صنعاء نيوز/ محمد حسن الساعدي -
عانى الشيعة في العالم كثيراً، بسبب الانتماء المذهبي تارة وقضية الولاء تارة أخرى.. فحكام أوطانهم دائماً ما يتهمونهم بالولاء لغير الوطن، ناهيك عن أن أخرين يرون الشيعة غير مؤهلين ليكونوا مسلمين ، ويكفرهم ويقتلهم ويعمل على تهجيرهم، وهذا كله بسبب الانتماء..
إلى جانب ما سبق فهناك الاتهامات المباشرة لهم، أنهم عملاء للدول الأخرى وتحديداً إيران، حيث يتهمها كثيرون في العالم العربي والغربي، بأنهم يعملون على تصدير الثورة والمذهب إلى العالم، وهذا الأمر بحد ذاته يعد اتهاماً يحتاج إلى دليل..
إيران كدولة حجمها بحجم قارة، ولا تحتاج إلى تصدير فكرها أو عقائدها إلى العالم، خصوصاً وإذا علمنا أنهم كشعب حديثوا العهد بالانتماء للتشيع، ولكنهم في نفس الوقت كانوا شعباً موحداً عبروا كل المفاهيم الطائفية والعقائدية.. لكنه على أي حال كان شعارا سياسيا، طرحه زعيم الثورة الإسلامية الراحل السيد الخميني.
لقد شكلت الهوية الوطنية والمواطنة، عنواناً مهماً في الفكر السياسي الشيعي، كونها مدخل لكثير من الأزمات متعددة الأسباب والمصادر، لذلك يبقى صعوبا تفكيك المفهومين، نظراً لتداخلهما وتمايزهما في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أنَّ الوطنية والمواطنة أصلهما اللغوي واحد من "الوطن" لكنهما يختلفان من حيث الاصطلاح، فالوطنية مفهوم ذو مضمون عاطفيّ، يرتبط بوجود الناس في وطنهم وبمشاعر الحبّ والإخلاص والانتماء إلى الأرض والجماعة (الوطن)، إلى جانب الاستعداد للتضحية من أجله..
أم المواطنة فهو مفهوم ذو مضمون قانوني، يرتبط بمفاهيم الجنسية والمسؤولية والالتزام بقوانين الدولة، ويُقاس بمدى الالتزام بالواجبات والحقوق القانونية.
الشيعة في العراق الذين يمثلون الأغلبية فيه، واجهوا نفس التهم وهي الانتماء للغير وضعف الولاء الوطني، وعلى الرغم من قوة الضربات التي وجهت للتشيع في العراق، إلا انه ظل صامداً أمام هذه القسوة من حكام الجور والطغيان، الذين تسلطوا على رقاب العراقيين، لأكثر من ثلاثة عقود، وبعد السقوط أعلنوا بكل صراحة رفض وجود الأجنبي على أراضيهم، وصدرت بذلك عشرات من الفتاوى، من المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف، والتي تحرم التعامل مع الجيش الأمريكي إلا للضرورات، بل أي وجود أجنبي ويجب تحديد جدول زمني لمغادرة هذه القوات الأراضي العراقي، وظلت تقاوم بالكلمة والتصريح لكثير من المواقف في البلاد..
أخر مواقف المرجعية كان فتوى الجهاد الكفائي، والتي تجاوزت فيها المرجعية الدينية العليا، كل المفاهيم العقائدية ليعلو صوت الوطن، ويكون هو المحرك لكل الطاقات بغض النظر عن الانتماء، لإعلان تحرير الأرض والعرض من المجاميع الإرهابية "داعش" وغيرها التي عبثت بأمن المواطن، في الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى، حتى تحرير كامل المدن على يد القوات الأمنية ورجال الحشد الشعبي، والذين كانوا أبناء الوطن من الجنوب والوسط.
لقد عبر الشيعة في العراق عن انتمائهم وولائهم المطلق، لوطنهم في كثير من المواقف، لا بالشعارات والأحاديث الفارغة، بل من خلال التضحيات الكبيرة في دفاعهم الأكبر، عن وطنهم ضد تنظيمات داعش، كما أنهم قدموا نموذجا رائعا في عكس الوحدة الوطنية في الكثير من المواقف السلبية، واثبتوا مواطنتهم بتقديمهم، نموذج رائع في المواطنة الصحيحة، وسلوك أبوي تجاه باقي المكونات والقوميات..
الناظر بصورة شاملة سيجد ان العراق، سيعيش قريباً بألوانه المتعددة مزدهراً يدفع ويدافع، عن أرضه ووطنه مهما كانت التضحيات.. رغم أن ثمن ذلك كان باهضاً . |