صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
ما خامس الراشدين، عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فلقد رسم لهذا التكافل الاجتماعي-الذي أعاد العدل لموازينه بعد أن اختلت – صورة تجسد فلسفته الإلهية، عندما قال: «إن أهلي أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذه، ولا لهم أن يعطونيه، وإن اللـّه تبارك وتعالى قد بعث محمداً ﷺ رحمة إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه وترك للناس نهرا شربهم فيه سواء ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ثم ولى عمر فعمل على عمل صاحبه .. فلما ولى عثمان اشتق من ذلك النهر نهرا ثم ولى معاوية فاشتق منه الأنهار ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد، ومروان، وعبد الملك، والوليد، وسليمان، حتى أفضى الأمر إلى وقد يبس النهر الأعظم ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود إليهم النهر الأعظم على ما كان عليه.
ذلك أن غيبة التكافل الاجتماعي إنما تعنى حلول «الخلل» محل «التوازن والاتزان والتضامن» بين الجماعة الإنسانية في المجتمع، فيتركز الثراء في جانب، ويتركز الفقر في جانب .. ولذلك كان مجتمع «التكافل الاجتماعي» هو النقيض لمجتمع «دولة الأغنياء» الذي تحدث عنه القرآن الكريم في كثير من الآيات ومنها: ﴿ما أفاه الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ (الحشر: .7)
ومنها، تلك الآية التي تعلمنا سنة اللّـه في الاجتماع الإنساني .. سنة أن الاستغناء والاستفراد والأثرة والاستئثار لا بد وأن تكون المقـــــدمة المفضية إلى الطغيان: ﴿كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغنى﴾. (العلق: 6– 7)
ومنها الآيات التي تتحدث عن أن غيبة «تكافل التوازن الاجتماعي» عندما تفضي إلى «خلل تركز الثروة في جانب، وتركز الفقر في جانب آخر» ستثمر ترف القلة المفضى إلى البطر والضلال والكفر: ﴿وما ارسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون، وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾(سبأ: 34 – 35)، ﴿قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد﴾(هود: 87)..وهي-الترف- ذات السنة التي تؤدي إلى انهيار الحضارات وتراجع العمران ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا﴾(الإسراء: 16) فالدمار هو اختلال التوازن وتقطيع روابط التكافل، الذي يتأسس عليه العمران.
بين التكافل والمساواة
وإذا كان هذا هو التكافل الاجتماعي المعبر عن فلسفة الاستخلاف الإسلامية في الثروات والأموال؛ فماذا عن موقف الإسلام من «المساواة»؟
إن المساواة هي: تشابه المكانة الاجتماعية، والحقوقية، والمسئوليات، والفرص أمام الناس في المجتمع، على النحو الذي تقوم فيه الحـــــالة المتماثلة بين هؤلاء الناس.
ولقد شاعت الحديث عن المساواة في فكر الحضارة الغربية، منذ أن أعلنت مبادئ حقوق الإنسان في الإعلام الذي أصدرته الثورة الفرنسية لذلك عام 1789م فــدخلت المساواة منذ ذلك التاريخ في الكثير من الدساتير والمواثيق القومية والدولية.
وفي ميادين المساواة تذكر- عادة - المساواة السيــاسية والمساواة الاقتصادية والمساواة المدنية والمساواة الاجتماعية ويجرى الحديث.
عنها في علاقات المواطنين الداخلية .. وبين الأمم والدول وبين الأجناس والقوميات والشعوب.
وبعض المذاهب والفلسفات قد نحت منحا خياليا «طوباويا» في الحديث عن تصوراتها لتطبيقات مبدأ المساواة بين الناس، فتصورت إمكانية تحقيق التماثل الكامل والتسوية المادية الحسابية بين الناس في كل الميادين، وبــالتحــديد في الميادين الاقتصادية-شئون المال والثروة والمعاش- وفي الميادين الاجتماعية التي تتأثر أوضاعها ومراتبها عادة بـأوضاع الاقتصاد والمعـاش والأمـوال والثـروات-لكن هـذه التـصـورات: «الطوباوية» قد استعصت على الممارسة الواقعية وعلى التطبيق في أي مجتمع من المجتمعات حتى تلك التي حكم فيها أنصار هذه المـذاهب والفلسفات.
ولعل أقرب التـصـورات إلى الــــدقة والواقعية في مـــذهب المساواة وإمكانية وضع مبدئها في الممارسة هو التصور الذي يميز بين:
: المساواة بين الناس أمام القــــــــانون
على النحو الذي ينفي امتيازات المــــولد، والوراثة، واللون، والعرق، والجنس، والمعتقد فهذه المساواة ممكنة؛ بل ضرورية، وواجبة التحقيق والتطبيق وهي قد تحققت بدرجات كبيرة في عديد من المجتمعات.
: والمساواة في تكافؤ الفرص المتاحة بمختلف الميادين
وذلك حتى يكون التفاوت ثمرة للجهد الذاتي والطـاقة المتاحة، وليس بسبب التمييز والقسر والحجب أو الامتياز وهذه المساواة ممكنة وهي هدف يستحق الجهاد في سبيل تحقيقه في الإطار الاجتماعي والدولي على السواء.
المساواة فيما بعد الفرص المتكافئة:
إنها هي التي تعد خيالا وحلما يستعصى على التحقيق، ويناقض السنن والقوانين الحاكمة لـسير الاجتماع والعمران فبعد تكـــافؤ الفرص أمام الجميع يكون التكافل أي التوازن عند حدود العدل والوسطية؛ أي تحقيق الكفاية للجميع- وليس المساواة الحسابية-مع فتح الأبواب للتفاوت المؤسس على الحلال في الحيازة والاستثمار والإنفاق دونما إسراف أو اكتناز أو استئثار. .... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/