صنعاء نيوز/ د. عبد الوهاب الروحاني -
يستهويني كثيرا الحديث عن الاحزاب والتنظيمات السياسية في بلدنا لسببين:
الاول : لأنها تتأسس عادة لانتخاب قيادة ابدية ودائمة لا تتزحزح عن موقعها حتى يتوفاها الله او يهلك الحزب دونها.
الثاني: انها تتعامل مع الاحداث والمستجدات كدكان يخضع سلعته للمصلحة والتنقل ب"الحلال" من موقف لآخر..
في هذا السياق تذكرت موقفا ظريفا يصنف حال الانتماء الحزبي وظروف التحول من تنظيم لتنظيم ومن حزب لآخر ..
في ذات يوم من عام 98م كنت مع زميلي في مجلس النواب العميد احمد على السنيدار (رعاه الله), والشيخ محمد صبار الجماعي (رحمه الله) على موعد مع محمد البطاني حينما كان وزيرا للتأمينات والشئون الاجتماعية والعمل .
الوزارة كانت تعج بالمراجعين من ذوي المظالم والمصالح المختلفة، ذوي الاحتياجات الخاصة، مفصولين تعسفيا، خلافات عمل ومشاكل اتفاقيات اخلت بقانون العمل ..
مشايخ ونواب ومندوبو احزاب ومستقلون .. كلهم يتسابقون للحصول على حصص من الضمان الاجتماعي.. ليوظفها كل بطريقته ومنهجه ..
دخلنا مكتب الوزير ودخل علينا حمود هاشم الذارحي رحمه الله، وقال مخاطبا البطاني بابتسامة عريضة:
- اخي الوزير، يفترض ان تكون معنا في التجمع اليمني للاصلاح ..لانك رجل صالح ..
تدخلت وقلت: لا تُدبر الرجال يا استاذ حمود، بصعوبة فر من الاشتراكي ودخل المؤتمر ..!!
انتابت البطاني نوبة ضحك طويلة وقال رحمه الله :
- يا ذارحي، الحزبية تتدرج عند اليمنيين بتدرج العمر .. في شبابهم يأخذهم الحماس إلى اقصى اليسار، حيث الجوع، وشعارات النضال، وكفاح الطبقة العاملة والفلاحين، وما ان يدخل احدهم الاربعين حتى يبدأ البحث عن موقع وسط، ولا يجد غير المؤتمر حيث الرخاء والنعمة والوظيفة المناسبة، ثم في الستين من العمر يكون المكان المناسب هو حزب الاصلاح او اي مسجد لحسن الخاتمة ..
لعل البطاني كان محقا في توصيفه، فواقع حال الانتماء الحزبي والسياسي في بلادنا هو في احسن الاحوال اشبه ما يكون بعقد عمل ينطوي على منفعة .. ينتهي العمل به بمجرد انتهاء المنفعة او الوظيفة والمكسب..
هذا المفهوم لا يقتصر على الاعضاء والانصار، وانما هو مذهب تعتنقه التنظيمات والاحزاب وقادتها انفسهم .. حيث تختفي البرامج وتغطي الاتربة الشعارات ليس بالوصول للغاية وتحقيق الاهداف وانما بانتهاء المنفعة.
المرأة مثلا، تنتهي صلاحيتها عند اغلب الاحزاب السياسية، والدينية منها بالذات، بمجرد انتهاء موسم القدح والتحشيد .. فهي ليست أكثر من اداة للترويج والانتخاب -ان وجدت آلية انتخابية - ومجرد ديكور "للفشرة" وادعاء المشاركة .. الامر نفسه يتكرر مع الشباب الذين تنتهي الحاجة اليهم بانتهاء زفة "الاراجوزات" التاريخية المستهلكة.
وهكذا تزدهر او تنحسر المبادىء والاهداف تبعا لجدلية التنظيم والمنفعة عند اغلب الاحزاب العريقة والمستحدثة في اليمن والوطن العربي عموما.
بمجرد افول نجم الاشتراكية العلمية وانهيار الاتحاد السوفياتي، وتهاوي قلاع القومية العربية في القاهرة، وبغداد، ودمشق، وطرابلس الغرب تراجعت الاحزاب القومية والاشتراكية، وانهارت مبادؤها وقيم نضالها، والمفهوم نفسة ينطبق على الاحزاب الدينية التي ترتفع وتنخفظ اسهمها بمدى عمق ولائها الموزع بين بين عواصم عربية واقليمية..
تراجع التقدميون بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية عن مناهجهم في محاربة الرجعية، والاستعمار، وتحقيق العدالة والمساواة، وحولوا بوصلة قبلتهم إلى حيث تحقيق المنافع الخاصة، ورموا بالمبادي وقيم النضال خلف ظهورهم، وكأن شيئا لم يكن.. !!
الشواهد كثيرة، ورحم الله ايام الولاء والتنظيم الصافي والانتماء المرتبط بمنفعة الوطن..!!!
د. عبد الوهاب الروحاني |