صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
تعددت أبعاد أزمة التعليم بالمغرب المزمنة والمتداخلة مع أزمات كافة القطاعات الاجتماعية كانعكاس أزمة تدهور معدل الربح الرأسمالي ومحاولات تصريف الأزمة على كاهل الطبقات الشعبية المسحوقة، وهي الأزمة التي انطلقت مع بداية عقد الستينات خاصة مع انتفاضة تلاميذ مدينة الدار البيضاء في 23 مارس 1965، ضد قرار وزير التعليم آنذاك القاضي بطرد التلاميذ الراسبين في التعليم الابتدائي. فالتناقض الذي انطلقت منه أبعاد الأزمة تمثلت من جهة في المطالب الأساسية للطبقات الشعبية المسحوقة في تعليم شعبي ديمقراطي مجاني وبأعلى مستويات الجودة، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن جهة أخرى التوجهات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية للحكومات المتعاقبة ومن خلفها توصيات المؤسسات المالية الدولية. فهذه الأخيرة ما فتئت تطالب الطبقات الحاكمة في المغرب بتصفية التعليم العمومي الذي "يستنزف" في رأيها ثلثي المالية العمومية والعمل تدريجيا على خوصصة هذا القطاع بالكامل.
فضحايا هذا التناقض الأساسي ليس هم فقط أبناء الطبقات الشعبية المسحوقة الذين يتعرضون للهذر المدرسي ولتدهور مستوى تربيتهم وتلقينهم وقدرتهم على الرفع من المستوى المعيشي لأسرهم الفقيرة، بل ذهبت ضحيته أيضا أسرة التعليم بمختلف مستوياتها من مدرسين وأساتذة، الذين ما فتئوا يصطدمون بتدهور البنيات التعليمية التحتية من مدارس ووسائل ومقررات بيداغوجية والعزوف تماما عن صيانتها وإعادة تأهيلها.
فانطلاقا إذن من الأزمة الناجمة عن هذا التناقض، شاهدنا تباعا عملية فشل أو إفشال الميثاق الوطني للتربية والتعليم الذي اشرف على تصوره وإخراجه المستشار الملكي السابق مزيان بالفقيه منذ سنة 1999، ثم عملية فشل أو إفشال البرنامج لاستعجالي لمنظومة التعليم انطلاقا سنة 2009، وفي خضم هذا الفشل والإفشال ما فتئت المدرسة العمومية تواصل دوامة تدهورها، جارة في أذيالها نحو القعر في نفس الوقت، جودة التعليم نحو المزيد من الرداءة، ومزيد من انحطاط مستوى تربية وتعليم أجيال كاملة من التلاميذ من أبناء الكادحين الذين خضعوا مرغمين، للعزل في مدارس عمومية متهالكة رحل عنها نهائيا أبناء الطبقات المتوسطة والميسورة نحو مدارس تعليمية خاصة، تتصاعد أسعار التعليم بها بحسب القدرة الشرائية لأوليائهم، مما عمق من حدة الفصل والتفاوت الطبقيين.
كذلك وجد المدرسون في التعليم العمومي أنفسهم في مواجهة انسداد آفاق ترقياتهم وتطورهم الطبيعي في أسلاك التدريس.
وقد جاءت آخر حلقات هذا الهجوم الطبقي الناجم عن هذا التناقض سنة 2016 بفرض نظام التعاقد على الملتحقين الجدد بأسرة التدريس وفي ظل شروط تعاقدية تجعل منهم أجراء لا مدرسين فلا تضمن لهم أدنى استقرار للقيام بواجبهم فجعلت منهم مجرد مستخدمين قابلين للطرد حسب نزوات سلطات الأشراف.
هذا مع العلم أن مستثمرين عالميين وفدوا على المغرب للاستثمار في التعليم الخصوصي بكافة درجاته، مما سيلحق هيئة التدريس بالطبقة البروليتارية العالمية.
أمام انسداد آفاق الشغل أمام حاملي الشهادات وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للقبول بشروط التعاقد للانخراط في أسلاك التدريس وكسب معيشتهم اليومي حيث ما فتئت أعدادهم تتزايد إلى أن تجاوزت 55 ألف مدرس متعاقد منذ أواخر 2016، وحيث ظلوا يصطدمون في كل يوم ببنود التعاقد القهرية التي وقعوا عليها، وحيث أصبح الكثيرون منهم يسرحون لأتفه الأسباب وبدون تعويضات أو التزامات.
فانطلاقا من هذه الخلفية ومن هذا الواقع، توصل المدرسون المتعاقدون إلى توحيد صفوفهم في إطار تنسيقيات محلية ووطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد فتمكنوا من تنظيم تظاهرات متوالية في كل مكان، للمطالبة بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية وإنهاء وضعية التعاقد الهشة لضمان حد أدنى من الاستقرار والكرامة والأجر المناسب.
ومنذ سنة 2017 توالت المسيرات الاحتجاجية محليا في مختلف المدن ومركزيا بمدينة الرباط العاصمة أو بمدينة الدار البيضاء وغالبا ما كانت تشهد هذه التظاهرات مواجهات عنيفة مع قوى القمع خلفت الكثير من الإصابات بل أدت الى وفاة أب حضر مسيرة لمؤازرة ابنته الأستاذة المتعاقدة بمدينة الرباط والذي تعرض للضرب على رأسه فكانت سببا في وفاته.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/