صنعاء نيوز/ رام الله : مصطفى منيغ -
مع اللحظة الحاسمة تقفُ كل الاحتمالات في مساحة التكهُّن لساحة العقل المُتفحِّص المُحلِّل المُقارن المُؤخِّر والمُقِّدم عسى يُرجِّح كفة إحداها فتتشرَّف وتتَّخذ موقعها في أعلى الصفحة عنواناًً للحدث المُقْرح أو المُفْرح ، إذ بعد خمس وأربعين دقيقة سأكون وجهاً لوجه مع العقيد معمر القذافي لنتناقش ونتحاور بأسلوب سأفرضهُ (إن استطعت) ليكون بالواضح وليس المرموز آخره كأوله صَرِيح ، طبعاً لستُ إلاَّ مواطناً مغربياً سيجلسه قدره مع رئيس دولة يُعادي وطنه شاهراً انحيازه لأطروحة تناقض تماماً ما يُبشر به منذ انقلاب الفاتح من سبتمبر كرسول لا يشق له غبار لوحدة الأقطار العربية وإيقاف ما من شأنه تفتيت هذه الوحدة وفي ذات الوقت يساهم قولاً وفعلاً في خلق دُوَيْلَةٍ بتوافق تام مع النظام الجزائري . بالتأكيد سأُحضِِرُ معي القضية الفلسطينية ما دامت ليبيا قادرة على التأثير بما تملك من مال يتضاعف حجمه كل ساعة من ساعات الليل والنهار، وما تختزنه من عتاد يكفى ربعه في يد الأحرار الفلسطينيين لإيقاف إسرائيل عند حدها ، وبالتالي ذاك المشروع الإعلامي الضخم الذي أسَّسْتُ من أجله بمدينة العرائش المغربية جريدة "الشعب" لتكون لسان حق وخادمة أمينة لمجال الصحافة بالمفهوم العلمي الدقيق وأخلاقيات مهنة لا شيء يضاهيها في نشر ما ينفع الناس مهما تواجدوا ناطقين بلغة الضاد ، جاعلة من بروكسل عاصمة المملكة البلجيكية مقرا مميزاً لها .
... أخرجوني من باب خلفية للفندق الذي أقيم فيه منذ أيام خمسة لأركب سيارة مما يصعب ركوبها مرة ثانية لرفاهيتها الزائدة عن المألوف مصحوباً بامرأة (من حارسات القذافي) ورجل (مكلف بالمهام الخاصة) وما أن وصلنا حتى لمحت القذافي واقفا لوحده ينتظرني تقدمتُ نحوه بخطوات ثابتة وعيني لا تفارق محياه عن قصد ، صافحني بحرارة وقادني لخيمة بها مقعدان ومائدة صغيرة مهيَّأة لاحتواء معدات القهوة وبضع أطباق مملوءة بأصناف من الحلوى المحلية الصنع .
سألني عن المعاملة التي استُقبلتُ بها في الفندق، فأجبته: كما كنتُ أنتظره الكرم والاحترام، والشعور بالأمن والسلام.
- نحن في حاجة لمزيد من الوقت حتى نَطمئِن تماما أن الثورة نجحت في خلق ليبيا بطعم جماهيرية لم يتذوق العالم مثيلا له من قبل .
- دورك في ذلك (الأخ العقيد) لا يُحسد عليه .
- كيف؟
- الجديد الغير المألوف يظل جديدا غير مقبول بيسر لدى عامة فرضت عليها (قبل الثورة) ظروف الأمية والفقر الناتج عن عدم تكافؤ الفرص K نوعا من التحفظ الذي يتلاشى متى عمَّ البشر الازدهار، من نوع آخر،
- ممكن أن تتوسع أكثر؟.
- لو دعوتَ جائعاً ليبياً لتناول الطعام وأدخلته بيتكَ ورأى أثاثه المبتاع بالغالي النفيس، وأحضرت له طعاماً تسبقه رائحة تُسيل اللّعاب وتُفرح النفس، وقبل أن يبدأ أخبرتَهُ أن بالطبق أمامه لحم كلب، ما رأيك الأخ العقيد فيما سيحصل ؟.
انفجر ضاحكاً حتى كاد يسقط من فوق الكرسي، فاغتنمتُها فرصة لأكملَ حديثي في نفس السياق:
- المسألة لن تتوقف عند هذا الحد بل ستتطور عندما يخرج من عندك كما دخل جائعا ، لن يكف عن ترديد أنك أردتَ إطعامه كلباً، والمصيبة ستكبر إن قالها وهو باكيا.
- لن يصدِّقه أحد.
- قد يجوز، وأنت هل ستكذبه ؟؟؟، المسألة كما قلتُ تبدوا جديدة غير مألوفة وحتى يستوعبها الجميع فيتقبلها بحماس منقطع النظير ، المفروض أن تتوفر داخليا لكل فرد ما وعد به الكتاب الأخضر دفعة واحدة مهما كان المجال ، الإمكانات المادية متوفرة، والأدمغة الوطنية المؤطرة موجودة . خارج الجماهيرية العظمى ، ليس هناك أشرس من العدو الصهيوني الذي لن يقبل أي نجاح لثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة فبالأحرى انتشار ما ابتدعته من نظام حماهيري كحل موفَّق لما تتخبط فيه من مشاكل عويصة ، العديد من دول العالم ، كما قرأت في عدة كتاباتك ، ومتى وفرت الجماهيرية للأشقاء الفلسطينيين الأعزاء الإمكانات المالية في الدرجة الأولى ، وقدمت لهم الكمية المطلوبة من العتاد وبالتالي وسائل الدفاع الدبلوماسي المغطية المحافل الدولية مهما تباينت درجات أهميتها ، ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد ، التخلص من الشر الصهيوني ، والمساهمة في تحرير فلسطين الحبيبة مما هي فيه ، وكسب الجماهيرية ما تستحقه من تقدير وبخاصة من الشعوب العربية قاطبة .
... هل استمر في طرح النقطتين الباقيتين أم أكتفي بهذا القدر احتراما لوقتك الثمين ؟.
- خذ الأستاذ مصطفى منيغ حريتك بالكامل ، أنا سعيد بالإصغاء إليك كما سعدتُ بسلسلة من مقالاتك التي أحيانا ذهَبَت بي للتفكير العميق في أمور عرب لا أدري إن كانوا يفهمون أم هذه الحاسة غُيِّبت عنهم في وفت ما أحوجهم إليها لإصلاح أحوالهم إصلاحاً جذريا حتى يتمكن الجميع في العيش المكيف مع وحدة منشودة أحاول تحقيقها بما أستطيع .
- تتحدث الأخ العقيد عن وحدة عربية شاملة وبالقرب منك من يقف معرقلا هذه الوحدة كما تفعل أنت بدعمك القوي لجبهة انفصالية تقودها جزائر الهواري بومدين بأسلوب لا يعادي به المغرب شعبا ونظاما بل شعوب المنطقة وأنظمتها بما فيها شعب الحماهيرية العظيم وقائد ثورتها المباركة معمر القذافي الذي جعل العالم يحترم الفاتح من سبتمبر رغم أنف أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومصيبة المصائب إسرائيل ، الجالس معك الآن مغربي جاء بحسن نية ليقدم لك خدمة شخصية قوامها أن القوة وحدها لا تكفي إن لم تكن معززة بمحبة الناس لك المحبة التي تستطيع بها أن تنام قرير العين في أي مكان شئت دون حراسة مخففة أو مشددة ، وحينما أقول عامة الناس لا أستثني بعض الحكام ومنهم بالنسبة لك الملك الحسن الثاني الذي جاءه من يهمس في أذنيه أن طائرتك ستدخل الأجواء الوطنية المغربية في الزمان والمكان المحددين بدقة الخبرة العسكرية المشهود لها بالكفاءة عالميا وأصبع بلامس زر انطلاق صاروخ يحولها وأنت داخلها لخبر كان ، لكن الحسن الثاني رفض بقوة ، بل أمر بفك مثل الترتيب . فكان عليك أن تكف عن مساعدة من يريد الضرر بكما معا خاصة وأنت تعلم بما يصلك من تقارير مخابراتية أن الهواري بومدين يبحث عن ممر أرضي يربط الجزائر مباشرة بالضفة الشرقية للمحيط الأطلسي ، جبهة البوليساريو والجمهورية الصحراوية وأشياء من هذا القبيل لا يمثل إلا غطاء ظرفيا أساسه تمزيق خريطة الوحدة العربية المرسومة بهدف نبيل من طرفك الأخ العقيد ، وعمقا لتمديد ما سيتحول لعرقلة وخيمة تنعكس سلبا على المغرب العربي الكبير بغير فائدة تذكر . (يتبع)
مصطفى منيغ
Mustapha Mounirh
[email protected]