صنعاء نيوز/ د. سنية الحسيني - جاءت تصريحات مسئولي الإدارة الأميركية الجديدة حول سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط لتذكرنا بسياسات إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مع بعض المراجعات الطفيفة. باختصار عادات إلى المنطقة السياسات الرخوة والحلول الدبلوماسية السطحية وابتعدت فرص الحسم والحلول الجذرية. عندما تحدث أنطوني بلينكين وزير الخارجية الأميركي الجديد عن نية بلاده إعطاء أولية للمساعدات الإنسانية في اليمن وسوريا ولبنان وغزة، كما أعاد التأكيد على ذلك جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الجديد، فوراً عادت إلى الأذهان تلك التصريحات والمواقف لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي ركزت على اللاجئين والوضع الإنساني في سوريا وغزة على سبيل المثال. في سوريا ساهمت تلك الإدارة بتفاقم الأوضاع، وباتت البلاد ملعب لقوى عديدة تركية وروسية وإسرائيلية وإيرانية مع شبة وجود أمريكي. تماماً كما تعاملت إدارة أوباما مع قضية غزة واعتبرتها قضية إنسانية، دون أن تربط تلك الاعتبارات الإنسانية بالمتسبب فيها. ومن هنا يمكن أن نستشرف مستقبل الحرب اليمينية والأزمة اللبنانية، في ظل حقبة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. ففي تصريحات بلينكين في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ في التاسع عشر من شهر كانون الثاني الجاري، أكد التزام الولايات المتحدة بوقف الدعم العسكري للحملة التي تقودها السعودية في اليمن ومراجعة العلاقات الأمريكية السعوديه الثنائية، كما أكد التزامه بمراجعة تصنيف الحوثيين اليمنيين كمنظمة إرهابية، دون أي اقتراح بناء لحل الأزمة في اليمن ووقف الحرب الدامية فيها.
في اطار الصراع العربي الإسرائيلي، يبدو أن المستقبل يحمل للفلسطينيين أربع سنوات جديدة من الجمود، حسب ما يشير اليه تحليل عدد من المعطيات الهامة. كانت إسرائيل أول دولة شرق أوسطية وواحدة من أول سبع دول في العالم تبدأ الإدارة الجديدة الاتصال بهم، فهاتف جايك سوليفان مستشار الأمن القومي الجديد نظيره الإسرائيلي مؤكداً له أن إسرائيل تمثل أولوية قصوى لإدارة بايدن وأمن الولايات المتحدة القومي. وفي حين هاتف بايدن قادة كندا والمكسيك وفرنسا وإنجلترا، لم يهاتف بعد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعادة ما تعكس تلك الاتصالات الهاتفية الأولى الملفات ذات الأولوية التي ستركز عليها الإدارة الجديدة. في أول يوم له في منصبه، اتصل أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأمر الذي فسر على أنه يعكس اهتمام إدارة أوباما بملف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. كما كان نتنياهو القائد الثالث الذي تلقى اتصالاً هاتفياً من ترامب، بعد توليه لمنصبه، الأمر الذي فسر على أنه يعكس علاقة قوية بين الرجلين. ويبدو أن بايدن لا يضع نتنياهو بشكل خاص وملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام على رأس أولوياته.
اشارت تصريحات ريتشارد ميلز المبعوث الأمريكي لمجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الماضي إلى توجهات الإدارة الحالية للعودة إلى سياسات إدارة أوباما، التي لم تنجح في احراز أي تقدم في العملية السلمية. وفي إطار اعادة تأكيده على دعم بلاده الثابت لإسرائيل، اعتبر ميلز أنه على إسرائيل وقف الاستيطان والضم، وفي المقابل طالب الفلسطينيين بوقف التحريض على الإرهاب. ورغم اعتباره أن حل الدولتين هو أفضل طريقة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية مع الحفاظ على التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولة خاصة به، لم يشر ميلز إلى حدود عام ١٩٦٧، أو أي حدود أخرى لهاتين الدولتين، كما أنه اعتبر أن الوصول إلى هذا الحل يحتاج إلى موافقة الطرفين. وفي حين أكد ميلز أن بلاده ستستعيد علاقاتها مع القيادة الفلسطينية، مشيراً إلى النية بإعادة المساعدات المالية وفتح البعثة الدبلوماسية، وهو ما اعتبره البعض مبشراً، الا أن ذلك يجب اقرانه بما أكد عليه أيضا من معارضة بلاده للاجراءات أحادية الجانب في الهيئات الدولية الموجهة ضد إسرائيل. وهنا يرجعنا ميلز إلى حقبة ترامب وتهديداته باغلاق مكتب المنظمة في واشنطن في حال اختار الفلسطينيون تلك الاجراءات أحادية الجانب على حد وصفه. ورغم ترحيب ميلز بصفقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وتأكيده أن الإدارة الجديدة ستحث دول أخرى كي تسلك ذات السياسة، أكد أن التطبيع ليس بديلاً عن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في تناقض ظاهر وتعامل سطحي.
ليست القضية الفلسطينية وحدها التي ستواجه الجمود في عهد بايدن، اذ يبدو أن الشرق الأوسط برمته لن يكون أحسن حالاً. ففي القضية الإيرانية، جاءت تصريحات مسؤولي الإدارة الجديدة لا تحمل أي اختراق متوقع. وفي حين أكد بلينكين على نية بلاده العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران في حال امتثلت إيران لالتزاماتها، الا انه اعتبر أن ذلك بعيد الان، فهو ربط تلك العودة للاتفاق مع قضية الصواريخ الباليستية وأفعال إيران “الخبيثة” الأخرى في المنطقة، والحاجة إلى مراجعة حلفاء البلاد في الخليج وإسرائيل، وهو ما اعادت أفريل هينز مديرة المخابرات الوطنية التأكيد عليه خلال تصريحاتها أمام مجلس الشيوخ. وتبعاً لموقف القيادات الإيرانية المعلن حول عدم نيتها السماح لإخضاع مثل تلك القضايا ضمن إطار المفاوضات حول الإتفاق النووي، يبقى ملف التفاهم الأمريكي الإيراني برمته جامداً في مكانه، بما فيه من قضايا أخرى تتعلق بالمنطقة التي تحتاج لتنسيق مع إيران خصوصاً في العراق واليمن وسوريا.
أما فيما يخص الملف التركي، ليس من المتوقع أن تنجح الإدارة الأميركية الجديدة في استعادة تركيا إلى حضن التحالف الغربي. وتعد المشكلة بين البلدين مستعصيه لأنها تقوم على أساس قضيتين مركزيتين، الأولى تتعلق بصفقة صواريخ s400 الروسية، التي تضغط واشنطن لإلغائها، وهو الأمر الذي يعد صعباً اليوم، خصوصاً بعد التقارب الاستراتيجي التركي الروسي، أما الثانية فتتعلق بالدعم الأمريكي لقوات سورية الديموقراطية الكردية، التي تعتبرها أنقرة مهدداً لأمنها القومي، في حين تعتبرها واشنطن حليف لا غنى عنه في سوريا. وتشير خلفية حاملي ملفات الشأن التركي في الإدارة الأميركية الجديدة وتصريحاتهم إلى احتمال ذهاب الولايات المتحدة لتوترات أشد تعقيداً مع تركيا مقارنة بحقبة الرئيس ترامب. وكان أوباما قد نجح في افتتاح أول فصول التوتر بين البلدين، عندما دعم أكراد سوريا وسلحهم عام ٢٠١٥، فاستقدم تركيا إلى الساحة السورية، ليضيف بذلك مزيداً من التعقيد على المشهد. خلال حملته الانتخابية، شن بايدن، هجوماً لاذعاً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأعلن دعمه للمعارضة التركية، ووصفه بالمستبد، خلال لقاء له مع صحيفة «نيويورك تايمز». واعتبر بلينكين تركيا، المعروف بانتقاداته لها، بأنها شريك مزعوم. ولعب لويد أوستن وزير الدفاع الجديد دوراً مهماً في تسليح المقاتلين الأكراد في عهد حقبة اوباما. وكان سوليفان من أوائل من اقترح فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك. ويعرف بريت ماكغورك، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي لشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الإدارة الجديدة، بعدائه للسياسة التركية.
ليس من المتوقع أن تحمل حقبة بايدن الجديد للمنطقة، ويبدو أنها ستكون حقبة القرارات السطحية والمواقف الشكلية والدبلوماسية الرخوة. بالنسبة للفلسطينيين، وهم الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، لم تعد الوساطة الأميركية مناسبة، كما لم تكن في الماضي، في ظل التزامات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، والتي ترفع عنها صفة أساسية من صفات الوسيط وهي الحيادية. كما أن العودة لمرحلة الجمود التي ميزت سنوات عهد أوباما لم تعد مناسبة أيضاً، بعد أن رسخت حقبة ترامب مكانة الاحتلال سواء من خلال الاستيطان أو نقل السفارة الأميركية للقدس أو معاهدات التطبيع الإسرائيلية العربية المستمرة.
كاتبة فلسطينية |