صنعاء نيوز/ د. عبد الوهاب الروحاني -
(1)
ما ذا يجري في تعز ؟!
قتل بالجملة ونهب وسلب
وتخريب بلا حدود,

رصاصات تخترق جدار الأمل, وصواريخ تحرق الاحلام وتحصد الاطفال والابرياء ..
مدافع مجنونة تدك البيوت
وتخرب المستشفيات وتقطع الطرقات.

قتل واعدامات في الشوارع باموال مدنسة من امارات الظلام, وببطاقات الولاء لشيوخ وامراء الرذيلة ..

مشاهد كارثية غريبة على تعز, لأنها مدينة ليست ككل المدن .. هي ايقونة السلام وقلب التوحد,

لم يكن ليحدث لتعز ما يحدث لها اليوم, لولا البيع والشراء والتسابق على الارتهان لعواصم العار في الخليج والاقليم ..

تعز .. مدينة الاحلام والضباب ..
يخنقها الدخان, وتلتوي في عنقها مسابح الدجل والخديعة .. تسبح غارقة في دمها بدون ذنب او جريرة.

تعز .. مدينة الثقافة والتاريخ . موروث الزهد والطهر في ابن علوان, وروحانية الشبزي .. في نضال العقل والكلمة والقلم عند عثمان والنعمان, والوطنية في شعر الفضول الذي تغنى بالوطن والوحده والسلام كما لم يفعل احد من قبله ولا من بعده..
(2)
هذه المدنية التي ارتبط اسمها بالوعي والسكينة يخرج "القبيلي" الذي تمقته من احشائها .. وتتحول الى قبيلة تتلون بلون الغبار والظلام ..

لم يعد هناك فرق بين طوق صنعاء وطوق تعز .. بين قبائل الهضبة وقبائل السهل والمنحنى ..كلنا قبائل .. نبيع ونشتري, جمهوريون في النهار ومليكيون في الليل.. نتسكع في فنادق النفط نبحث عن هوية ومال وسوط !!!!

الشيخ "المقبع" في الهضبة او "المدسمن" في السهل و المنحىِ .. كلهم يرتعون في "عجف" أو مرعى واحد,
وكلهم "شيخ" واستاذ وزعيم يدعي تمثيل القبيلة..
لكنهم كلهم ايضا ينطبق عليه منطق ذلك "المعمم", وحالة ذلك الشيخ الذي كان يجتمع مع "رعيته" في الطريق,
حينما كان في حيرة من امر "مكتوب" وصله من قبيلة اخرى وليس فيهم من يقرأه .. فظلوا في انتظار عابر يحل المشكلة ويقرأ (المكتوب), واذا بمعمم بدا بعيدا يتهادى في مشيته .. له هندام وقيافة مبهرة, فتهللت سرائر الشيخ وقال:
- فرجت يا خبره
وما ان وصل المعمم وسلم حتى بادره الشيخ بطلب قراءة " المكتوب", فاخذ المعمم يقلب فيه من اسفل الى اعلى .. ومن اعلى الى اسفل, واطلق تنهيدة طويلة وقال:
- الله يرحم ابي ما علمنيش يا شيخ !!
انبهر الشيخ وقال غاضبا:
- وليش هذه العمامه وما بتعرفش تقرأ؟!
نظر اليه المعمم بهدوء وحيره ايضا, لكن الرد اسعفه فقال:
- ولا تزعل يا شيخ اذا هي المشكلة في العمامه فتعمم انت ..
ووضع العمامة على رأس الشيخ وقال له:
- هيا ما ذلحين اقرا انت!!

و النتيجة كلكم ومن يعبث على شاكلتكم جهلة ومتخلفون.. لا تقرأون ولا تكتبون, ولا تفهمون ايضا.

والمهم كانت القبيلة القديمة .. القديمة جدا جدا - كانت كلها عفة ونزاهة, لم يكن فيها تسول ولا وضاعة ..

في تعز وفي صنعاء, ويافع وحضرموت, وكل مناطق اليمن لا تخلو من مفردة شيخ نظيف,
لكنه ليس من جوقة المرحلة وليس
له قرون بلاستيكية ينطح بها..

(3)

الابرياء والاطفال والنساء في تعز وفي كل اليمن الممزق
هم وحدهم من يدفع الثمن ..
تعز تطحن أبناءها بأبنائها, قيادات تدعي "الزعامة" والمشيخة وتمثيل تعز, وهي تبيع وتشتري..
تتسول في ابواب السفارات في القاهرة, والرياض, وابوظبي,
وبيروت وانقره,

قيادات كانت من صنع صالح (الزعيم) واصلاح (الاخوان) .. كانت مغمورة في القاع .. لم تكن شيئا .. وصار لها نصيب من الكعكة,
واعتبرته حقا مكتسبا, فأصبحت
تتقاسم الارث في تعز على جثث الموتى.

تعز تنزف حقا, تجريف وخراب .. محاكمات واعدامات في الشوارع, تنكيل باصحاب الدكاكين والبقالات
بينما "زعماء" و "مشايخ" دكاكين المؤتمر, والاصلاح, وبذرات "النخبة التعزية" في القاهره, وقطر, واستطنبول, وابو ظبي يصوغون عقود البيع والشراء على اشلاء (الحالمة) التي نسفوا حلمها ومزقوا جسدها ..

أحداث تعز التي تدمى القلب, ويتمزق لها الفؤاد تدعو اصحاب الدكاكين .. كل دكاكين البيع والشراء ان كفوا عن عبثكم بتعز,

لعلكم قد ربحتم كثيرا, وتقاضيتم كثيرا, وتتقاضون بكل اللهجات
وكل اللغات,
الا يكفيكم ما جمعتموه باسم تعز؟!
اصبحتم اثرياء في عواصم الشتات التي تقيمون في فنادقها ومنتجعاتها حفلات الزار علىاشلاء
البسطاء والغلابة من ابناء تعز.

بفضلكم تقسمت تعز الى شرقية وغربية, وبفضلكم اصبحت المخاء محمية عسكرية محتلة من قبل الامارات العربية العظمى,

وبفضلكم ايضا أصبح ابن المخاء ممنوعا من الدخول والخروج من والى بيته,
واصبح ممنوعا بقوة العسكر
والسلاح من الابحار بقاربه في مياه ورث صحبتها وعناقها عن ابيه
وجده وجده, وحرم من الصيد في بحر لا صديق له غيره ..

(4)
قليلا من الحياء .. ربما يذكركم
بالارتباط بتعز .. السهل والجبل .. القرية والناس الطيبين .. خرير جداول المياة في وديان ورزان, والضباب, والجنة .. !!..

انتم تدعون تمثيل تعز , ومن حقكم ان تفعلوا ما تشاؤون .. لكن, كيف يمكن ان تكونوا قيادات سياسية واجتماعية و حزبية وانتم عاجزون عن ان تشاركوا في حل مشاكل حارات وحواري تعز التي تسبح في دمها ؟!!

كيف يمكن لكم ذلك وانتم لا تجيدون الا الدس والوقيعة بين الاخوة وفلذات الاكباد؟!!
(5)
نصيحتي:
وهي من مخلص محايد لا يتردد على ابواب السفارات, ولا يقبض من الرياض
ولا من الدوحة ولا من ابوظبي,
ولا يبيع ويشتري بدماء أهله
وقضايا وطنه ولا يسمسر بمسميات حزبيه وجهوية مقيتة.

نصيحتي, هي في نقطتين مختصرتين هما:

الاولى:
ان لا تغلقوا "الدكاكين" فذلك سيلحق بكم خسائر كبيرة, لكن لا تبيعوا فيها ما تبقى من تعز ..

الثانية:
توحدوا تحت مظلة أو مشيخة واحدة .. فذلك سيحفظ لكم كيانا تنطلقون منه لتسويق مشاريعكم الصغيرة باسم تعز,

ولعل الشيخة توكل كرمان هي الاجدر بقيادة توحدكم, ليس لانها اخوانية (معاذ الله), وانما لانها نوبلية سلام, واكثركم حظا في المحافل والمنتديات .. وابواب السفارات والعواصم مفتوحة امامها ..

وصدقوني بهذا ..
ستتركون تعز لأبنائها الذين تعتمل فيهم نوازع الوطنية والشرف والاخلاص, فتعز غنية بالعقلاء والسياسيين المحترمين, والمثقفين الذين يحفظون تعز في حنايا قلوبهم .. وهؤلاء هم - بالتأكيد - من سيوقف نزيفها ويعالج جروحها بعيدا عن الصفقات المشبوهة والكولسة الغبية.

وبهذا ..
ستحافظون ايضا على البيع
والشراء في دكاكينكم ..

اقول قولي هذا واستغفر الله
العظيم من قوم لا يخجلون
والله من وراء القصد !!

د. عبد الوهاب الروحاني