيوبها وأخطائها بمقرراتها و محذوفاتها ,وهل ستعلن القناة عن مواعيد بث البرامج والمواد الدراسية والفئات المستهدفة أم ستترك المشاهد يواجه مسألة أنت وحظك, وهل ستخصص موظفين فنيين على الأجهزة الحديثة لكل منهم مهمة ثابتة يقوم بها كل يوم بانتظام أم ستترك المهمة للحارس ومسئول النظافة وصاحب البوفيه .
ثم هل ستترك الوزارة مسئولية إدارة القناة للتربويين المتخصصين أم ستوكل الأمر إلى غير أهله لتضع مستقبل أبنائنا على المحك ..تساؤلات لابد من أخذها بعين الاعتبار لأن المهمة جسيمة والمسئولية عظيمة ولأن ما ينتظره أبناؤنا لابد أن يكون جديراً بوقتهم ومشاهدتهم له, ولأن الوقت من ذهب ..فالجميع ينتظر بفارغ الصبر و نحن أيضاً لا نملك سوى الانتظار. |