صنعاء نيوز/ محمد الحنفي -
تقديم:
في المجتمع المتخلف، الذي ننتمي إليه، لا يمكن أن يتكرس في الواقع المتخلف، أصلا، إلا دونية المرأة. فكأن المرأة ليست إنسانا، يجب أن يقوم بنفس الواجبات، ويتمتع بنفس الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وكأن اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، لم تعرف طريقها إلى التفعيل، في كل الدول المتقدمة. وكأن الإنسانية، في غفلة من أمرها، فيما يتعلق بضرورة احترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وخاصة، تلك المتعلقة بحقوق المرأة الخاصة، والواردة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى يتأتى تحقيق المساواة الفعلية، بين الرجال، والنساء، أو بين النساء، والرجال في المجتمع، وعلى أرض الواقع، انطلاقا من إنسانية الرجل، ومن إنسانية المرأة، على حد سواء، وسعيا إلى التحرر من كل مظاهر التخلف: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما في ذلك التحرر من تكريس دونية المرأة، كيفما كانت هذه الدونية، وسواء كانت موروثة، أو مختلقة، وسواء تعلق الأمر بالتعامل مع المرأة في البيت، أو في الشارع، أو في أماكن العمل، وسواء كانت مستخدمة، أو عاملة، أو ربة عمل، تشغل العاملين لديها، في المشغل الذي تديره.
ونحن، عندما نطرح قضية المرأة، من خلال هذا الموضوع أعلاه: ( المرأة الإنسان...)، فلأن المرأة، لا زالت تعاني، كثيرا، من هضم حقوقها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما أنها لا زالت تعاني، كثيرا، من النظرة الدونية، التي تنقص من قيمة المرأة، وتدوس كرامتها الإنسانية، ولا تعتبرها، أبدا، إنسانا، في الوقت الذي تناضل فيه العديد من الجمعيات الحقوقية: العامة، والخاصة، من أجل احترام حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة: العامة، والخاصة، الواردة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومن أجل احترام تلك الحقوق، ومن أجل تقرير المساواة بين النساء، والرجال، في الحقوق، وفي الواجبات، بما في ذلك، حق المساواة في الإرث، الذي يعتبر، من الحيف، تخصيص الرجل بضعف ما ترثه المرأة، التزاما بما ورد في القرءان:
(للذكر مثل حظ الأنثيين).
فما يرثه الرجل، يشكل ضعف ما ترثه المرأة، لا لشيء، إلا لأنه ذكر، وما ترثه المرأة، يشكل نصف ما يرثه الرجل، لا لشيء، إلا لأنها أنثى.
فالذكر، تحضر قيمته، كذكر، له مكانته، وله علويته، وله قيمته الاعتبارية، انطلاقا من ذكوريته، والأنثى، لها مكانتها المنحطة، منذ الولادة، ولا قيمة تذكر لها في الإرث، حتى وإن كانت قاضية، أو طبيبة، أو مهندسة، أو أستاذة جامعية، انطلاقا من أنوثتها، لا لأنها لم تساهم في اقتصاد الأسرة، أو أن الأسرة كانت لا تعتمد عليها، في أي شكل من أشكال الأداء المادي، والمعنوي.
وكيفما كان الأمر، فإن الذي كان، ولا زال، وسيبقى إلى حين، في العلاقة بالمرأة، هو تسييد دونية المرأة في المجتمع، على مستوى التشغيل، وعلى مستوى التعامل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، إلى درجة أن المرأة تبقى مستبعدة، بطريقة غير مباشرة.
وقد صار، من الواجب، الاشتغال على المستوى الثقافي، والتعليمي، والإعلامي، من أجل العمل على اقتلاع جذور الدونية من المجتمع، وخاصة على المستوى التشريعي، حيث يجب:
أولا: ملاءمة مختلف القوانين المعمول بها، في أي دولة، من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، العامة، والخاصة، كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وكما هو الشأن بالنسبة لقوانين الشغل، التي يجب أن تتلاءم مع اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ثانيا: سحب كل النصوص المعتمدة في الكتب الدراسية، والتي تتضمن: التربية على دونية المرأة، من أجل إعداد ناشئة تقر بالمساواة بين الرجل والمرأة، وبين (الذكر والأنثى)، من أجل أن تزول كل الفروق، بين الرجال، والنساء، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا، لتصير المرأة كالرجل، في الحقوق، وفي الواجبات، وفي الأجر، وفي حق الاستغلال، في أي ميدان، مهما كان هذا الميدان محتكرا، من قبل الرجل. فهي، وما تختاره. وإذا كانت عاملة، أو أجيرة، فإن من حقها أن تتمتع بنفس حقوق الرجل في العمل، وفي الأجر.
ثالثا: اعتبار ممارسة دونية المرأة: في القول، وفي العمل، من الممارسات التي يجب تجريمها، واعتبارها بمثابة جناية، لا جنحة، حتى تكون عقوبتها قاسية، شاء، من شاء، وكره، من كره، من أجل جعل مساواة المرأة، للرجل، واقعا قائما، لا يمكن الطعن فيه، ولا يمكن للإنسان النيل منه، خاصة، وأن المرأة / الإنسان، تصير مساوية للرجل / الإنسان.
رابعا: اعتبار القوانين المنظمة للعلاقة بين الرجل، والمرأة، قوانين واجبة الملاءمة مع كافة الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبحقوق الشغل، حتى تكون ملزمة للمرأة، وللرجل، على حد سواء، واعتبار الالتزام بها، من العوامل التي تعمل على تقدم المجتمع، وتطوره، في أفق القضاء على جميع الأمراض: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي يترتب عنها: ممارسة الدونية في حق المرأة، التي يجب أن تحترم، وان يتم إشهار تجريم دونيتها.
خامسا: تنظيم حملة إعلامية، تهدف إلى الحد من تفعيل دونية المرأة، في المجتمع، في أفق اجتثاثها منه. وتستهدف، هذه الحملة، الفئات الشعبية، الأكثر تخلفا، وخاصة، تلك التي تسبح في فلك ما صار يسمى بالأحزاب الإسلامية، التي لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد، أو بالأحزاب الدينية، التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، لا من قريب، ولا من بعيد، إلا من باب التوظيف الأيديولوجي، والسياسي، الذي يعتبر، في نظرنا، تحريفا للدين الإسلامي، وللإسلام، وللنص الديني / الإسلامي، في نفس الوقت. ونرى: أن تنظيم هذه الحملة الإعلامية، التي تلزم كل وسائل الإعلام: المسموعة، والمسموعة / المرئية، والمقروءة، والإليكترونية، بالمساهمة فيها، والانخراط في تناول الرؤيا المشرقة للدين الإسلامي، للإنسان، وللمرأة، والرجل على حد سواء، حتى تتراجع الرؤى الرجعية، المنتجة لدونية المرأة، إلى الوراء.
وحتى ننخرط، بشكل، أو بآخر، في العمل على تحقيق المساواة بين الرجل، والمرأة، أو بين المرأة والرجل، نحرص في تناولنا لموضوع:
(المرأة / الإنسان، بين الاستغلال الرأسمالي، وبين الرؤيا المنحطة في الواقع الاجتماعي، في ظل جائحة كوفيد 19).
فإننا، سنتناول مفهوم المرأة / الإنسان، وأي دور للمرأة، في الواقع الإنساني، والمرأة والعمل المزدوج، وخضوع المرأة للعمل المزدوج، والمرأة، والاستغلال الرأسمالي، والرؤيا المنحطة للمرأة، في الواقع الاجتماعي، وما العمل؟ من أجل انعتاق المرأة من العمل المزدوج، والاستغلال المزدوج، والاستغلال الرأسمالي، والرؤيا المنحطة في الواقع الاجتماعي. وما العمل؟ من أجل تأكيد كيان المرأة / الإنسان، في المساواة بين النساء والرجال، وفي الحقوق، وفي الواجبات، وفي التمتع بحقوق النوع، وفي التمتع بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، وفي المساهمة في بناء الكيان الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي الوطني، وفي المساهمة في بناء الحضارة الوطنية / الإنسانية، وفي إبراز دورها في إعداد الأجيال الصاعدة.
وفي أفق ذلك، نرى: أن المرأة / الإنسان، يجب أن تبقى حاضرة في فكرنا، وفي ممارستنا كأفراد، وكجماعات، وكشعوب، متشبعين، جميعا، ذكورا، وإناثا، رجالا، ونساء، بالإنسانية، التي لا تكون إلا خالية من كافة الأمراض، التي تكون شائعة بين الأفراد، وبين الجماعات، التي تخلو من القيم الإنسانية، التي لا يمكن التزود بها، إلا من التراث الإنساني الصرف، الذي قدمت فيه الشعوب الكثير من التضحيات، التي لا حدود لها، ومن الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجيرات، والأجراء، وسائر الكادحات، والكادحين، وخاصة في المجتمعات التي يعم فيها الفقر، والجوع، والمرض، بسبب شيوع الهشاشة بين الأفراد، والجماعات، والشعوب، وبسبب التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي وقف وراءه الحكم، الذي يحمي الاستغلال الهمجي، الذي يتعرض له الأفراد، وتتعرض له الجماعات، وبسبب الحرمان من الحقوق الإنسانية، التي تمس كافة الأفراد، وكافة الجماعات، وكافة الشعوب.
فإقبار دونية المرأة، صار واجبا على الأفراد، والجماعات، من منطلق: أن تلك الدونية، تعطل نصف المجتمع، وتعرقل إمكانية مساهماته في المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ومساواة الرجال للنساء، أو النساء للرجال، أصبحت مسارا حتميا، لإزالة كل العراقيل، التي تحول دون تقدم الإنسانية، وتطورها، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، على الأقل، وتمكين المرأة من كافة الحقوق الإنسانية، والحقوق النوعية، هو وحده الذي يرجع شأن المرأة في المجتمع، وشأن المجتمع، ويذكي الحماسة بين جميع أفراد المجتمع، رجالا، ونساء، أو نساء، ورجالا، من أجل تقدم المجتمع، وتطوره، وفي إطار تسييد التحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.
|