صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
ففي المجتمع الذي تتكافأ فيه فرص تحصيل واكتساب وامتلاك العلم والمال والاشتعال بالشئون العـامة سياسية أو اجتماعية، نجد الطاقات لدى الناس متفاوتة، ومن ثم تتفاوت أنصبتهم وحظوظهم في الملك والكسب والمحصول بسبب تفاوت طــاقـاتهم المادية والــذهنية والإدارية الخ، فالمساواة في الفرص المتكافئة لا تثمر مساواة في مراكز الناس المالية والاجتماعية لتفاوت القدرات الموروثة والذاتية والمكتسبة بين هؤلاء الناس إنها مساواة في تكــافـؤ الفرص وليست مساواة في الأنصبة والحظوظ من هذه الفرص.
وإذا جاز لنا أن نجسد المساواة فيما بعد تكافؤ الفرص وهي التي يعبر عنها التكــــــافل الاجتمــــــاعي-فإن صورة «الجسد الواحد» هي المجسدة لهذا التكـافـل وهذه المساواة فـأعضاء الجسد تتكـافـأ في الفرص المتـاحة لها كي تستمد من القوى والطـاقـات، ومع ذلك فهـي متفاوتة في الأحجام والطـاقـات والاحتياجات والمسؤوليات ثم هي؛ مع ذلك وفوق ذلك، متكـافلة في الأخذ وفي العطاء وفي الشعور فبينها جميعـا التكـــافل الجـــامـع ثم إن لها بعد ذلك حظــوظا من التفاوت والامتياز لـــــذلك؛ كان حــديث رسول اللّـه ﷺ الذي صوّر التكــــافـل الاجتمــــاعـي الإســــــــلامـي في الأمة في صورة «الجسد الواحد»، هو التجسيد لفلسفة الإسلام المتميزة في هذا الميدان: «(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم.»،
فإذا غاب هذا التكـافل انحلت روابط الاجتماع في المجتمع، وتحلّلت أعصاب جسد الأمة ولقد بلغ الإسلام في التحذير من ذلك إلى الحد الذي جعله سببا في براءة ذمة اللّـه سبحانه وتعالى، وذمة رسوله ﷺ من الجمـاعـة البــشـرة لتي تسقط في مستنقع هذا الخلل الفاحش في علاقات الاجتماع وفي ذلك وعنه يقول الرسولﷺ «أيما أهل عرضة أصبح فيهم امرؤ جائع قد برئت منهم ذمة الله تعالى »، رواه الإمام أحمد.
فمجتمع التكـافل الاجتماعي هو مجتمع الجسد الحي وإسهام كل عضو في حياة الجسد وحييته ليس متماثلا ولا متساويا، وحظ كل عضو ونصيبه من رصيد حياة الجسد وحيويته ليس متماثلا فالتوازن الارتفاق الذي يصبح فيه كل عضو فـــاعلا ومنفعلا ومتفـــاعـلا مع الآخرين؛ وكأنه المرفق الذي يرتفق به وعليه الآخرون كما يرتفق هو بهم وعليهم مع التفاوت في الحظوظ والمقادير والدرجات في عملية الارتفاق والتوازن هذه إن هذه الصورة هي الممكنة والحقيقية والمـعادلة في مبدأ المساواة بالميادين التي تتفاوت في تحصيلها طاقات الناس وتتفاوت فيها أيضا احتياجاتهم لما يحصلون من هذه الميادين.
إن الإسلام هو «دين الجماعة»، ولا وجود «الجماعة» بدون التكـافل الاجتماعي؛ لأن هذا التكـافـل هو موحد النسيج الاجتماعي المحقق لوجود هذه «الجماعة» تتمايز حظوظ الأفراد والطبقات فيما وراء حد الكفاية للجميع وعن هذه الصورة الجامعة «للوحدة»، والتمايز» جاءت كلمات الإمام علي بـن أبـي طـــــالب رضي الله عنه إلـى واليه على مصر «الأشتر النخعي» (37هـ/ 657م)-في عهد توليته-التي قال فيها: «واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى بعضها عن بعض، فمنها: جنود اللّـه ومنها: كتـاب العـــامة والخـــاصة ومنها: عمـال
الإنصاف والرفق، ومنها: أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها: التجار وأهل الصناعات ومنها: الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة فالجنود حصون الرعية وسبل الأمن ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج لهم من الخراج ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجًّار وذوي الصناعات .
فهي كلمات ترسم لــوحة الحقيقة الاجتمــاعية لمـذهب الإسلام الاجتمـاعي: التعددية القــــائمة عـــــلاقات أطرافها على «التوازن» أي التكـافل الاجتماعي، فلا قيام لطرف منها إلا بالارتفاق مع الجميع.... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/