صنعاء نيوز - الأمومة والأبوة في ظل الصراع
مفترق الطرق عند الولادة،
للصراع في اليمن تكلفة متزايدة على حياة الأمهات والأطفال حديثي الولادة
تسببت أكثر من أربع سنوات من النزاع المسلح في اليمن بتدهور وضع النساء والأطفال عند الولادة في بلد كان مسبقاً من أفقر البلدان في الشرق الأوسط وواحد من أفقر بلدان العالم حتى قبل تصاعد الحرب في أوائل عام 2015. وبينما يقترب العالم من الذكرى الثلاثين لإتفاقية حقوق الطفل، يرى كثير من الناس أن خسائر النزاع المدمر لحياة الإنسان لم تترك إلا للأقلية المساحة للإستمتاع بتلك الحقوق.
فاليوم، لا يزال الصراع الوحشي في اليمن يحرم الأطفال من حقهم في الحياة ، وللناجين منهم ، الحصول على أفضل رعاية صحية ممكنة. وهذا يشمل الرعاية قبل الولادة وبعدها لأمهاتهم (المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل) حيث تتجلى إحدى نتائج الحرب في اليمن على أنها هجوم واضح على الأمومة والأبوة.
تعتبر الأمهات والرُضع من بين أكثر الفئات ضعفا في اليمن حيث تموت أم واحدة وستة مواليد كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة.
إن الخدمات العامة الأساسية ، بما في ذلك الرعاية الصحية الأساسية لدعم الأمهات والولادة ، على وشك الانهيار التام. تعمل فقط 51 بالمائة من جميع المرافق الصحية بكامل طاقتها، وحتى هذه المنشآت تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والموظفين.
في بلد متأثر بشدة بالأزمة الإنسانية ، طغت الحاجة الملحة للإستجابة لوباء الكوليرا بالإضافة للجوع على تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية الروتينية مما يترك النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة بمقدرة محدودة للوصول إلى المجموعة الواسعة من خدمات صحة الأم والطفل ، بما في ذلك الرعاية السابقة للولادة والطوارئ والولادة.
ووفقًا لمقابلات أُجريت مع نساء من أجل دراسة نوعية حول الخدمات الصحية في صنعاء وتعز وعدن ، فقد وُجد أن الولادات المنزلية في ارتفاع أيضًا . وقد ذكرت الدراسة أنه نظراً لإزدياد فقر الأُسر كل يوم، فإن عددًا متزايدًا من النساء يفضلن إنجاب أطفالهن في المنزل ، ويبحثن فقط عن الرعاية الطبية إذا تعرضن لمضاعفات.
حكاية خيزران
بدون مساعدة قابلة، وُلد الطفل عليّ في المنزل في منطقة ضلاع همدان بصنعاء حيث توفيت والدته خيزران بسبب نزيف حاد بعد خمس ساعات من ولادته. تسبب ذلك بخسارة كارثية للعائلة.
لم يكن لدى زوج خيزران يحي المال الكافي أو أي وسيلة مواصلات لنقل زوجته إلى مستشفى أو مركز صحي بمجرد بدء المخاض. هذه وضع شائع في اليمن ، وهو الوضع الذي يؤدي إلى أقل من ثلث عدد الأطفال المولودين في منشآت صحية.
لو كان يحيى قادراً على نقلها إلى المستشفى في الوقت المناسب للحصول على رعاية التوليد في حالات الطوارئ ، لكان من الممكن إنقاذ حياة خيزران ، لكن بسبب عدم توفر المواصلات في الوقت المناسب فقد ماتت بين ذراعيه.
اليوم يعيش طفلهما عليّ مع خالته و وضعه على كفة الميزان حيث تحاول خالته إرضاعه بجانب طفلها البالغ من العمر ثلاثة أعوام. لعلي سبعة أخوة أكبرهم دون السادسة عشرة وجميعهم محبطون بسبب فقدان والدتهم حتى أنهم تركوا الدراسة.
في بلد مزقته أثار النزاع المستمر، يجد اليمن كل مظهر من مظاهر المجتمع المحلي والخدمات الأساسية العامة التي أصبحت على شفا الإنهيار التام في ضغط يمتد إلى ما وراء الحدود. وعلى الدوام، فإن أول من يشعر بهذا التأثير بشكل كبير هم الفئة الأضعف بما في ذلك الأطفال المواليد.
بسبب الصراع، فقد أصبح الوصول المستمر إلى الرعاية التخصصية خلال الحمل والولادة من الصعوبة بمكان. وحتى عندما يتم تحويل الأمهات إلى مستشفيات إحالة تحتوي على أقسام عاملة للأمومة، فإن ذلك لا يعتبر بمثابة ضمان الحصول على الرعاية، حيث يشير العاملون الصحيون إلى قلة عدد الكادر وقلة الموارد والمعدات مثل الحاضنات. وقد وصل الحد إلى أنه يتعين على الأمهات الحوامل أو الأمهات الجُدُد والأطفال مشاركة الأسّرة في ظل سيطرة سيئة على العدوى.
من خلال السياق القاسي التي تشهده اليمن اليوم، فقد أصبح الوصول إلى القابلات الماهرات ورعاية ما قبل الولادة يتناقص مع إستمرار الحرب، مما يضع حياة الكثير من الأمهات والأطفال على المحك. وتشكل نسبة وفيات الأمهات والمواليد والأطفال في مناطق النزاع والنزوح النسبة الأكبر من نسبة وفيات الأمهات والأطفال.
قصة ياسمين
في عمر الحادية والعشرين كانت ياسمين علي حاملاً ثلاث مرات- لكنها فقدت طفليها الإثنين الأوائل بُعيد فترة قصيرة من الولادة.
تعيش ياسمين مع زوجها عبد الرحمن سليمان في مديرية الضاحي في محافظة الحديدة، وهي واحدة من أكثر المناطق تأثراً بالصراع في اليمن. يعاني زوجها سليمان من أجل الحصول على عمل لكي يوفر الطعام لأسرته المكونة من والدته وأخيه والمعتمدان عليه أيضاً. بحسب تقديرات البنك الدولي فإن نسبة فقر الدخل قد تصاعدت من 49 بالمائة قبل الحرب (2014) إلى 81 بالمائة في 2018.
كانت ياسمين حاملاً للمرة الأولى في بداية 2018 حيث كانت -ولازالت- مصابة بسوء التغذية. وخلال زياراتها السابقة للولادة دائماً ما كانت تنصحها الطبيبة في المركز الصحي بتناول سوائل وأدوية لتقويتها حتى تكون قادرة على الولادة بنجاح.
" لقد قالت لي الطبيبة خلال الشهر الثامن من الحمل بأنه ستتعين عليّ الولادة القيصرية بسبب تعقيدات الحمل،" تتذكر ياسمين. عندما لم يستطع الزوجين تحمل نفقات الدواء والعملية الضرورية فقد قررت ياسمين الولادة في المنزل.
كان الوليد ضعيفاً للغاية مما اضطر الوالدين إلى الذهاب به إلى المستشفى حيث بقي لمدة ثلاثة أيام قبل الخروج من المستشفى بسبب عدم مقدرتهما تحمل نفقات العلاج والبقاء في المستشفى. توفي الوليد بعد نصف ساعة من الخروج من المستشفى.
في بلد يصعب الحصول فيه على وسائل منع الحمل، أصبحت ياسمين حاملاً مرة أخرى. كانت لاتزال مصابة بسوء التغذية عندما أنجبت طفلاً أخر، وكان هو الآخر عليلاً خلال لحظات من ولادته. هذه المرة كانت بسبب عدم مقدرة والديه الإسراع به إلى المستشفى. ولم يكن مرفق الرعاية الصحية الأولية في قريتهم مؤهلاً للتعامل مع مواليد ضِعاف بشكل حرج.
تقول حنان علي وهي عاملة صحية في المرفق الصحي في قرية ياسمين بأن أغلب النساء الحوامل لا يستطعن الوصول إلى المستشفى في مدينة الحديدة بسبب عدم توفر المال الكافي للدواء أو للمواصلات. " حوالي 20 بالمائة فقط من النساء الحوامل في المنطقة يذهبن إلى المستشفى. نسمع كثيراً عن أمهات ومواليد يموتون بعد الولادة بشكل سريع". تقول حنان.
حتى قبل الحرب، فقد كانت ثُلث النساء فقط يذهبن إلى المرافق الصحية للولادة. وكان الوصول إلى خدمات الأمومة في المناطق النائية أقل من ذلك- حيث كانت تصل 23 من أصل 100 امرأة حامل إلى الرعاية المتحصصة.
الحرب في اليمن - كيف يقوض الفقر مستقبل جيل بأكمله
تسعى اليونيسف للأخذ بعين الإعتبار تحديات الفقر وسوء التغذية
بعد أربع سنوات من النزاع بات النسيج الأساسي لأفقر بلد في الشرق الأوسط في حالة يرثى لها. فعلاوة على المخاطر التي تهدد الحياة من جراء استمرار النزاع تبقى التحديات العاجلة المتمثلة بالفقر وندرة الغذاء ونقص مياه الشرب المأمونة تشكل تهديداً من نوع خاص يواجه القطاع الأكثر ضعفاً داخل المجتمع اليمني وهم النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم.
قصة سعاد وسعيد
نزحت سعاد حمادي وهي أم لخمسة أطفال من مسقط رأسها في تعز بسبب النزاع العنيف وتعيش حالياً مع أسرتها في مخيم للنازحين داخل محافظة لحج الواقعة جنوب اليمن.
بحلول موعد ولادة طفلهما الأصغر سعيد كان زوجها منصور حريصاً على ضمان تأمين رعاية آمنة لزوجته والطفل جديد أثناء الوضع. لذا فقد اقترض بعض المال لتغطية تكاليف السفر والنفقات الطبية في أقرب مستشفى والذي يبعد عدة ساعات من منزلهم.
تسببت المضاعفات أثناء الحمل بولادة طفل بعملية قيصرية. مع تزايد النفقات الطبية لعملية الولادة لم يكن لدى منصور خيار سوى استنفاد مدخرات أسرته بالكامل والبالغة 90 دولار أمريكي لدفع فاتورة المستشفى.
وكونه عامل بالأجر اليومي وبدون دخل ثابت مضمون فقد وقع منصور في دائرة الفقر ما القى بالمصاعب على أسرته.
واليوم بالكاد يستطيع منصور كسب ما يكفي لإطعام أطفاله فيما صغيرهم سعيد يعاني من سوء تغذية حاد وباتت حياته على المحك.
رغم الدعم الحالي الذي تقدمه اليونيسف للنظام الصحي في اليمن إلا أن الوضع في البلاد يتدهور يوماً بعد يوم ما يستوجب دعماً شامل طويل المدى ومتعدد القطاعات للأمهات والأطفال في اليمن.
للحد من ارتفاع معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة في البلاد تدعم اليونيسف أيضاً 13 مستشفى - بما في ذلك وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة في تلك المستشفيات المتواجدة في أمانة العاصمة ومحافظات صنعاء وذمار والحديدة وحجة. كما تعمل اليونيسف على توسيع مستوى هذا الدعم بضم المزيد من المستشفيات.
لماذا هناك حاجة لمزيد من التدخلات؟
نظام قسيمة البداية الصحية
ستدمج استجابة اليونيسف الإضافية بين عناصر الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية من خلال - على سبيل المثال - تقديم نظام قسائم البداية الصحية للمساعدة في إنقاذ حياة النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة. نساء مثل سعاد وحديثي ولادة مثل سعيد.
برنامج قسائم البداية الصحية لليونيسف هو أداة حماية اجتماعية تستجيب لاحتياجات النساء والأطفال إلى الرعاية الصحية المنقذة للحياة وقد تم إطلاقه مع الشركاء خلال الربع الثاني من عام 2019.
تشمل المبادرة تقديم قسائم للنساء الحوامل والمرضعات من الفئات الفقيرة والضعيفة. حيث يمكن للنساء استخدام تلك القسائم للوصول إلى المستشفيات ووضع أطفالهن بأمان والوصول إلى الرعاية التوليدية الطارئة ورعاية حديثي الولادة في حال حدوث مضاعفات بجانب تلقي العلاج من سوء التغذية. كما يسمح البرنامج للنساء بالوصول إلى وسائل منع الحمل ذات المفعول طويل المدى. سيتم تنفيذ نظام القسائم في أمانة العاصمة ومحافظات صنعاء وعدن على مدار ثلاث سنوات - مع التركيز على المناطق الحضرية التي تعاني من الحرمان الشديد خلال العام الأول من البرنامج.
اليمن: الأمومة والأبوة في ظل الصراع (4/4)
الصراع في اليمن وتأثيره المدمر على الرعاية الصحية
صحة المجتمع والرعاية الصحية التوليدية على خط المواجهة في اليمن
مع دخول الصراع في اليمن عامه الخامس فقد توقف دفع رواتب أكثر من 1.25 مليون موظف حكومي في اليمن بمن فيهم الأطباء والأخصائيون الاجتماعيون وغيرهم من العاملين في القطاع العام منذ أكثر من عامين ونصف الأمر الذي أدى إلى إغلاق أو تخفيض ساعات عمل بعض المرافق الحيوية كالمنشآت الصحية والمدارس ومرافق المياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأساسية.
الخدمات العامة الأساسية على شفير الانهيار التام حيث لم يعد هناك سوى 51 في المائة من إجمالي المرافق الصحية لا تزال تعمل بشكل كامل رغم أنها تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والموظفين.
دفعت الحرب بقوة صحة المجتمع والرعاية التوليدية إلى خط المواجهة مع تزايد أعداد الوفيات بين المدنيين المرتبطة مباشرة بنقص الموارد.
وارتفع معدل وفيات الأمهات بشكل حاد خلال الحرب من خمس وفيات في اليوم عام 2013 إلى 12 حالة وفاة في 2018. هذه الأرقام المجردة لها عواقب أخرى - فعندما تموت الأم فإن ذلك يزيد بشكل كبير من خطر وفاة أطفالها.
الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم غالباً ما يواجهون فرصة ضئيلة للبقاء. يموت طفل واحد من بين كل 30 طفل خلال الشهر الأول من ولادتهم . فالرضيع الذي فقد أمه لن يستطيع أن يرضع حصرياً من أمه وبالتالي تكون مخاطر وفاته عالية – بشكل مباشر بسبب سوء التغذية أو بشكل غير مباشر من خلال زيادة التعرض للعدوى.
خط المواجهة المتمثل بالرعاية الصحية
أفراح يحيى عاملة صحية مجتمعية في ضلاع همدان. تقوم هذه الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً مع سبعة عاملات صحيات مجتمعيات بزيارات منزلية للحوامل لنشر التثقيف الصحي - بما في ذلك التشجيع على الولادة في أقرب مركز صحي في المديرية بدلاً من المنزل. حيث يغطين مساحة فيها 300 امرأة حامل.
"نشجع النساء على الولادة في المستشفى الذي تدعمه اليونيسف مجاناً. مع ذلك وفي كثير من الأحيان قد لا يمتلكن المال اللازم لدفع تكاليف المواصلات عندما يحين وقت الولادة ولا يزال الكثيرات منهن يعتقدن أنه لا مانع من الولادة في المنزل".
بدعم من اليونيسف تقدم العاملات الصحيات المجتمعيات مثل أفراح خدمة أساسية وربما منقذة للحياة للنساء والأطفال المتضررين من الحرب في اليمن لا سيما في المناطق النائية أو الريفية. غير أنها بحاجة إلى المعدات والتدريب المتخصص والوصول إلى سيارات الإسعاف. ” نأمل أيضاً أن نتمكن من الحصول على قابلة متخصصة في المنطقة حتى تتمكن الأمهات من الحصول على دعم سريع لإنجاب أطفالهن بعيداً عن مخاطر الوفاة".
يعتبر بقاء المواليد على قيد الحياة في اليمن اليوم في بعض الأحيان مجرد نصر مؤقت في حياة مليئة بالتحديات المستمرة.
تعيش عهود البالغة من العمر 25 عاماً في مخيم للنازحين جنوب اليمن. اضطر زوجها إلى بيع دراجته النارية - وهي الأداة الأساسية لكسب قوته - لدفع رسوم المستشفى التي تبلغ حوالي 70 دولار أمريكي. الآن هو غير قادر على العمل والوجبة الرئيسية لعائلته هي الخبز والشاي.
وعليه، ونيابة عن الأطفال والأمهات في اليمن تطالب اليونيسف من كافة أطراف النزاع والمجتمع الدولي القيام بما يلي:
1. وقف الحرب. يعد الحمل والولادة من أكثر اللحظات ضعفاً في حياة المرأة والطفل. فلا يوجد شيء أكثر تدميراً من فقدان الأرواح خصوصاً إذا كنا نعلم أنه كان من الممكن منع حدوث ذلك. وإذا أردنا حماية الأرواح الغالية فيجب إيجاد حل سياسي عاجل ومستدام.
2. الحفاظ على نظام الرعاية الصحية في البلاد قيد الخدمة. يجب أن ينصب التركيز بشكل خاص على الرعاية الصحية الأولية حتى يتسنى للنساء المعرضات للخطر والأطفال حديثي الولادة والأطفال الحصول على الرعاية والعلاج من الحالات والأمراض التي يمكن الوقاية منها. هذا بالإضافة إلى الدعوة المستمرة لاستئناف دفع رواتب العاملين في القطاع الصحي كما من الضروري مواصلة دعم تقديم الحوافز للعاملين المنخرطين في تقديم خدمات إنقاذ الحياة.
3. زيادة الموارد. توفير موارد أكبر لدعم خطط حماية الصحة الاجتماعية وتوسيع نطاقها بما في ذلك التحويلات النقدية للأسر الضعيفة وكذلك القسائم الصحية.
4. تحسين السلوكيات المعززة للصحة. تحسين فرص وصول الأمهات والأسر إلى خدمات رعاية عالية الجودة للحوامل والولادة المأمونة وما بعد الولادة وضمان بقاء الأمهات والمواليد الجدد على قيد الحياة وازدهارهم.
|