صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
تتجلى أهمية موضوع المسؤولية الجنائية للصيدلي في ازدياد الحوادث الصيدلانية نتيجة التطور الهائل في الصناعة الصيدلية بسبب خطورة المنتوجات الدوائية؛ فإذا كان خطأ الطبيب يقتصر على مريض بعينه، فإن خطأ الصيدلي يتعداه إلى عشرات بل مئات الضحايا، فأي خطأ في تصور أو صنع الدواء قد يخلف العديد من الضحايا، ولا أدل على ذلك من حوادث غبرة بومول Poudre Boumoul والتي خلفت 73 وفاة سنة 1952 وحوادث دواء الستالينون Satalinonوالتي ترتب عنها وفاة 100 شخص والعديد من الجرحى.
تعتبر الصيدلية إحدى تخصصات العلوم الصحية الشديدة الصلة بالكيمياء وعلم الأحياء بفروعه وهي تهتم بكل نواحي اكتشاف، تصنيع، صرف واستخدام المواد الدوائية والمنتوجات الصيدلانية غير الاستشفائية، فهي علم يبحث في أصول الأدوية طبيعية كانت أم كيماوية،
كما يبحث في الخواص الفيزيائية والكيماوية والفيزيولوجية لكل مادة أو مركب يحضر سلفا من أجل تحقيق الشفاء للمريض أو الوقاية من الأمراض ومنعها سواء كانت خاصة بالإنسان أو الحيوان ودراسة الفعالية الدوائية والتأثيرات السلبية للدواء، وكيفية التخلص منها بأفضل الطرق. كما تعتبر مهنة الصيدلة فن يختص بطرق تحضير وتركيب الأدوية والمستحضرات العلاجية المختلفة من مواردها الأولية، ووضعها في قوالب وأشكال صيدلانية جاهزة وصالحة للاستعمال مع توفير الإرشادات والنصائح الضرورية للاستفادة من التأثيرات العلاجية الإيجابية للمنتوجات الدوائية وتفادي التأثيرات السمية والسلبية، سواء بهدف المعالجة أو تخفيف الآلام أو الوقاية من الأمراض.
والصيدلي هو “المحترف بجميع الأدوية على أحمد صورها واختيار الأجود من أنواعها، مفردة أو مركبة على أفضل التراكيب التي حددها له مبرزوا أهل الطب”.
أمام هذا التعريف، يمكن القول بأن الصيدلي هو الشخص الحاصل على الإجازة أو المؤهل العلمي الذي يعني أن صاحبه علم بالأصول العلمية والعملية اللازمة لممارسة الصيدلة.
ولابد من الإشارة إلى أن مهنة الصيدلة قديمة قد الإنسان، بحيث بدأت مع المداواة بالأعشاب المقتبسة من الحيوان، حيث لاحظ هذا الأخير أن الحيوانات المعتلة صحتها كانت تقتات على الأعشاب فتشفى مثل القطط التي كانت تأكل أعشاب النعناع، وهكذا بدأ فن التداوي عند الحضارات القديمة.
فقد كان الصينيون القدامى يجربون تأثير الأعشاب والنباتات الطبية على الحيوانات وعلى أنفسهم ومن أهمهم العالم الصيني “شن تونغ”، ثم عرف قدماء المصريون الصيدلة حيث احتكرها الكهنة الذين دونوا ما كانوا يكتشفونه من أدوية على جدران المعابد والقبور، إذ استعملوا ما توصلوا إليه في هذا المجال في تحنيط جثثهم، وجاء من بعدهم الإغريق ثم الرومان الذين استفادوا مما توصلت إليه هذه الحضارات وطوروا هذا الفن، حيث أبدعوا في التداوي بالعقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية. غير أن العرب المسلمين كانوا أول من أنشأوا الصيدلة التي بنيت على أساس علمي معتمدين في ذلك على الملاحظة الدقيقة والتجارب العلمية، كما مهدوا للصناعات الصيدلية نتيجة ما قاموا به من دراسات في فن التجهيز الدوائي. بل الأكثر من ذلك، فقد وضعت الشريعة الإسلامية البوادر الأولى للمسؤولية الطبية لقوله صلى الله عليه وسلم: “من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن”. كما نظم المسلمين المهنة من الناحية الإدارية في إطار ما يسمى بنظام الحسبة.
والمغرب باعتباره امتدادا للحضارة الإسلامية، عرف بدوره مهنة الصيدلة التي كانت تمارس حسب أعراف متوارثة تحدد كيفية الولوج إليها وممارستها والعقوبات المحددة لمخالفة قواعد تحضير الأعشاب وذلك تحت إشراف أمين الحرفة.
إلا أنه بعد دخول الحماية، فقد تم إلغاء التنظيمات العرفية وتعويضها ببعض القرارات والظهائر والمراسيم، المنظمة لمهنة الصيدلة بشكل عصري. وأمام التطور الملحوظ في مجال الصيدلة، فإنه لم يعد عمل الصيدلي يقتصر على تركيب الدواء في صيدليته، وإنما أصبحت هناك صناعة صيدلية قائمة الذات.
ونظرا لخطورة الدواء على صحة الإنسان، على اعتبار أن أي خطأ في إنتاجه أو استعماله قد يكون له نتائج خطيرة تخلف العديد من الضحايا، فقد عملت جل التشريعات على تقنين العمل الصيدلي عن طريق وضع ضوابط وشروط لممارسته،
وتحديد مسؤولية الصيدلي عن الأضرار الناتجة عن خطئه في تصور وصنع الدواء أو صرفه، إذ القاعدة هي إلزامه بتحقيق نتيجة وهي صرف أو تقديم أدوية صالحة للاستعمال السليم لا تشكل بطبيعتها خطرا على مستهلكيها.
ولا شك أن هناك التزام واقع على الصيدلي، إذ يسأل على أي خلل في التركيب أو فساد العناصر المكونة للدواء وما تؤدي إليه من أضرار وتسممات من أي نوع للمريض، ذلك أن إباحة عمل الصيدلي منوطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة،
فإذا فرط في اتباعها أو خالفها حقت عليه المسؤولية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم انتباهه في أداء عمله، كما تقوم مسؤوليته في الحالات التي يقتصر دوره فيها على صرف (بيع) الأدوية، إذ أنه قادر من الناحية العلمية على التحقق من سلامة وصحة هذه المنتوجات.
وإذا كانت المسؤولية الجنائية في الفقه القانوني لا تتحقق إلا بالقيام بعمل أو امتناع مخالف للقانون ومعاقب عليه بمقتضاه، فإن المسؤولية الجنائية للصيدلي هي “الالتزام القانوني الذي يحتوي على تحمل الممارس لمهنة الصيدلة العقاب نتيجة إتيانه عمل، أو امتناعه عنه مما يشكل جريمة وخروجا عن القواعد المقررة جنائيا سواء على مستوى القانون الجنائي بمفهومه العام أو على مستوى التشريعات المنظمة لمهنة الصيدلة.
وما يزيد من أهمية دراسة هذا الموضوع هو الجهل بمسؤولية الصيدلي عن أخطائه، فنادرا ما نجد دعاوى في هذا الصدد، وهذا راجع في اعتقادنا إلى غياب الوعي القانوني في هذا المجال بسبب عدم إدراج التشريعات الطبية بصفة عامة والتشريع الصيدلي بصفة خاصة في المقررات الجامعية والمعاهد العليا.
هذا، وبالإضافة إلى ما يطرحه الواقع العملي من إشكالات على مستوى موازنة الصيدلي أثناء عمله بين ما هو إنساني وقانوني من حيث بيع الأدوية من دون وصفة طبية، إذ يعتبر طبيبا للفقراء، وإلزامه قانونيا بعدم صرف بعض الأدوية بدون هذه التذكرة وخاصة فيما يتعلق بالمواد المخدرة المدرجة في جدول “ب ” المنصوص عليها في ظهير 1922 المنظم للمواد السامة.
الجرائم الجنائية المتعلقة بمزاولة مهنة الصيدلة
عرض المشرع في الفصل السادس من القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة من المواد 78 حتى 84 للعقوبات التي تتعلق بمزاولة مهنة الصيدلة.
تنص المادة (78) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص ... ويحكم بإغلاق المؤسسة موضوع المخالفة وإلغاء الترخيص الممنوح لها
شرح المادة
توصف تلك الجريمة بأنها جنحة، حيث يتم تقسيم الجرائم من حيث جسامتها إلى جنايات (عقوبتها تكون اعدام، سجن مؤبد أو مشدد)، جنح (عقوبتها حبس حده الاقصى ثلاث سنوات وغرامة تزيد عن مائة جنية)، مخالفات (عقوبتها غرامة أقل من مائة جنية).
العقوبة المقررة في تلك المادة تنقسم لشقين:
عقوبة أصلية: وتتمثل في أن يحكم القاضي بالحبس مدة لا تتجاوز السنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، ومعنى ذلك أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في توقيع العقاب على الصيدلي أو غيره الذي يزاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص إما بالحبس مدة لا تتجاوز السنتين أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنية وإما بالعقوبتين معا.
الشق الثاني هو
عقوبة تكميلية: وتتمثل في أن يحكم القاضي بغلق المؤسسة الصيدلية موضوع المخالفة أي التي يتم من خلالها مزاولة أعمال مهنة الصيدلة دون ترخيص. وهذه العقوبة مضافة للعقوبة الاصلية وهي وجوبية لا يتمتع فيها القاضي بأي سلطة تقديرية إذ يتعين عليه في جميع الاحوال أن يحكم بغلق المؤسسة الصيدلية.
مادة 79 – يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة (78) كل شخص غير مرخص له في مزاولة المهنة يعلن عن نفسه بأي وسيلة من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق في مزاولة مهنة الصيدلة وكذلك كل صيدلي يسمح لكل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الصيدلة بمزاولتها باسمه في أية مؤسسة صيدلية. مادة 80 -يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من فتح أو أنشأ أو أدار مؤسسة صيدلية بدون ترخيص وفى هذه الحالة تغلق المؤسسة إدارياً
العقوبة المقررة للجريمة هنا تتمثل في عقوبة أصلية وأخرى تكميلية وتتمثل الاصلية في الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5000 جنية ولا تزيد عن 10000 جنية والحكم بالعقوبتين معا وجوبيا على القاضي وتتمثل العقوبة التكميلية في وجوب غلق المؤسسة الصيدلية إداريا وهي عقوبة وجوبية أيضا
كما يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أقام صناعة أخرى في مؤسسة صيدلية غير المرخص له بإرادتها، وذلك على النحو الذي يحدده قرار من وزير الصحة، فإذا وقعت الجريمة من صاحب المؤسسة الصيدلية أو المنوط به إدارتها، يحكم فضلاً عن ذلك بالغلق مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة
العقوبة المقررة للجريمة هنا تتمثل في عقوبة اصلية هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن ألفي جنية ولا تزيد على خمسة آلاف جنية أو بإحداهما، عقوبة تكميلية إذا وقعت الجريمة من صاحب المؤسسة أو من يديرها تقضي بالغلق مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنة.
مادة 81 -مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من جلب أو أنتج بقصد الإتجار أو باع أو عرض للبيع أيا من الأدوية أو المستحضرات والمستلزمات الطبية التي لم يصدر قرار من وزير الصحة باستعمالها أو بتداولها، وكل من باع أو عرض للبيع أيا من المستلزمات الطبية ذات الاستخدام الواحد التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة، وذلك رغم سابقة استخدامها.
فإذا وقعت الجريمة من صاحب مؤسسة صيدلية أو المنوط به إدارتها يحكم فضلاً عن العقوبة المشار إليها بالغلق مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنة. وفى حالة العود يضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة والغلق المنصوص عليهما في هذه المادة
العقوبة هنا اصلية وتكميلية بالإضافة إلى العقاب المشدد في حالة العود وتكرار الجرم.
وتتمثل العقوبة الاصلية بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنية ولا تتجاوز خمسين ألف جنية، وتتمثل العقوبة التكميلية في حالة ما إذا وقعت الجريمة من صاحب مؤسسة صيدلية أو من يديرها بالإضافة للعقوبة الاصلية حكم بالغلق مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة. وفي حالة ارتكاب الجاني لنفس الجريمة قبل مضي 5 سنوات من تاريخ الحكم الأول بالإدانة فيضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة من 40000 إلى 100000 جنية والغلق يصبح من 6 شهور حتى سنتين
مادة 83 (مكرر) -يحظر إخراج الدواء من البلاد سواء كان مصنعا فيها أو مستورداً، بغير إتباع القواعد المنظمة لذلك والتي يصدر بها قرار من وزير الدولة للصحة ويعاقب كل من يخالف أحكام الفقرة السابقة بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 1000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتضاعف العقوبة في حالة العود، ويحكم في جميع الأحوال بمصادر الأدوية محل المخالفة.
مادة 84 -في جميع الأحوال يحكم فضلاً عن العقوبات المتقدمة بمصادر الأدوية موضوع المخالفة والأدوات التي ارتكبت بها
هذه المادة تضيف اجراء آخر وجوبي للمواد السالف ذكرها وهو مصادرة الادوية محل المخالفة والادوات التي ارتكبت بها
مادة 85 -يعتبر من مأموري الضبط القضائي في تطبيق أحكام هذا القانون الصيادلة الرؤساء ومساعدوهم من مفتشي الصيدليات بوزارة الصحة العمومية وكذلك كل من يندبه وزير الصحة العمومية لهذا الغرض. |