صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
أن الأمن القومي كل لا يتجزأ، فلا أمن قومي وطني دون التنسيق مع الأمن القومي الإقليمي ولا أمن قومي إقليمي بمعزل عن الأمن القومي العالمي مما أوجب التفكير على المستوى الإقليمي قبل تخطيط الأمن القومي الوطني وكذا دراسة الظروف والملابسات العالمية قبل تخطيط الأمن القومي الوطني والأمن القومي الإقليمي.
الأمن هو أغلى ما تحتاجه وتسعى إليه جميع المخلوقات والأمن الذي ينشده الإنسان والجماعة والدولة هو غاية سعى إليها منذ بدء الخليقة بكل الوسائل والأساليب بما فيها – الحرب. التي أخذت تتطور في أساليبها. ووسائلها على مر التاريخ تحقيقا لهذه الغاية.
·وقد تركز مفهوم الأمن من الناحية التطبيقية في البداية حول القوة التي كان يمثلها الجانب العسكري ثم تطور مفهوم الأمن طبقا لتطور الاحتياجات والتهديدات ليشمل المفهوم الاقتصادي الذي ينعكس تأثيره على كل آفاق المجتمع بما فيها النواحي العسكرية والمفهوم الاجتماعي الذي يتصل بالعدل والمساواة والتضامن الاجتماعي بالإضافة الي المستوى السياسي والدبلوماسي الذي يرتبط بالتفاعل الايجابي مع القوى والدول الأخرى على المستوى الإقليمي والعالمي والتي تهدف جميعها إلى استقرار ورفاهية المجتمع.
·وهكذا أصبح للأمن مفهوم اشمل من النواحي العسكرية ومع تطور التهديدات بأشكالها المختلفة أصبح الأمن هو السياج الأمني الذي يحمي الوطن ضد التهديدات الخارجية – والداخلية بما يهيئ أنسب الظروف للعمل الوطني لذلك فإن أبسط مفاهيمه ومعانيه انحصار الخطر الداخلي والخارجي عن الدولة ونشاطها بما يحقق لها الاستقرار والطمأنينة ويتيح لها آفاق التنمية ويحقق لشعبها حياة أفضل). كما قال الحق جل ثناؤه:(الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
الحرب العالمية الثانية والتوازنات والتكتلات والمحاور التي نتجت عن الحرب بين القوى الدولية، بالإضافة إلى الانتشار الكثيف للأسلحة والتطور النوعي الذي شهدته هذه الأخيرة، والذي أدى إلى تعديلات في النظام الدفاعي العالمي وثوابته التقليدية الموروثة، وفرض رؤية جديدة للأمن، وتحديداً جديداً للمجال الأمني للدول. وقد تحمّل المفهوم في نشأته الغربية الأمريكية بأهداف سياسية، حيث برز كمحور للسياسات الخارجية للدول العظمى في فترة الحرب الباردة والاستقطاب الدولي.
وعلى الرغم من أن مصطلح الأمن القومي قد شاع بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن جذوره تعود إلى القرن السابع عشر، وبخاصة بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 التي أسست لولادة الدولة القومية أو الدولة – الأمة Nation – State وشكلت حقبة الحرب الباردة الإطار والمناخ اللذين تحركت فيهما محاولات صياغة مقاربات نظرية وأطر مؤسساتية وصولاً إلى استخدام تعبير "استراتيجية الأمن القومي"، وسادت مصطلحات الحرب الباردة مثل الاحتواء والردع والتوازن والتعايش السلمي كعناوين بارزة في هذه المقاربات بهدف تحقيق الأمن والسلم وتجنب الحروب المدمرة التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين.
نشأت تبعاً لذلك مؤسسات أكاديمية مهتمة بمسائل الأمن القومي: مصادره، مقوماته، إجراءات ضمان حمايته، من معاهد ومراكز بحث تنتمي إلى جامعات ومؤسسات علمية وإعلامية ومجلات متخصصة وإدارات مؤسسات مرتبطة بالقرار السياسي الرسمي. ويشكل مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأول والأمثل لهذه المؤسسات، حيث جسّد هذا المجلس التعريف الذي طرحه والتر ليبمان عن الأمن القومي بأنه (قدرة الدولة على تحقيق أمنها بحيث لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتفادي الحرب، والقدرة على حماية تلك المصالح إذا ما اضطرت عن طريق الحرب).
وقد بدأ التشكيل التنظيمي المؤسسي لمصطلح الأمن القومي بصدور قانون الأمن القومي لعام 1947 عن الكونجرس الأمريكي، أما بقية دول العالم فقد وضعت عنواناً آخر هو "الدراسات الاستراتيجية" على الأدبيات التي عالجته بوصفها اجتهادات في التخطيط السياسي النشط حول المستقبل، بدلاً من اجتهادات تعني ضمنياً محاولة لصياغة أجوبة أو ردود فعل بقصد حماية السيادة. وكأي مصطلح أو مفهوم، فإن مفهوم الأمن القومي لا يمكن التوصل إلى تحديد دقيق له خارج نطاق المكان والزمان الذي يتحرك من خلاله، وهو يخضع دائماً للتعديل والتطوير انسجاماً مع المتغيرات والعوامل التي تؤثر في بروزه إلى مسرح التداول.
وهكذا أصبح الأمن القومي فرعاً جديداً في العلوم السياسية، حيث امتلك ثقافة وتوفرت له المادة والهدف العلمي (تحقيق الأمن) وإمكانية الخضوع لمناهج بحث علمية، بالإضافة إلى كونه حلقة وصل بين علوم عديدة، فالأمن القومي ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد تربط في دراستها بين علوم الاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية ونظم الحكم وغيرها، كما تتطلب الاستفادة من المناهج المختلفة وقدراً أكبر من التكامل المنهاجي.
وقد انتقل الاهتمام بظاهرة الأمن القومي من الغرب إلى دول الجنوب. ويذكر الباحثون عدة أسباب لزيادة الاهتمام بدراسة الأمن القومي في مختلف دول العالم، بما يمكن اعتباره ظاهرة، ومن أهم تلك الأسباب:
1-التوسع في مفهوم المصلحة القومية ليشمل مسألة ضمان الرفاهية بما يعنيه ذلك من تأمين لمصادر الموارد، ومن ثم برز مفهوم الأمن القومي كتعبير عن كل من الرفاهية من ناحية، ومحاولة ضمان مصادرها الخارجية من ناحية أخرى، وحماية الترتيبات الداخلية التي تدفع إلى زيادة معدل الرفاهية من ناحية ثالثة.
2-ازدياد معدل العنف وتصاعد حدة الصراعات المباشرة والتي قد تتطور إلى حروب، ومن ثم سار الاهتمام بالأمن القومي في موجات ارتبطت بتزايد الصراعات على المستويين الإقليمي والدولي.
3-ازدياد الشعور لدى دول الجنوب بنوعين من التهديدات المتصلة بأمنها القومي. فمن ناحية، تُعد الديون الخارجية المستحقة عليها تهديداً لأمنها السياسي والاقتصادي، وتحد بالضرورة من حرية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى، تخشى الدول الصغرى من احتمالات قيام الدول الكبرى بإساءة توظيف المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ليس فقط لتحقيق مصالحها، ولكن للإضرار بمصالح الدول الصغرى وأمنها القومي.
4-تزايد الإحساس بالقلق والتوتر الداخلي والذي يمكن أن يتحول إلى مظاهر عديدة من عدم الاستقرار وعدم الأمن في الدول الصغرى، فلا تزال تلك الدول تعاني من مشكلات كبرى في عملية الإنتاج وكذلك عملية التوزيع.
5-يُثار الاهتمام بظاهرة الأمن القومي عند التحول من نظام الدولة القومية إلى نظام أوسع وأكثر شمولاً كالنظام الفيدرالي، أو التجمعات الاقتصادية الدولية.
6-يُثار موضوع الأمن القومي في حالة تفكك الدول الكبرى وخاصة الفيدرالية إلى دول قومية مستقلة ذات سيادة.
والحالة المصرية فريدة من عدة زوايا: فمصر دولة إقليمية مركزية محورية في الإقليم الذي تقع فيه، وفي العالم الذي تشارك فيه، وهي دولة ممتدة، وشواطئها طويلة، وحدودها مفتوحة على جيرانها. ونظرا لأهميتها الجيواستراتيجية، فهي مطمع دائم للقوي العظمي والكبرى،
بدءا من الامبراطوريات الرومانية، والبريطانية، والفرنسية، وانتهاء بمحاولات القوي العظمي توظيف القوي الناعمة لديها لاختراق الأمن القومي المصري. وتصدق على مصر مقولة ريتشارد بولك في كتابه حول السياسة والحكم في الشرق الأوسط، وهي "الموقع الجيواستراتيجي لمصر يدعو الدول للهجوم عليها".
وهكذا، فإن أهمية مصر قد تصير مصدرا لتعرضها للخطر، في الوقت ذاته الذي يعطيها ميزة فريدة لا تضاهيها دولة أخري في النظام الدولي الراهن. ترتيبا على ذلك، فإن التطورات السياسية في مصر محل اهتمام العالم أجمع بصورة تدفع صانع القرار إلى أن يظل متأهبا ومنتهبا، حرصا على الأمن القومي المصري. |