صنعاء نيوز/ثامر الحجامي -
قدر العراق أن يعيش أن يعيش في أزمات متتالية، حتى إنه اذا لم يعش أزمة ما فإنه لا يسمى عراقا، وأخذ العراقيون يتندرون على أوضاعهم، التي عاشوها جيلا بعد جيل، وصارت جزءا من تراثهم وتركيبتهم الإجتماعية.
أزمات كبرى واجهت المجتمع العراقي خلال السنين الماضية، بعضها كان شريكا فيها، لعل أهمها الازمات السياسية التي عصفت في البلاد، كان نتيجتها حدوث صراع طائفي، جعلته أرضا خصبة للتدخلات الخارجية والصراعات الدولية، فإستباحت داعش مدنه الغربية ، عاثت قتلا وفسادا وتخريبا، محاولة إقامة دولة الظلام والخراب، ورسم حدود جديدة.
سحب سوداء غطت سماء الوطن، فأمطرت حكومات فاسدة فاشلة، سياسيون يتقاسمون الكعكة علانية، وأخرون هم في الحكومة وعليها، مافيات حلبت ضرع الوطن حتى جف خيره، فما عاد يوفر لقمة العيش الكريم لأهله، شعب يرى العنب وسلته فارغة، شوارع ملائتها القمامة والمياه الآسنة، أرامل تستغيث ويتامى تصرخ ومرضى تأن، سماء لاهبة وكهرباء غائبة، حتى نهراه جفا، فما عادا يرويان أرضه الخصبة.
حكومة صمت آذانها عن سماع النصح والتوجيهات، وما عاد يهمها صوت المنبهات، التي علا صوتها في الانتخابات، فعادوا الى لعبتهم القديمة متصارعين على كراسي السلطة، يرهقهم هم الكراسي، لاهين عن ابناء الوطن الذين ارهقهم شظف العيش، فتحول الى صرخة أسمعت الصم وأذهلت الغافلين، وهزت عروش الحكام الفاشلين، وصوت الجياع ملأ الافاق، معلنا للعالم أن هناك شعب مظلوم في بلد إسمه العراق.
كان المتوقع أن تكون المظاهرات مختلفة هذه المرة، فالخدمات لا تكاد تذكر في محافظات الوسط والجنوب، والفساد أستشرى في مفاصل الدولة حتى صار الفاسد لا يستحي منه، والكهرباء التي صرفت عليها المليارات لا تكفي لنصف يوم، والبطالة متفشية في صفوف الشباب بعد أن تخرجوا من كلياتهم ومدارسهم، والمعامل متوقفة عن العمل، وحتى الزراعة منعت في أرض السواد.
من الطبيعي ان يحمل المتظاهرون هذه الشعارات، ويطالبون بهذه الحقوق، التي من واجب الحكومة توفيرها، بل يجب إسقاط اي حكومة لا توفر واحدة من متطلبات الحياة الكريمة، لشعب قاتل الارهاب نيابة عن العالم، مقدما ارتالا من الشهداء ومليارات من الاموال، وأن يقفوا بوجه الفساد ويطالبوا بمحاسبة الفاسدين، وأن يمنعوا تشكيل حكومة تبنى على المحاصصة وتقسيم المغانم وتعيد البلاد الى المربع الأول.
كان يجب أن تكون المظاهرات سلمية نظامية لا تخضع لأجندات سياسية، هدفها مصلحة الوطن وإقامة دولة عادلة، تراعي حقوق ابنائها وتسهر على راحتهم، تحمي ممتلكات البلد وتحافظ على منشآته العامة، تحافظ على النظام ولا تسمح لأصحاب الاجندات المشبوهة ومثيري الفتن، عندها ستكون كالسيل الهادر الذي يهز عروش الفاسدين ويقض مضاجعهم.
لكن ان تذهب المظاهرات الى المنشآت النفطية، ويعتدى على الشركات الروسية والصينية دون الأمريكية، ويغلق منفذ الشلامجة بإتجاه إيران، ويترك منفذ سفوان بإتجاه الكويت، ويغلق ميناء الفاو، ويقتحم المتظاهرون مطار النجف ويعتدون على الطائرة الايرانية، وتترك الطائرة القطرية، وينادي بعضهم بشعارات ضد المرجعية، التي أيدت المظاهرات، وتحرق مبان حكومية، وتهاجم مقرات للحشد ومكاتب للأحزاب، ليست شريكة في الحكومة العراقية.
كل ذلك يخبرنا؛ أن الامل قد ضاع بالتغيير مرة أخرى، وأن أياد خفية قد لعبت بالإعدادات، فإنحرفت بوصلة التظاهرات، على أمل أن نلتقيكم مرة أخرى في صيف قادم ساخن |