صنعاء نيوز -
تحدثت بعض الوثائق الأمريكية المسربة عن قلق الولايات المتحدة الأمريكية من وجود أسلحة خطيرة خارج مخازن الحكومة اليمنية يمكن أن تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية واليمنية وللأمن العالمي إن هي وقعت في أيادي عناصر تنظيم القاعدة، كالصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، كما أبدت تخوفها من تسرب هذه الصواريخ إلى تلك العناصر من المخازن الرسمية اليمنية، بل أكدتْ أن ذلك قد حدث بالفعل، وأن القاعدة استخدمتها في علمياتها في كل من كينيا والمملكة العربية السعودية واليمن خلال عامي 2001 و 2002م، بحسب ما جاء في تلك الوثائق..
لهذا لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الحكومة اليمنية لجمع تلك الأسلحة من الأسواق فقط، بل وطالبت بتدميرها، على أن تتكفل بدفع التعويضات اللازمة، ويبدو أن النظام اليمني يسعد كثيرا عندما تتناهى إلى مسامعه أحاديث المال، وقبل أن نتحدث عن قصة "منظومات الدفاع الجوية اليمنية" سنورد مقتطفات مما جاء في الوثائق الأمريكية المسربة بخصوص التفاوض بين الرئيس صالح ومسئولين أمريكيين على المبالغ المادية مقابل جمع تلك المنظومات من أسواق السلاح وتدميرها..
جاء في إحدى وثائق "ويكيليكس" أن الرئيس صالح كان يلح للحصول على أموال باهظة، إلى درجة طلبه من مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي مليون دولار تعويض عن كل ستريلا [صاروخ]!. لكن "بعد صمت محرج، ضحك صالح، وأشار إلى أنه كان يمزح"..
تقول الوثيقة إن الرئيس صالح "أصر على القول: ما هو المبلغ الذي أنتم مستعدون لدفعه؟". كانت إجابة المساعد على ذلك بأن ثمن كل منظومة (MANPAD ) كان قد حدد سلفاً، وهو غير قابل للتفاوض. مضيفا: "السعر ثابت، وهو مع ذلك أعلى بكثير مما نعتقد أنه سعر السوق"..
وتضيف الوثيقة: "وعلى الرغم من أن صالح يحاول انتزاع المزيد من الأموال خارج عرض إعادة الشراء، إلا أن المركز يتوقع ويأمل إبرام الاتفاق خلال الأسبوعين المقبلين. وكان مساعد وزيرة الخارجية بلومفيلد عقد في 31 أغسطس، اجتماعاً مع وزير الداخلية العليمي، ورئيس هيئة الأركان القاسمي، ووكيل جهاز الأمن القومي عمار صالح وقد تم تغطيته في برقية منفصلة..
تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أن شراكة النظام اليمني في الحرب على الإرهاب لا تتم على أساس المخاوف المشتركة بل على أساس المصالح الخاصة، لكنها تستغرب من بعض تصرفات الرئيس صالح في هذا الجانب، وبحسب الوثيقة المذكورة فإن صالحا "يظهر في جميع المزحات الجانبية، جاداً في الدفع باتجاه رفع سعر كل منظومة. على أن الأمر الذي من الصعب تخيله أن داهية بارع مثل الرئيس يقوم بدفع مبالغ تعويضية أكثر من سعر السوق لصواريخ استريلا 2 (Strela 2's) ربما يقرب من 2000 دولار أمريكي".
تضيف الوثيقة: "وعلى هامش الاجتماع ، قدم وكيل جهاز الأمن القومي ، وابن أخ الرئيس –عمار صالح- نصيحة لبلومفيلد أخبره فيها بأن يعمل على توجيه رسالة متابعة إلى الرئيس يذكر فيها قائمة بالفوائد الأخرى التي ستجنيها اليمن من هذا الاتفاق، وأنه سوف يلح عليه بعدم رفض الصفقة بسبب الأسعار التي لا يمكن أن تتغير"..
(ملاحظة: في يوليو 2008 ارتفع سعر الجيل الأول من الأنظمة من 7700 دولار إلى 15000)..
يتضح من كل ما تقدم حرص الحكومة اليمنية على الاستفادة من كل ورقة تتصل بالقاعدة بأي شكل، كما يتضح عدم ثقة الولايات المتحدة بجدية الحكومة اليمنية في الحرب على الإرهاب، لهذا بدت مصرة على إتلاف منظومات الدفاع الجوية المحمولة، حتى لا تعود مرة أخرى إلى السوق أو إلى أيادي عناصر القاعدة بقصد أو بدون قصد..
تناقض التصريحات الصادرة من الأمن القومي ومن وزارة الدفاع اليمنية بخصوص تدمير الصواريخ من عدمه، يفصح أيضا عن نية رسمية للعب بهذه الورقة، لكن تصريح الأمن القومي للأمريكان بخصوص وجود كميات كبيرة من هذه الصواريخ في مخازن وزارة الدفاع هو ما تؤكده الوثائق التي سنتحدث عنها بعد قليل..
نلاحظ أيضا حرص قيادة النظام على استغلال الموقف، الذي تعتبره الخارجية الأمريكية "قضية أمنية" و "عملا مكافحا للإرهاب" استغلالا تجاريا لا علاقة له بالتحالف القائم بين الحكومتين اليمنية والأمريكية فيما يسمونه الحرب على الإرهاب..
وثائق فكري العماد
بعد كل ما سبق استطاعت صحيفة الناس التوصل إلى معلومات ووثائق من شأنها أن توضح جوانب على قدر كبير من الأهمية لم تتناولها وثائق ويكيليكس بشأن ملف الصواريخ المضادة للطائرات.. حيث تمكنا من الالتقاء بالأخ فكري العماد (وهو ضابط في الجيش) تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية شخصيا بالتفاوض مع المواطنين وتجار السلاح منذ عام 1994م لشراء الأسلحة، وبشكل خاص صواريخ استريلا (سام2 ـ سام3) المضادة للطائرات..
ومن خلال الوثائق التي اطلعنا عليها وجدنا ما يلي:
ـ كمية الصواريخ التي تم جمعها بواسطة الضابط فكري العماد ابتداء من عام 1994م وحتى أواخر عام 2000م، كبيرة جدا، بينما يفيد ما ورد في وثائق ويكيليكس أن الحكومة اليمنية ادعت أنه لا يوجد في مخازنها سوى ما يربو على ألف صاروخ فقط، وأن هذه الصواريخ تم جمعها بعد البرنامج المتفق عليه بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة اليمنية، وبدون الإشارة إلى ما قام الضابط العماد بجمعه وإيداعه مخازن وزارة الدفاع والمعسكرات التابعة لها..
كما ورد في الوثائق أن (140) تاجر سلاح قاموا بجمع حوالي ألف صاروخ، بينما الوثائق التي اطلعنا عليها تؤكد أن فكري العماد استطاع وحده جمع أكثر من هذا العدد، الأمر الذي يدعو للشك في قول الحكومة إن الصواريخ تم جمعها بعد البرنامج الخاص بشراء وتدمير الصواريخ خلال عامي 2004 م و 2005م، ناهيك عن وجود 140 تاجر سلاح نفذوا عملية التوريد من المواطنين إلى وزارة الدفاع..
ـ تفيد الوثائق الرسمية التي اطلعنا عليها أن "لجنة المشتروات" بوزارة الدفاع اليمنية حددت سعر الصاروخ الواحد بـ(50) ألف ريال بالإضافة إلا المكافأة وأجور النقل..
وتوضح الوثائق التي لدى الأخ فكري العماد أن الوزارة لم تسلم سوى قيمة الصورايخ، بل وسلمتها ناقصة، ولم تف بما التزمت به من دفع أجور نقل ومكافآت، كما لم تدفع قيمة الصواريخ التي كانت شبه معطوبة..
وقد أدى تحديد سعر الصاروخ بهذا المبلغ الضئيل إلى إحجام كثيرين عن تسليم ما بحوزتهم من صواريخ حيث أن ما تم جمعه يعد أقل بكثير مما بقي لدى المواطنين والمشايخ وتجار السلاح، والحديث هنا عن المناطق التي تم الجمع منها، ناهيك عن المناطق الأخرى التي لم يستهدفها العمل لأسباب سيأتي ذكرها..
وهنا نجد مفارقة عجيبة بين حرص النظام على الحصول على مبالغ ضخمة من الإدارة الأمريكية عن كل صاروخ بينما يسعى إلى شرائه من المواطنين بأبخس ثمن..
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع اليمنية كانت قد امتنعت عن تسليم الضابط فكري العماد قيمة كمية ضخمة من الأسلحة المختلفة التي جمعها (غير الصواريخ المذكورة) تصل إلى حوالي مليون دولار رغم صدور أحكام من المحكمة الابتدائية الاستئنافية العسكري، بل ومن المحكمة العليا التي أكدت جميع الأحكام الصادرة من كل من المحكمة الابتدائية والاستئنافية العسكرية.. وكان الضابط العماد قد قام بشراء تلك الأسلحة من المواطنين وتجار سلاح بتكليف من القيادة منذ عام 2000م، لوم يتم تسليمه مستحقاته إلى الآن..
ـ من خلال وثائق "ويكيليكس" وما تضمنته من تأكيدات الحكومة اليمنية بأن معظم الصواريخ قد جرى إيداعها مخازن الوزارة والمعسكرات، يبدو وكأن الحكومة، ممثلة بالرئيس ووزارة الدفاع، أرادت كسب إعجاب الإدارة الأمريكية وإقناعها بدفع المبالغ الباهظة التي اقترحها الرئيس..
إلا أن وثائق الأخ فكري العماد، تؤكد بأن ما تم جمعه ليس سوى نسبة ضئيلة من إجمالي ما هو منتشر لدى رجال القبائل وتجار السلاح.. فكمية الصواريخ التي استطاع جمعها كانت من بعض المحافظات الجنوبية فقط، بينما رفض المواطنون في المناطق الشرقية ومناطق شمال الشمال تسليم ما بحوزتهم من الصواريخ بالسعر الذي حددته الوزارة "50 ألف ريال"، إذ أنهم يدركون أنها تساوي أضعاف هذا المبلغ، كما أنهم يهوون اقتناء الأسلحة..
الجدير بالذكر أن القاعدة تتواجد بكثرة في هذه المناطق، وإذا ما عدنا إلى الفترة التي انطلق فيها البرنامج الأمريكي اليمني لجمع الصواريخ هناك، فسنرى أنها كانت متأخرة جدا، مقارنة بالفترة التي بدأ فيها برنامج تنظيم القاعدة، وليس بعيدا أن يكون التنظيم قد حصل على كمية لا بأس بها من هذه الصواريخ..
وربما كان لاستهداف أبي علي الحارثي في صحراء مأرب بواسطة طائرة تجسسية أمريكية في عام 2002م دور في حث القاعدة على البحث عن هذه الصواريخ التي قد تكون موجودة لدى بعض المشايخ أو في أسواق السلاح هناك، فكما هو معروف أن المحافظات الشرقية كانت من أكثر المحافظات مشاركة في حرب صيف 1994م، وكان الحصول على السلاح هو الغرض من هذه المشاركة..
لكن الوثائق الأمريكية المسربة تتحدث عن حصول القاعدة على بعض هذه الصواريخ من مخازن وزارة الدفاع اليمنية، وجاء فيها، كما تقدم، أن القاعدة استخدمتها في عملياتها بكينيا والمملكة العربية السعودية واليمن خلال عامي 2001ـ 2002م، وهنا نتساءل عن مصادر الصواريخ التالية:
كادت القاعدة أن تسقط طائرة وزير الداخلية السعودي بصاروخ "سام"!!.
في الإصدار القاعدي "فزت ورب الكعبة" تتحدث القاعدة عن عمليتها غير الناجحة التي كان مقررا لها أن تستهدف وزير الداخلية السعودي نايف بن عبد العزيز وابنه محمد بن نايف وأمراء سعوديين آخرين أثناء هبوط الطائرة التي تقلهم في مطار صنعاء الدولي، إلى جانب ضرب صالة الاستقبال بقذائف الهاون، والتي من المقرر أن يكون الرئيس صالح متواجدا فيها لاستقبال ضيوفه..
ويُظهر التسجيل جانبا من التدريبات التي سبقت هذه العملية في صحراء إحدى المحافظات الشرقية على ما يبدو، وفيه تدريب على الضرب بالهاون وصواريخ سام المحمولة المضادة للطائرات..
العملية التي أُحبطت قبل وقوعها، لم تتطرق لها وسائل الإعلام، وربما لم يكن أحد ليعرف هدفها لو لم تصدر القاعدة تسجيلها المذكور "فزتُ ورب الكعبة"، وهي أولى محاولات تنظيم القاعدة لاغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشئون الأمنية محمد بن نايف، قبل عملية عبد الله حسن طالع العسيري التي كادت أن تفجر مفاجأة من العيار الثقيل داخل قصر الأمير محمد بن نايف نفسه..
الجدير بالذكر أن هذه العملية كانت في عام 2009م، وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى إلى أن الوثائق الأمريكية المسربة تحدثت عن استخدام القاعدة لصواريخ سام سُرِّبت من المخازن الرسمية اليمنية في عملياتها بكينيا والمملكة العربية السعودية واليمن خلال عامي (2001 و 2002م)، فمن أين سُرِّبت صواريخ عام 2009م، وكم لدى تنظيم القاعدة من هذه الصواريخ، وما هي العمليات التي قد نُفاجأ بها مستقبلا؟.
المصدر يمن تودي نت |