صنعاء نيوزغمدان الدقيمي -
يعتبرون الفن التشكيلي رسالة إنسانية وسامية لمخاطبة مختلف الأجناس بحيث يعبر عن هويتنا اليمنية وحضارتنا وتاريخنا، وأن هناك العديد من الإشكاليات التي تواجههم وتؤثر سلبا على هذا الفن.. ذلك أبرز ما أكده عدد من الفنانين التشكيليين الشباب في استطلاع حول الفن التشكيلي لـ "السياسية" أحدهم شارك في الدورة الرابعة للمسابقة السنوية للتشكيليين الشباب التي نظمتها وزارة الثقافة خلال الشهر الجاري والمعرض المصاحب لها والذي أقيم في بيت الثقافة بأمانة العاصمة...
في البدء يقول الفنان التشكيلي محمد المنيفي، وهو من محافظة ذمار إنه باستثناء مشاركاته في معارض محلية في المحافظة ونحوها تعد هذه أول مشاركة له في المعارض السنوية التي تنظمها وزارة الثقافة وأنه شارك من خلالها بلوحتين تنتميان إلى المدرسة التقليدية أسماهما "تراكم الحواس" تحملان نفس الأسلوب والألوان وهما عبارة عن مدرسة تقليدية بأسلوب ضربات فرشاة استخدم فيهن رمز العين ورمز الصفة وهما مصدر اللغة أي لغة الصمت ولغة الكلام وأنه حاول أبراز تراكم الكلام ما بين الفن والشعر مشيرا إلى أن الغرض من مشاركته في المعرض هو المسابقة وإظهار فنه ورسوماته للجمهور والمهتمين وبما يعزز من قدراته الفنية ويعمل على تنمية وصقل مواهبه الإبداعية وإكسابه مهارات جديدة من خلال الاحتكاك بالمشاركين.
وأوضح المنيفي وهو فنان موهوب أن عدد لوحاته بلغت حتى الآن ما بين 30 إلى 35 لوحة.
تصوير جمالي
من جهتها قالت الفنانة التشكيلية أمة الرزاق الجائفي عن بدايتها في الفن التشكيلي: "منذ أن عرفت نفسي وأنا أرسم فقبل التحاقي بالدراسة الابتدائية كنت أرسم في الرمل والجدران و(...) وتطورت تدريجيا إلى الرسم بالقلم الرصاص وهكذا وخلال الفترة الأخيرة بدأت أشارك في المعارض والمسابقات وبدأت أرسم بالألوان الزيتية ولوحاتي هي عبارة عن تصوير جمالي للبيئة اليمنية وخاصة مدينة صنعاء القديمة كوني متأثرة ببيئتي أمانة العاصمة علما بأن أول لوحة رسمتها ولازلت أحتفظ بها رسمت فيها والدي بعد وفاته رحمه الله كوني تأثرت نفسيا لمفارقته فهو أول من شجعني على الرسم منذ الصغر أما عندما انتقلت إلى الساحة الفنية فأول من أكتشف موهبتي وشجعني للاستمرار هو الفنان زكي اليافعي".
وأشارت الجائفي إلى أن الفن التشكيلي بالنسبة لها رسالة إنسانية وإسقاط نفسي أي أن كل ما تسقطه البيئة على الفنان يسقطه على اللوحة وأنها تميل في لوحاتها للثراث والتصوير الجمالي.
"الوحدة مفتاح الأصالة"
وعن مشاركاتها في المعارض والمسابقات الخاصة بالفن التشكيلي أوضحت الجائفي أنها شاركت في مسابقة جائزة رئيس الجمهورية للعام 2010 وفازت بالجائزة الأولى على مستوى أمانة العاصمة في حين لم تعلن نتائج الفائزين على مستوى الجمهورية منوهة بأنها شاركت في ثلاث لوحات منها لوحة "الوحدة مفتاح الأصالة" وأخرى أسمتها صور من بلادي وهي عبارة عن كوكتيل من الصور تبرز ما تتميز به اليمن من مناظر وإمكانيات ثقافية وهو أسلوب جديد دخلت فيه "التجريدي" حد قولها.
إشهار التراث
إلى ذلك أوضح زكي اليافعي أن الفن التشكيلي رسالة سامية نخاطب بها مختلف الأجناس وتوصلنا للعالم بأفضل حلة ومظهر منوها بأنه يميل في رسوماته إلى البورتريهات بمعنى يحاول في لوحاته إظهار وإشهار كل ما هو أصيل من التراث اليمني القديم الذي ضرب بجذوره في عمق التاريخ. ومن ذلك أصالة وهوية الإنسان والمباني والمهن اليدوية القديمة وكيف أخضع اليمنيون الطبيعة وكيفوها لصالحهم بأداة بسيطة.
ويضيف: "أرسم منذ الصغر وكنت أحب رسم كل شيء فيه جمال كجمال الفرس فتراكمت لدي الخبرة وتعتبر لوحتي التي رسمتها نهاية عام 2003 وبداية 2004 وتتمثل في "رجل يقرأ المصحف الشريف"، في وضع روحاني على سارية مسجد، مفتاح انتقالي من العمل الفني غير المنظم إلى الاجتهاد والتنظيم والمشاركة في المعارض كوني اكتشفت من خلالها العوامل والعناصر الأساسية للوحة كما هو في المدرسة الواقعية والتي تربطها عناصر جيدة منها الترشيح والتكوين والمنظور وغيرها وهذه اللوحة من أجمل لوحاتي وأول لوحة تم اقتناءها ومنحتني سمعة وشهرة ومازالت إلى اليوم مطلوبة وتجذب الرواد والمقتنين أما قبلها فقد كنت مهمشا".
ولفت اليافعي الحاصل على عدة جوائز منها جائزة الرئيس للفنون التشكيلية 2004 عن محافظة أبين وجائزة الرئيس على مستوى الجمهورية للفنون التشكيلية 2007 والعديد من الشهادات التقديرية من مؤسسات إبداعية في اليمن وجائزة أفضل لوحة لمنظر سياحي في اليمن 2008 وغيرها لفت بأن لديه حصيلة كبيرة من اللوحات تم اقتناء عدد منها من جهات مختلفة كرئاسة الجمهورية ومعظم السفارات في صنعاء ومراكز ثقافية في الداخل والخارج وتحديدا في دول الخليج مشيرا إلى أنه وبرغم ذلك ما زال في بداية مشواره كرسام هاوي مبتدئ "عصامي" ومازال متربعا في المحطة الأولى وهي المدرسة الواقعية بكل عناصرها الكلاسيكية والانطباعية و(...)
إرث غزير
وأكد اليافعي أنه من حسن حظ الفنان التشكيلي اليمني أنه بمجرد أن يزور صنعاء القديمة أو غيرها من المناطق اليمنية يكتشف عدة أفكار بالإمكان تجسيدها في لوحات تشكيلية منوها بأن اليمنيين أصحاب إرث غزير جدا بالموضوع أي الأفكار ويفترض أن يستعرضها الفنانون التشكيليون في لوحاتهم وإظهارها للعالم الخارجي للتعبير من خلالها بأننا أصحاب هوية وتراث وموروث وأصالة وحضارة وتاريخ مشبها الفنان بـ ترمومتر حساس أو مرآة تعكس الواقع الموجود حولها مشيرا إلى أنه معجب بأعمال فنانين تشكيليين كبار أمثال الفنان اليمني عدنان جمان سطران النجار، وهاشم علي وأنه وإياهم يميل إلى مدرسة واحدة في الفن.
عصر ذهبي ولكن!
وفي تقييمه لمحتويات معرض "الفنانيين التشكيليين الشباب" الذي أقيم مؤخرا في بيت الثقافة بالأمانة أعتبره اليافعي وهو من مواليد يافع محافظة أبين من حيث مستوى الفن في اللوحات عاليا وجميلا منتقدا في الوقت ذاته الخطأ التنظيمي والإداري المتمثل في عدم توحيد المقاسات في اللوحات كما تم الإعلان.
ويتابع اليافعي قائلا: "الفن التشكيلي في اليمن راق بكل ما تعنيه الكلمة وحقيقة كان لوزارة الثقافة دور كبير في هذا المجال خاصة عام 2004 في إحداث نقلة نوعية محسوسة لدى كل الفنانيين إلى درجة أنه وصل إلى العصر الذهبي على مستوى الجزيرة العربية ويعتبر حاليا في الريادة مقارنة بدول كثيرة منها دول الخليج إلا أن الإعلام لا يعطيه مكانته ولا يبرزه للعالم الخارجي وهو ما يتطلب إعادة النظر".
وقال اليافعي: "إشكالاتنا في اليمن تتمثل في عدم وجود اهتمام شعبي ورسمي بهذا الفن إلا ما رحم الله ونقص في الذائقة الجمالية بشكل عام حيث لاتجد اللوحة مكانتها وتقارن أحيانا بسعر جوال أو ماشابه وفي أحايين كثيرة تهمل كونها تشترى استعطافا بالفنان أو دعما له وهذى عين الخطأ وبالتالي رغم ما وصلنا إليه وما تبذله وزارة الثقافة حاليا إلا أننا لم نصل إلى المستوى المطلوب والذي يفترض أن تكرم فيه اللوحة أكثر مما هو موجود وأن يعيش الفنان حياة أفضل خصوصا وأن الوضع القائم يدفع بالكثير من الفنانين إلى العزوف عن هذا الفن، فالجمال والإخلاص للوحة وقوة الفنان فيها وسعرها عوامل مكملة لبعض لايمكن فصل إحداها عن الأخرى وهو ما لايتحقق لدى غالبية الفنانين اليمنيين بعكس البلدان الأخرى والذين لديهم هوس باللوحات كونها خير ما يزين به الجدران ففي دول أوربا عندما تهدي رجلا لوحة أفضل من أن تهدي له سيارة لذا فأشهر اللوحات العالمية التي نجهلها كمجتمع يمني يتجاوز سعرها مائة مليون دولار".
عدم توفر الخامات
إلى هنا والصورة واضحة وفيما يتعلق بالإشكاليات التي يواجهها هذا الفن والفنانين التشكيليين في اليمن يرى المنيفي بالإضافة إلى ما سبق أنها تتمثل في تهميش بعض الجهات المعنية لهم وموسمية المعارض التي تنظمها وزارة الثقافة وحصر اقتناء اللوحات على مجموعة من الفنانيين وعدم توفر الخامات التي يحتاجها الفنان كالريش الممتازة والزيت والقماش ونوع البراويز وغيرها.
إلى جانب عدم إعطاء اللوحة قيمتها المادية والفنية وضعف الإقبال أو ندرته على شرائها واقتنائها ذلك ما أكدته الجائفي معتبرة أنهم يروجون للوحاتهم وبشكل كبير في السياحة وأن ما تشهده اليمن حاليا من أحداث انعكست بشكل سلبي عليهم مضيفة: "ما تقوما به حاليا وزارتا الثقافة والسياحة تجاه الفن التشكيلي غير كاف ونتمنى أن يكون أفضل مما هو عليه".
إقبال ضعيف
في المقابل أكد مدير عام بيت الثقافة يحيى الديلمي أن مستوى الإقبال على المعرض الذي أقيم مؤخرا في بيت الثقافة ضعيف جدا على عكس المعارض الأخرى وماتم خلال الأعوام السابقة منوها بأن احد أسباب ذلك هو ما تشهده الساحة اليمنية في الوقت الراهن من أحداث وأن المعرض تنظمه وزارة الثقافة سنويا في شهر مارس ويسبقه الإعلان عن الفائزين بجوائز المسابقة السنوية للتشكيليين الشباب والتي صادفت هذا العام دورتها الرابعة.
وأوضح الديلمي أن أهم أهداف المعرض الذي يشارك فيه شباب من مختلف محافظات الجمهورية إلى جانب المشاركة بالجائزة التعارف فيما بينهم وعرض لوحاتهم وإبرازها وإشهارها مؤكدا أن وزارة الثقافة تعمل على تذليل كافة الصعوبات التي يواجهها الفنانين التشكيليين من خلال إقامة المعارض وإنشاء بيوت الفن في كافة المحافظات وأنها تهتم بشكل كبير برواد هذا الفن للنهوض به.
سبل النهوض بالواقع
وفيما يتعلق بسبل النهوض بواقع هذا الفن أوضح اليافعي أننا بحاجة إلى إستراتيجية تثقيفية للمجتمع بهدف تعزيز الذائقة الجمالية ليس في الرسم فقط بل في كل المجالات وكل شيء للوصول إلى تقديم وتقدير قيمة اللوحة أو أي شيء أخر وكذا ضرورة وجود مناهج خاصة في التربية الفنية في المراحل الدراسية الأولى والوسطى أو مادة أو جزء من النشاط اللاصفي لتثقيف الشباب والطلاب على حب الجمال وتكوين ثقافة فنية في أوساط هذه الفئات.
وطالب اليافعي وزملائه الآخرون كافة المعنيين في هذا المجال سواء كجهات رسمية أو خاصة كشركات تجارية وغيرها بأن تشجعهم سواء معنويا أو ماديا أو بأي شكل من الأشكال بما يمكنهم من الاستمرار والإنتاج الجيد وأن ترفع مستوى قدرتهم كما هو حال بعض الشركات الخاصة ـ كمران أنموذجا ـ والتي يقوم رئيس مجلس إدارتها الشيخ توفيق صالح كل عام بشراء 12 لوحة تشكيلية بسعر جميل جدا وترفق بالتقويم السنوي للشركة والذي يطبع أكثر من 50 ألف نسخه توزع في كافة المحافظات والسفارات داخل وخارج اليمن ما يعني أنه لو انتهجت كافة الشركات هذا النهج وهو ما يتمناه وغيره من الفنانيين فإننا سنرتقي بالفن والفنانين إلى أبعد الحدود حد قوله.
كما طالبوا الجهات المعنية ممثلة بوزارتي الثقافة والسياحة بضرورة إنشاء جاليري أو مرسم كبير على غرار المراسم في البلدان الأخرى خصوصا وأن اليمن تعج بمئات الرسامين والرسامات ومساعدتهم من خلال إقامة معارض خارجية.
يذكر أن الدورة الرابعة للمسابقة السنوية للتشكيليين الشباب تنافس على مراكزها الأولى هذا العام 59 متسابقا من مختلف محافظات الجمهورية فاز منهم هشام العلفي بالمركز الأول، وأن عدد اللوحات بلغت ما يقارب 130 لوحة تم عرضها في المعرض والذي شهد إقبالا ضعيف كما سبق ذكره ما يعني أنه لم يتم اقتناء أي لوحة باستثناء ما ستقوم باقتنائه وزارة الثقافة بحسب مصدر في الوزارة.
صحيفة السياسية |