صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
فما هي الآن أهم مؤشرات الأزمة خلال سنة 2020؟
في بداية سنة 2020، كان وباء كوفيد19 محصورًا بشكل أساسي في الصين، ثم انتشر بسرعة كبيرة نحو بقية بلدان العالم.
مصدر الوباء مدينة صينية تدعى يوهان، عاصمة منطقة هوبي، وتشكل مركزا مهما لشبكة النقل والإمداد في قلب الصين، وهي منطقة متطورة جدا، وتوجد على مفترق طرق اليانغتسي (وهو أطول نهر آسيوي) ومحور الطريق بين الشمال والجنوب من هونغ كونغ إلى بكين.
وقد أدى انتشار الوباء بهذه المنطقة إلى إيقاف جزء كبير من الإنتاج ونقل البضائع والتجارة خلال أشهر يناير وفبراير ومارس، ليس داخل الصين وحدها وإنما مع مختلف بلدان العالم مما احدث إخلالا في العرض والطلب العالميين.
وقد سجل الاقتصاد الصيني نتيجة لذلك أول انخفاض في الإنتاج الصناعي منذ 30 سنة: ناقص 13,5 % في عام واحد.
يبين الشكل التالي مدى التراجع الحاصل في جميع القطاعات المشكلة للناتج الداخلي الإجمالي في الصين سنة 2020 مقارنة مع سنة 2019:
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ سنة 1990، أصبح للإنتاج الصيني دور مركزي في التقسيم الدولي للعمل، خاصة في مجال تجميع السلع المصنعة وقطع الغيار، فكان لهذا التوقف تأثير فوري: فقد أحدث "صدمة في العرض" على إنتاج العالم بأسره بالنسبة لصناعات الدول الرأسمالية المتقدمة والتي هي في حاجة إلى المكونات والمنتجات المصنعة الصينية، كما أحدث "صدمة الطلب" بالنسبة للدول المنتجة للمواد الخام والتي تعتبر الصين أكبر مستهلك لها.
هذا التباطؤ في الإنتاج والحجر الصحي المتزامن أحدث بعد ذلك بالطبع ونتيجة له انخفاض في طلب العائلات وهو ما عمق الركود.
للقضاء على هذه الأزمة الصحية، وضعت العديد من البلدان تدابير احتواء لتشجيع الناس على الحد من التفاعلات الجسدية.
تسببت هذه الإجراءات البعدية (حظر الأحداث العامة، إغلاق المدارس، والأعمال التجارية غير الضرورية والحدود) في تعميق الأزمة الاقتصادية.
كما قيدت هذه القيود في الواقع إنفاق الوكلاء والتجارة بين البلدان، مما تسبب في صدمة طلب انتشرت في النسيج الإنتاجي للعالم بأسره.
وتسبب هذا الوضع في تدهور حاد في سوق العمل، تم استيعابه في العديد من البلدان بشكل رئيسي من خلال اعتماد تدابير البطالة الجزئية.
بالإضافة إلى الدخل البديل، اتخذت الحكومات أيضًا العديد من التدابير لدعم التدفق النقدي للشركات ووفرت الأمن لقروضها؛ علاوة على ذلك، أصبح مفروضا عليها الزيادة في نفقاتها الصحية.
على الرغم من أن السياسة المالية لكل دولة أصبحت مجبرة على تخفيف العواقب الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، فقد تم دفع لأبناك المركزية إلى تخفيض معدلات الفائدة الخالية من المخاطر ونشرت الترسانة مرة أخرى تدابير غير تقليدية.
منذ أواخر شهر فبراير 2020 ومع انتشار وباء كوفيد 19 خارج الصين، بدأت الحكومات الرأسمالية في تنفيذ سياسات احتواء السكان نظرا لان بنياتها الصحية التحتية غير قادرة على استيعاب عدد المصابين، عبر إجراءات صارمة للحجر الصحي في جميع أنحاء العالم انطلاقا من شهر مارس، مما أوقف بشكل كامل دينامكية قوى الإنتاج العالمية ومسالك التبادل التجاري وهو ما غير النموذج الاقتصادي القائم بشكل جذري. مع اعتماد حملة إرهابية إعلامية قوية حول مخاطر جائحة كوفيد 19 وتنبؤات تداعيات إجراءات الحجر الصحي على النشاط الاقتصادي.
ويبدوا أن سياسة تدبير الأزمة الاقتصادية العالمية لانهيار معدل الربح قد وجدت في جائحة كوفيد 19 ملجأ للتغطية على حقيقة الأزمة المنبثقة عن تناقض ميكانيزماتها الداخلية واللجوء بالتالي إلى تدمير الإنتاج الزائد والرأسمال الوهمي المتضخم عبر آلية التوقيف الشامل لحركية الإنتاج الرأسمالي.
وقد سبق لكارل ماركس أن تحدث عن لجوء البرجوازية إلى مثل هذه الآلية عند حدوث أزمة عميقة تهدد بانهيار رأسمالي كامل بسبب انهيار معدل الربح، حيث أشار ماركس في مخطوطه الغروندريس الصفحة 704 الطبعة الفرنسية إلى ما يلي:
" ستؤدي تناقضات (نمط الإنتاج الرأسمالي) إلى انفجارات، ونوبات كارثية، وأزمات، فمن خلال التعليق المؤقت للعمل وتدمير جزء كبير من رأس المال، يعود هذا الأخير بالعنف إلى مستوى يمكن فيه استئناف مساره.
تؤدي هذه التناقضات، بالطبع، إلى انفجارات، وإلى أزمات يؤدي فيها الإلغاء المؤقت لجميع الأعمال، وتدمير جزء كبير من رأس المال، إلى جر هذا الأخير بالعنف إلى النقطة التي يستطيع فيها استغلال القدرة الإنتاجية القصوى دون أن تؤدي إلى الانتحار.
ومع ذلك، فإن هذه الكوارث الدورية محكوم عليها بتكرار نفسها على نطاق أوسع وتؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة العنيفة برأس المال"... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/