صنعاء نيوز/ الدكتور عبد العزيز المقالح -
إلهي
أعوذ بك الآن من شرِّ نفسي،
ومن شر أهلي،
ومن شر أصحابي الطيبين،
ومن شر أعدائي الفقراء الى الحب،
ومن شر ما صنع الشعر،
ومن شر ما كتب المادحون،
ومن شر ما كتب الحاقدون،
أعوذ بك الله من أرقٍ في عيون النجوم،
ومن قلقٍ في صدور الجبال،
ومن خيبةٍ في نفوس الرجال،
ومن وطنٍ شاهراً موته،
يتأبط خيبته،
يتكور خوفاً من الذاكرة.
إلهي
وقد سكن الليل ،
وانكفأتْ تحت صمت الظلام البيوت،
وأورق حزن الشوارع،
هل لي اذا انكمشت داخل الجسم روحي،
واختبأ الحلم في صدف الدمع؟
هل لي خلف المدى توبة تصطفيني؟
ونافذة تحتويني؟
وهل للكلام المحّوط بالسر ان يفتدي وحشة الغاب
ان يمنح القلب شيئاً من الضوء
شيئاً من الصلوات تطهر هذا الكيان العتيق؟
وتغسل عنه سواد الخطيئة
تغسله من بقايا الجنون
ومن موجعات الحريق!
إلهي
سأعترف الآن إنِّي خدعت العصافير،
إنِّي هجوت الحدائق،
إنِّي اختصمت مع الشمس،
إنِّي اتخذت طريقي الى البحر منفرداً،
وانتظرت الزمان الجميل،
فما كان الا السراب،
وما كان الا الخراب،
ولكنني انصعت للشك،
كابرت،
بعثرت نصف الجنون،
ونصف الضمير،
فأدركني دمّل الوقت،
شاهدت نعشي،
خالطت أشياء لا تقبل التسمية
إلهي
تزينت الارض،
انت الذي بظلال الندى، بالبحيرات، بالعشب،
بالاخضر المتوهج زينتّها ، وشعشع ضوؤك في الماء،
فاستيقظ الروح،
وارتعشْت في الأثير المعارج،
فَّوحة كانت - المدن الذاهبات إلى النهر،
والقادماتُ من النهر،
لا شيء يشبه شيئاً هناك،
ولا شيء يشبه شيئاً هنا،
أنت شكلّت باللون هذا الفضاء المديد،
واطلعْته ...كيف تنفلق الثمرات،
وكيف يجئ المساء وحيداً الى البحر،
يسحب خطوته خائفاً،
وينام.
إلهي
تسللتُ ذات مساء شديد الظلام
الى (منطق الطيرً)،
كان(الفريد) هناك يحدث أنصاره،
وتلاميذه،
بعد ان عاد من مدن العشق،
ممتلئاً بالمحبة للناس والطير،
والكائنات القريبة ،
والكائنات البعيدة،
قال لي:
أيّها الجاهل الجاحد الحق،
ان التعصب أفعى ،
وإنك -مهما ارتقى بك الجدُّ-
لست سوى حفنة من تراب.
إلهي
انا شاعرٌ
يتحسس بالروح عالمه،
يكره اللمس ،
عيناه مقفلتان،
وأوجاعه لا حدود لأبعادها،
وتضاريسها،
كرهتني الحروب ،
لأنِّي بالحسرات، وبالخوف أثقلت كاهلها،
ونجحت بتحريض كلّ الزهور،
وكلّ العصافير،
ان تكره الحرب،
ان ترفض الموت يأتي به موسمُ للحصاد الرهيب،
ولكنها الحرب يا سيدي اطفأتني،
واطفأت اللوحات المدلاة في الأفق،
أقصت عن الارض نور السموات
واحتكرت ملكوت الجحيم.
إلهي
تبّدل وجه الزهور،
ووجه الطيور،
رماداً تبدلت الارض بالعشب،
وانفطرت
لم يعد مستقيماً شعاع الصباح،
وماعادت العين تقرأ عبر نوافذها المغلقات
سحابة صيف تذوب حناناً
إذا اقتربت من أصابعها الشمس
حتى السماء أنحنت،
وتهشم أزرقها ،ارتج،
وانطفأت فوق جدرانها صور الظل والضوء،
إن الحريق على حافة العمر،
ماذا جرى؟
هل سيتركنا الحب للحرب؟
أشهد ان الزمان انتهى ،
والمكان انتهى ،
والفصول،
ولاشيء،
لا شيء يلمع، يسقط فوق المياه،
إلهي
على عجل جئت بي،
وتمنيت -إنِّي على عجل- قد رجعت اليك،
وألقيت بين يديك جواهر حزني،
وأثمن ما أدخرته الطفولة من وجع (اه)،
لاشيء يمسكني -كان- الا البكاء،
فقد خفت لما هبطت الى الارض،
أرعبني الناس،
أرهقني مخلب الخوف،
حاولت- ياليتني كنت اسطيع - ان أنثني،
أن أكون ندىً،
حجراً ،
أن أهاجر،
أن اطمس اسمي،
أمحوه من كتاب الخليقة
إلهي
مضى العمر الا القليل،
ما غادرت قدمي أول السور من منزل الكائنات ،
ولم يشهد القلب سر الجمال الموزع في الارض،
لم تكتب الروح أول حرفٍ من اللغة المستكنة،
في الضوء،
مازالت الكلمات تشد الرحال الى غيمة،
ليس تدنو
إلى امرأة اسمها في الكتاب القصيدة،
ياسيدي:
ورق العمر مازال أبيض من غير سوءٍ
سوى ثرثرات المرايا،
وأبخرة تتصاعد من كبد الشك،
هل تستطيع اللغات التي ستموت معي
والقصائد،
أن تعبر الدهشة الصامتة؟ |