صنعاء نيوز/ شوقي القاضي الحديدة -
يُعرّف أساتذة علم السّميات التلوث الغذائي بأنه "احتواء المواد الغذائية على جراثيم مسببة للأمراض أو مواد كيماوية أو طبيعية أو مشعّة، تؤدّي أحياناً إلى حالات تسمم غذائي حاد" .
ويعتبر التسمم الغذائي الوباء الخفي المتزايد مع عولمة صناعة الغذاء، وامتداد السلسلة الغذائية عبر الدِّول والقارات المُختلفة، كما أن ظاهرة الهجرة من الريف الى المدن –بحسب الكثير من الدراسات- تلعب دوراً في انتشار التسمم الغذائي، لأن سكان المُدن يعتمدون اعتمادا شبه كُلي على الأطعمة الجاهزة والمُعدة خارج منازلهم دون معرفتهم بمعايير السلامة الغذائية المطبّقة على تلك الأطعمة، بالإضافة إلى طبيعة الغذاء ونوعيته التي تلعب دوراً مهمّاً أيضاً في نوعية الأمراض التي يمكن أن تنتقل للإنسان؛ كونه من الكائنات الحيّة التي تقتات على المواد الحيوانية والنباتية معاً.
ويصنّف أخصائي أمراض الباطنية، الدكتور جميل عبد الغني، التسمم الغذائي ضمن أنواع النزلات المعوية، وبحسب قوله فإن التسمم "ينتج إما بسبب تناول غذاء أو شراب يحتوي على الجراثيم مثل البكتيريا والفيروسات أو الطفيليات والديدان، أو نتيجة احتواء الطعام على نوع من أنواع السموم الطبيعة أو الكيميائية". وبلا شك تظهر الأعراض الأولية في كثير من حالات التسمم الغذائي على شكل حُمى ورعشة، مع قيْء وإسهال، وآلام في العضلات، وإحساس عام بالإرهاق الشديد.
حيث أظهرت الدراسات والأبحاث العلمية أن 75 في المائة من الأمراض المُعدية التي يصاب بها البشر ومنها الجديدة مثل: فيروس إنفلونزا الطيور والخنازير، كان سببها بكتيريا أو فيروسات، أو ميكروبات منقولة من الحيوانات ومنتجاتها الغذائية المختلفة .
ملوثات متعددة:
إن الأمر المؤسف هو أننا قد نكون ضحايا لأنواع شتّى من الملوثات التي قد تكون طبيعية ناتجة عن تحلل الغذاء بسبب البكتيريا والفطـريات أو طـول فتـرة التّخزين أو التعرّض للإشعاع الطبيعي. أو قد تكون ملوثات غير طبيعية ناتجة عن الإنسان نفسه وعن تصرفاته الخاطئة، سواء عن عمد أو غير عمد.
ولعلّ التلوث البكتيري أشهر أنواع التلوث الطبيعي للغذاء وأكثرها شيوعاً، حيث تُساهم الحشرات المنزلية كالذباب والصراصير وغيرهما من الحشرات في نقل البكتيريا والجراثيم المسببة لهذا التلوث، بالإضافة إلى المياه و الأغذية الملوثة والتي تسببها العديد من أنواع البكتيريا مثل بكتيريا "حمض اللاكتيك"، التي تنشأ في الحليب ومشتقاته، بكتيريا "حمض البيوتريك " والتي تنشأ في المعجنات والفطائر، وبكتيريا "التسمم لبوتشوليني" والتي تنشأ في الخضروات واللحوم .
أما التلوث الكيميائي للغذاء فيكون بالتراكم والتكاثر في الخلايا الحيّة، حيث يزداد تركيز الملوثات الكيميائية خلال مرورها عبر السلاسل الغذائية. وذلك يسبب حدوث إصابات بأنواع شتّى من السرطان نتيجة تناول الإنسان مواد غذائية ملوّثة بالكيماويات والمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق، وما أشبه ذلك.
وقـد أصبحت مشكلة التلوث الكيماوي للغذاء مشكلة عالمية، حتى إن الكثير من الشركات صارت تضيف مواد كيميائية للطعام والشراب مـن أجل إعطائه نكهة جيّدة أو لوناً جيداً أو رائحة طيّبة، بينما ضرر هذه المواد الغذائية أكثر من نفعها، ولعلّها تتعمّد فعل هذا الأمر بدافع الربح السريع والوفير غير آبهين لصحة الناس.
وهناك عدد كبير من الأسباب التي تُسهم في تفاقم مشكلة التلوث الكيماوي للغذاء مثـل: استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع لقتل الحشرات أو التي تُستخدم في الزراعة وكذلك الخضروات. وهذه المبيدات قد تظلّ عالقة بالتربة الزراعية فترة مديدة من الزمن قد تصل إلى أكثر من عشر سنوات.
ملوثات الأغذية
تختلف مصادر التلوث الغذائي من بلد لآخر حسب نشاطها، ويعتبر الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية والفطرية واستخدام العقاقير الحيوانية وتلوث البيئة من أبرز هذه المصادر إضافة إلى المخلفات الصناعية. وهناك مواد ضارة بالصحة توجد في الأغذية، مثل: النترات في الخضر الورقية والسولايت في البطاطس والجوسينول والمواد الضارة في البقوليات والمواد المسببة للأنيميا في الفول، وغيرها الكثير، ولا يتم التغلّب على تلك المواد إلا بالطهي الجيّد للطعام .
الميكروبات علميا
عدد الأبحاث الطبّية الحديثة الأنواع الهامة الميكروبات المسببة للتثلوثات الغذائية فيما يلي: "انتروهيمورهاجيك" ويسمى الميكروب الدموي ويسبب إسهالا مصحوبا بالدماء، وآلام وتقلصات بالبطن، التهاب القناة البولية ويفرز نوعا من السموم يسمى "فيروتوكسين". أما "انتر توكسيجينيك" فإنه ميكروب منتج للسموم ويسبب قيئاً وإسهالاً شديداً. في حين يسبب ميكروب "انتروباثوجينيك" الإسهال للأطفال، ويعتبر براز الإنسان هو مصدره الرئيسي، وكذا براز الحيوان المريض والمياه غير المُعالجة .
ويصنّف ميكروب "الليستريا مونوسيتوجينس" ضمن الميكروبات المرضية والمميتة، وهو محب للبرودة لذلك ينمو في الأغذية المحفوظة على درجة حرارة الثلاجة من 3 إلى 45 درجة ويقتل بالبسترة .كما ينمو في نسبة مرتفعة من الملح أعلى من 10 بالمائة. وأثبتت الدراسات أن نسبة وجود هذا الميكروب في الشتاء تكون أكبر منه في الصيف ويقتل هذا الميكروب في درجة حرارة الغرفة أسرع من درجة حرارة الثلاجة .
وهناك ميكروبات أخرى مثل: "الكمبيلوباكتر جوجني" المسبب للإجهاض الأغنام والماشية ووفياتها. والـ"اليورسنيا": يسبب مرض "اليورسنيوسس" المتسبب في اضطراب في عضلات القلب، عدوى الجهاز التنفسي .وميكروب "لايروموناس هيدروفيليا" ويفرز ثلاثة أنواع من السموم ومصادر الإصابة به اللبن ومنتجاته، واللحوم ومنتجاتها، والسمك والأغذية البحرية والدجاج والخضراوات والمايونيز والآيس كريم، ويسبب التهاباً في الجهاز الهضمي وبعض الأعراض الأخرى.
وهناك ملوِّثات جرثومية للغذاء تتركّز أساس في استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع، فالأسمدة الكيميائية التي تُضاف إلى الأراضي الزراعية أساساً لإخصاب التربة، تؤدي هي الأخرى إلى آثار جانبية تقلل من قيمة المواد الغذائية، بالإضافة إلى تلويثها للتربة. واستخدام المواد الكيميائية الحافظة في الصناعات وتعليب المواد الغذائية .
التناقض مع مفهوم الأمن الغذائي:
إن العودة إلى أساليب الزراعة التقليدية القديمة قد يكون منطقياً ويتمشى مع رغبة المستهلك في الحصول على ما يسمى بالأغذية الطبيعية، إلا أنه قد لا يتمشى مع ظروف ومتطلبات العصر من الناحية الاقتصادية البحتة. فالجهود المبذولة بالوقت الحاضر وعلى الصعيدين المحلي والعالمي تهدف في مُجملها إلى محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي بل وإلى ضرورة توفير مخزون احتياطي مناسب منه لسد الاحتياجات المتزايدة للسكان محلياً وعالمياً.
إن الأسلوب الذي يدعو إليه البعض وانجذب إليه العديد من المستهلكين -وهو العودة إلى الطبيعة في مجال إنتاج الغذاء وتصنيعه- يعتبر أمراً منطقياً وجذاباً من الناحية النظرية رغم صعوبة تحقيقه من الناحية الواقعية، بالإضافة إلى كونه يحمل في طياته العديد من المخاطر الصحية والاقتصادية، بالإضافة إلى المُعاناة النفسية التي يواجهها المستهلك الذي قد يتبنّى هذا الاتجاه، إن تحقيق حلم المستهلك في الحصول على غذاء طبيعي خالٍ من أية مواد كيميائية أو بيولوجية ضارة حتى وإن صادف بعض النجاح على نطاق ضيق ببعض البلاد أو ببعض المناطق المحدودة ببلد ما، يصعب تطبيقه على المستوى الشامل الذي يدعو إليه بعض المتحمسين.
ولعلّ خير وسيلة لحماية الغذاء من التلوث إتباع القواعد العامة لنظافته ووقايته من تأثير البكتيريا والفيروسات والطفيليات، ومُراعاة الأمانة ومراقبة الله في إعداده وطهيه وتصنيعه وبيعه وحفظهوتخزينه؛ لأنه يعتبر صورة من صور الفساد والضرر المنهي عنه.
ولا تقتصر الشريعة الإسلامية في مجال حماية الغذاء على مكافحة الغش أو بيع أغذية ملوثة للناس بل تحثّ المسلم على اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بوقاية طعامه وشرابه من التلوث.
نقلا عن : سباء نت |