صنعاء نيوز -
د/ عبد الحفيظ النهاري*
بعد أربع سنوات من الحرب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس بسبب الإنقلاب الذي قوّضَ أمن اليمن وأمن جيرانه، وبسبب رد فعل الشرعية وحلفائها، جرّبَ كل طرف ما لديه من قوة، ودفع الشعب اليمني الثمن من أبنائه ودمائه ومن بنيته التحتية وتنميته واقتصاده ومن استقلاله.
وبينما كان الانقلابيون يستغلون غضب اليمنيين من استهدافهم الخارجي ومن الحصار الجائر، والقصف وآثاره التدميرية التي خلقت تعاطفا مؤقتا مع الانقلابيين، الا أنهم سرعان ما استحدثواعدوانا داخليا على المؤتمر الشعبي العام الحليف السابق لهم في صد.ّ ما كان يعتبر في السياق عدوانا خارجيا، نتج عن هذا العدوان الداخلي استشهاد الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام، ورفيقه الأمين العام عارف الزوكا، كتبهما الله في الصديقين والشهداء، الأمر الذي أثار عضب الشعب من هذا العدوان الداخلي الذي صنع شرخا اجتماعيا جديدا وضرب الحاضنة الشعبية، وترتب عليه تغوّل الإنقلابيين وانفرادهم بالقرار وبالقوة وبالشعب.
وقد اتخذوا من عدوانهم هدفا للتخلص من أية شراكة وطنية، ومسوّغا لإنفرادهم بمشروعهم الطائفي المشبوه، ولم يعوا بأنهم قد قضوا على الوسطية والإعتدال التي كانت تستر سوءاتهم، وتصلح أخطاءهم وتحمي الشعب من تطرفهم، وأنهم قد أيقظوا دوافع وأسباب الثأر الإجتماعي والسياسي وأنهم يقطعون آخر صلة لهم بعامة الشعب، وأنهم يشتغلون ضد أنفسهم كما يشتغلون
ضد مصالح الشعب.
جاءت أحداث ال2 من ديسمبر 2017 لتؤكد إصرار الإنقلابيين على عدوانهم، وعلى
مشروعهم الغريب، ولتزيد من الثارات الاجتماعية، ولتضيف بعدا ثالثا في هذه الحرب المدمرة،فضلا عن زيادة توجس الجوار الخليجي والمجتمع الدولي من تغوّل القوة العمياء بتسيير خارجي يستهدف أمن اليمن والإقليم والعالم، ويهدد أمن وسلامة الممرات والتجارة الدولية.
وفي المقابل تتآكل الشرعية كل يوم سواء من حيث مرجعياتها وهيئاتها وشخوصها أو من حيث أدائها وفسادها، أو من خلال إقصاءاتها ودورانها الفارغ حول مشاريع صغيرة فردية وحزبية وطائفية مضادة لفكرة الشرعية وقيمها الوطنية المدنية الجامعة. وتشوّه معركة الشرعية في استعادة الدولة الجامعة،
الأمر الذي خلق واقعا يكرس الحرب ويكرس مصالح تجار الحروب وأصبح السلام هو الغاية
المفقودة لدى طرفين يصران على حسم عسكري شامل لم يتحقق، بغض النظر عن علاقة كل طرف بالحق أو بالباطل.
فحين اتخذت الحرب مسارا طائفيا كما أراد لها الطرف الإنقلابي بداية وكما جارته الأطراف الطائفية والأيديولوجية والعقائدية في صف الشرعية، فقدت الشرعية بوصلتها التي يجب أن ترفع شعار استعادة الدولة المدنية الجامعة والضامنة لشراكة وحياة كل اليمنيين، الا أن تتورط في أفعال وخطاب طائفي إقصائي يجعلها مجرد طرف يرغب في استئصال واستبعاد طرف آخر هو جزء من اليمن، مهما كانت تبعيته الخارجية أو تطرفه.
الأمر الذي يستوجب تصحيحا لخطاب الشرعية لانها الجانب المسؤول عن استعادة الدولة المدنية واستعادة السلام وفرض المرجعيات الوطنية الدستورية والمؤسسية على الجميع.
ألا تكفي أربع سنوات من الدماء والحرب، أفقدت اليمن سيادته ووحدته، وأحدثت تمزقا اجتماعيا وسياسيا وجغرافيا وطائفيا؟
نقف اليوم على عتبات سلام يتعثر موضعيا في الحديدة، الذي كنا نأمل أن يشكل نموذجا لسلام شامل ودائم، ومقدمة لبناء ثقة تنقل الأطراف المتصارعة إلى إطار الحل السياسي الشامل الذي ينتظره الشعب اليمني، الذي تفتك به المعارك والجوع والمرض والحصار والمهانة والجور والظلم.
السلام اليوم يحتاج منا جميعا إلى شجاعة كافية لصنعه، ولم يعد أي من الأطراف بحاجة إلى حجج جديدة لتسويغ استمرار الحرب دون اكتراث لمآسي ومعاناة الشعب اليمني على امتداد الأرض اليمنية، وحالات النزوح الداخلي والخارجي.
و بهذه المآلات المحزنة أصبح من الضرورة بمكان رفع صوت السلام والإعلاء من شأنه
وتشكيل قوة وطنية ثالثة مدنية تضغط على الجميع لتحقيق سلام يستعيد الدولة الوطنية المدنية
ويضمن الشراكة المتكافئة وتحقق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وفقا للدستور والقانون.
وفي هذا المسار نبارك تدشين إصدار صحيفة ” السلام اليوم” باتجاه استعادة السلام الاجتماعي، وتشكيل رأي عام وطني يتمسك بقيم المحبة والسلام والوحدة والشراكة الوطنية.
*رئيس منتدى السلام الإجتماعي
نقلا عن صحيفة "السلام اليوم"