صنعاء نيوز/ بقلم/ احمد الشاوش -
كل المؤشرات والوقائع تؤكد ان الجيل القادم في اليمن بلا شخصية ولا هوية ولا ثقافة ولا معرفة ولا تعليم ، جيل مشتت الذهن والعقل والبصر والبصيرة ، مصاب بالحالات النفسية والعصبية وانفصام الشخصية بعد ان سيطرت عليه حالات الخوف وفقدان الثقة وحولته الأحزاب والجماعات الى حقل تجارب ، نتيجة للكم الهائل من الصراعات الدموية والحروب العبثية والعدوان الغاشم و التعبئة الخاطئة والثقافة الانتقامية والسلوك المنحرف والتعليم المهجن والمناهج المسيسة والمحاضرات المؤدلجة التي حولت كل طفل وشاب ورجل وامرأة الى قنابل قابلة للانفجار ضد كل صوت يُحاكي منطق العقل او يُخالف الرأي أو يملك رؤية ناضجة تُساهم في إرساء قيم التسامح والمحبة والتنمية وتأسيس مستقبل مشرق لليمن.
كم نحن بحاجة ماسة للعودة الى الفطرة وتأنيب الضمير والتفاعل مع الواقع وفرمتت العقل اليمني من الموروث السياسي والايدلوجي والثقافي والعادات والتقاليد والاساطير السيئة والافراط في التبعية التي أرضعتنا ثقافة التعصب والارتزاق وعبتنا بالجانب الاسوأ للعولمة وأجبرتنا على العيش في الوهم بعد ان سيطرة على عقولنا وأسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وحاضر ومستقبلنا.
تساؤلات عديدة تدور في مخيلة المواطن اليمني الشريف ، كيف لجيل اليوم الذي لا يجد كتاباً ولا كرسي ولا مدرسة نموذجية ولا مدرس مثالي ولا منهج تربوي وتعليم عصري ولا تعليم مجاني ولا منافسة ولامساواة ولا انصاف ولا تكريم للمبدعين ان يبني جيلاً محصناً يؤسس لقاعدة الحاضر والانطلاق نحو المستقبل ؟ كيف نتحدث عن مكانة وهيبة ورسالة المعلم وعظمة العلم بعد ان تحول المعلم الى سياسي وحزبي ومخبر وثائر وجاحد لوطنه ومقصر في مهنته ويدعو الى الاضراب وتعليق الدراسة و الغش وثقافة الكراهية بتحوله الى أداة رخيصة بلا ضمير ولا مسؤولية ولا اخلاق ،، وكذلك الحال بالنسبة للطبيب والمهندس والعامل والقاضي وعضو النيابة والجندي والممرض والتاجر والوزير والقائد مع احترامنا لبعض الشرفاء والصادقين منهم .
تعليم اليوم لم يكن إلا امتدادا لانعدام الضمير وغياب المسؤولية ، لم يكن مستقلاً منذ اليوم الأول لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، 1962م بل سيطرة عليه عدد من القوى السياسية والحزبية والايدلوجية وأجهزة الامن نتيجة للصراع الكبير بين الجمهوريين والملكيين والشيوعيين والاخوان والقوميين والناصريين والبعثيين والليبراليين بسبب المراحل الحساسة والاستقطاب الكبير الذي أنتج قادة ضعاف ومخرجات أضعف فشلت في تأسيس مداميك المناهج التربوية والتعليمية المستقلة ، وصارت مناهج التربية والتعليم مفرغة من الهدف السامي الذي تؤسس لجيل راقي وعندما سقط كل ذلك سقطت الدولة .
والشواهد على ذلك السقوط كثيرة ففي الماضي كان الكثير من أبناء المسؤولين والمشايخ والتجار وقادة البلاد يختبرون الثانوية العامة في لجان ريفيه بعيدة عن الرقابة ويغشون من الكتب مباشرة بمساعدة مراقبين وأساتذة ويحققون معدلات عالية على حساب طلبة العلم المثابرين ، واليوم يتكرر الخطاء والاغرب من ذلك ان تُكرم التربية والتعليم طالباً أستشهد في القصف الذي أستهدف المدينة السكنية بصنعاء منذ شهور وهو في المرحلة الإعدادية وتمنح لأسرته شهادة الثانوية العامة بنسبة 85% بعد ان صعدت روحه الى الرفيق الأعلى وقبل ان يؤدي أي اختبار في حالة من حالات تدمير التعليم والقفز على التربية والضحك على الاخرين ، يومها علق أحد الزملاء على ذلك التكريم بإن الشهيد رحمة الله عليه لم يُقبل في أي كلية أو جامعة في الفردوس الأعلى وان تخصصات كليات الطب والهندسة والصيدلة في السماء السابعة فوق معدل الـ 95 ، رُغم انه كان بإمكان التربية ان تُكرم اسرة الطالب بمرتب شهري من مؤسسة اسر الشهداء او صرف سلة غذائية شهرية لأسرته بعيداً عن النفاق وتدمير التعليم ، وقس على ذلك الأخطاء والتجاوزات في الصحة وباقي مؤسسات الدولة التي يفترض ان تكون القدوة في تطبيق القانون واللوائح بعيداً عن الاثارة والشطحات الكبيرة التي تسيء الى جهاز التربية والدولة بشكل عام.
والسؤال الذي يطرح نفسه متى سيدرك كل مسؤول في التربية والتعليم وغيرها من مؤسسات الدولة ان تلك التصرفات القاتلة واستنساخ الثقافة العدوانية تدمر جهاز التعليم وتنتج جيل فاشل حاضراً ومستقبلاً.
ولذلك فإن الوقائع تشير الى ان استمرار سياسة " التجهيل" وغياب الرقابة الابوية والصراع السياسي العقيم والحرب القذرة ستخلق جيل " متمرد " يؤمن بثقافة الموت والدمار والفيد والرشوة والنفاق والتبعية ، جيل لا يهمه تربية ولا تعليم ولا قيم ولا دولة ولا مؤسسات مدنية بقدر ما يهمه الارتزاق وجلسات القات والانس والمخدرات والحبوب المنشطة ومشروب الطاقة والعصابات في ظل أولياء أمور لايسألون أولادهم ولايعلمون أدق التفاصيل عن حياتهم ومشاكلهم وأصحابهم ومعاناتهم فهل من رجل رشيد؟
[email protected]