صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
جريمة حب . هل للحب فعلا جريمة ؟؟ إذا كان كذلك المتهم ؟ . قلوبنا الصغيرة تلك أم عقولنا الكبيرة ؟ سأضع الاثنين في قفص الاتهام ولنرى بالنهاية من سيكون المتهم . ومن الحب ما قتل”، هي ترجمة واقعية للعديد من الجرائم التي ترتكب بدافع الحب من قبل عشاق، تحول لديهم الحب إلى مرض يصعب العلاج منه، واختاروا حل مشاكلهم العاطفية بجرائم تفاوتت خطورتها لتصل في بعض الحالات إلى القتل، بعد أن حلت الجريمة محل العواطف واستبدل العشاق لغة الكلام بالعنف للتعبير عما يكنونه، إذ باسم الحب والغيرة، التي تدفع إلى الانتقام، استباح عشاق أجساد عشيقاتهن وزوجاتهن ورسموا عليها خرائط، ليتركوا بصماتهم عليها، في محاولة لإثبات الذات، وإظهار حب مريض يعبر عنه بجرائم بشعة.
وأضحوا يتسلحون بأسلحة بيضاء أو شفرات حلاقة ليعبروا عن تشبثهم بمحبوباتهم، إذ تحل لغة التهديد والوعيد محل لغة الحب، في تطور مثير لمفهوم الحب عند البعض، الذي أضحى حالة مرضية.
جرائم عدة ارتكبت أخيرا باسم الحب ودفعت فيها المحبوبة إما حياتها ثمنا أو جمالها، واختلفت ردات فعل بين من وجدت العذر للحبيب في جريمته ومن رفضت ذلك وطالبت بالقصاص منه.
ومن بين الجرائم التي ترجمت الحب الجنوني عند بعض العشاق، الجريمة التي وقعت أخيرا بالحي المحمدي بالبيضاء، عندما لم يتقبل شاب تخلي خليلته السابقة عنه ورفض الزواج منه، إذ قرر الانتقام منها بطريقته الخاصة، إذ اعترض سبيلها وصوب إلى وجهها طعنات قوية بشفرة حلاقة، لتنقل في حالة خطيرة إلى المستشفى.
القضية بدأت تفاصيلها حينما قررت الضحية البالغة من العمر 21 سنة، قطع علاقتها بالمتهم الذي يبلغ من العمر 28 سنة، إثر خلاف بينهما، وهو الأمر الذي لم يرقه، وحاول إقناعها بالتراجع عن قرارها سيما أنه صار متيما بها، إلا أن توسلاته لقيت رفضا من الضحية.
ومن أجل وضعها أمام الأمر الواقع، أرسل والديه لخطبتها، إلا أن الرد كان صادما إذ تمسكت الضحية برفضه، بحجة أنه مدمن مخدرات، فلم يتقبل المتهم الأمر ليشرع في تهديدات بقتلها.
ولم تتوقف تهديدات المتهم عند هذا الحد، بل أخبرها برغبته في قتلها وفصل رأسها عن جسدها إذا ظلت متمسكة برفضها لعلاقته، وهو ما أجبر والدتها على مرافقتها بشكل يومي إلى مدرستها الخاصة للدراسة خوفا من تنفيذ وعيده. واستغل المتهم غياب الأم ليعترض الضحية، وبعد إحكام قبضته عليها استل شفرة حلاقة وشرع في تمزيق وجهها، ما تسبب لها في جرح طوله 12 سنتيمترا، ليتركها لحالها ويختفي عن الأنظار. وغير بعيد عن البيضاء، وفي مراكش، أبى زوج إلا أن يضع بصماته على وجه زوجته بعد خلاف بينهما، بفعل جرح غائر، ما أثار استنكارا من قبل الجيران، والعائلة، إلا أن الغريب في الأمر هو رد فعل الزوجة التي رفضت أن يتم اعتقال زوجها، معتبرة أن ما أقدم عليه تعبير عن حبه لها.خولة، البالغة من العمر 20 سنة، اختار زوجها شفرة الحلاقة للعبث بوجهها وبأطرافها، بمنزل الزوجية بباب دكالة ثم لاذ بالفرار.
هكذا وبدون سابق إنذار، فهي لم تطلب الطلاق ولم تهجر حتى بيت الزوجية، ومع ذلك اعتبرت الحادث عابرا وقلبها لم يطاوعها أن يعاقب حبيبها على فعلته، رغم إصابتها بجروح متفاوتة الخطورة في الوجه واليدين، حينما كانت تحاول صد الطعنات التي تعرضت لها من طرف “حبيبها”، إذ تطلب رتق الجروح التي أصيبت بها حوالي 30 غرزة، إذ بعد إلقاء القبض على زوجها ذي ال22 ربيعا، تراجعت عن متابعته وطالبت بالإفراج عنه مقدمة تنازلها بهذا الخصوص وكأنه لم يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، ويعرض حياتها لخطر الموت بهذا الاعتداء، بل إنها بحثت له عن تبريرات لتسقط عنه هذا الوزر، مؤكدة أنه كان تحت تأثير المخدرات وكان فاقدا للوعي وغير مدرك لما اقترفت يداه في حقها.
ما بين خولة ولطيفة رابط واحد هو الحب الذي يصبح ضعفا، من قبل الزوجة، والذي تحت ذريعته تبيح الجرائم التي تتعرض لها. قضية لطيفة لا تختلف كثيرا عن خولة فقد كان حمل خطأ وراء زواجها من “مول النفحة” الذي كان حينها تلميذا، رغم رفض عائلتها لذلك، إذ تشبثت بالزواج من مغتصبها، الذي كان يعتدي عليها بكثرة.
“الحب ضعف”، هكذا تعترف بحبها القوي لزوجها، وخوفها من يتم ابنها كان وراء صبرها على عنفه وعدوانه. خلافات بسيطة تطورت بينهما إلى اعتداء كانت ضحيته، طعنات قوية لزوجته في الوجه، تطلب رتق جروحها أربع ساعات، وهو ما دفع لطيفة بعد العملية الجراحية إلى التصريح بأن “القتل أحب إلي من تشويه الوجه”.
إن المتهم «علاء. م» 28 سنة لم يتحمل انفصاله عن محبوبته بعد فسخ خطبتهما منذ 6 أشهر، وبمجرد أن شاهدها بأحد الشوارع بحي النزهة لم يشعر بنفسه إلا وهو يطلق الرصاص على خطيبته «سلمى. ط» 26 سنة، لتسقط جثة هامدة، ثم أطلق الرصاص على نفسه محاولاً الانتحار وسط ذهول المارة، الذين تمكنوا من استدعاء سيارة الإسعاف وتم إنقاذه من الموت، وعقب تعافيه قررت النيابة تقديمه للمحاكمة.
وأضافت المصادر أن الأهالي قاموا بإبلاغ شرطة النجدة، التي مباحث قسم شرطة النزهة، ببلاغ الأهالي برؤيتهم شاباً يطلق النار على فتاة من مسدس أثناء وقوفها بالطريق العام، ثم قام بإطلاق النار على نفسه، فانتقل رجال المباحث لمكان الواقعة، وتبين من التحريات وجمع المعلومات أن المجنى عليها كانت خطيبة المتهم، وفسخت ارتباطها به بسبب خلافات بينهما، إلا أن المتهم كان يريد الرجوع لها، وحاول أكثر من مرة ولكنها رفضت، وهو ما دفعه لتنفيذ الجريمة.وتابعت المصادر أن مناظرة النيابة العامة أثبتت وجود فوارغ طلقات في الشارع، لتأمر النيابة بحبس المتهم على ذمة التحقيق، وجددت حبسه عدة مرات حتى تحسنت حالته الصحية، وأحيل إلى المحاكمة الجنائية، وطلبت النيابة من الأدلة الجنائية تقريراً مفصلاً عن حالة السلاح الناري، وتقرير الطب الشرعي الخاص بتشريح جثمان المجني عليها.وكان قد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو صادم رصدته كاميرات المراقبة بأحد أحياء القاهرة منذ ستة أشهر، يوثق لحظة إطلاق شاب النار على خطيبته في الشارع، لرفضها الرجوع له بعد فسخ خطبتها منه.
وكشفت الشرطة أن الشاب شعر بيأس لفشله في إعادة خطيبته أكثر من مرة، رغم تكرار طلبه، ما دفعه لإنهاء حياتها بطلقات نارية ثم محاولته الانتحار بإطلاق رصاصة على نفسه، وسط ذهول المارة.
وسارع الأهالي بإبلاغ الشرطة بقيام شاب بإطلاق النار على فتاة من مسدس أثناء وقوفها بالطريق العام، ثم إطلاق النار على نفسه.وسرعان ما تم نقلهما للمستشفى، وتبين أنهما لا يزالان على قيد الحياة ولكن في حالة خطرة.
وتبين من تحريات الأمن المصري، وجمع المعلومات، أن المجني عليها كانت خطيبة المتهم وفسخت ارتباطها به بسبب خلافات بينهما، إلا أن المتهم كان يريد العودة وحاول أكثر من مرة ولكنها رفضت، وهو ما دفعه لتنفيذ الجريمة.
هناك مقولة شهيرة "من الحب ما قتل"، وهي ترتبط عادة بالجرائم أو الحوادث التي تحدث ويكون سببها الحب، والواقع أن عالم المشاهير مليء بوقائع مؤسفة شهدت تحقيق هذه المقولة بطرق صادمة. فقد تابع الجمهور جرائم قتل كان نجوم ونجمات معروفين أطراف فيها، في حين كان الطرف الآخر هو الزوج أو الزوجة أو حتى الحبيب أو الحبيبة، وقد وقعت في أغلب الأحيان بسبب خلافات بين الطرفين.
فعلى سبيل المثال، ففي جريمة أثارت صدمة كبيرة وقتها، لقيت الفنانة ذكرى مصرعها على يد زوجها رجل الأعمال أيمن السويدي، بعدما قام الأخير بإطلاق النيران عليها، ليتسبب في قتلها، وقام بعدها بالانتحار، وقد ذكرت تقارير وقتها أنه كانت هناك خلافات حادة بينهما، والتي تسببت في حدوث هذه الجريمة.
وشهد العالم الغربي واقعة مشابهة، حيث كان فيل هارتمان Phil Hartman ممثلاً كوميدياً شهيراً في فترتي الثمانينات والتسعينات، وكات متزوجاً من الممثلة برين هارتمان Brynn Hartman، ورُزق منها بطفلين، وبعد حوالي 10 سنوات من زواجهما، قامت بقتله خلال نومه ثم انتحرت بعدها، وذكرت التقارير وقتها أن زيجتهما شهدت مشاكل كثيرة، خاصة وأن الزوجة كانت تعاني من إدمان المخدرات والكحول
. علق الفتاه بشباك حبه فعشقته وعشقها وبعد فترة من الزمن تفاجأ الأهل بأن ابنتهم قد هربت ولا يعلمون إلى أين؟ وتمر أيام قلائل و تتصل بهم امرأة لتقول: "ابنتكم عندي بالحفظ والصون وهي تحب ابني وابني يحبها وبا نجيكم من الباب" أي باب تقصد هذه الأم؟ أي باب تقصدون بعد أن دمرتم أسرة وكسرتم ظهرها للأبد؟ وهل ترضين ذلك لبناتك؟ وهل كنت تحلمين بهكذا زوجة لولدك؟ إن من تخون أهلها لن تحافظ على غيرهم يا سيدتي.. وأنت أيها الشاب هل ستكتفي بالحب عن الزوجة الصالحة؟ هل ستكتفي بالحب عن النسب والمصاهرة؟ هل ستكتفي بالحب عن أبنائك الذين ستلدهم و تربيهم الهاربة؟ أم انك تلعب وتلهو وتتسلى؟ فلولا تزيينك المنكر في عينيها ولولا قبولك بها، لما أقدمت على هكذا فعلة؟ و تلك الفتاة الهاربة التي أعمى الحب الملعون عينيها هل تراها ستشعر بالسعادة ولو للحظة؟ هل ستستمتع بالرومانسية وتظل غارقة في بحر العواطف بعد أن باعت أهلها وأصدقائها وأقاربها وتبرؤوا منها لأنها نكست رأس إخوتها وكسرت ظهر أخواتها.. بعد أن ارتكبت تلك الجريمة في حق والديها؟
هل ستكتفي بالحب عن كل هؤلاء؟ هل ستكتفي بالحب عن السمعة؟ هل ستكتفي بالحب عن الحياة الكريمة؟ صدقوني ستمضي الأيام وسيفيق كل هؤلاء من سكرتهم وينكشف غطاء الحب عن أعينهم وسيرون الأمور على حقيقتها. وستصبح الحبيبة الهاربة في عين معشوقها ليست سوى امرأة ساقطة لا يؤتمن عليها ولا يعتمد وسترى الحبيبة حبيبها الذي تنازلت عن كل شيء من أجله ليس سوى وحش بشري أغواها وأغراها وجعلها تسقط في وحل الرذية..
فإلى متى سنظل نذكر وننادي وننصح قائلين يا أخوات, يا بنات.. الحب مش كل حاجة؟ و يا شباب: من دق باب الناس دقوا بابه ولو على بابه ثلاثين بواب وإن الجزاء من جنس العمل؟
1. هل يدعو الحب إلى الجريمة… متى وفي أي الظروف؟
2. هل لمعاملة الآباء مع أبنائهم دخل في هذا النوع من الجرائم؟
3. هل للجريمة سواء كانت بدافع الحب أو غيره بذور في الطفولة؟
جرائم الحب نوع من أنوع الجرائم العاطفية أو الوجدانية التي تقع عادة ضد النفس. وهي الجرائم التي يكون الدافع إلى ارتكابها عاطفة معنوية أو وجدانًا معينًا، ويكون العدوان أو الإساءة فيها موجهًا إلى شخص مقصود بالذات، على نقيض الجرائم المادية أو الاقتصادية التي ترتكب بقصد الحصول على المال أو المتاع، بغض النظر عن شخصية صاحبه… بيد أن هناك من الجرائم ما يكون مزيجًا بين النوعين، وذلك حينما يكون الاعتداء على المال يرمي إلى تحقيق هدفين وهما الحصول على المال أو المتاع للانتفاع به مقترنًا بالرغبة في الانتقام! أو التشفي من شخص المجني عليه لاعتبارات عاطفية أو وجدانية.
ثلاثة مصادر للجريمة
إن نظرة تأمل في السلوك الإجرامي إجمالًا قد تكشف لنا عن الحقيقة التالية وهي أن كل جريمة لا بد أن يكون مردها إلى غريزة من إحدى الغرائز الكبرى الثلاث وهي: غريزة الذات، وغريزة الجنس، وغريزة الاجتماع.
1. جرائم الذات
والجرائم المستمدة من غريزة الذات تشمل النوعين السابقين من الجرائم؛ أعني الجرائم المادية والجرائم الوجدانية، فتكون تارة مادية، إذا كانت ترمي إلى تحقيق حاجة من حاجات البدن المادية كالطعام والكساء والمأوى، أو بدافع الطمع والجشع المادي بقصد الثراء على حساب الغير كجرائم السرقة والنصب والتزوير وما إليها، والتي ترتكب دون حاجة ملحة إلى المال. وقد تكون تارة أخرى وجدانية، إذا كانت تهدف إلى إشباع شهوة ذاتية كالانتقام، أو الدفاع عن الكرامة الشخصية، أو الاعتداد بالذات أو ما إليها.
3. جرائم الجنس والاجتماع
أما الجرائم المستمدة من غريزتي الجنس والاجتماع، فهي دائمًا وبلا استثناء من الجرائم الوجدانية أو العاطفية؛ ويكون العدوان فيها، عادة، موجهًا إلى الأشخاص والأنفس… فإذا تعداه إلى المال فإنما يكون ذلك بقصد الإساءة إلى شخص صاحب المال أو الانتقام منه، وليس بقصد الحصول على المال… وقد يكون المال أو المتاع المسروق رمزًا لا شعوريًا لعاطفة جنسية فيكون كبتًا مرضيًا، أو بدافع الجوع العاطفي والحرمان من الحب؛ حيث يعتبر المال في نظر لا شعور الجاني رمزًا لهذا الحب الذي سُلب منه ظلمًا. والجرائم المستمدة من غريزة الاجتماع لا تهدف إلى تحقيق مصلحة ذاتية بل إلى تحقيق مصلحة اجتماعية، وربما انطوت على فضيلة من أسمى الفضائل وهي التضحية وإنكار الذات، كما هي الحال في جرائم الجاسوسية، أو الفداء في سبيل تحقيق فكرة وطنية سامية، أو عقيدة دينية أو سياسية.
وقد ترتكب جرائم الغريزة الاجتماعية نزولًا على حكم تقاليد البيئة الاجتماعية الخاصة التي ينتمي إليها الجاني، ومن أظهر الجرائم التي من هذا القبيل جرائم القتل دفاعًا عن العرض، أو للأخذ بالثأر، المتفشية في البيئات التي تدين بمثل هذه التقاليد، وخاصة بين أهل الصعيد.
أما الجرائم المستمدة من الغريزة الجنسية فأظهرها وضوحًا جرائم الحب وهي بيت القصيد.
غرائز فرعية للغريزة الجنسية والحب عاطفة فطرية لدى الإنسان وسائر الحيوان، وهي المظهر الوجداني للغريزة الجنسية… والغريزة الجنسية في أوسع معانيها تشمل غرائز فرعية ثلاث وهي:
1- مركب الحب الجسماني (Physical Sexual Sub- Complex).
2- مركب الحب المعنوي (Ideal Sexual Sub- Complex).
3- مركب الحب العائلي (Domicile Sexual Sub- Complex).
وعاطفة الحب، تبعٌ لذلك، فقد تكون حبًا جسمانيًا أو شهوة جسمانية، وقد تكون حبًا معنويًا أو روحيًا، وقد تكون حبًا عائليًا كالحب الوالدي والحب المتبادل بين سائر أفراد الأسرة والأهل والأقارب. والحياة الزوجية السعيدة هي التي تجمع بين هذه الأنواع الثلاثة من الحب وقد جمعت في الآية الكريمة: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) فالسكنى إشارة إلى الحب الجسماني، والمودة إلى الحب المعنوي، والرحمة إلى الحب العائلي…وجرائم الحب هي الجرائم التي يكون مردها إلى غزيرة من هذه الغرائز الفرعية الثلاث.
الخيانة الزوجية
فجريمة الزنا التي تقترفها الزوجة المحصنة أو الزوج المحصن قد يكون مبعثها الحرمان الجنسي الجسماني أو العاطفي في الحياة الزوجية، أو التعطش إلى الإنجاب إذا كان الزوج عاجزًا عن الإخصاب… وربما كانت جرائم الخيانة الزوجية من أبرز الأمثلة لجرائم الحب، إذا كان الدافع إليها مباشرة إشباع نزعة من تلك النزعات الثلاث التي سلف ذكرها… أما إذا كان الدافع، إليها ماديًا، كالحصول على المال أو تحقيق مصلحة أو بلوغ مأرب معين فقد خرجت الجريمة عندئذ عن نطاق جرائم الحب ودخلت في زمرة الجرائم المادية المستمدة من غريزة الذات..كذلك إذا ما ارتكبت جريمة الخيانة الزوجية بدافع الانتقام من الزوج الخائن، فإن مبعثها غريزة الذات لا غريزة الجنس.وكثيرًا ما ترتكب جرائم القتل أو الاعتداء على النفس إشباعًا لنزعة جنسية مرضية، كما هي الحال لدى المصابين بالنزعة السادية، الذين يتلذذون جنسيًا عند تعذيب فريستهم، أو في حالات القتل الجنسي بالجملة، المعروفين بالسفاحين.
جرائم الغيرة
وكثيرًا ما ترتكب جرائم القتل أو الاعتداء على النفس بدافع الغيرة من شخص المعتدى عليه، أو لإفساح الطريق أمام الجاني لكي يستأثر بمن يحب أو يعشق. ولكن بالتأمل في العامل النفسي للجريمة في مثل هذه الجرائم نرى أنه ليس عاطفة الحب كما يبدو لأول وهلة، ولكنه عامل الأثرة والأنانية وحب الذات، أو عامل الاعتداد بالكرامة الذاتية.
كذلك جرائم القتل أو الاعتداء بقصد تشويه محاسن الخلقة التي تقع على شخص المعشوق أو المحبوب بدافع الغيرة؛ فإن الدافع إليها هو التخلص من التوتر النفسي الشديد الناشئ عن وجدانات الغيرة على شخص المجني عليه، ووضع حد لهذه الحال بحرمان الغير من الاستمتاع به، أو حرمانه من الاستمتاع بالغير.
فدور عاطفة الحب في جرائم الغيرة من هذا القبيل هو دور الوسيط بين النزعة الحقيقية، وهي حب الذات والأنانية، وبين الجريمة، فيبدو في الظاهر أن عاطفة الحب هي المسئولة عن الجريمة، ولكن الحب الصحيح الخالص من الأنانية يتطلب منا أن نحب من يحبه من نحب، وأن نحب كذلك من يحب من نحب؛ فمن يحب حبيبي أو من يحبه حبيبي فهو حبيبي أو من يحبه حبيبي فهو حبيبي، ومن يعاديه فهو عدوي؛ ولكن هذا المنطق السليم لا ينطبق على عاطفة الحب الجنسي الذي يشبع متعة جسمانية، وشهوة ذاتية في الوقت نفسه مبعثها غريزة التملك!..
والغيرة تلعب دورًا خطيرًا في الجرائم العاطفية أو الوجدانية سواء كان مبعثها غريزة الذات أو الغريزة الجنسية؛ وهي وجدان فطري لازم لطبيعة البشرية من عصر آدم عليه السلام. فقد قتل قابيل أخاه هابيل بدافع الغيرة عندما وجد أنه أكثر تقربًا منه إلى الله. ولما كانت النفس البشرية تحمل في طياتها تراث الآباء والأجداد من غرائز بدائية، ونزعات فطرية، فإن غريزة الغيرة تلعب دورًا خطيرًا في مرحلة الطفولة الباكرة التي تمثل مرحلة العصر الهمجي من حياة الطفل النفسية، وتتجلى فيها مجموعة الغرائز البدائية. الجنين وتطور الجنس البشري
فهناك نظرية علمية لها أنصار عديدون من رجال العلم البارزين معروفة باسم (نظرية التلخيص) (The Theory of Recapitulation) من مقتضاها أن الجنين في بطن أمه يمر خلال التسعة الأشهر الرحمية بجميع مراحل التطور الجسماني التي مر بها الجنس البشري على مر العصور الغابرة في رحم الطبيعة. فتبدأ حياة الجنين بعَلَقَة ملقحة في صورة تشبه صورة الأميبا أو الحيوان الأولي ذا الخلية الفردية، ثم لا يلبث أن يتشكل ويتطور تباعًا متخذًا مختلف الأوضاع والصور التي مر بها الجنس البشري في مراحل تطوره بمملكة الحيوان من البسيط إلى المركب حتى يصل إلى شبه إنسان كامل عند الولادة.
الطفل يعيش في العصر الهمجي
وعلى هذا القياس يذهب علماء النفس ممن يدينون بنظرية التلخيص إلى أن النفس البشرية تخضع لهذا القانون، فيبدأ الطفل حياته النفسية كما بدأها جده القديم، الإنسان الأول في العصر الهمجي حيث تسيطر عليه في هذه المرحلة الغرائز البدائية التي كان يعتمد عليها الإنسان الهمجي في العصور الأولى قبل التاريخ، وهي غرائز المقاتلة، وسفك الدم، والعدوان، واغتصاب المتاع، والإباحية الجنسية، واشتهاء المحارم، وحب الأثرة، والأنانية، والأخذ بالثأر، وحب الانتقام؛ ومن أبرز الغرائز البدائية غريزة الغيرة التي مبعثها حب الذات.
فعندما يولد الطفل الأول يجد نفسه متأثرًا بحنان الوالدين وعطفهما ورعايتهما دون سواه، ويعتبر أن كل شيء في الوجود مسخر لراحته وهناه، حتى والديه يعتبرهما متاعًا له؛ فإذا ما أنجب الوالدان طفلًا آخر وجد الطفل البكر نفسه أمام منافس خطير أخذ ينتزع منه مركز الصدارة التي كان يتمتع بها لدى الوالدين وفي بيئته العائلية منذ ولادته، ويحس بأن أركان عرشه أخذت تتداعى تحت قدميه الصغيرتين، فيغشاه شعور عميق بالخوف والقلق والكراهية الشديدة لذلك المنافس الدخيل على فلكه، ويستيقظ وجدان الغيرة من أعماق نفسه، ويستَعِر بركانها الرابض في عقله الباطن.
فإذا لم تروض نفسية الطفل في هذه المرحلة الدقيقة ترويضًا يخفف من حدة التوتر والقلق اللذين يساوران نفسه الصغيرة فقد يؤدي به ذلك إلى نشوء الكثير من العقد النفسية المرضية المكبوتة، أو إلى انفجار بركان الغيرة في صورة اضطرابات نفسية شديدة، أو عقلية تنتابه في سن المراهقة، أو في صورة نزعة إجرامية جامحة تعبر تعبيرًا رمزيًا عما كبته طفلًا في أعماق نفسه من ثورة نفسية ضد بيئته العائلية ممثلة في بيئته الاجتماعية في شبابه ورجولته.
عقدة أوديب
ولعل من أخطر المراحل في حياة الطفل مرحلة الرضاع والفطام وما يصاحبهما من وجدانات عاطفية وليدة غرائزه البدائية التي تكون متجلية ومسيطرة على نفسيته في تلك المرحلة؛ وخاصة وأن في تلك المرحلة تستيقظ بعض النزعات الهمجية التي كانت تسود حياة الإنسان البدائي في العصر الهمجي، وهي عشق الأم جنسيًا مقترنًا بغيرة شديدة عليها من جانب الأب، وما يصاحبها من تمني موت هذا المزاحم أو إبعاده ليفسح أمام الطفل مجال الخلوة بأمه، معشوقته الأولى في الحياة، والاستئثار بها دون سواه… ويطلق علماء التحليل النفسي على هذا الموقف اسم الموقف الأوديبي نسبة إلى أسطورة أوديب، الملك الذي قتل أباه وتزوج أمه دون أن يعلم، ويطلق عليه فنيًا اسم الموقف الأوديبي (The Oedepal Situation).
فالموقف الأوديبي مشكلة من أدق المشاكل النفسية التي يواجهها الطفل في طفولته الباكرة، ولكن كثيرًا ما يلجأ الطفل الصغير إلى حل هذه المشكلة تحت ضغط التقاليد الاجتماعية والتعاليم الدينية والأخلاقية حينما يستيقظ وجدانه الاجتماعي بالتربية والتهذيب، فيشعر بحاجة ملحة إلى التخلص مما يساور نفسه من وجدان الخوف والقلق بسبب هذا الموقف الشاذ الذي يتعارض مع الآداب العامة، والتقاليد؛ وذلك عن طريق التخلي عن عشق الأم، أو كبت وجدان الكراهية الموجه نحو الأب عن طريق التقمص في شخصية أو إحلال عاطفة الإجرام والحب نحو الوالد وباتخاذه مثلًا أعلى يحتذى بدلًا من كراهيته، ولذلك يتم للطفل الهدوء النفسي المنشود.
أما إذا لم يوفق الصغير في ترويض نزعاته البدائية في تلك المرحلة إما لقصور أو عجز فطري في شخصيته الناشئة وإما لقصور أو عيب في وسائل التربية الوالدية، أو لظروف خاصة بالبيئة المنزلية، فإن الموقف الأوديبي لدى الطفل قد ينقلب إلى عقدة أوديب المرضية والتي تعتبر مسئولية إلى حد كبير عن كثير من الظواهر النفسية المرضية، والتي قد تؤدي بصاحبها إلى الانتحار في بعض الأحيان، وبخاصة حوادث الانتحار المفاجئ التي لا تعرف لها أسباب ظاهرة، أو تكون أسبابها الظاهرة تافهة لا تبرر الانتحار، في حين أن الدافع إلى الانتحار يكون مرده إلى ما يعانيه المريض في أعماق نفسه من شعور مجسم بالخطيئة والمعصية كبته في أعماق نفسه كبتًا مرضيًا منذ الطفولة الباكرة، منشؤه تلك العقدة اللعينة وما تنطوي عليه من نزعات تدور حول الخطيئة البشرية الكبرى المكبوتة في أعماق نفسه الباطنة، وهي خطيئة ارتكاب الفحشاء بالأم، مع رغبة ملحة في قتل الأب!..
فالجانب الروحي أو الاجتماعي من نفسية المريض بهذه العقدة- وهو ما يسمى اصطلاحًا بالضمير (ولكنه الضمير الباطن المسمى في عرف رجال التحليل (بأنا العليا) (Super- ego) يثور ثورة عنيفة فيصب على الذات جام غضبه ونقمته، وتجتاح النفس عاصفة هوجاء من الشعور بالذنب لا قبل لها على ردها أو تحملها فيلجأ المريض إلى الانتحار تخلصًا من العذاب.بيد أن هذه النزعة الانتحارية قد تتخذ في الظاهر مظهرًا آخر يتمثل في نزعة إجرامية تؤدي بمرتكبها إلى تحطيم ذاته ماديًا كجريمة عقوبتها الإعدام، أو أدبيًا كجريمة عقوبتها السجن مع ما يترتب عليها من نتائج أدبية أو اجتماعية مدمرة!
ولعل من أمثلة ذلك حادث الشاب الذي حاول قتل أبيه ثم انتحر، وهو الحادث الذي تناقلته الصحف أخيرًا، فقد كشف سلوكه عما يعانيه في أعماق نفسه من عقدة أوديب المرضية. فبشروعه في قتل والده أفصح عن نزعة كراهية جامحة موجهة نحو الأب منذ طفولته الباكرة، ولما كانت هذه النزعة مصحوبة بشعور مجسم بالخطيئة والمعصية، فقد دفعه هذا الشعور إلى الانتحار تخلصًا من عذاب الضمير. وإنني وإن لم تتح لي فرصة دراسة نفسية هذا الشاب دراسة تحليلية عميقة، إلا أن الخبير بأسرار النفس البشرية ودخائلها قد يستنتج من تصرفات المرء وسلوكه الظاهر ما يعانيه في أعماق نفسه من عوامل ووجدانات. فإن كان سلوكه أو تصرفه شاذًا دل ذلك على نفسية شاذة أو مريضة، ولا نعني في ذلك بالمبررات الظاهرية التافهة للجريمة.
كذلك الحال فيما يختص بقصة الرجل الذي قتل زوج عشيقته. وقد تناقلت الصحف هذا الحادث أيضًا.. فإن الباعث على القتل كما يبدو في الظاهر قتل زوج العشيقة للاستئثار بها دون الزوج، ولكن ربما كشف تحليل نفسية هذا الجانب عما يعانيه في أعماق عقله الباطن من عقدة أوديب المرضية حيث اتخذ في حياته الشعورية من عشيقته صورة رمزية لمعشوقته الأولى منذ طفولته وهي أمه، ولم يستطيع التخلي عن عشقها المكبوت في قرارة نفسه، كما اتخذ من زوجها الشرعي رمزًا لوالده الذي كان يشتهي موته أو زواله من الوجود ليستأثر بأمه في ذلك الحين…فهذا السلوك من جانب الجاني قد يكون مرده إلى ما يعانيه من أعماق نفسه من انطباعات الطفولة الباكرة والتي لا تزال مسيطرة على تصرفاته في حياته الشعورية؛ وأن سلوكه ما هو إلا مظهر من مظاهر تلك النفسية الطفولية التي تتحكم في مشاعره، ووجدانه وتصرفاته.
فأمثال هؤلاء المجرمين مرضى نفسيون، وكان في الاستطاعة علاجهم وشفاؤهم مما يعانونه في أعماق نفوسهم المريضة من عقد نفسية، ومشكلات عاطفية، لو كشف أمرها وحلت في الوقت الملائم عن طريق تحليل نفسي عميق، لما تورطوا فيما تورطوا فيه من جرائم.
وتجارب التحليل النفسي في تحليل نفسية طائفة من المرضى النفسيين والكشف عما يعانون في أعماق نفوسهم من نزعات إجرامية مكبوتة وليدة مشكلات الطفولة الباكرة، كفيلة بإثبات هذه النظرية العلمية الخطيرة.
سنة 1798 غزت فرنسا مصر، فيما سيُعرف بعد ذلك باسم الحملة الفرنسية على مصر. ربما لأنها لم تستمر سوى ثلاث سنوات، فلم يرَ فيها المؤرخون أكثر من مجرد حملة عسكرية.
لكن التأثير الثقافي لهذه الحملة العسكرية على المصريين كان كبيراً. لا أقصد هنا النخبة المصرية، بل المصريين من الفلاحين وعوام الناس. الذين رأوا في الحملة الفرنسية عالماً لم يكونوا يعلمون بوجوده، عالماً أشعرهم أن في الحياة حياة غير الحياة التي تحيط بهم.
هذا التأثير تسبب في معضلة عاطفية لن تجد توصيفها في كتب التاريخ، تنتمي إلى عالم الروايات والسينما أكثر ما تنتمي إلى كتب السياسة الجافة. معضلة متعلقة بـ«الحب».
الجبرتي ينقل - بعد خروج الفرنسيين - حواراً بين مصريين وبين عسكر العثمانيين. اعتدى هؤلاء العسكر على أحد المشايخ، فاعترض الأهالي وذكَّروا عسكر العثمانيين بأن هذا لا يصح. إذ اليهود والنصارى يوقّرون رجال دينهم. فردّ عليهم عسكر العثمانيين بالقول:
«أنتم لستم بمسلمين؛ لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم، وتقولون إنهم خير منا. نحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى، وأخرجناهم من البلاد فنحن أحق بالدور منكم». لقد نقلت هنا نموذجاً بسيطاً عن طبيعة علاقة المصريين بعسكر العثمانيين، لكنّ الجبرتي يسهب في تفاصيل تلك الفترة، المنحصرة بين خروج الفرنسيين في 1801 وبين السنة الأولى من حكم محمد علي 1805، حيث لم تستتبّ له الأمور بعد.وفي تلك الفترة، بشهادة الجبرتي، أمعن العسكر العثمانيون في اعتداءاتهم على المصريين، بالفحش في النساء والغلمان (كما يفعل «داعش»)، والقتل على أقل خلاف، والاستيلاء على حمار «المكاري» أو ناقلي البضائع من الريف إلى القاهرة. والاستيلاء على قروش المصريين وإعطائهم بدلاً منها القروش «الزيوف»، أي المزيّفة التي لا تحمل الوزن القانوني من المعدن.
عسكر العثمانيين برروا سلوكهم بأنه تعبير عن الحنق لأن المصريين أحبوا الفرنسيين أكثر منهم. وفي هذا أيضاً يسهب الجبرتي في بيان الأسباب، من أول الابتكارات الحِرفية التي أتى بها الفرنسيون والتي أبهرت المصريين، العالِم منهم والعامل. وصولاً إلى حُسن الإدارة وإنسانية التعامل مع الشَّغِّيلة.
يحتاج نظرةً هذا «الحبُّ» الذي وجده الفلاحون المصريون في قلوبهم للفرنسيين (النصارى)، بينما لم يجدوه نحو العثمانيين (المسلمين).تخيل على المستوى الشخصي، قبل السياسي، أن يعاقبك إنسان على حبك طرفاً آخر. أول ما يتبادر إلى ذهنك أنه يتنافس مع الآخر على أن يحظى بحبك. إنه بذل مجهوداً لكي يوجِّه شعورك الودود تجاهه. وقتها سنفهم أن غضب هذا الساعي له أسبابه، لكننا لن نتوقف عن إدانته، سنسمي الشعور غيرةً وحسداً، وسننقل هذا الشخص من خانة المحب إلى خانة «العذول». وسندرك أن شعوره لم يكن حباً، بل كان شعوراً باستحقاق الامتلاك، بغضّ النظر عن رغبة صاحب أو صاحبة الشأن.
فما بالك إن كان الطرف الغيور الحاسد لا يبذل أساساً مجهوداً لكي ينال الحب. ما بالك إن كان على العكس من ذلك، يقمعك ويستلب ثروتك وينغّص عليك حياتك ويضعك في مرتبة أقل مما ترى نفسك. ثم يعود ليلومك لأنك «أحببت» مَن أحسن معاملتك وأعاد إليك ثقتك بنفسك.
هذا بالضبط بعض مما تعانيه منطقة اللغة العربية في السياسة. ليس فقط على يد ورثة القوى الاستعمارية الإقليمية في بلاد فارس والروم المسلمين، التي ترى نفسها «مستحقة» لطاعتك إياها عن حب وأنت صاغر، بل من قوى أخرى كالقوميين العروبيين واليسار الثوري. قوى تدّعي دائماً أنها تعرف مصلحتك أكثر منك. ولا تكتفي بهذا. بل تعاقبك أيضاً على اختيارك المختلف عن هذا الاختيار الذي قررته بالنيابة عنك. هذا «الحب القسري» ليس حباً، هم يعلمون ذلك، ويستنكفون ويستكبرون أن يطلبوه بألسنتهم. بل يتوقعونه واجباً مفروضاً من جهة أعلى:
إما الحق الإلهي كما فعل جنود بني عثمان مع الفلاحين المصريين. وهو نفس المنطلق الذي انطلقت منه الدعاية الجديدة لفلول العثمانيين المعاصرين، الذين يريدون لنا أن نخدم مصالح تركيا، أو نسير على رسم طهران، رغم كل ما يصدر عنهما نحونا. فإن لم نفعل ذكّرونا بـ«الأخوة الإسلامية»، وإما الكلام باسم «الشعوب» من تيارات جرّبت الوصول إلى الحكم فضيّعت شعوبها، وبدّدت ثرواتها. هذا «الحب القسري» ليس حباً. لأنه دائماً مطلوب في اتجاه واحد. مطلوب منك نحوهم، ومن دون مقابل. فلا شكر على واجب. لكن الدراما في السياسة، كما في الحياة، كاشفة. تُفصح عن الحقيقة. جنود العثمانيين في حديثهم إلى المصريين وقت الجبرتي كانوا أكثر عفوية من أحاديث السياسيين في أوقاتنا هذه. عبارتهم «نحن أحق بالدور منكم» هي بالضبط ما يريد أن يقوله إردوغان وخامنئي. نحن نسمعهم سواء نطقوا الكلمة نصاً أم ليبحث الإنسان دائما في داخله عن شيء لا يدرى كينونته أو طبيعته ويحاول أن يتلمس وجوده، ويكتشف لاحقاً بأن ذلك الشيء الذي يبحث عنه موجود في امرأة يحلم بلقائها، ويأمل أن يتلمس ذلك الشيء، وأن ينسج من الخيال واقعاً، ويسعى جاهداً إلى اكتشافها من بين كل البشر.
يقوده الفضول والأمل وثم الشهوة إلى تحسس امرأته، ويشقي لأجل إرضائها، أملاً في جذب انتباهها واهتمامها في خضم أهوائها وتعليماتها وامتحاناتها المنطقية ولا منطقية، المقصودة أو العشوائية تتفحص نواياه ومدى جدية ما يهدف إليه من رغبات جادة أو شهوات عابرة وربما تكون نزوات لحظية.تتراكم القضايا وتتزاحم المواقف بين شد ورخي وبين اهتمام وعدمه وعذابات الليل ومتعة الأحلام شوقا إلى النهار، للقاء عابر قد يطول وكلمات لم يقلها امرؤ ألقيس في شعره، وقد وينجح الطرفان بالإعجاب بالأخر، ويبدأ الداخل يتساءل ويناشد ذاته: هل تحبني؟ أو أحبه؟ ومدى جديته؟ كيف نستمر؟ كيف نرضى رغباتنا؟ كيف نجمع أنفسنا؟ وننصهر بأجسادنا؟ ويفيق الحالم على واقع أن هنالك شيء يربطنا ويعذبنا ويقربنا..... وهذا يسمى الحب وحرام أن يبقى بلا استقرار.... ويبدأ البحث عن الديمومة.
وهنا تبدأ فصول القصة أو الرواية تفجر الشجون والهموم، وتتحول الأحلام وصدق الرغبات إلى لعنات في ظل ما يسمى تنظيم الأمور وظروف وشروط قد تسمح للحبيبان أو لا تسمح أن يترجما حبهما إلى واقع يفرضه مجتمع معقد بقيود وأعراف أصبحت قوانين تفرق ولا تقرب، ويبدأ الحب يتحول ويتشقلب ما بين قلب يريد وعقل لا يفهم ما يدور حوله، في عالم لا يرحم ولا يفهم المعاني السامية للحب، ويتحول الحب إلى تهمة وجريمة يوجب رجم من أخلص لحبيبه. فوار عناصرهم المحلية بنطقها.
على طريقة المسلسل العربي «ذئاب الجبل» للكاتب الراحل محمد صفاء عامر، والذي يحكي عن زواج «وردة» الهوارية، إبنة الشيخ «بدار» كبير العائلة، من شاب لا ينتمي لقبيلتها، والذي قوبل برفض «بدار» شقيقها الجامعي الحاصل على بكالوريوس زراعة، متمسكًا بزواجها من أحد أبناء عمومتها في تمسك بتقاليد هوارة، تكررت نفس الأحداث مع «راندا.أ.» ابنة قبيلة الهوارة في مركز أبو تشت شمال محافظة قنا، التي تداولت قصتها مؤخرًا على صفحات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، بسبب زواجها من شخص خارج قبيلة «الهوارة»، مما أدى إلى تهديدها بالقتل هي وزوجها من قبل أفراد عائلتها بسبب تقاليد العائلة، الرافضة لزواج فتيات القبيلة من خارجها، وأصبح «الطلاق أو القتل» شبح تواجهه الفتاة.
على الرغم من التأثير الإيجابي الذي حققه المسلسل في قطاع كبير شباب القبيلة، إلا أن القبيلة في قنا وسوهاج الآن لا تزال بتقاليدها دولة أخرى تحكم. قطار هوارة يصطدم بحب «جومانا وأشرف»«جومانا وأشرف»، قصة مأساوية لزواجان تحدوا العادات والتقاليد،
ولكن العصبية القبلية لن تتركهم يمارسوا حياتهم، فالموت ينتظرهم على أيدي قبيلتهم، نتيجة إصرارهم على خرق العادات والتقاليد، وكما قال الأصمعي «من الحب ما قتل».استغاثت الفتاة بوزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، وقوات الأمن في محافظة قنا، لإنقاذها من أبناء قبيلتها الذين قاموا بإطلاق وابل من الأعيرة النارية تجاه منزل أسرتها، وقاموا بحرمانها من زوجها وتهديدها بالقتل، إذا لم يتم طلاقها من زوجها وتزويجها من نجل عمها.
وسردت فتاة الصعيد «جومانا»، وهو الاسم المستعار لـ«راندا.أ»، التي تداولت قصتها مؤخرًا على صفحات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، وهي تنتمى إلى قبيلة «الهوارة» بمحافظة قنا، مأساتها قائلة أنها فتحت عيناها على عادات وتقاليد حكمت على فتيات وشباب بالحرمان من الزواج بمن اختاره قلبهم، وشباب لا يملكوا من أمرهم حيال اختيار شريكات حياتهم شيئًا، حيث أن الزواج في تلك المجتمعات تحكمه عادات وتقاليد، أهمها أن الهواري لا يتزوج إلا هوارية. فالزواج بالنسبة لقبيلة تلك الفتاة «جومانا»، يختار طرفيه كبير القبيلة، وعلى الجميع الانصياع لأوامره، ولكنها لم تكن تعبأ بأي شيء وكانت عبارتها التي تحدث بها نفسها دائمًا «وأنا مالي.. أنا هستنى اللي يختارهولي وأتجوزه» وكانت ترى قلوب صديقاتها ينفطرن من شدة الألم على حرمانهن من الزواج بمن اخترنه، حتى ولو كان هواري.
وفي ظل تفكيرها في الواقع التي تعيش فيه، طرق شاب من قبيلة الأشراف منزل «جومانا»، وطلب الزواج منها، وكعادتها لم تعير الأمر أي اعتبار لأنها بحسب وصفها: «كنت متأكدة أنه هيترفض لأنه مش من هوارة»، ولكن حدثت المفاجأة، ووافق والدها وإخوتها على الخطوبة، مشترطين أن يكون الأمر سرًا في البداية، حتى يتمكنوا من إعداد العدة لإتمام باقي مراسم الزواج، دون الدخول في صدام مع قطار العادات والتقاليد.
ونجحت خطة التعتيم في إبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى جاء يوم كتب الكتاب، وحدث ما لا تحمد عقباه، «جه يوم كتب الكتاب في شهر 11 اللي فات»، هكذا بدأت «جومانة» تسرد تفاصيل مأساتها: «قبل كتب الكتاب بأسبوع، العيلة عرفت إني هتجوز، فسألوا مين العريس؟، ومن فين؟، وهواري ولا لأ؟، ولما والدي قال لهم إنه مش هواري لكنه من الأشراف.. لقينا رفضًا وثورة منهم، وأخدنا أسبوع كامل ناس رايحة وناس جاية، وكلهم عايزين والدي يفسخ الخطوبة وينهي هذا الأمر، وإلا فالتصعيد هو جزاؤنا».
ولن تلقى التهديدات المتواصلة التي كان يتلقاها والد «جومانا»، أي مردود أو نتيجة في جعله يتراجع عن موقفه، وأصر على أن يكون كتب كتاب العروسين في موعده، وحيال هذا الأمر تقول «جومانا»: «خرجنا في السر من غير ما نبلغ أي شخص، وكتبنا الكتاب في صمت تام وبعيدًا عن أي مظاهر للفرح، وبعدها رجعت مع والدي وإخواتي للبيت، وراح «أشرف» مع أهله على بيتهم، ومن ساعتها مشفتش جوزي، فقد أصبح لا يجرؤ على دخول بلدتنا ولا أنا قادرة أخرج منها، ومرت 3 شهور من بعد كتب الكتاب، وكل يوم تجيلنا تهديدات بالقتل والخطف».
«جرائم الحب» قاتل خفي في صعيد مصر.. «راندا وأشرف»: قصة حب فى مواجهة الأعيرة النارية.. «أحمد وهند»: أسرة مهدرة الدماء.. «سعاد وأمين الشرطة»: خطف من داخل المحكمة.. والهوارى: تقاليد القبيلة قوانين مقدسة واستمرت التهديدات وحكم غير معلن بالحرمان، بعد أن حبس كل طرف من الزوجين داخل منزله، ولكن «أشرف» لم يطيق البقاء على هذا الوضع، وقرر أن يذهب إلى منزل زوجته ليراها أيًا كان الثمن، وتروي «جومانا» هذه اللحظات قائلة: «أشرف، صمم يشوفني وييجى يزورني هو وأهله، وبالفعل حضروا إلى منزلنا يوم الجمعة وبمجرد علمي بحضورهم، ارتديت أجمل ملابسي، واتجهزت عشان أشوف عريسي اللي مقعدتش معاه دقيقة على بعض من يوم ما اتكتب كتابنا، وكنت طايرة من الفرح وفي نفس الوقت كنت قلقانة جدًا».وقالت الفتاة الصعيدية: «راحوا إخواتي وحمايا وإخوات جوزي يصلوا الجمعة، وأشرف قالهم هحصلكم بعد شوية، وقعد معايا، وكنا مبسوطين جدًا، وبعد ما رجع الجميع من الصلاة وبدأنا نحضر الغدا.. فجأة سمعت صوت ضرب نار وصراخ وتكسير بالشوم على باب بيتنا»، مؤكدة: «كنت خايفة جدًا، وكله عمال يصرخ، ولما بصيت لأشرف وكنت مش قادرة أتحكم في دموعي، قالي: ماتخفيش، وفضل الخبط والرزع ومحاولات تكسير الباب علينا وضرب النار مستمر، واتصلنا بالشرطة لأكتر من ساعتين كنا محبوسين خلالها داخل بيتنا، وبعدها جات الشرطة والعمدة وكبار عائلات هوارة، وفكوا الحصار اللي كان مفروض علينا، وخرجوا يتباحثوا في الموضوع».وبدأت المفاوضات تأخذ منحنى آخر، تصفه «جومانا»، بكلمات ممزوجة بالدموع: «الناس كلها جاتلي وقعدوا معايا عشان يقنعوني إنى أطلق من جوزي، وأنا رفضت بكل عزم، ولأول مرة أكون جريئة بالشكل ده، وقلت على مسامع هوارة كلها: «أنا مش هسيب جوزي.. لأني بحبه»، وما إن سمعوا الجملة حتى نظروا إلىَ بإحتقار وقرف، وكأني ارتكبت كل محرمات الدنيا».واستمرت «جومانا» في الإصرار على موقفها من البقاء على ذمة زوجها، وفرمانات عمد وكبار «هوارة»، الذين تحكمهم عادات وتقاليد تأبى أن تتزوج الفتاة من شخص لا ينتمي إلى قبيلتها، تحول الموقف وأصبح الأشقاء هم من يطالبون شقيقتهم بالانفصال عن زوجها حقنًا للدماء، وكما تروي «جومانا»: «أخويا فضل يقنع فيا إني أسيب الموضوع ده عشان مفيش واحد من إخواتي يموت، وجاتلي ناس من برا البلد عمري ما شفتهم وقالولي بصيغة الأمر: هتطلقي وبعدها هتتجوزي ابن عمك، ولو رفضتي هيكون فيها دم».واختتمت «جومانا»، سرد مأساتها بقولها: «عايزيني أطلق من جوزي، وأتجوز ابن عمي الأصغر مني بـ6 سنين، وحاولت أقنعهم وأذكرهم بالآخرة والحساب وإن اللي بيطلبوه ده ظلم.. لكن ما فيش حد عايز يسمع، وكنت خايفة إنهم يأثروا على "أشرف" ويقنعوه بأنه يطلقني، فجريت على التليفون واتصلت بيه وكان رده: مش هسيبك غير لما أموت، ودلوقتي أنا وجوزى وأهلي مهددين بالقتل لو ما حصلش الطلاق».
«أحمد وهند».. إهدار دم لم تكن قصة جومانة وأشرف آخر فصول قصة التقاليد في صعيد مصر، ففي واقعة أشد مأساة من أفلام الرعب التي من الممكن أن تفزع الكبار والصغار، تحولت حياة أسرتين إلى جحيم بسبب العادات والتقاليد القديمة في صعيد مصر، خاصة لدى قبائل «العرب والهوارة والأشراف».فالشاب أحمد ابن الصعيد، كانت كل جريمته أنه أحب إنسانة بادلته نفس المشاعر النبيلة، واتفقا سويًا على الزواج الذي حلله المولى عز وجل من فوق سبع سموات طباقًا، إلا أن أهل قريته طاردوه وعروسته وأحلوا دمه، لأنه خالف العرف الذي يقضى بعدم زواج أحد من عائلة أخرى، حيث كان أول حالة تخالف هذه العادات الأزلية التي وجد أهل قريته يتعاملون بها من سنوات، لكنه تحدى كل الظروف القاسية، تحدى التهديد بالقتل، والمساومات والمطاردات، وقرر أن يحمي قصة حبه، ويهرب بها بعيدًا عن المخاطر.
ومع مرور الوقت، استنفد كل أمواله ولم يجد ما يصرف به على زوجته، فراوده الحلم في العودة لموطنه، لكن حال التهديد بالقتل دون تحقيق حلمه، ليبقى مطاردًا متخفيًا في الشوارع من المجهول.
هذه قصة الشاب «أحمد» -30 سنة-، الذي ولد في إحدى قرى الصعيد، وهند «الهوارية»، وكان في القرية 3 عائلات هوارة والأشراف والعرب، جرى العرف أنه لا تزواج بين هذه العائلات الثلاثة، وعلى مر مئات السنوات منذ تاريخ القرية، لم تشهد المنطقة حالة واحدة من الزواج بين العائلات الثلاث، ووصل الأمر إلى درجة أن البعض اعتبر الزواج من عائلة أخرى بمثابة الحرام شرعًا، وأن فكرة الزواج من عائلة أخرى مرفوضة من حيث المبدأ، ولا يستطيع أحد أن يخترق هذا النظام، حيث سيكون مصيره القتل على الفور.تعرف الشاب على فتاة من عائلة أخرى تدعى «ن.م» -33 سنة-، ورغم أن عمرها كان يزيد عن سنه بـ3 سنوات، رغم علمه باستحالة إبرام عقد الزواج، رغم كل ذلك، إلا أن الحب كان هو الأقوى، فقرر تحدي جميع الظروف، وطلب من حبيبته أن تتحدث مع أقاربها في مشروع زواجهم، فهددوها بالقتل، فلم يكن أمامكم طريقًا سوى الهرب للحفاظ على الحب.تحمل الشاب الظروف الصعبة والأيام القاسية، وكانت الآمال معقودة أن يكون غدًا هو الأفضل، لكن التهديدات زادت، وأصبح أسيرًا في الشوارع متخفيًا، وانتقل من مكان لآخر في قرى الصعيد، هاربًا بزوجته خوفًا عليها أن تطولها يد الغدر. يحلم الزوجين الآن باليوم الذي ينتهي فيه الظلم والتخلف، وبذلك اليوم الذي يعودوا فيه إلى قريتهم.
متعلمات تحت القهر
وفي نفس السياق، تقول «ع.ل»، الطالبة الجامعية، إنها خرجت من محيط «هوارة» لتكتشف أن العالم ليس قاصرًا على قبيلتها فقط، وخلال دراستها تحركت مشاعرها لزميل لها ليحلما معًا بمستقبل وردي. ظنت الفتاة الجامعية أنها مثلما أتيحت لها فرصة الالتحاق بالجامعة، فمن حقها الارتباط بمن اختارت، خاصة أنها درست بإحدى كليات القمة، لكنها فوجئت برفض عائلتها بل وايقافها عام كامل عن الدراسة مفضلين ألا تتزوج نهائيًا، على أن تتزوج من خارج هوارة. وبعد أن أنهت دراستها، تنتظر اليوم عريسًا يحمل لقب «هواري»، هو أحد أبناء عومتها وافق عليه والدها، مشيرة إلى أن «الزواج لدينا شئ والحب شئ آخر».
فجوة ثقافية
وتشعر «م.ن» –طالبة-، بالحزن لوصولها للمرحلة الجامعية دون أن يكون لها رأي في اختيار شريك حياتها، فقد أجبرت على ابن عمها، رغم أنه أقل منها من حيث المستوى التعليمي والثقافي، ولا يميزه سوى أنه هواري. وتقول: «مثلما يطلب التوافق الاجتماعي، فهناك أيضًا التوافق العلمي والثقافي»، مشيرة إلى أن هذه الفجوة في المستوى الثقافي ستخلق بينها وبين ابن عمها -زوج المستقبل- فجوة بالتفكير، متوقعة فشل هذا الزواج وإن كانت مضطرة على المضي قدمًا فيه لإرضاء عائلتها.
عادات أقوى من القانون
وتختلف قصة «م.ص» عن سابقيها، فرغم تحديها للعائلة وموافقة والدها على الشخص الذي أرادت الارتباط به، ورغم عقد القران، إلا أن العائلة علمت في يوم الزفاف فأخذوها بالقوة من منزل والدها لمنزل أحد أفراد العائلة، فيما قام بعض شباب العائلة بضرب العريس ومن حضر معه يوم الزفاف، ورفضوا تسليمه زوجته، فلم يجد مفرًا سوى اللجوء لقسم الشرطة، لكن القانون لم يفلح في إعادة الزوجة لزوجها، وتدخل الكثيرون من أهل البلد لينهوا المشكلة بعد رفض هوارة إتمام الزفاف، وأجبر العريس على طلاق العروسة، وأخذ مبلغًا ماليًا تعويضًا عما لحق به بعد تهديد هوارة له.
الفتاة الجامعية وأمين الشرطة
وفي نفس السياق، شهدت محافظة سوهاج اقتحام عدة أشخاص محكمة دار السلام الجزئية بسوهاج، وأطلقوا أعيرة نارية على أفراد الشرطة، وخطفوا فتاة تدعى «سعاد. م»، قبل عرضها على النيابة، ثم تبين أن المقتحمين ينتمون لقبيلة هوارة، وأن الفتاة المختطفة أيضًا تنتمي للقبيلة، أما المشكلة فهي أنها تزوجت من خارج أفراد القبيلة وخالفت العادات
. الفتاة الجامعية ارتبطت بأحد أمناء الشرطة، وتم عقد قرانهما وغادرت منزل عائلتها بدار السلام، فقامت عائلتها بالإبلاغ عن خطفها، ثم اكتشفوا أنها غادرت لرغبتها بالزواج، فثارت العائلة وهاجمت مبنى المحكمة لأخذ ابنتهم، بينما فر الزوج هربًا من بطش الهوارة به.
قوانين قبلية مقدسة
ورغم أن شباب هوارة متعلمون، إلا أنهم أشد الناس تمسكًا بهذه العادات.إن بنات هوارة لا يمكن أن يتزوجوا إلا من شبابها، وأن هناك إجراءات حاسمة وحازمة حال خروج أي عائلة أو أسرة عن هذا القانون، الذي يعتبره في ميزان التقديس.وأضاف «الهواري»، أن أي محاولة للخروج عن هذا ربما تؤدي بحياة البنت من الأساس، وتعريض أسرتها لعقوبات رادعة، تبدأ من الطرد من القرية التي تعيش فيها، وتنتهي بإعلان القبيلة تبرئها من هذه الأسرة نهائيًا، موضحًا أن أي مناقشة في هذه الأمور مرفوضة، رغم أن هناك أطباء ومهندسين وصحفيين وأساتذة جامعات، ممن يقودون القبيلة الآن.لأي فتاة تنتمي لقبيلته أن تموت دون أن تتزوج، من أن تتزوج من خارج القبيلة.
أصوات التغيير
ولكن هناك عدة أصوات تنادي بتغيير هذه العادة لتنافيها مع الدين، باعتبار أن المقياس هو الخلق والدين والتكافؤ المادي والاجتماعي، وليس كونه «هواريًا»، لكن هذه الأصوات لا تستطيع أن تغير شيئًا من هذه التقاليد، فالعائلة بأكملها ستثور ضدهم، مما يدفعهم للسفر خارج البلاد، وهم أيضًا السبب في وجود عدة حالات خارقة لقانون هوارة، تزوجت فيها بعض النساء من رجال خارج القبيلة، لكنهم بعرف العائلة «مطرودين». أتحدث هنا عن قيمة إنسانية روحية سامية، كانت ولا تزال ضحية الممارسات الخاطئة التي سيطرت على غالب الأمكنة والأزمنة. أتحدث عن (الحب) هذا المعنى البعيد الراقي السامي عن كل شوائب الدنيا مهما صغرت أو تعاظمت، إنه تلاقٍ روحي صادق عفيف، موجود أصلاً في ذات الإنسان التي تشتاق إلى المشاعر الأصيلة الوفية المتجردة من تحولات العصر الغازية لكل جميل
. الحب في زماننا تحول إلى جريمة يجب أن يحاكم عليها أحد القلبين، وليتها في محكمة واحدة وأمام قاضٍ واحد! إنها محاكم متعددة وقضاة كثيرون يتناولون المحب (مرتكب الجريمة) على أنه خارج دائرة البراءة سواءً ثبتت إدانته أو لم تثبت.. فإما أن يكون ماثلاً أمام محكمة المجتمع التي تضرب عليه بسياط من نار! وإما أن يمثل أمام محكمة من يحب، فيدرس قضيته باعتباره واحداً في زمان المتغيرات والمتناقضات والمصالح الزائفة. ومن هنا لا يكون ذاك المحب المسكين، إلا متهماً من هنا وهناك، لدرجة أن تمنى لو ماتت مشاعره بداخله دون أن يبوح بها سراً أو علانية.طبعاً أتحدث عن (الحب الشريف العفيف) الذي نمت بذرته وكبرت وتعاظمت في الروح الأصيلة التي لا تنظر إلى المحبوب بعين الشهوة والغريزة والمصلحة، بل تنظر إلى روحه التي تعلقت في كل جزءٍ من أجزاء جسمه، فأصبحت تسري معه كما يسري الدم في عروقه.
وحين يعلن الرجل أو المرأة عن تلك المشاعر بنية سليمة، يتفاجأ أحدهما بحجارة التهم تتراشقه من كل جانب! مع أن الحب في كثير من حالاته وغرائبه لا يأتي متوافقاً بين الطرفين بكل شيء، فإما أن يكون الاختلاف في الجنسية أو الديانة أو الثقافة أو فارق السن أو النسب واللون! كلها أمور لم تأت للمحب على بالٍ، لأن روحه عشقت روحاً لا تدري إلى ماذا يصنف الجسد الذي يحملها، ولم يجلس على مكتبه يوماً ما لكي يأخذ قراراً بأنه سوف يحب هذا الإنسان تحديداً! إنه قرار ليس اختياري على الإطلاق، فالقلب هو من يقرر دون الرجوع إلى العقل الراجح الحاذق الذي دوماً ما يضع العقبات والأحجار المختلفة من دينٍ ونسبٍ ومالٍ وجمالٍ وغيرها..
وعندئذ تكون الكارثة!
حب من طرفٍ واحدٍ حكمت عليه محكمة الخيانة والمؤامرة والغدر بأنه محروم وليس مرحوماً، ومتهم مثبت الإدانة بأنه لم يحب إلا لغايةٍ في نفس يعقوب قضاها!وبين ردهات تلك المحاكم، ضاعت القلوب الصادقة، وحكموا عليها بالإعدام بلا رحمة ولا شفقة، وياليتهم عادوا إلى السجل العربي الحافل بمعاناة المحبين من أجل الوصال والتلاقي!أحسن الله عزاء القلوب الوفية الراقية، ومن كان منها فيه شيء من الأمل فليوقد ناراً، ويحرق فيها حبه لأي أحدٍ، فلم يعد في هذا الزمان مكاناً للصدق والوفاء!
مازال الحب في وطننا – يا عزيزتي – جريمة لا تغتفر ، فعل آثم في شارع تلك العادات والتقاليد المميتة ، انتقلنا من الخيام للقصور والأبراج ولكن يبدوا أننا قد نسينا عقولنا في تلك الخيام ، فأصبح الحب عاراً لابد أن نغسله من ثوبنا بالقتل ، حتى أصبح الحب في وطننا هو أقدم مسجون في سجن العادات ، هو أقدم مظلوم في عرف التقاليد ، هو أقدم مقهور داخل أوطاننا ، سيصمد حتى تخور قواهم علي شواطئه الصامدة في وجه ضربات موجاتهم العاتية ، من جهلهم لا يعرفون أن الحب أقوي سلاح في تاريخ تلك البشرية ، أن الحب باق ما بقيت تلك الحياة حتى وإن كان مقهوراً !!!
لماذا يخشون الحب ؟! ، لماذا يخافون العشق ؟! ، هل فعلاً يرتعشون خوفاً منه أم من المواجهة بين هذا الحب الصادق وبين تصرفاتهم البغيضة الكاذبة ؟ ، الحب لم يكن أبداً دعوة للانفلات أو انقلابا علي العادات والتقاليد بل هو ثورة تصحيح لتلك العادات التي تؤمنوا بها وكأنها منزلة من السماء !! ، هو صرخة مقهور في وجهكم حينما تحاولون – بكل قوة – أن تفقدوا هذا الحب أسمي معانيه ، هو فارس عربي يمتطي جواده الأبيض و يزين صدره أخلاق الفرسان العرب يواجه سهامكم – الغادرة - بقلب لا يخاف الموت وكيف الموت وهو محاط بدعوات وصلوات قلوب الحالمين بغد أفضل مع من يحبون ؟ ، وكيف الموت وتلك القلوب البريئة الطاهرة لا أمل لديها سوي في هذا الفارس وفي تلك المعركة فقامت تصلي وتقرأ وترتل من أجل النصر ولا شيء سوي النصر !! ، ورغم كل تلك الهزائم وكل تلك الانكسارات بفعل غدركم ما زل هذا الأمل بفجر جديد يداعب تلك الجفون الساهرة علي أمل أن يكون اليوم هو آخر أيام هذا الفراق ولكنه مازال أملاً !!
مازال الحب مخبأً داخل قلوبنا لا ندري هل نخشي عليه من النور كنوع من الغيرة أم نخشي عليه من النور لبطش العالم المتوقع به وبنا ؟! ، مازال الاعتراف بالحب في مجتمعنا – المتحضر – كالاعتراف بالرغبة في الانتحار أو الإلحاد ، فكأنما فقدت عقلك واعترفت بضعفك وولائك لفتاه سلبتك قلبك ويالها من تهمة في مجتمعنا ويالها من سبه في تاريخ أي رجل أن يعترف بحبه لفتاة وكأننا في عصور ما قبل التاريخ فيا لغبائنا ويا لقهر قلوبنا ويا لظلمنا لمشاعرنا حتي وإن كانت بريئة !!
فالاعتراف بالحب في هذا المجتمع – الشرقي – جريمة عار يجتمع لأجلها كبار القبيلة ويتناقشون في اجتماع عاجل لمحو هذا العار ويقررون وأد هذا الحب بكل الطرق متجاهلين مشاعر طرفين لا ذنب لهم سوي الحب في مجتمع شرقي الأمر في مجتمعنا لا يختلف ما بين حب وزواج ففي كلتا الحالتين الحب مرفوض وممنوع يا ولدي !! ،فالتعبير عن المشاعر حتى بعد الزواج في مجتمعنا أمر مرفوض قطعاً ، فمازلنا نراها نقطة ضعف لا يجب أن تظهر للآخرين ؟! بالله عليكم بأي عقل تفكرون ؟ هل الحب نقطة ضعف ؟؟ يا لسخرية القدر !! ، فتجد الزوج يحاول إخفاء زوجته لا غيرة عليها ولكن لإحساسه بالعار و بالخزي من السير بجوارها وهذا نتيجة طبيعية لتلك التقاليد التي تنتقل لنا عبر الأجيال المختلفة ولم نفكر يوماً في تغييرها !! ، فتجده يتحدث بكل ثقة وبصوت هادئ ولكن الأمر يتغير حينما يتحدث عن زوجته فتجده متردداً وصوته خافت يتقطع وهو ينطق " المدام " فيا للعجب !!
ورغم هذا ، ورغم كل تلك التقاليد الملعونة ، ورغم كل تلك القيود ، ورغم هذا الحب المقهور في زنزانته الفردية ، ورغم كل هذا القمع علي قلوب المحبين ، فالخلاص بأيدينا نحن ، والأمل مازال معلقاً بثورتنا ، برفضنا لتلك التقاليد العرفية التي يحكموننا بها ، ارفضوا وثوروا وقاتلوا فالموت في سبيل حبكم شرف وفخر لكم ، لا تسقطوا رايات مبادئكم وترفعوا بدل منها تلك الرايات البيضاء – الحقيرة – فاجعلوا تلك الرايات ترفع وهي ملطخة بدمائكم و مرفوعة فوق أشلائكم
الصمت هو طريق العار والثورة هي طريق الفخر والنصر والشموخ فثوروا رحمكم الله !! ، أما إذا اخترتم الصمت فلا تشكوا الزمن ولا التقاليد ولا الذل فأنتم من اخترتم هذا الطريق فلن تجدي دموعكم شيئاً ولن يلتفت إليها أحداً وسيظل ركاب الثائرين في طريقة حتي يصل لمحطته الأخيرة مهما كانت فيكفيهم شرف المحاولة ويكفيك عار الصمت !!
الاعتراف بالحب يعتبر الاعتراف بالحبّ من المواقف التي تربك الإنسان وتشعره بالحيرة وتجعله يقف في منتصف الطريق غير متأكّد إذا ما كان عليه أن يقدم خطوة إلى الأمام أو أن يبقى في مكانه بل وأن يتّخذ خطوة إلى الخلف في كثير من المرّات، لذلك فإنّ كثيراً من الناس لا يعرفون ما الذي يجب فعله إزاء هذه الأمور بسبب التساؤلات التي تساورهم حول ما إذا كان فعل الاعتراف سيفتح لهم الباب لتلقّي الجواب المنشود أم سيغلق في وجوههم أبواباً أخرى تهمّهم، ولذلك فإنّهم يلجأون إلى الهروب من المواجهة ويفضّلون التنحّي عن أداء هذه المهمّة مع أنّها تمثّل لهم الكثير بالإضافة إلى أنّها قد تغيّر حياتهم العاطفيّة بشكلٍ كليّ على الأغلب إيجابيّات الاعتراف بالحبّ قد يظنّ الكثير من النّاس أنّ الشخص الذي يعترف بالحبّ ما هو إلّا شخص ضعيف غير قادر على إخفاء مشاعره، لكنّ الحقيقة أنّ هذا الشخص بالفعل أكثر شجاعة من ذلك الذي يقف منتظراً، وهو ما أثبتته التجارب طوال الحياة، وذلك يرجع إلى عدّة أسباب منطقيّة تجعل الإنسان أقلّ قلقاً إذا ما اعترف بحبّه للشخص الذي يحبّه، ومنها:
يمتلك الشخص الذي يعترف بحبّه ثقة أكبر من الذي يخفيها، ولا يختلف اثنان أنّ الناس عموماً يفضّلون الشخص الواثق على الشخص الذي لا يمتلك الثقة الكافية لكي يعبّر عن نفسه، وهو ما يعني زيادة الفرصة أمامه للقبول من قبل الشخص الذي يحبّ بسبب ما يتحلّى به من ثقة وشجاعة، وخاصّة بالنّسبة للفتيات؛ فالفتاة تفضّل الشخص الواثق والقادر على الوقوف أمامها والتعبير عن مشاعره. يحدّد الاعتراف بالحب موقف كلا الطرفين من بعضهما البعض، فعندما يقوم أحد الشخصين بالتعبير عن نفسه فهذا يعني أنّ كليهما سيقوم بالتّفكير جدّيّاً بمكانة هذا الشخص في حياته، وهو ما سيعني مزيداً من الوضوح في مستقبل العلاقة حتّى إذا كان الجواب بالنفي؛
فإنّ هذا يعني أنّ على الشخص المحبّ أن يقوم بإقناع من يحبّه بهذه العلاقة، أو فإنّه ببساطة يستطيع التنحّي جانباً إذا ما ارتأى أنّ هذا هو الأنسب بالنسبة للعلاقة المعنيّة. الشخص الذي يعترف بحبّه لن يكون محتاراً إذا ما كان الطرف الآخر يحبّه أم لا، لذا فإنّه بذلك يوفّر على نفسه عناء التفكير في هذا السؤال المحيّر. قد تكون هذه الفرصة هي الوحيدة لالتقاء الشخص بحبّ عمره وهو ما سيعني أنّهما قد يرتبطان إلى الأبد ويعيشان حياة سعيدة مع بعضهما البعض، لذا فإنّ التردد في هذه الخطوة قد يعني خسارة قصّة حبّ ناجحة في كثير من الأحيان، وعلى العكس؛ فالإقدام عليها قد يعني أنّها ستكون خطوة موفّقة للغاية. الاعتراف بالحبّ يخفّف الحمل عن صاحبه، فالذي لا يعترف بحبّه يحمل بداخله الكثير من المشاعر التي لا يستطيع مشاركتها وهو ما يجعلها ثقيلة عليه، مما يؤدّي إلى شعوره بالسوء تجاه هذا، وعدم قدرته على التركيز في شيء آخر.
الوقت المناسب للاعتراف بالحب يحتار النّاس حيال الوقت الأفضل للاعتراف بحبّهم خاصّة إذا ما كانوا يحملون الكثير من المشاعر الحقيقيّة لأحبّائهم، وهو ما يجعل الأمر أصعب لخوف الشخص المحبّ من فقدان الذي يحبّه وفقدان الأمل المرجوّ من هذا الأمر، لذا فإنّ الوقت المناسب يلعب دوراً أساسيّاً في هذا الشأن، وأنسب وقت للاعتراف بالحبّ هو ببساطة يوم رائق يشعر الشخص فيه بالتفاؤل والثقة للتعبير عن نفسه مع عدم إغفال اختيار مكان مناسب يدعو إليه من يحبّه ويخبره بمشاعره بصراحة، إضافةً إلى جاهزيّته لتقبّل الإجابة أيّاً كانت.
طرق للتعبير عن الحبّ تتعدّد الطرق للتعبير عن الحبّ ويعتبر أشهرها أن يقوم الشخص بقول أحبك مباشرةً في وجه الحبيب، أو يقوم بإرسال باقة من الورود له مع إرفاق بطاقة تحمل الاعتراف بالحبّ نيابة عنه، فهذه الطرق تعتبر الأكثر تقليديّة والأكثر شيوعاً، ولكن هناك أيضاً العديد من الطرق التي تستخدم للتعبير عن الحبّ بأسلوب غير مباشر ولكنّه لافت للنظر، ومنها: القيام بأشياء لطيفة للمحبوب، وهذه الطريقة تعتبر من الطرق الأشهر للتعبير عن الاهتمام بشكل خاصّ، كأن يقوم الشخص بمساعدة من يحب إذا ما رأى أنّه بحاجة إلى المساعدة دون طلب منه، أو عن طريق المبادرة في التخفيف عنه إذا ما رأى أنّه يتعرّض لموقف عصيب، وهو ما سيجعل الطرف الآخر يلتفت إلى وجوده وبالتالي تصله إشارة أنّ شخصاً ما يهتمّ به. سؤال الشخص عن اهتماماته وتفاصيل حياته، فالسؤال عن الحال وعن الأمور الأخرى التي تمثل التفاصيل التي يخبرها المرء لدائرته المقرّبة من الناس يعتبر إشارة إلى الاهتمام، وتعبيراً عن أنّ السائل مهتمّ بأن يصبح جزءً من هذه الدائرة، وإذا ما سمح الشخص الآخر في المقابل أن يقوم بمشاركة تفاصيل حياته معه فإنّ هذه تعتبر إشارة جيّدة على أنّه متقبّل لوجوده في حياته. الاهتمام بمعرفة الأشياء التي يحبّها الشخص، ومن ثمّ السعي لتحقيقها، فإذا كان الشخص يحبّ المفاجآت فيمكن مفاجأته ببعض الأشياء اللطيفة فعلى سبيل المثال إذا كان يحبّ الحيوانات فيمكن إظهار الاهتمام بنفس الشيء الذي يحبّه ومن ثمّ شراء الحيوان الذي يحبه، وذلك لإظهار الاهتمامات المشتركة بينهما ممّا يلفت انتباه الطرف الآخر. الصدق في الكلام والأفعال؛ لأن ذلك يفتح باباً للشخص ليصبح منفتحاً تماماً أمام من يحب، مما يعني أنّه يتقدّم خطوة إلى الأمام كلّما قال كلمة صادقة أو فعل شيئاً صادقاً، وهو ما سيقوده في النهاية إلى التعبير عن مشاعره بكلّ صراحة وصدق، وهو ما سيقدّره الطرف الآخر؛ وذلك لأنّ الصراحة واحدة من أهم الأمور التي يجب أن تكون موجودة عند تكوين وتطوير علاقة عاطفيّة.الحب هو الصفاء والنقاوة والصدق والوفاء والتضحية, وماعداه ليس حبا , والحب عاطفة مغروزة في خلجات الانسان وجوانحه في عقله وقلبه وضميره وإرادته وهو أحاسيس ومشاعر جياشة مطبقة على كيان الانسان بأسره توجهه وتحركه نحو المحبوب , وتحدد له متبنياته الفكرية والعاطفية والسلوكية . والحياة بلا حب كالربيع بلا مروج , والشجرة بلا ثمار, والغيوم بلا غيث ,بل هي حياة جامدة لا حراك فيها , بل هي الموت .الحب نور تشرق به النفس وهو الانشراح واليسر والطمأنينة ,وهو ربيع العقول والنفوس والضمائر, حيث تنطلق الطاقات الحبيسة وتتفتح لتعانق الأملا والتفاؤل؛ فيجد به الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه والراحة في ضميره.
وبالحب يوجد الرفق واليسر في حركة الحياة المتوثبة نحو المستقبل الزاهر؛ انه بث للحياة النابضة الدافعة التي تستحيل فيها الطاقة الحبيسة الى قوة ايجابية مكيفة للمشاعر والارتباطات والممارسات التي تداعب اوتار الكيان الانساني كلها في عمق واستجاشة .
والحب حقيقة حية فاعلة متحركة لتحقق ذاتها في الحركة والسلوك . والذي لا يحب اما ان يكون كاذبا او متكتما على مشاعره او يكون شاذا عن كينونته وفطرته.والحب وان كان مغروسا في النفس الانسانية الا ان لإرادته دورا فعالا في توجيهه الوجهة النهائية في عالم الواقع الى وجودات واشخاص , وهذه الارادة تتحكم فيها متبنيات الانسان الفكرية ونشأته الاجتماعية؛ فأما ان يتطلع الى افاق عليا واهتمامات ارفع , واما ان ينحدر الى افاق ادنى والى اهتمامات اضيق وجودا ؛ فهو الذي يحدد طريق الحب بين الواقعية والسطحية في النظرة الى المحبوب الذي يستهوي قلبه وشعوره؛ اندفاعا وانكماشا او حركة وجمودا. الحب هو الكون بأسره ففي الحديث ان الله تعالى احب ان يعرف فخلق الكائنات ليعرفوه ؛ فالحياة بدأت بالحب واستمرت بالحب , وستتصل بحياة ابدية بلا نهاية. والحب الامثل المتعالي هو حب المعبود وحب رسل المعبود وحب منهجه ومفاهيمه وقيمه , ثم الحب العيلي , ثم حب الانسانية. و من مظاهر الحب المعهود في الذهن وفي الواقع حب الجنسين أحدهما لمقابله؛ وهو حب فطري تفرضه الرجولة على الانوثة والانوثة على الرجولة حيث ميل الشدة بجميع مجالاتها الى الرقة بجميع مجالاتها , وتميل الخشونة الى النعومة والنعومة الى الخشونة ؛ ميل القلب للقلب والروح للروح والجوارح للجوارح ؛ ميل العين للعين واللسان للسان؛ بتبادل النظرات والكلمات والإيناس والألفة للتغلب على متاعب الحياة وجمود الحركة , وعلى السأم والفراغ العاطفي والروحي في مجاله البشري الغريزي .
ودرجة التفاعل مع المحبوب واحدة من حيث العواطف والمشاعر ودرجة الاخلاص والصدق والوفاء والتضحية من اجل المحبوب ؛ فمن يخلص ويصدق في حبه لمعبوده ورسل المعبود وارشاداته وتوجيهاته يكون مخلصا مع محبوبه البشري بدرجة ووتيرة واحدة مع الاختلاف في سلم المحبوب ووجوده حيث ان المحبوب الاول لامتناهي ومطلق والمحبوب الاخر متفاوت في الكمال والحب كطاقة متقدة ينبغي توزيعها ليتحقق التوازن في الشخصية بمقوماتها الفكرية والعاطفية والسلوكية لكي لا يطغى جانب على جانب , ولكي لا يكون افراطا ولا تفريطا ؛ وعدم التوازن اساس القلق والاضطراب الذي يسلب الحبيب الراحة والهناء فيجعله في دوامة من الاضطراب والبلبلة العقلية والعاطفية والسلوكية .
والحب انطلاقة وثابة تحتاج الى تفاعل وتبادل بين الحبيب والمحبوب فاذا انخرم التفاعل وتدنى خلق افراطا او تفريطا في الحب بين الجنسين , ومن هنا نرى المحروم من الحب بإرادته او بدون ارادته مضطربا في حبه لجنسه المقابل : وكل حسب نشأته وتربيته . والحرمان من حب لمعبوده او لمنهجه كاللامتنامي لمنهج فكري او فلسفي تراه مفرطا في حبه لان طاقة الحب المركزة في اعماقه ستتركز على محبوبه من الجنس الاخر, وكذا المحروم من حبه العيلي فان حاجته للحب ستدفعه للبحث عنه بإفراط او دون ترو. ولذا ييحدث الحب من اول نظرة او الحب لمحبوب سمع عنه ما حبه دون ان يراه بعينه ومن هنا يحل الهوى والوجد والوصب والهيام والعشق محل الحب المتوازن . فالهوى هو ميل النفس الاكثر في التعلق بالجنس المقابل والوجد هو الحب الذي يتبعه الحزن والوصب ألم الحب ومرضه والهيام جنون العشق والعشق هو فرط الحب والحرمان من الحب يجعل المحروم متسرعا في البحث عن محبوب يمنحه الحنان والدفيء العاطفي فيجذبه الاخر بابتسامة او كلمة او نظرة , ويتعمق الحب ويطبق على جميع الخلجات بزيادة حنان المحبوب فيتفاعل معه حتى يصل الحبيب الى حد التضحية بكل شيء من اجله وقد يفقد عقله ان فارقه او ثبت كونه كاذبا او فرق الموت بينهما فالقلب الفارغ سريع الاندفاع كما في قول الشاعر:
اتاني هواها قبل ان اعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا ومن هنا فالخطورة تكمن في العلاقات بين الجنسين وخاصة الفتاة المحرومة من الحنان فهي اكثر وقوعا في الشراك التي تفقدها عفتها الجسدية ؛ لأن طبيعة المرأة لا تفرق بين الحب والجنس فاذا اعطت قلبها سهل جسمها عكس الرجل الذي يفرق بين الحاجتين ,مع الاخذ بنظر الاعتبار العادات الاجتماعية والاختلاط والخلوة وخلو الفكر من فلسفة صالحة . والحب فيه مقومان وهما :
الحاجة للحب ومؤهلات المحبوب احبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاكا وهذا هو الحب الايجابي المثمر والواعي البعيد عن المنزلقات . فيمكن اشباع الحاجة للحب باختيار المحبوب العاقل الواعي العفيف الذي يصون حبيبه ومحبوبه ؛ ليبنوا اسرة وعيلة فهو حب طاهر وهادف وليس عبثا او لهوا والمخلص في اعتقاده وقيمه يكون مخلصا في حبه , والمخلص في انتمائه السياسي يكون مخلصا في حبه لمحبوبه اما المنتمي انتهازا او مصلحة فيكون غير مخلص في حبه بل مجرد مخادع والحب المذموم هو الحب المتطرف وهو العشق حتى يصبح المحبوب كالمعبود الذي يهيمن على جميع جوارح وجوانح الحبيب وجدي حنيني انيني فكرتي ولهي مهم اليهم عليهم فيهم بهم وهذا هو الهوان والذل ان الهوى لهو الهوان بعينه ما ذاق طعم الذل من لم يعشق والعشق جنون وانزواء عن الحياة الانسانية التي لا يرى فيها العاشق غير معشوقه قالت وقد فتشت عنها كل من لاقيته من حاضر او بادي انا في فؤادك فارم طرفك حوله ترني فقلت لها واين فؤادي وقال شاعر اخر وما شربت لذيذ الماء من عطش الا رأيت خيالا منك في الكاس ولا جلست الى قوم احدثهم الا وكنت حديثي بين جلاسي هذا العشق مذموم لأنه تجاوز الحد وهو انصراف عن حب وعشق المفاهيم والقيم العظيمة الى حب انسان اخر لا يحتاج كل هذه العلقة وفي جميع الاحوال فان التطلع الى محبوب مثالي كالوجود المطلق او قيمه يخفف من الحب المذموم وهو العشق الحب الحقيقي يترشح من الحب المثالي الى الحب الواقعي فيكون الاخلاص للمحبوب اخلاصا لا مصالح فيه يا محرقا بالنار وجه محبه مهلا فان مدامعي تطفيه احرق بها جسدي وكل جوارحي واعطف على قلبي لأنك فيه والطاقة العاطفية هي التي تحدد مراتب الحب وموارده شدة وضعفا في الاختيار وفي الدرجات من حيث التعلق فالأمام الحسين يقول تركت الخلق طرا في هواك وايتمت العيال لكي اراكا فلو قطعتني بالحب اربا لما مال الفؤاد الى سواكا هذه الطاقة العاطفية لو كانت عند غيره ولم تتطلع للأفاق العليا لوجدناها تتوجه بقوتها الى محبوب انسي ولذا فلابد من التسامي عند الشباب المخلصين الصادقين الاوفياء للحيلولة دون ان يصابوا بمرض العشق لأنه موت للحب
|