صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
يساهم الفساد في تدني كفاءة الاقتصاد العام ،حيث انه يحد من الموارد المخصصة للاستثمار ويسيء توجيهها أو يزيد من كلفتها ، وكذلك أضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ،ويمكن رصــد بعــض الآثـــــــار الاقتصادية المتعلقة بتلك الظاهرة منها :-
أ- حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي : للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي ، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنلوجيا، يكون الفساد قد اضعف هذه التدفقات الاستثمارية ويعطلها كما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وتراجع مؤشرات التنمية البشرية فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة.
ب- توزيع الدخل والثروة: يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية .
ت- تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية : الفساد يساهم بشكل فعال في عرقلة التنمية الاقتصادية والتقدم الحضاري ، ويؤدي الى انهيار المجتمع وعدم أيمان المواطن بالتالي بالدولة وحكومته ، بالإضافة الى انه يؤدي الى ايجاد تفاوت طبقي .
ث- تأثير الفساد على المستهلك والاقتصاد القومي : تسبب الة الفساد في الدولة برفع درجة عدم التيقن في الاقتصاد وتزيد من عدم فعاليته ، حيث انه يصيب بشكل مباشر النواحي الاقتصادية والسياسية لأي بلد، كما أن معدلات النمو الاقتصادي تتأثر بشكل كبير بدرجات الفساد، و البلدان التي يقل فيها الفساد يمكن أن يزيد دخلها القومي بنسبة 400%، وكذلك يزيد الاستثمار فيما لو قورن ببلدان أخرى ينتشر فيها الفساد .
ج- الزيادة المباشرة في التكاليف : أهم الآثار الاقتصادية المترتبة على الفساد هي الزيادة المباشرة في التكاليف ينقل عبئها إلى طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد القومي ككل أو كليهما معًا، فالمبالغ التي يدفعها رجل الأعمال إلى الموظف الحكومي مقابل الحصول على تسهيل معين، يتم نقل عبئه عن طريق رفع الاسعار لتعويض الرشوة المدفوعة ، وقد تتحملها ميزانية الدولة إذا كانت الحكومة هي التي تشتري السلعة. وقد يؤدِي استيراد هذه السلعة إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية ، وتخفيض قيمة العملة المحلية ، وهذا يعني أن الاقتصاد القومي هو الذي يتحمَّل عبء هذه الرشوة .
ح- آثار جانبية للفساد : بالنسبة للآثار الجانبية للفساد نجد ان هناك علاقة عكسية ما بين الفساد والكفاءة الاقتصادية للأجهزة الحكومية فانتشاره يقلل الكفاءة الاقتصادية ويؤثر على فاعلية وكفاءة البنية التحتية والانتاجيـــة للأجهزة الحكومية و يتسبب في ايقاف نموها وتطويرها والتي هي تكون الاساس في اعادة بناء المجتمع على المدى الطويل ، بالإضافة الى ان الفساد يزيد من معدلات الجريمة والفقر والتخلف لأنه يهدد الاحكام القانونية الموجودة. من خلال الأسباب والآثار المتعلقة بظاهرة الفساد يمكن أن تسليط الضوء على الفساد في المؤسسات الحكومية ودور الدولة في اصلاح الفساد الاداري والمالي ، وسبل الاصلاح وكيفية المعالجة للتخلص من هذه الافة المجتمعية ، فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي لها وفي نمط العلاقات المجتمعية فيبطئ من حركة تطور المجتمع ويقيد تقدم البلد .
ان ظاهرة الفساد مستشريه في البنية المجتمعية وفي مؤسسات الدولة منذ نظم الحكم المتتابعة على العراق وتفاقمت هذه الظاهرة بشكل نوعــي أبان النظام السابق حيث فتحت منافذ متعددة من الفساد وبصــــورة واسعـــة ، وبعد سقوط النظام السابق عام 2003 وقبل تشكيل أول حكومة عراقية انتقلت مظاهر الفساد الاداري والمالي المختلفة إلى كل مفاصل الدولة الجديدة ، ومنها مؤسساتها الحكومية حيث اتسمت هذه المرحلة التي شهدها العراق بأوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية غير مستقرة وبتزايد حالات الفساد التي تمثلت بفتح ابواب الانحراف في القيم الأخلاقية التي لم يعتد عليها المجتمع العراقي وبحالات الكسب السريع من خلال وسائل الفساد والمحافظة على المراكز الوظيفية باستخدام العنف في السلوك ، وقد ساعد على انتشار ظاهرة الفساد الانفلات الامني الذي حصل في الفترة اياها وغياب المساءلة و الشفافية و ضعف تطبيق القوانين حيث انه انتشر في البنى التحتية في مؤسسات الدولة واتسع في الجهاز الوظيفي وأخلاقيات العمل ، وقيام بعض العاملين على تحقيق مزايا ومكاسب خاصة لهم تخالف القوانين السائدة في المجتمع .
تحرص الدولة على إصلاح أوضاع الفساد الاداري والمالي في كافة مؤسساتهـــا الذي كان موجودا في السابـق واصبح له ابعادا جديدة بامتداده الى الأفراد والمؤسسات الخاصة والحكومية ، وذلك بتكثيف جميع الجهود سواء ان كانت حكومية او غير حكومية لكشف المتلاعبين بالمال العام وايجاد بعض الحلول والمعالجات الضروريـــة للحد من هذه الظاهرة والخروج بنتائج ايجابيــة تسهم في تقدم المجتمع وبالتالي تسريع عملية التنميــــة بجوانبها المختلفة ، وتتطلب عملية الاصلاح وضع المتطلبات الاساسية التاليـــة :
أ- تفعيل دور الإعلام والقنوات الفضائية والصحافة في أمور ومعالجة الفساد الاداري والمالي والمساهمة في نشر القيم والأخلاقيات الوظيفية ، وتنظيم الاتصال بين الدوائر الرسمية ذات العلاقة والعمل بمبدأ الشفافية ووضع المعلومات في متناول المواطنين .
ب- وجود شعور وطني بالإصلاح يتعهد الجميع العمل به واتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير الشامل من خلال وضع اليات ملائمة لمحاربة الفساد بكل انواعه .
ت- إتباع الوسائل العلمية المتقدمة لحفظ الوثائق في أقراص مضغوطة وتوزيعها في أكثر من جهة و استحداث شعب في المؤسسات الحكومية خاصة لحفظ جميع البيانات والمستمسكات وكما معمول به في الدول.
ث- المعرفة بمفهوم أخلاقيات العمل الإيجابية التي تؤثر على التنمية البشرية بشكل ايجابي وترسيخها وتعزيزها لدى المرؤوسين من قبل المديرين والتدريب على الثقافة الوظيفية .
ج- شمول عملية الإصلاح كافة المؤسسات الحكومية من خلال تطوير هياكلها وتحديث اساليب العمل فيها .
ح- تحفيز مؤسسات الدولة نحو الاصلاح ومواجهة الصعوبات التي تواجه عملية الاصلاح .
خ- تطبيق القوانين والعقوبات لمرتكبي الفساد من موظفي الدولة والقطاع الخاص .
د- الارتقاء بالأداء الإداري والمالي في المؤسسات الحكومية المختلفة من خلال وضع نظام متكامل لأداء الموظفين ويكون التقييم وفق معايير كفاءة وخبرة الفرد وخلفيته .
ذ- توحيد النشاط التعاقدي للدولة في دائرة متخصصة يحد بشكل كبير من ظاهرة الفساد الاداري والمالي والالتزام بالإجراءات القانونية عند إجراء عملية التعاقد .
ر- تفعيل العمل باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تمت الموافقة على انضمام العراق إليها .
ز- استقلالية القضاء واعداد كوادر قضائية تؤدي الامانة الملقاة على عاتقها .
س- تعيين القيادات الإدارية العليا على أسس علمية وموضوعية ، وليس قائما على القرابة والمحسوبيات .
يقر اقتصاديو التنمية بان السياسات والمؤسسات الحكومية توثر على النمو , وحجتهم في ذلك ان مستويات مرتفعة من الاجراءات لحماية المنتجات المحلية غالبا" ما تقترن بمبالغ ريع كبيرة يجذبها المنتجون المحليون . كما ان المؤسسات العامة غير الفعالة والسياسات الانمائية الاقليمية العديمة المردودية تتسبب في ركود الانتاجية الداخلية , وقد تصمم خطط الترخيص للإبقاء على الريع واضعاف انضباط السوق . ان ادبيات التنمية الاقتصادية لم تتناول الفساد صراحة إلا قليلا" , إذ أكد بعض الكتاب على الطريقة التي تخلق بها السياسات الحكومية حوافز تدفع الى ممارسة الانشطة غير المشروع
. فبدلا" من اعتبار القصور الحكومي مجرد نتيجة للتقاعس أو عدم الكفاءة , يمكن اعتبار الاخفاق الحكومي ناتج عن اهتمام الساسة والبيروقراطيون والافراد والشركات بمصالحهم الذاتية . والمسألة المحورية هي ما اذا كانت الرشاوي المدفوعة تعتبر طريقة للقفز على القواني غير الفعالة أو مصدرا" لعدم الفعالية ذاتها . وتشير الدراسات الاحصائية التي تستخدم بيانات اعدتها شركات استطلاع خاصة توفر معلومات لصالح الشركات المستثمرة , الى ان قوة المؤسسات القانونية والحكومية وانخفاض مستويات الفساد يؤثران ايجابا" على النمو الاقتصادي والمتغيرات الاقتصادية الاخرى .