صنعاءنيوزجلال بوعاتي -
من الجزائرية أسماء بن قادة
قصة حب بدأت بزواج مليء بالأسرار
وانتهت بـ عشاء أخير
تقف الجزائرية الدكتورة أسماء بن قادة (من خلال محاميها الدكتور نجيب النعيمي) لأول مرة أمام العدالة القطرية، للدفاع عن نفسها أمام زوجها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ يوسف القرضاوي، في قضية طلاق أثـارت جدلا واسعا خلال العامين الماضيين وسط المشتغلين بالحقل الإسلامي والإعلامي في الوطن العربي.
طلق القرضاوي أسماء، زوجته الثـانية، في ديسمبر 2008 برسالة بعثـها لها عبر البريد خلال اختفائه خارج الدوحة، وهي لا تعرف سبب ومكان اختفائه، من دون أي سابق إنذار أو خلاف يذكر، واضعا بذلك نهاية مؤسفة لأزيد من عشر سنوات من زواج شاءت الإرادة الإلهية أن يقع دون ترحيب من عائلة الدكتورة أسماء.
ويدافع عن أسماء المحامي ووزير العدل القطري الأسبق نجيب النعيمي، رئيس فريق الدفاع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، من أجل استرجاع الاعتبار المعنوي لموكلته على الأضرار التي لحقت بها خلال العامين الماضيين، بسبب طلاق غير واقع شرعا وقانونا وفقا لقانون الأسرة القطري.
وحسب مصادر قضائية قطرية، يتعيـّن على القرضاوي تحمل مسؤولية عدم وقوع الطلاق طيلة الفترة الماضية، على اعتبار أن المادة 108 من قانون الأسرة القطري لا توقع الطلاق إذا كان في ''طهر يكون الزوج قد مس فيه زوجته''.
وفي محاولة لتتبع حيثـيات هذه القضية، تغوص ''الخبر'' لسبر أغوار هذه الحكاية العاطفية المثـيرة التي جمعت بين عالم جليل بوزن القرضاوي وإحدى سليلات الأمير عبد القادر، رأت في زواجها غير المتكافئ منه محاولة للهروب من قدر يخبئ لها مفاجآت كثـيرة وغير سارة.
تعود وقائع قصة زواج أسماء من القرضاوي إلى نهاية الثـمانينيات، حسب عائلة بن قادة في الجزائر، عندما بدأ القرضاوي يلاحق الفتاة بنظراته وتعليقاته ومتابعاته وإهدائها كتبه وبمحاولات اتصالاته، إلى غاية 1989 عندما بدأ يمطرها برسائل وقصائد ساخنة واتصالات تليفونية تدوم بالساعات، بل وصل به الأمر إلى الإقامة في الجزائر لمدة سنة من أجل إتمام هذا الأمر، ولكنه لم يتحقق. وبعد مرور خمس سنوات، يعود الشيخ العاشق ليتواصل مع محبوبته، مصرّا على الزواج منها، فاستخدم كل الطرق من وساطات ورسائل، ولكن والدها ظل رافضا لذلك الارتباط، الأمر الذي أغرق الفتاة في بحور من الحيرة والتمزق العاطفي، بين إرضاء العائلة التي تنظر إلى زواج غير متكافئ وبين عاشق ولهان يبذل النفس والنفيس ومستعد للتخلي عن عمامته الأزهرية وإمامته لمريديه مقابل الظفر بجسد يافع جميل مليء بالحياة. وتم الزواج الذي وثـق بموجبه العقد في المحكمة اللبنانية في بيروت.
لم يكن للصبية أسماء أدنى معرفة بما يخبئه لها القدر من أحداث، غير أنها سرعان ما بدأت تطلع على مقدمات مأساة طبعت ما تلى تعرّفها على الشيخ القرضاوي، من سنوات أقل ما توصف بأنها مليئة بالمفاجآت غير السارة.
اقترب الشيخ من مريدته وهو يرتعش إعجابا.. قبل أن يتحول، بعد أن تكررت اللقاءات، إلى عاشق ''كاسر'' لكل الطابوهات المعروفة لدى مجتمع جزائري محافظ، لا يعرف عن الشيخ إلا الورع والتقوى والرصانة والحزم في السلوك والموقف.
وتروي نفس المصادر: ''... لم يكن بوسع الصبية أسماء أن تقاوم السيل العاطفي الجارف الآتي من رجل يكبرها بعقود من الزمن، ولم يكن بوسعها الاقتراب من والديها أو أخواتها للبوح لهم بالهجوم الوجداني غير الآخذ بالحسبان التبعات التي ستظهر بعد عشر سنوات أو أكثـر في شكل محاكمة مثـيرة للجدل والاستغراب''.
وفي نفس السياق، تذكر الروايات المتواترة عن عائلة أسماء بن قادة في الجزائر العاصمة، أنها لم تكن موافقة أبدا على زيجة كانوا متأكدين أنها ستجلب لهم الكثـير من المعاناة النفسية والمعنوية. ورغم ذلك، لم تحمـّل العائلة ابنتها مسؤولية خيارها الشخصي، ونأوا بأنفسهم عن تحميلها ما لا تطيق، إذا كان بإمكان أي فتاة الرضوخ للسيل العارم من الرسائل الغرامية والبكاء والاعترافات التي تذيب بلاغتها الحجر!
لقد مكث الشيخ القرضاوي عاما كاملا في الجزائر، يتولى التدريس بين الجامعة المركزية وجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية في قسنطينة خلفا للشيخ محمد الغزالي. وكانت الجزائر قد بدأت تشكل آنذاك نواة قاعدة إسلامية، سرعان ما تحولت إلى بركان شق الصفوف، مغرقا المجتمع الجزائري في أتون حرب أهلية كلفتها ما لا تطيقه أي دولة أخرى في المنطقة العربية.
يروي القرضاوي قصة زواجه، والتي سبق لـ''الخبر'' أن نشرتها قبل سنتين، قائلا: ''... ولم أكن أدري أن القدر الأعلى الذي يخط مصائر البشر قد خبأ لي شيئا لا أعلمه، فقد حجبه عني ضمير الغيب. وأن هذا الحديث التلقائي بيني وبين أسماء ـ الذي لم يتم بعده لقاء بيننا إلا بعد سنتين كاملتين ـ كان بداية لعاطفة قوية، أدّت لعلاقة وثـيقة، انتقلت من عالم العقول إلى عالم القلوب، والقلوب لها قوانينها وسننها التي يستعصي فهمها على كثـير من البشر، وكثـيرا ما يسأل الإنسان: ما الذي يحوّل الخليّ إلى شجيّ؟ وما الذي يربط رجلا من قارة بامرأة من قارة أخرى؟ أو ما الذي يحرك القلوب الساكنة، فتستحيل إلى جمرة ملتهبة؟ حتى ترى النسمة تتطور إلى إعصار، والشرارة تتحول إلى نار! ولا يجد المرء جوابا لهذا إلا أنه من أسرار عالم القلوب. ولا غرو أن كان من تسبيح المؤمنين: سبحان مقلب القلوب (...) وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقسم بين نسائه ويسوّي بينهن في الأمور الظاهرة، ثـم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك).. فقد شاء الله أن يتطور الإعجاب إلى عاطفة دافقة وحب عميق. لا يدور حول الجسد والحس كما هو عند كثـير من الناس، بل يدور حول معان مركبة، امتزج فيها العقل بالحس، والروح بالجسم، والمعنى بالمبنى، والقلب بالقالب، وهذا أمر لا يعرفه إلا من عاشه وعاناه. كما قال الحكيم: من ذاق عرف! وكما قال الشاعر: لا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها! وقد يعذل العاذلون، ويلوم اللائمون، ويعنّف المعنفون، ويقول القائلون: لِمَ؟ وكيف؟ كيف يحب الأستاذ تلميذته؟! أو كيف يحب الشيخ الكبير فتاة في عمر بناته؟! وهل يجوز أن يكون لعالم الدين قلب يتحرك ويحترق مثـل قلوب البشر؟...''.
وعلى الرغم من هذه الاعترافات المثـيرة، فإن الكثـير من المصادر تشير إلى أن فترة ما قبل عقد الزواج الأول بين القرضاوي والصبية أسماء أخفت كتابات ورسائل ساخنة، ليس هذا هو مجال التطرق إليها في الوقت الحالي.. وتلقي الكثـير من الظلال على قصة ظاهرها حب عذري وباطنها عذاب آت، يقتل وجدان صبية قليلة التجربة محاصرة بأوهام القدوة والقداسة التي لا تكون إلا للأنبياء والرسل، ومن مثـل ذلك قوله في إحدى رسائله ـ اطلعت عليها ''الخبر'': ''أحب أن أصارحك أنني أتهرّب الآن من الإمامة ما استطعت، فإن تفكيري فيك لا يفارقني، وهذا ما يجعلني ياحبيبتي أسهو، ومع السهو أسهو إن أسجد للسهو!''.
ثم يصف ترقبه لموعد رؤيتها بعد المصارحة بقوله: ''... إذا كنت أشعر بكل هذه السعادة برؤيتك في الخيال، فكيف تكون سعادتي بلقائك في الحقيقة، لأحسبني قادرا على تصوير كنه هذه السعادة المرتقبة، إنها النشوة بلا سكر، أو السكر بلا خمر، إنها التحليق على آفاق عالية، بغير جناح أو بجناح من نور، إلى عالم من عشق مثـل أسماء الحبيبة، وهل لأسماء من مثـل؟ إنها الدرة اليتيمة والجوهرة الفريدة التي لا تتكرر...).
بداية معضلة لم تنته بعد
ولأن الرياح جرت بما لم يشتهه القرضاوي، وفي أجواء من المعارضة والرفض، تم عقد القران في بيروت لتصبح أسماء زوجة للقرضاوي على سنة الله ورسوله. وفي الأردن، ستقيم أسماء في بيت مستأجر من رئيس البرلمان الأردني السابق وزعيم جبهة العمل الإسلامي عبد اللطيف عربيات (1990 ـ 1993)، وتسجل في قسم الماجستير في العلوم السياسية بجامعة عمان، متابعة لما كانت تدرسه في قسم الماجستير في جامعة الجزائر، وكانت تعيش تحت أعين القرضاوي على الرغم من تواجده بعيدا عنها في قطر.. وفي أحد الاتصالات بينها وبينه قبيل عيد الأضحى من عام 1997، استشارت أسماء زوجها في مكان قضائها للعيد، فأشار عليها بقضائه بين أهلها في الجزائر، على أن يتصل بها ليهنئها في أول أيام العيد، شيء لم يحدث أبدا.. إلى أن عادت إلى عمان في رابع أيام العيد، أين صعقت بطارق على بابها يسلمها رسالة حملتها إليها شركة ''دي أش أل'' احتوت ورقتين، الأولى رسالة يبرر فيها قراره المدمر، والثـانية وثـيقة طلاق صادرة عن الجهات القضائية اللبنانية.
وتحكي نفس المصادر أن الخبر نزل كالصاعقة على أسماء، التي دخلت في غيبوبة متقطعة لم تفق منها إلا بعد أيام، بذل فيها عبد اللطيف عربيات وقيادات إسلامية جهودا مضنية لإقناع القرضاوي بتصحيح الخطأ الذي إن ذاع والتقفته أقلام وسائل الإعلام، لكانت الكارثـة. لم يأبه القرضاوي لمناشدات عربيات وغيره، بل رفض استقبالهم عندما قرروا زيارته في الدوحة لتصحيح الوضع ومحاولة تذليل مشاكله مع أسرته هناك.
وتمضي الأيام والأشهر، وبعد عام ونصف من الغياب والانقطاع، ولما بدأت أسماء تتعافى بعض الشيء من تلك الصدمة الهائلة، وعلى مقربة من انتهاء فترة دراستها بالجامعة الأردنية، يتصل القرضاوي بطليقته من الدوحة فجأة في يوم ميلادها ليبارك لها، معبرا لها عن أشواقه، وعلى أنه فقد طعم الحياة بعيدا عنها، وأن طيفها يلازمه في كل أحواله وأوضاعه، معيدا على أسماعها الأغنية القديمة التي تضمنتها رسائله الساخنة إليها، مطالبا إياها مقابلته في أبو ظبي حيث أصبح له برنامجا يبث على المباشر كل يوم سبت من قناة أبو ظبي، مشترطا عليها ألا يتحدثـا عن الماضي وألا يفكرا في المستقبل في هذا اللقاء، وأن تفكر وترد عليه. ولم ترد عليه أسماء، فرجع واتصل بها ثـانية وهو يسألها إذا كانت قد فكرت في الموضوع، فانفجرت أسماء قائلة: ''أنت من يريد أن يراني، وتريد أن تراني بشروط رغم كل مافعلته بي قبل سنة ونصف''، ليرد قائلا: ''تعالي وبدون أي شروط لنتحدث في كل الذي حصل...''، وأشياء أخرى تدخرها أسماء وعائلتها لوقتها المناسب.
وبعد هذه الممانعات من طرف أسماء، رضخ القرضاوي لشرطها بتصحيح الوضع بالزواج، ولكن ترجاها أن تكتم الأمر في الأشهر الأولى، لكي تعطي الفرصة لتحقيق حمل من شأنه أن يقوي موقفه أمام أسرته حين يأتي موعد إعلامها بالرجوع إلى محبوبته!
وفي أبو ظبي، تبدأ رحلة جديدة مع المجهول، حيث ستضطر أسماء إلى الصمت وتجرع المرارة لسنوات أخرى، عندما دخلت في دائرة مفرغة، بين عدم قناعتها بأن كيانها الاجتماعي والشرعي كزوجة مرتبط بالولد وانزعاجها من ذلك التكتم، ومن الحمل الذي لم يأت لأسباب كثـيرة متعلقة بالشيخ هي اليوم في ملفات القضية.
كانت يوميات أسماء في أبو ظبي مغايرة تماما، فهي موظفة في مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية الذي يترأسه الفريق أول الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبو ظبي، ككاتبة تحليلات سياسية واقتصادية في نشرات المركز التي تشكل مصدرا لمعلومات يستخدمها صناع القرار في دولة الإمارات. وهو المركز الذي لازالت أسماء تذكره باحترام كبير، وتعبر دوما عن ارتباطها الفكري والمعنوي به، بسبب ما شدها إليه من جدية ومهنية قلما توجد في العالم العربي، وبما يشتمل عليه من مرافق، خاصة مكتبته النادرة التي تحوي كتبا ومراجع نادرة في العلوم السياسية والتاريخ وأمهات الأرشيف العالمي. وفي هذه الأثـناء، عاشت أسماء حالة من الانفصام مفروضة عليها، فهي طول أيام الأسبوع صبية تتلقى عروض الزواج والتقدم لطلب يدها، وليلة واحدة منه زوجة لرجل عالم قدوة، عاجز عن تطبيق الشرع والتعامل بالعدل. الأمر الذي سبب لها الكثـير من الألم النفسي والانزعاج الدائم والشعور المستمر بانعدام الأمان والاستقرار.
إذن، القرضاوي يأتي إليها بشكل منتظم، بحكم تقديمه برنامجا دينيا في أحد تلفزيوناتها، وهو يحلم في كل ليلة أحد من الأسبوع بلقاء ذلك الجسد الغض الممشوق. ولكن إصدار سلطات أبو ظبي منعا بدخول القرضاوي إليها حال دون حدوث أي لقاء بين الزوجين، ومن ثـم قامت أسماء بعد فترة بزيارته في الدوحة في إجازة عيد الفطر. وخلال تلك الزيارة، أجرت مقابلة لطلب وظيفة لدى إدارة قناة الجزيرة، وسرعان ما حظيت بها بفضل مؤهلاتها المتعددة التي لا يجهلها من يعرفها، تم كل ذلك دون علم من القرضاوي، الذي اضطر فيما بعد للإقامة في مسكنها لمدة تزيد عن ست سنوات.
انكشاف المستور
يا ترى، لماذا يخشى عالم دين ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إظهار زواجه من امرأة يحبها والتعامل معها بما تستحقه، وهي بنت الحسب والنسب؟ أليس مباحا له تعدد الزوجات، وهو من أفتى بجواز زواج المسيار وعدم الاستحياء منه؟! في الدوحة القطرية، ظلت العلاقة بين الزوجين شبه سرية وكأنها علاقة محرّمة.. فلا القرضاوي قادر على إفشاء السر، ولا بإمكان أسماء الصبر على تحمل نظرتها إلى نفسها. غير أن ما عمل الزوج على كتمانه، ذاع بمكالمة هاتفية أجراها القرضاوي مع زوجته الثـانية من بيت زوجته الأولى.. إذ من سوء حظه، استطاعت هذه الأخيرة التقاط ما يمكن اعتباره همسا غير مباح يخرج من فم (أبو أولادها) في أذن غير زوجته. وقبل ذلك، كان القرضاوي يزور أسماء ليلا مرة في الأسبوع من الثـامنة إلى العاشرة، وهي لا تراه في الإجازة التي تزيد عن ثـلاثـة أشهر، ولا في رمضان، ولا في الأعياد والمناسبات. وبعد هذه الحادثـة، تغيرت حياة أسماء مع القرضاوي إلى شيء من العدل. ولكن، ومع الإعلان، انتقلت إلى مستوى آخر من المعاناة، والتي تحولت من الصراع والغليان النفسي إلى الصراع مع أبناء القرضاوي الذين كانوا يريدون لها أن تبقى في الخفاء، لا يذكر لها اسم أو وجود يربطها بوالدهم أمام المجتمع، بدءا بطلبهم التوقف عن كتابة الجزء من المذكرات الذي يجمعه بحياته مع أسماء، انتهاء بمقاطعته وتعبئته ومحاصرته كلما ظهرت معه عبر الإعلام أو في أي مناسبة أو في الأسفار التي وصلت إلى حد سرقة جواز سفرها، والتهديد بقتلها والتهديد أيضا بصفعها أمام الملأ في مؤتمر القدس الذي كان منعقدا بفندق شيراتون الدوحة من طرف ابنه الأكبر الذي أردف قائلا لأبيه أمام الناس في تلك الحادثـة: ''عندما أحضر، هي تختفي!''. أما الابن الأوسط، فقد قاطع أباه لمدة عشر سنوات خلال هذا الزواج. أما ابنه الأصغر، فقد كان يتصل بالقلة القليلة من الإعلاميين المصريين الذين كانوا يدافعون عن أسماء أيام الحملة الصحفية المصرية التي أعقبت نشر المذكرات، ليؤنبهم على ذلك الدفاع.
وهكذا، وبسبب ذلك التحالف بين أولاده والصحفيين وبعض العناصر في محيطه، تمت تعبئة الشيخ الذي أشعروه بأن كيانه الفكري والثـقافي ورمزيته مهددة من طرف امرأة، يشهد لها الجميع في كل مكان بعمقها الفكري وطروحاتها الناضجة ورصيدها العلمي.
وتتذكر أسماء، بأسف شديد، ما كتب عنها على شاكلة (في وهاد حب فيه تترى)، (المال والسلطة وروكسلانة)، (من يهدم القرضاوي)، (من وراء السنة والشيعة)، (عودة الشيخ إلى صباه)... إلخ، بالإضافة إلى الرسائل الإلكترونية التي بلغت 150 من أرذل ما رأت أسماء في حياتها، وهي سليلة بيت محترم يتشرّف الأحرار بالاقتراب منه ومصاهرته.
العشاء الأخير
في هذه الأجواء، جاء القرضاوي لزيارة زوجته مساء العاشر من نوفمبر 2008 وفي غير ليلتها المقررة لها من حالة التعدد، وقرر المبيت عندها. وهنا، سألته أسماء: وماذا ستقول لهم، أليست اليوم ليلتهم؟ فقال: لقد قلت لهم بأنك متعبة قليلا، وسأبيت عندك الليلة. وجهزت أسماء العشاء، وبعدها، أخذ الشيخ جرعته الأخيرة وهو ينوي الطلاق وأسماء في غفلة تامة عن كل ذلك، حيث حممته بنفسها في الصباح، وفطرته وفقا لذلك النظام الغذائي الذي ركبته من العناصر التي أشار عليها الأطباء بها، فكل من كان قريبا منهما يعرف بأن أسماء كانت الممرضة والصديقة والمرافقة والمستشارة والمترجمة، وقد كانت معه في مستشفى حمد في الدوحة، وفي المستشفى العسكري في الجزائر، وفي مستشفى جدة، وفي مستشفى المغرب، وفي المستشفى الأمريكي في باريس مرتين، تمرضه وتسهر على راحته، بل لقد تعمقت في التشخيصات والأمراض المصاب بها، حتى بات الأطباء يسألونها ما هو تخصصها في الطب! إذن، قضى القرضاوي تلك الليلة مع أسماء وهو ينوي طلاقها، ثـم اختفى بعدها مباشرة، وسافر وهو يوهمها بأنه في الدوحة في المزرعة عند صديقه عبد الله سلاطين، لكنه في حقيقة الأمر كان متوجها إلى القاهرة ليغدر بها. وبعدها، لم تره أسماء أبدا.
لقد اختفى القرضاوي في مصر وأغلق كل وسائل الاتصال بها إلى غاية اليوم، وأرسل لها بعد ذلك رسالة وقعت عليها كالصاعقة، تماما مثـل رسالة الأردن، ليقول لها فيها بأنها طالق. وبعد أيام، وبعد أن تمكنت أسماء من استعادة بعض قوتها بفضل ملازمة السفير الجزائري وحرمه لها ليلا نهارا، راحت تحاول الاطلاع على قانون الأسرة القطري، لتجد بأن الطلاق لا يقع في طهر مسها فيه، فأخبرته عن طريق من يمكن أن يوصل إليه الخبر، فهو محاصر وأبناؤه قد هددوا جميع الشباب في مكتبه بأن من يصله بأي اتصال من طرف أسماء سيتم الاستغناء عنه حالا، أخبرته أن طلاقه غير واقع، وإذا كان يريد الطلاق، فليطلق طلاقا شرعيا وقانونيا.
ولكن لا حياة لمن تنادي، ظل يؤكد بكل الطرق أن طلاقه شرعي ومؤكد، وأنه اختفى في القاهرة حتى لا يبقى قريبا منها فيضعف عن الاستغناء عنها. وبقي على هذا الحال بعيدا عن الحوار أو الطلاق والتسريح بإحسان، وليس عن طريق الغدر.
وبهذا الشكل الفظ الصادم الذي يتنافى مع أحكام الشرع وتدرجه في إيقاع الطلاق من خلال المراحل المعروفة لدى الجميع، وذلك إذا ما كانت المشاكل بين الطرفين وليس من أطراف خارجية متمثـلة في أولاده ومقربيه، أزعجتهم المذكرات وأقلقتهم قضايا الميراث.
وهكذا، ترك الشيخ زوجته أسماء معلقة بهذا الشكل لمدة سنتين كاملتين، دون نفقة أو سؤال أو أي تواصل من أي نوع كان، وهي في غربة بعيدة عن أهلها وبلدها. ولم يصل الأمر عند هذا الحد فقط، بل وصل إلى التهديد بشكل مباشر وغير مباشر إن هي صرحت بأي شيء عن طبيعة حياتها معه وما جرى فيها، والتي لازالت أسماء لم تفصح عنها لأي وسيلة إعلام إلى حد اللحظة.
بعد السنتين، إذن، توجه بعدها إلى المحكمة رافعا دعوى طلاق، ثـم غيرها إلى دعوى إثـبات طلاق، تنظر فيه المحكمة القطرية حاليا وسط ذهول أعيان البلد والعالم الإسلامي أجمع!