صنعاء نيوز - لم يتعرض تيار فكري أو عقائدي على مدى التاريخ لمثل ما تعرض له شيعة أهل البيت عليهم السلام من حروب تهدف إلى إبادتهم ومحو معتقداتهم من الوجود.
سألني أحد الباحثين الشبان عن السر الكامن وراء هذا البطش وتلك القسوة المتمادية من قبل خصوم مدرسة أهل البيت عليهم السلام, تجاه الشيعة رغم أن القوم لا يكفون عن التشدق بأن الإسلام يقر مبدأ حرية العقيدة والاختيار وهل يرجع هذا لاقتناع هؤلاء بأن الشيعة بالفعل هم أصحاب عقائد فاسدة أم ماذا؟!.
لماذا أصر يوسف بن أيوب الملقب بصلاح الدين على تدمير مكتبة الفاطميين ولم يفكر في استبقائها فربما تفيده وتفيد المجتمع كله بدلا من انتهاجه هذا الأسلوب الهمجي اللا إنساني؟!.
الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر العسير خاصة وأننا نعرف أن القرآن الكريم شبه بعض الناكثين عن صراط الله المستقيم بالأنعام بل هم أضل.
يقول تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) .
من الطبيعي أن تتنوع الحالة الحيوانية التي يعيشها الإنسان المرتكس فهو تارة خنزير وأخرى كلب ولا شك أيضا أن الحيوانية هي دركات بعضها أسفل من بعض!!.
فهناك الكلب: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .
وهناك القردة والخنازير: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) .
وهناك الحمار: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) .
والمعنى أن أولئك الممسوخين المركوسين المنحطين الذين ارتدوا عن إنسانيتهم وأصبحوا هم والوحوش الضارية سواء بسواء هم أشكال وأنواع.
فمن الوحوش الضارية من لا يفترس إلا ليسد حاجته من الطعام ولو لم يكن جائعا لما نهش لحوم الآخرين!!.
ومنهم الوحش الحقير الذي يفترس لمجرد الافتراس ويقتل لمجرد القتل من دون تحصيل نفع حقيقي حتى ولو كان من خلال العدوان.
ومنهم الضبع الحقير الذي ينتظر فضلات الوحوش الكاسرة ليلتهمها من دون أن يبذل جهدا سوى المراقبة والانتظار!!.
نحن أمام صنف حقير من المخلوقات ولا نقول من البشر يقتل لمجرد القتل ويدمر من أجل التدمير أو يأكل فضلات الآخرين ولا يرى لنفسه سعادة إلا فوق الجثث والرمم والواقع
أن أغلب أعداء الشيعة هم من هذا الصنف الحقير والخطير في آن واحد.
إعداد النخبة القيادية
وسط هذه الظروف كانت المهمة الملقاة على عاتق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ورجالهم رجال الله الملتفين حولهم، المؤتمرين بأمرهم المخلصين لعهدهم من الفقهاء والمجاهدين الذين تحملوا شتى صنوف العنت والإيذاء لتبقى كلمة الله حية ومضيئة في دنيا البشر (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(
لم تبدأ مهمة إعداد هذه النخبة عشية الغيبة الكبرى كما يعتقد البعض، بل بدأت منذ اللحظات الأولى وفي عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث يذكر ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة:
روى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: كان ميثم التمار مولى على بن أبى طالب (ع) عبدا لامرأة من بنى أسد فاشتراه على (ع) منها وأعتقه وقال له: ما اسمك؟ فقال: سالم، فقال: إن رسول الله (ص) أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم،
فقال: صدق الله ورسوله، وصدقت يا أمير المؤمنين، فهو والله اسمي.
قال: فارجع إلى اسمك، ودع سالما، فنحن نكنيك به، فكناه أبا سالم.
قال: وقد كان قد أطلعه علي (ع) على علم كثير، وأسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدث ببعض ذلك، فيشك فيه قوم من أهل الكوفة وينسبون عليا (ع) في ذلك إلى المخرقة والإيهام والتدليس، حتى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه، فيهم الشاك وفيهم المخلص:
يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتصلب فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما، حتى تخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك، فانتظر ذلك.
والموضع الذي تصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبه، وأقربهم من المطهرة يعنى الأرض ولأرينك النخلة التي تصلب على جذعها، ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين، وكان ميثم يأتيها فيصلى عندها.
ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي نبت فلم يزل يتعاهدها بعد قتل على (ع) حتى قطعت فكان يرصد جذعها، ويتعاهده ويتردد إليه، ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري, فلا يعلم عمرو ما يريد، فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟.
قال: وحج في السنة التي قتل فيها، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها, فقالت له: من أنت؟ قال: عراقي فاستنسبته، فذكر لها أنه مولى على بن أبى طالب، فقالت: أنت هيثم، قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله! والله لربما سمعت رسول الله (ص) يوصي بك عليا في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن علي، فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين، إن شاء الله، ولا أقدر اليوم على لقائه وأريد الرجوع فدعت بطيب فطيبت لحيته فقال لها: أما إنها ستخضب بدم.
فقالت: من أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيدي فبكت أم سلمة وقالت له: إنه ليس بسيدك وحدك هو سيدي وسيد المسلمين، ثم ودعته فقدم الكوفة فأخذ وأدخل على عبيد الله بن زياد. وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب قال: ويحكم هذا الأعجمي! قالوا: نعم فقال له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد قال قد بلغني اختصاص أبى تراب لك قال: قد كان بعض ذلك فما تريد؟ قال وإنه ليقال إنه قد أخبرك بما سيلقاك قال نعم، إنه أخبرني، قال: ما الذي أخبرك أنى صانع بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، قال: لأخالفنه، قال: ويحك! كيف تخالفه، إنما أخبر عن رسول الله ص، وأخبر رسول الله عن جبرائيل، وأخبر جبرائيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء! أما والله لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة؟ وإني لأول خلق الله ألجم في الإسلام بلجام، كما يلجم الخيل.
فحبسه وحبس معه المختار بن أبى عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد:
إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين (ع) فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه.
فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، يأمره بتخلية سبيله، وذاك أن أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد، فوافى البريد، وقد أخرج ليضرب عنقه، فاطلق.
وأما ميثم فأخرج بعده ليصلب. وقال عبيد الله: لأمضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسم، وقال: لها خلقت ولي غذيت فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث.
فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إني مجاورك، فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه وتجمر بالمجمر تحته فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، ومخازي بنى أمية وهو مصلوب على الخشبة فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجم فكان أول خلق الله ألجم في الإسلام، فلما كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات. وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين (ع) العراق بعشرة أيام.
كان علماء مدرسة أهل البيت (ع) دوما في دائرة الاستهداف من قبل نفس القوى التي حاربت الأئمة وقتلتهم بدءا من علي بن أبي طالب ثم الإمام الحسن والحسين وبقية الأئمة كون هؤلاء العلماء هم حراس هذه العقيدة والمدافعون عنها والمسئولون عن إبلاغها للدنيا بأسرها.
تعرض الكثير من هؤلاء العلماء للحصار والتضييق كما سلطت عليهم أدوات الإعلام الطائفية البغيضة من أجل تسقطيهم في أعين الناس وتأسيس حاجز نفسي يمنع التواصل بينهم وبين المستضعفين من جماهير الأمة فهاهو ابن كثير يروي كيف سجد أبو القاسم الخفاف، المعروف بابن النقيب، لله شكرا عندما بلغه موت الشيخ المفيد وجلس للتهنئة وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم!!.
نفس الشخوص هي التي أقدمت بعد ذلك على إحراق بيت الشيخ الطوسي ومكتبته عاما كاملا بعد تركه بغداد واستقراره في النجف الأشرف حيث يروي ابن الجوزي في المنتظم: وفي صفر سنة 449هـ: كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام وأخرج ذلك إلى الكرخ وأضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديمًا يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع.
لم يكن الحقد والكراهية التي يكنها هؤلاء الغوغاء تجاه أهل البيت ونهجهم الفقهي والفكري والعقائدي قاصرا على البشر حيث امتد لإحراق الكتب التي حوت بين صفحاتها تراثا فكريا وأخلاقيا لا يخص طائفة دون طائفة ولا بدين دون دين بل هو ملك للإنسانية بأسرها خاصة ذوي الألباب منهم!!.
ولكن ما عسانا نصنع في أناس نزعت عقولهم وأبصارهم فكانوا بحق كما وصفهم ربنا عز وجل:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). |