صنعاء نيوز/ سليم بن كريّم -
في عام 2011، أعلنت إثيوبيا، بصفتها دولة المنبع، عزمها إنشاء مشروع سدٍ بمليارات الدولارات وسط الاضطرابات السياسية للربيع العربي في مصر. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، لم تسفر المفاوضات حتى الآن عن اتفاقٍ من شأنه تسوية القضايا العالقة المحيطة بالسد.
يهدف المشروع الذي تم بناءه بتكلفة 4,8 مليار دولار، وتم تمويله بشكلٍ أساسي من الموارد المحلية بالإضافة إلى تمويل من البنوك الصينية للحصول على توربينات ومعدات كهربائية لمحطات الطاقة الكهرومائية، إلى توليد 6450 ميجاوات من الطاقة. وبمجرد تشغيل سد النهضة، سيولد السد طاقة كهرومائية كافية لتلبية احتياجات سكان إثيوبيا بالكامل وجعل البلاد مركزاً للطاقة في إفريقيا.
أما مصر، بصفتها دولة المصب، فترى أن السد يمثل تهديداً كبيراً لأمنها المائي والغذائي، إذ يعيش حوالي 95% من التعداد السكني للمصريين على طول نهر النيل، ويعتبر النهر أيضا شريان الحياة لمواطنيه. كما تتزايد المخاوف في مصر بسبب الزيادة السكانية المتوقعة وتغير المناخ والآثارالمحتملة على القطاع الزراعي. ووفقاً للأمم المتحدة، سيزداد عدد السكان بمقدار مليون نسمة كل ستة أشهر، وفي الوقت نفسه، سيتزايد الطلب على المياه وسط التحضر والتصنيع السريعين، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نقصٍ في المياه في عام 2025.
علاوةً على ذلك، يؤثر المناخ المتغير على موارد المياه والزراعة، ويساهم في انخفاض إمدادات المياه. وبسبب انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجة الحرارة وما يتبع ذلك من تبخرٍ أعلى، ستكون المياه المتبقية من النيل أقل. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط يشكل خطراً على التربة الخصبة في مصر. إن تدفق مياه البحر المالحة من البحر الأبيض المتوسط إلى الداخل تؤدي إلى تملح الترية وبالتالي موت المحاصيل.
وعليه، تتمثل نقطة الخلاف الرئيسية في النزاع الحالي في السرعة التي سيتم بها ملء خزان السد، إذ تهدف إثيوبيا إلى ملئه بأسرع ما يمكن لتحقيق أقصى قدرممكن من توليد الطاقة الكهرومائية. في حين ترغب مصر في أن يتم ملء الخزان على مدى فتراتٍ زمنية أطول، كما تسعى للحصول على تطميناتٍ بأن إثيوبيا ستسمح بتدفق ما يكفي من المياه من الخزان للتخفيف من الجفاف في اتجاه مجرى النهر.
صرح وزير الري السوداني، ياسر عباس، إنه في حال فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، فمن حق الخرطوم استخدام كل السبل للدفاع عن أمنها القومي.
تعدّ ندرة المياه – سواء كانت حقيقية أو محتملة – أرضاً خصبة للصراع، خاصة عندما يتعلق الأمر بموارد المياه العابرة للحدود. ولعقود، حالت السياسات المائية دون التوصل إلى اتفاقٍ شامل حول كمية المياه التي يمكن أن تستخرجها كل من مصر وإثيوبيا والسودان من النيل.
تاريخيا تعتبر مصر القوة المائية المهيمنة في المنطقة، خاصة بابرامها اتفاقيات بينها وبين السودان على وجه الخصوص حيث تم تخصيص 88% من مياه النيل لمصرو 12% للسودان، في حين لم يتم تخصيص أي نصيب لإثيوبيا التي تعتبر مصدر غالبية المياه التي تصب في النيل.
من جهتها، تمتلك إثيوبيا إمكاناتٍ هائلة لتطوير الطاقة الكهرومائية لديها ولكنها كانت غير قادرة على تحدي مركز مصر المهيمن حتى منتصف التسعينيات بسبب عدم الاستقرار السياسي المحلي ونقص الموارد المالية والمعرفة. وبدلاً من ذلك، سلكت إثيوبيا طريق الدبلوماسية الدولية، ووضعت القضية على جدول أعمال المؤتمرات الدولية والإقليمية، كما حاولت التوصل إلى اتفاقٍ مع دول حوض النيل الأخرى، لكن مصر والسودان عرقلتا تلك المبادرات عدة مرات. أدت استراتيجية المنع هذه والموقف العام غير المتعاون إلى استياءٍ عام في إثيوبيا، ونتيجةً لذلك، قررت إثيوبيا تنفيذ مشاريع المياه من جانبٍ واحد.
هذا وشدد عباس على أن الملء الثاني للسد دون اتفاق يهدد حياة 20 مليون سوداني”، مؤكدا ان غياب الإرادة السياسية من قبل السلطات الإثيوبية هو ما يقف حائلا امام الوصول الى اتفاق بين الطرفين.
وقال ان القاهرة تساند اقتراح الخرطوم تشكيل رباعية دولية للوساطة بشأن السد، مشددا على أن إصرار إثيوبيا على عدم توقيع اتفاق قانوني مُلزم هدفه إقحام ملف تقاسم المياه.
وانه في صورة فشل مساعي توسيع المفاوضات فمن حقنا استخدام كل السُبل المشروعة للدفاع عن أمننا القومي التي تكفلها القوانين الدولية.
وأضاف ان مصر والسودان تتعاونان في تبادل الخبرات وتحسين سُبل استخدام الموارد المائية.
هل تلجأ مصر والسودان إلى “الخيار العسكري” لحل الأزمة؟
المحادثات بين مصر والسودان وأثيوبيا بشأن السد باءت كلها بالفشل
يعود استمرار تعثر الوصول لحل بشأن سد النهضة الإثيوبي، والذي تصر مصر وإثيوبيا على أنه يشكل خطرا حقيقيا على حياة الملايين من مواطني البلدين.
وقالت الحكومة السودانية في وقت سابق إن قرار إثيوبيا الفردي بتعبئة خزان سد النهضة على نهر النيل يعد “تهديدا للأمن القومي”.
وطالبت القاهرة والخرطوم أديس أبابا “بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعّالة من أجل التوصل إلى اتفاق” بشأن ملء وتشغيل السد.
ويرجح بعض المحللين ان مصر قد بدأت “التعبئة الشعبية والعسكرية” بعد مماطلة الجانب الإثيوبي.
بينما عرض فريق آخر من الكتّاب استخدام “أوراق” ضغط اخرى لا تزال في جعبة مصر والسودان قبل خوض حرب مع إثيوبيا.
هذا وكان الرئيس المصري قد أجرى زيارة خاطفة التي إلى الخرطوم وصفها البعض بأنها زيارة حرب ورسالة قوية موجهة إلى إثيوبيا خاصة وانه من تابع فعاليات إحياء يوم الشهيد التي حضرها الرئيس السيسي التاسع من آذار/مارس، وشاهد حالة الحماس، والبرامج الوثائقية عن بطولات الجيش المصري في جبهات القتال ضد إسرائيل يدرك جيدًا أن القيادة المصرية ربما تفكر جديا باللجوء إلى الخيار العسكري للتعاطي مع أزمة سد النهضة وأن هذه الاحتفالات هي بداية التعبئة الشعبية والعسكرية تحضيرا لهذا الخيار خصوصا مع توقيع اتفاق التعاون العسكري المصري – السوداني، وقرب إجراء الانتخابات العامة في إثيوبيا.
لا يبدو العالم في الوقت الحالي مؤهلا للتساهل مع نشوب صراع مسلح في منطقة القرن الأفريقي، فهي منطقة فيها ما يكفيها من الصراعات، كما أن العالم لديه ما يكفيه من عوامل القلق والتوتر”.
“هل أديس أبابا ترى أن القاهرة والخرطوم ليست لديهما أوراق أخرى للحصول على حقوقهما المشروعة؟”
إن “أوراق دولتي المصب كثيرة ومتنوعة، تجمع بين السياسي والاقتصادي والإقليمي والدولي، من بين هذه الأوراق ما طرحته مصر والسودان بشأن آلية الوساطة الرباعية الدولية التي تضم الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي”.
لا تزال العديد من الأوراق التي لم تستخدمها القاهرة والخرطوم حتى هذه اللحظة، لعل أهمها هي الورقة الاقتصادية، فمن المعروف أن السدود التي عليها خلافات، لا يجوز تمويلها من الدول أو من المؤسسات المالية الدولية، وهنا يمكن للقاهرة والخرطوم في ظل هذا التعنت الإثيوبي استغلال هذه الورقة أمام المجتمع الدولي لتطبق القوانين والمواثيق الدولية”.
قلق بمصر
ويزيد من القلق ما انتهجته إثيوبيا مسبقًا مع جارتها الجنوبية كينيا، وبناؤها ثلاثة سدود على نهر أومو المشترك بينهما، وقطع المياه عن شمال كينيا والإضرار ببحيرة توركانا وتشريد 200 ألف كيني في الشمال، والتسبب في أضرار بيئية بالغه للبيئة النهرية سواء في كينيا أو إثيوبيا، ما حدا بالهيئات الدولية إلى الاعتراض، ونجاحها في إيقاف تمويل السد الثالث جيلجل جيب III، والانتظار لمراجعة آثاره البيئية، ولكن لم تستجب إثيوبيا للقرار، بل بدأت في بناء السد الرابع.
تكتيك إثيوبي
من ثَم لا يسعنا إلا الظن أن غرض إثيوبيا الرئيس من بناء السد يتجاوز توليد الكهرباء والتنمية الزراعية، وقد يصل مستقبلًا للتحكم في ضخ المياه لمصر وبالكميات التي تحددها إثيوبيا، سواء بالاتفاق أو بالبيع، بدليل كفاءة السد المنخفضة جدًّا في توليد الكهرباء والتي لا تزيد عن 30%، وفقًا لرأي العالم الإثيوبي-الأمريكي أصفو بيني، أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة سان دييجو الأمريكية، الذي ينشره موقع الأنهار الدولية على شبكة المعلومات الدولية بعنوان سد إثيوبيا المبالغ في حجمه.
يتحدى بيني أن يزيد توليد الكهرباء من السد الإثيوبي عن ألفي ميجاوات، لا ما تدعيه إثيوبيا بستة آلاف ميجاوات، إضافة إلى حجمه المبالغ فيه جدا، ومعامل أمانه المنخفض الذي يعرضه للانجراف مع أي فيضان غزير يقترب من مائة مليار متر مكعب، وهذا وارد الحدوث مرة أو مرتين كل 20 سنة، فضلًا عن التداعيات البيئية الخطيرة، كاختفاء نباتات وحيوانات نهرية.
ظاهر الأمر أن إثيوبيا تتهرب تمامًا من التعهد بكتابة أي حصة لمصر، وتكتفي بتصريحات شفاهية عن عدم الإضرار كما جرى مع كينيا من قبل، لكن العلاقات بين الدول لا تقوم على التصريحات الشفاهية، ولا على حسن النوايا، بل على المعاهدات المكتوبة والصارمة فحسب.
حجة إثيوبيا مع المفاوض المصري أنها لا يمكن أن تتعهد لمصر بحصة محددة؛ لأن مياه النيل الأزرق متغيرة وتمر بسنوات عجاف وأخرى سمان، وهو أمر خادع وإن بدا صحيحًا، فخبراء المياه يعلمون أن حقيقة الأمر هي أن الدول تتعامل مع تدفقات الأنهار على أساس متوسط التدفق السنوي للنهر المحسوب عبر مئة سنة متتالية، لا وفق التدفقات المتغيرة.
وعليه فإن متوسط التدفق السنوي للنيل الأزرق هو 50 مليار متر مكعب سنويًّا، وهو الأساس في الاتفاق، وثانيًا أن بحيرة سد النهضة الضخمة سوف تمنع التذبذب السنوي للنهر؛ لأن مهمة السد أصبحت قاصرة على استكمال ما ينقص من مياه البحيرة فقط، وبالتالي فإن حجم المخزون خلف السد، البالغ 75 مليار متر مكعب، يسمح بتعهد إثيوبيا بضمان مرور 50 مليار متر مكعب سنويًّا من خلف السد، أو تقسيمها تدفقات يومية خلال 365 يومًا حصة ثابتة لمصر والسودان.
السودان تتأرجح
أحد أسباب تأزم مشكلة السد الإثيوبي هو نجاح إثيوبيا في إحداث انشقاق في الموقف المصري السوداني، الموثق في اتفاقية 1959 لتقسيم المياه بعد السد العالي، والذي ينص صراحة على دخول مصر والسودان صوتًا واحدًا مقابل أي مفاوضات مع دول المنابع، سواء لتخصيص حصة مائية أو لبناء السدود، فصار السودان يدافع عن السد الإثيوبي أكثر مما تدافع إثيوبيا نفسها عنه.
الحل
ثمة حل لم يلجأ إليه المفاوض المصري، نرى فيه وصولًا إلى ما يرضي جميع الأطراف ويمنع حرب مياه في المستقبل، أراها آتية لا ريب فيها، إذا استمرت إثيوبيا في الاستئثار والاستحواذ على مياه أنهارها المشتركة مع مصر والسودان.
يتمثل هذا الحل في التعامل مع السد الجانبي الركامي لسد النهضة، وهو القطعة الثانية من هذا السد المزدوج، والتي تضيف 60 مليار متر مكعب من المياه إلى السد الإسمنتي المولد للكهرباء، والذي لا تتعدى سعته 14.5 مليارًا مهما كان ارتفاعه، سواء كان 95 مترًا أم 145 مترًا.
يبلغ ارتفاع السد المساعد 45 مترًا، وخفضه إلى النصف، أي إلى ما بين 20: 25 مترًا فقط يخفض سعة تخزين بحيرة السد إلى النصف وصولًا إلى 30: 35 مليار متر مكعب فقط، وهو ما ينهي الأزمة تمامًا، وبالمثل ينهي مشكلة الإطماء الكبيرة على السد، ويقلل من احتمالات بناء العديد من السدود خلف هذا السد.
ويمكن لمصر الموافقة على بناء سد آخر خلف هذا السد بسعة لا تزيد على 14 مليار متر مكعب؛ لتنهي المشكلة مؤقتًا، ولتقل احتمالات حرب المياه القادمة وترحل إلى أزمنة تالية.
اقترحت اللجنة العليا لسد النهضة الإثيوبي تحويل آلية المفاوضات الحالية لمسار رباعي يمثل فيه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويثير السد توتراً إقليمياً، لا سيما مع مصر التي تعتمد على النيل للتزود بنسبة 97 في المئة من احتياجاتها المائية. وترغب القاهرة والخرطوم باتفاق ملزم قانوناً، خاصة بشأن إدارة هذا السد.
كما يدعو السودان إلى توسيع مظلة التفاوض المتعلقة بالسد، على أن تشمل كلا من الاتحاد الأفريقي و الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ليتحول دور هذه المؤسسات من مراقبين لوسطاء.
وتقوم إثيوبيا ببناء سد الطاقة الكهرومائية على النيل، بالقرب من حدودها مع السودان، وتقول إن السد مهم لتنمية اقتصادها، بينما تحذر مصر والسودان من خطورة ملء السد دون تنسيق مسبق معها.
تصر مصر على أن ملء الخزان يتطلب بلورة اتفاقية ملزمة قانوناً بشأن التخصيص العادل لمياه النيل ليتم تنفيذه. وفي غضون ذلك، تجادل إثيوبيا بأن سد النهضة لن يؤثر بشكلٍ كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل وأن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن سبل العيش في المنطقة ككل. وعليه، من غير المستغرب توقف المحادثات.
كاتب مصري