صنعاء نيوزمحمود صالح عودة -
في مثل هذه الأيام قبل 8 سنوات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها على أهبة الاستعداد لبداية الحرب على العراق واحتلاله، أو كما يحلو للإدارة الأمريكية تسميتها "عملية تحرير العراق".
فبعد إنتاج عمليات الحادي عشر من سبتمبر وتنفيذها، بدأت تتصرّف الإدارة الأمريكية كالرجل الذي ضُرب ويريد أن ينتقم من كل الناس، فشمّر "العم سام" عن ساعديه، وزوّر وثائق تشمل أدلّة مزعومة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل - مع التذكير بأن أمريكا ثاني أكبر دولة تمتلك أسلحة الدمار الشامل - وأكمل مشواره في التحريض الإعلامي على العراق ليبرّر حملة بوش "الصليبية"، وزعم أن ثمة صلة كانت بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأسامة بن لادن.
بعد فترة قصيرة جدًا من بدء الحرب على العراق، انكشفت الأكاذيب الأمريكية على ألسنة القادة الأمريكيين أنفسهم، وبدأت تتضح غايات الغزو الأمريكي للعراق؛ على رأسها سرقة أكبر مخزون نفط في العالم، ومن ضمنها إسقاط بلد عربي إسلامي قوي لا ينبطح لأمريكا وإسرائيل، فيه عاصمة كانت لفترات طويلة عاصمة الحضارة الإسلامية العربية، حتى خلال العصر الإسلامي الذهبي بالأندلس، بغداد.
بدأت عملية "التحرير"، وبدأ القصف العنيف للعاصمة العراقية العريقة، وبدأ "الدمار الشامل" يمارس بحق أهل العراق؛ الإحصائيات الحديثة تتحدث عمّا يزيد عن مليون ونصف المليون قتيل، وملايين الجرحى واللاجئين. والذين بقوا على قيد الحياة يفتقدون أبسط مقوّماتها، من المياه والكهرباء. ناهيك عن الأمراض المزمنة التي يعاني منها نسبة غير قليلة من مواليد العراق، إلى جانب التشوّهات التي يعانون منها نتيجة استخدام الاحتلال أسلحة يورانيومية وكيماوية.
إلى جانب عملية "التحرير"، كان لا بدّ من عملية "دَمقرطة" للعراق؛ فجيء بأعداء النظام السابق على ظهور دبابات المحتل، وبدأت عملية "دَمقرطة العراق" من خلال هؤلاء، الذين أظهروا بعمالتهم للمحتل ودفاعهم عن جرائمه، بل بقيادة بعضهم "فرق الموت" التي ذبحت مئات آلاف العراقيين إلى جانب شركة "بلاك ووتر" وأخواتها، أنهم أسوأ بأضعاف مضاعفة من النظام السابق، الذي لم يكن نظامًا ورديًا وكان مستبدًّا بلا شك، ولكنه على الأقل أعطى العراقيون حقوقهم الأساسية وشهد العراق في عهده تطورًا علميًا وتكنولوجيًا افتقدته معظم الدول العربية، ولم يحلم به عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي-الغربي.
عملية "الدَمقرطة" الأمريكية تلك ظهرت من خلال الانتخابات الشكلية التي تمّت في العراق بعد الغزو الأمريكي، وبدأت عملية الترويج لما خطّط له المحتلون من قبل احتلال العراق، وهو مشروع تقسيم العراق إلى 3 دول، سنية وشيعية وكردية.
لذا ولغيره، يثور العراق اليوم على بقايا الاحتلال وعملائه، كما يثور العرب والمسلمون في الأراضي العربية الإسلامية، وقد رأينا كيف تتعامل ديمقراطية أمريكا في العراق مع المتظاهرين، وتقتل وتجرح وتعتقل المئات، وتمنع الصحافيين من تغطية الثورة، في ذات الوقت الذي يبدي فيه الأمريكيين والغربيين دعمهم وتأييدهم للمتظاهرين ببلدان أخرى.
خلاصة الكلام، هي أن الديمقراطية الأمريكية-الغربية تحطّمت على أسوار بغداد وغرقت في نهري دِجلة والفرات، وعلى نموذجي "الدَمقرطة" و"التحرير" الأمريكيّين-الغربيّين في العراق أن يظلاّ في أذهان كل الثوّار العرب والمسلمين. وإن زيارة أي مسؤول غربي يداه ملطّختان بدماء العراقيين، لبلد عربي إسلامي ثائر، تشكّل تدنيسًا وتنجيسًا للثورة، وتشويهًا لسمعة ذاك البلد. وحتى تتحوّل العلاقات الإسلامية-العربية-الغربية علاقات طبيعية وليست تطبيعية، على الغرب أن يرفع أيديه عن الشعوب الثائرة، ويدعها تقوم بمشروعها بحرّية دون أي تدخّل أو وصاية أو فرض بالقوّة.
فالديمقراطية تعني "حكم الشعب" بلسان عربي مبين، وبما أنّ شعوبنا ليست مثل شعوبهم، ومفاهيمنا للحريّة والعدالة ليست مثل مفاهيمهم، فبالتالي "حكمنا الشعبي" ليس مثل ديمقراطيتهم.
|