صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - لا شك أن القضية الفلسطينية، قد عانت الكثير من التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتحولات الأنظمة العربية التي باتت تتعامل مع هذا الكيان باعتباره حليفاً لا عدواً. وتأتي في مقدمة تلك الأنظمة السلطة الفلسطينية، التي انقلبت على أهدافها وأسباب وجودها، وصارت تعمل شرطياً للكيان المحتل. وكان لاتّفاقيّات أوسلو التي وقعتها معه، عواقب كارثيّة بالنسبة إلى معيشة الفلسطينيّين ومستقبل القضية، بل وعلى التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، حيث أدى التطبيع الفلسطيني إلى فتح بوابة التطبيع العالمي والإسلامي مع الكيان الصهيوني.
كما أن التطبيع العربي، قد خلقت في العلن تياراً عربياً قوياً من المثقفين ورجال الأعمال يتبنى التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويروج لأوهام السلام مع الكيان الصهيوني مما أدى لبلبة كثير من أبناء الشعب العربي وتشوش موقفهم من القضية الفلسطينية ومن التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أن التطبيع العربي قد أثر على حركات المقاومة العربية بسبب التضييق الرسمي عليها داخل دولها.
لكن، على الرغم من هذه التأثيرات الضارة، إلا أن التطبيع بسلبياتها كلها، قد كان سبباً من أسباب استمرار صمود الشعب الفلسطيني، وصمود المقاومة وإبداعها في مقاومة التطبيع في الداخل الفلسطيني، وانكشاف الوجه الصهيوني القبيح للخارج العربي، حتى خبت دعوات السلام والتطبيع، ونشطت دعوات مقاومة التطبيع من جديد. بل إن التطبيع، قد جعل زمام المبادرة بين يدي الشعوب المؤتمنة عليها وشريكة الفلسطينيين في الدفاع عن فلسطين ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن المفارقات الغريبة، أن تراجع المقاطعة العربية الرسمية وبداية التطبيع، لم يتوقف عند صحوة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية فقط، لكن واكبه موجة جديدة من حملات المقاطعة على مستوى العالم في الظهور، بدعوة من المجتمع المدني الفلسطيني في البداية، وبعدها أخذت الحملات حياة خاصة بها، وأصبحت معروفة ببساطة بالأحرف الأولى «بي دي إس»، أي مقاطعة، عقوبات، وسحب استثمارات
ومن يشاهد الإنسان العربي الفلسطيني، اليوم، في مسيرات العودة، يوقن أن فمازالت المقاومة الفلسطينية قائمة تدل على أن فاتحة الطريق نحو تحرير فلسطين. وأن الحضور العربي الداعم للفلسطينيين، هو أساس فرض أي حل عادل للقضية.
ثانياً: الآثار على الكيان الصهيوني
تبدو مظاهر التطبيع العربي، وكأنها حققت الأمن للصهاينة، فبعد سنوات طويلة من الصراع، والرفض العربي لوجود إسرائيل، أتى التطبيع وربما يأتي السلام. خاصة وأن الكيان الصهيوني، يدعي أنه يعيش أفضل لحظاته: إدارة أمريكية شريكة في جرائمه، شبكة علاقات واسعة مع معظم دول العالم، تطبيع عربي غير مسبوق.
لكن الأمور ليست ما يدعي قادة الكيان الصهيوني، فلا تزال الأنظمة العربية في أغلبها لم توقع اتفاقات رسمية معهم، وسلام مصر والأردن بارد لا حياة فيه إلا عبر التنسيق الأمني.
وليس هذا كل ما في الأمور، فاستطلاعات الرأي المتواترة داخل الكيان تدلل على تهاوي قيمة السلام في نظر الجمهور الإسرائيلي. والسلطة فلسطينية، بكل ما قدمته للكيان من خدمات، ما زالت خطراً على أمن دولة إسرائيل وترفض الاستسلام لصفقة القرن.
وفك الارتباط مع غزة لم يؤد للأمن بل عرض الكيان لهجمات مستمرة. وعلى الرغم من الطنين المزعج لنجاح التطبيع مع الدول العربية إلا أنه لا توجد لدى إسرائيل استراتيجية واضحة حيال الصراع الجوهري مع الفلسطينيين وماذا ستفعل فيه في ظل سعيها لدولة يهودية خالصة، فهل ستهجر الفلسطينيين أم ستظل تعاملهم معاملة الأبارتهايد، وفي كلتا الحالتين،
هل سيؤدي ذلك لاستمرار التطبيع؟؟ بالطبع لا، خاصة في ظل إدراك قادة الكيان أن أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بهم، بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي يرفض الكيان الصهيوني ولن يسكت على احتلال أرضه وهضم حقوق إخوانه في فلسطين
فرص نجاح التطبيع مقاربة تاريخية معرفية
نقصد بالمقاربة التاريخية المعرفية، محاولة رؤية الصراع العربي كما رواه التاريخ وتكشفه المعرفة التي تجرد الحقائق من الوقائع. فهذه المقاربة، برأينا، تؤكد أن التطبيع كما يروج له الكيان الصهيوني الأنظمة العربية والمثقفين المطبعين، محكوم عليه بالفشل مهما ظهر في الواقع العربي الرسمي بخلاف ذلك.
أولاً: فرص نجاح التطبيع تاريخياً
فشل التطبيع في بدايات القرن الماضي، بين قادة الحركة التحريرية العربية وبين قادة الصهاينة، لأن الصهاينة لم تكن لديهم النية الصادقة وانكشفت حقيقتهم بسرعة. كما فشل التطبيع في لبنان من خلال التطبيع مع حزب الكتائب اللبناني وبث الفتنة بين اللبنانيين. كما فشل التطبيع عبر تجارب السلام في كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقات أوسلو.
فالتاريخ، طوال قرن ونصف من المواجهات، وسبعون سنة من نكبة فلسطين، يؤكد أنه يمكن للصهاينة أن يخططوا للتطبيع، وأن للأنظمة العربية أن تطبع وتتشارك مع الكيان الصهيوني، لكن الشعب العربي في أغلبيته، حتى اليوم، غير مستعد لأن يعترف بهذا الكيان الغاصب على حساب إخوانهم الفلسطينيين.
ثانياً: فرص نجاح التطبيع معرفياً
ونقصد به دراسة التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني على أسس معرفية، تفتش عن الجوهري في العلاقة، وصولاً للمستوى الحقيقي، الذي يتم فيه إدراك الحقيقة الكلية والنهائية الكامنة وراءها من خلال بناء نموذج تحليلي لعملية التطبيع ومآلاتها
يقوم هذا النموذج، على أن التطبيع كما يفهمه العدو الصهيوني، مشروع هيمنة صهيونية يحقق الأمن الرخاء والاستمرار له، وهو الأمر الذي يحتاج إلى سيادة الرواية الصهيونية وقبولها من الشعوب العربية، وفي القلب منهم الفلسطينيين العرب، وهو مشروع مستحيل معرفياً، لأنه:
1-يستلزم تغيير عقائد العرب وتنازلهم عن ثقافتهم وتاريخهم وإلغاء هويتهم العربية والإسلامية.
2-وحتى لو تم ذلك، فكيف سيعالج الكيان الصهيوني ومن يطبعون معه، معاملته الوحشية للفلسطينيين وخططه المستمرة لدفعه للهجرة أو التهجير من أرضه والاستيلاء على مقدساته ومعاملته العنصرية القائمة على التفرقة في الحقوق والواجبات داخل الكيان، وكيف سيبررونها للشعوب العربية وللعالم.
3-وقضية التطبيع ، قضية خاسرة، لأنها قائمة على الاعتراف بفكرة الدولة الصهيونية اليهودية الخالصة، القائلة بالحفاظ على إسرائيل كدولة يسودها العنصر اليهودي من الناحية الديمغرافية، في حين أن أعداد الفلسطينيين تتزايد بمعدلات أكبر من الصهاينة، وهو ما يجعل الدولة اليهودية مستحيلة، إلا بالقهر أو التهجير القسري للفلسطينيين، وهو ما يعني في الأخير فشل التطبيع.
4-وحتى لو تخطت الكيان الصهيوني كل ما سبق، فكيف ستتجاوز هاجسها الأمني وهاجس الزوال ومصير الصليبين الذي يطاردها، فيجعلها لا تطمئن للعرب مهما طبعوا، فالتاريخ يعلمهم أن العرب ما إن يفيقوا من غفلة سيحرروا أوطانهم منهم، وهو الأمر الذي يجعل صدامهم بالعرب متوقعاً في كل لحظة مما يضعف أي فرصة لاستمرار التطبيع.
5-التطبيع اليوم، قائم على ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية على الأنظمة العربية، والتوحد حول الخطر الإيراني والخطر الإسلامي والقومي الداخلي واستمرار قيادات خانعة للكيان الصهيوني في السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، فماذا لو تلاشى تلاشي التهديد الإيراني للعرب، أو حدثت مصالحات تلك الأنظمة مع معارضتها الإسلامية والقومية،
وظهر جيل جديد في منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية والأنظمة العربية، قادر على تجاوز خلافاتهم والتوافق بشكل أفضل على حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، كما حدث مراراً في التاريخ العربي، خاصة في ظل تردي واضح لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، والتي لن تظل مهيمنة على عالمنا مدى الدهر.
كل التحليلات تؤدي لاستحالة نجاح استراتيجية التطبيع، على الرغم من كل ما نراه من تطبيع حكومي عربي مع الكيان الصهيوني.
|