صنعاءنيوز بقلم / توفيق أبو شومر -
علق الجالسون على الخبر التالي الذي أوردته الصحف الإسرائيلية منذ أيام:
" وافقت الحكومة الإسرائيلية على مطالب نقابة المعلمين في إسرائيل، بزيادة رواتب المعلمين بنسبة 50% بشرط أن يُضيفوا ستة عشرة ساعة إلى جداولهم الأسبوعية، منها ست ساعات في التعليم المباشر، وعشر ساعات في متابعة الطلاب وأولياء أمورهم والأنشطة المختلفة، وهذا سيكلف ميزانية الدولة ملياري دولار في العام "
علّق أحد المعلمين:
الإسرائيليون يُطورون التعليم ويكافئون المدرسين ويغيرون البرامج والمناهج، فقد شكلوا لجنة عليا لتطوير التعليم منذ سنوات، كلجنة دوفرات، وهم ينفذون توصياتها.
أما نحن فمعظم برامجنا التربوية حشوية مُنفرة، وكأنها وضعتْ فقط لإقصاء الأبناء عن التعليم، وإحباطهم وتنفيرهم ، فأكثر المواد الدراسية محفوظات ونصوص، تشغل حيزا كبيرا من عقول الأبناء، بلا نتائج عملية وفكرية في الواقع.
وقال آخر: إن المشكلة ليست في المناهج والمقررات ، فالمناهج والمقررات موديلات، يمكن للمدرس الكفء أن يُفصِّل لها أثوابا بألوان مختلفة الأشكال والهيئات ، فالمشكلة الرئيسة في مايسترو التعليم، والمايسترو هو المعلم نفسه، فالمعلم المسحوق مهموم مشغول بمطاردة رزقه، كما إن تواجده في المدرسة هو تواجد وظيفي فقط ، غايته الحصول على المرتب الشهري، فهو مهمومُ مشغولُ بإيجاد الفرص ليُحسن دخله، حتى بإفساد اليوم الدراسي كي يرتاح في ساعات عمله الرسمية استعداد لعمله المسائي في البيوت كمدرس خصوصي، وهذا النوع من المدرسين يتحول بعد فترة وجيزة إلى آلةٍ ناطقة، تماثل تماما صفحة الكتاب الورقي، ويصبح عمله كمدرس روتينا مقيتا، يفرح بالعطلات والتعطيلات، ويسعد بغياب الطلاب عن المدرسة، ويعتبر دوامه الرسمي في المدرسة ثانويا، أما العملُ الحقيقي فهو بيوت زبائنه من طلابه !
وقال آخر:
إن أبرز المشاكل تكمن في الطالب نفسه، فأكثر طلاب اليوم متمردون، فهم يدخلون أبواب المدرسة مرغمين من الآباء، ويدرسون تحت وقع عصا المدرس، وسطوة التقليد المجتمعي، فطلاب اليوم، بما يملكونه من عقول ناضجة يتجرعون الدروس والمقررات كما الدواء المُنفّر المُر، لا لسوء المقررات فقط ، ولكن لأنهم يشعرون بقلة جدوى كثير من المواد ، لأنهم بارعون في الكمبيوتر وعلوم الهواتف المحمولة والألعاب الإلكترونية، وأصبح التعليم الرئيس المحبوب عندهم هو تكنولوجيا العصر، وهو نقيضُ محفوظاتهم المدرسية التقليدية.
ومن أعراض تمردهم ، بروز ظاهرة العنف المستشري بين الطلاب، ويعود سببها أيضا إلى البيئة المحيطة، فما تزال ظاهرة المعارك القبلية والعائلية أبرز الظواهر السلبية في مجتمعنا، وهي تنعكس على أطفالنا.
وقال آخرُ:
لا تنسوا أمرا مهما يعوق مسيرتنا التعليمية، وهو البناء المدرسي ، فمعظم مدارسنا ليست سوى صورة مصغرة من السجن، في شكلها الخارجي، فشبابيك الغرف المدرسية محاطة بقضبان حديدية كقضبان نوافذ السجن، وبواباتها مخفورة بالعسس والحراس ،مضافا إلى كل ذلك اكتظاظ الطلاب في الفصل الواحد، فكيف يمكن تدريس خمسين وستين طالبا في الفصل الواحد؟
وكثيرٌ من مدارسنا تعمل لفترتين أو أكثر في اليوم الواحد، فالطالب لا يشعر بملكيته للمكان وحبه له.
وإذا أضفنا إلى ذلك فإن أكثر مدارسنا غير مصممة لإشباع هوايات الطلاب، فهي تخلو من المعامل والساحات الواسعة وتخلو من القاعات المخصصة للمسرح والأنشطة المختلفة، واستبدلتْ المدارسُ القاعاتِ المخصصةَ للنشاط بفصول جديدة، فإننا نكون قد شخّصنا العلل والأمراض التي تنتشر في مدارسنا!
وقال آخر:
سنظل نلطم على مستقبلنا طوال الوقت، ولن تأتي ملائكة من السماء لتصحح هذه الأخطاء ، وسنظل نبكي حالنا في مدارسنا، نسير مقهورين بحكم الزيادة الهائلة في مواليدنا، وسوف تستمر حالة التردي من السيئ إلى الأسوأ، فنحن لن نتمكن من بناء مدارس جديدة مجهزة ملائمة لهذا العدد الهائل من الأبناء، ولن نتمكن أيضا في المستقبل القريب من علاج كل الأمراض النفسية المنقولة من المجتمع إلى المدرسة ، يجب أن تفكروا في حلولٍ بديلة، يمكن توظيفها في مثل حالتنا الراهنة لتحسين ما هو موجود بالفعل!
قلت:
إن الحروب بين الدول بكل أشكالها ، الحربية والاقتصادية والثقافية تُحسم نتائجها دائما بمعلمي المدارس وبأنظمة التربية والتعليم، ولا تُحسم بعدد الجنود والأسلحة فقد قال القائد والإمبراطور الألماني السياسي المحنَّك في الحروب السبعينية في القرن التاسع عشر:
" ربحنا الحروب بمعلم المدرسة" !
كما أن القوة والمنعة لا تأتي من مخزونات الأسلحة وأنواعها وعدد الجنود ، بل تتشكَّل القوة بترسانة التعليم والتربية.
يبدأ التغيير دوما بتحديد أهداف التربية والتعليم في المجتمع، فكل مجتمع لا يُحدد هدفه من التعليم، يصبح شعاره المركزي والنهائي المُحبط هو :
" إن الغاية من التعليم هي الحصول على وظائف حكومية فقط"
وبعد تحديد الأهداف نشرع في اختيار وتدريب ركيزة البناء الرئيسة، وهو المدرس المظلوم المقهور، فيجب إعادة الاعتبار له بتحسين مرتبه أولا، وهذا في استطاعتنا ، فما ننفقه من نفقات تافهة في الوزارات والمهمات والرواتب الخيالية لذوي المناصب العليا، يمكن أن يكون بداية لتصحيح أخطائنا في حق أبنائنا الطلاب، نعم في حق أبنائنا، لأن ما ندفعه للمدرسين من زيادة في رواتبهم يعود بالنفع على أبنائنا وعلينا. فزيادة مرتبات المعلمين ستدفعهم إلى تحسين أدائهم، وتغيير طريقتهم في التعامل مع الطالب في المدرسة، فهم سيتحولون إذا أنصفهم مجتمعُهُم من جنودٍ سجَّانين، إلى صائغي عقول مبدعين ، ومن موظفين في ذيل قائمة العاملين، إلى مرشدين محترمين يقودون أبناءنا نحو المستقبل.
كما أننا محتاجون إلى توظيف تكنولوجيا العصر في التعليم، وجعل المقررات المدرسية برامج كمبيوترية، ويمكن تحويلها إلى أشكال مختلفة من الجرعات، بحيث تكون الغاية هي توسيع مدارك العقول ، وليس تحديها بالحشو والحفظ، فأنا دائما أكرر القول:
يجب تغيير عقول أبنائنا، من العقول التي تشبه قطعة الإسفنج التي تمتص سوائل المقررات ، وتعصره في أوراق الاختبارات لتعود جافة من جديد، إلى مستحضرات وعصائر وأخلاط تتحول إلى جرعات من الفيتامينات الملائمة لمرض الأنيميا الثقافية المستشري في مجتمعنا.
|