صنعاء نيوز/ اسيا العتروس - “ماما كذبت علي وحكتلي ما رح تروح الجنه لحالها الا وانا معها ؟! اخذتهم كلهم الا انا وبابا” ..
طول فتره القصف كنا انا واخواتي لانا ودانا واخواني يحيى وزين وبابا وماما بنفس الغرفه و بنتحرك كلنا مع بعض حتى داخل البيت نفسه،عشان اذا متنا نروح الجنه مع بعض ..
انها واحدة من الاف الاطفال الفلسطينيين تستعيد اخر ما جرى بينها و بين اخوتها الذين سيرحلون الى الابد و تتحدث عن مواصلة الدراسة في الجنة و عن صديقتها في نفس القسم التي ستكون معها و عن الاموال التي جمعتها لتشتري لشقيقها هدية ..و هي لم تستوعب و لم تفهم كيف خدعتها والدتها و لم تصطحبها معها الى الجنة التي كانت تحدثها عنها حيث ستجتمع مع كل افراد عائلتها ..هي حكايات من صميم الواقع و لكل بيت فلسطيني و لكل عائلة و لكل طفل حكاية مع جرائم الاحتلال الذي جعل من الاطفال هدفا معلنا …
هذا ليس عنوان قصة او كتاب و ان كان يصلح لذلك مستقبلا لتدوين و توثيق جزء من جرائم الاحتلال الاسرائيلي في حق شريحة من ابناء الشعب الفلسطيني و هم اطفال فلسطين حاضر و مستقبل القضية و لكن هذا جزء من شهادة طفلة استفاقت فجر اول امس على وقع اغتيال والدتها و اخوتها جراء القصف الهمجي على غزة لتجد الطفلة نفسها فجأة وحيدة مع والدها بعد ان فقدت كل من كانوا قبل وقت قصير من حولها يطمئنونها و يؤكدون لها انهم سيعيشون معا او يموتون معا …
و لان لكل بيت فلسطيني و لكل عائلة فلسطينية و لكل طفل في الضفة او القطاع او القدس او حيفا او يافا او اللد حكاية مع ماسي الاحتلال و جرائمه فسيكون لزاما بعد كل الذي حدث و يحدث في سماء فلسطين من قصف و عدوان اسرائيلي يومي متكرر من جمع وتوثيق ونقل هذه الشهادات الحية لكل العالم ..و اذا كان صناع القرار اليوم يصمون الاذان و يغمضون الاعين عما يحدث فالاكيد ان للقضية موعد اجل او عاجل مع المسائلة والمحاسبة اذا استمرالوعي الحاصل اليوم في المشهد الفلسطيني و استمر هذا الاجماع على ان عنوان المرحلة يجب ان ينحصر في مواصلة المعركة ضد الاحتلال الاسرائيلي و لا شيء غير ذلك ..
طبعا لم تكن هذه اول و لا اخر شهادة موثقة لطفلة فلسطينية تبتلى امام هول و غطرسة الاحتلال و تفقد طفولتها مبكرا لتتحول الى جزء من ذاكرة فلسطينية شعارها كان و لا يزال انه عندما تكون فلسطيني فمعنى ذلك ان تصاب بامل لا شفاء منه ..و هنا اصل القضية و احد اسباب اصرار الاحتلال على مدى عقود استهداف الذاكرة الفلسطينية و تشويه الرواية الفلسطينية و طمسها و لكن يبدو ان طاقة الاحتلال و قدراته العسكرية الكبيرة على القتل و الخراب و الدمار استعصى عليها سرقة الذاكرة الفلسطينية كما استعصى عليها قراءة مكنون العقلية الفلسطينية و ما تخزنه الاجيال المتعاقبة بشأن هذا الانتماء للارض و للقضية التي تعود اليوم الى السطح لتفضح و تكشف ارهاب الجيش النظامي الاسرائيلي و السقوط الاخلاقي المدوي لجنرالات الحرب الذين يطاردون الاطفال في البيوت و المدارس و المشافي و يستهدفون الاجنة في الارحام …
ستظل هذه الطفلة الفلسطينية تذكر ان ما فرقها عن والدتها و اخوتها انها ارادت الذهاب الى الحمام و ان والدها من اخذ بيدها لمغادرة الغرفة في نفس اللحظة التي حدث فيها الانفجار لتكتشف بعد اخراجها من تحت الانقاض انها الناجية الوحيدة مع والدها شانها في ذلك شان اطفال كثيرين سرق الاحتلال عائلاتهم ..
“الصاروخ اجى عند غرفه ماما ولانا ودانا ويحيى وزين شفتهم والله شفتهم طارو علجنه مباشره، وبدها كل الحيط والسقف نزل على بابا وبعدها عندي كلو بنص ثانيه..”.
لن تكتمل الحكاية و الاكيد ان فصولها ستبقى مفتوحة في ذهن صاحبتها التي سيتعين عليها ان تعيش معها تماما كالاف الاطفال الفلسطينيين من قبلها الذين لم يعرفوا في حياتهم القصيرة غير الملاحقة والحروب والجروح و المعاناة..
بالامس ارتدى احمد أبو الغيط الامين العام لجامعة الدول العربية الكوفية الفلسطينية وعليها عبارة “القدس لنا “تماما كما فعل البرلمانيون والنواب العرب الذين وضعوا الكوفية الفلسطينية خلال الجلسة الطارئة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية و ربما اعتقدوا أن في تلك الصورة ما يعفيهم من المسؤولية السياسية و الاخلاقية و الانسانية و يقلل من حجم التواطؤ الحاصل و اللهفة وراء التطبيع المجاني و الانسياق وراء حسابات مريبة تتجلي اليوم ثمارها بوضوح في المشهد العربي المذل و المهين ..ياتي كل ذلك فيما يدخل العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين يومه العاشر على التوالي دون أدنى اشارة على ان هناك موقف او دور او سلطة او صوت عربي او دولي او أممي قادر على انهاء العدوان …كل ذلك فيما يواصل جيش الاحتلال شن غاراته الجوية على قطاع غزة المحاصر برا و بحرا و جوا حتى بلغ عدد الغارات اكثر من خمسين غارة بمشاركة مائة و خمسون طائرة وكأن اسرائيل تشن حربا على اعتى و اقوى جيوش العالم …
الكوفية الفلسطينية رمز القضية الانسانية العابرة للتاريخ و الجغرافيا لن تمنحكم بطاقة العبور الى الجنة لان هناك شهداء اطفال سبقوكم الى هناك و بينهم رفاق محمد الدرة و ايمان حجو و احمد الدوابشة و الاف اخرون نقلوا للرب كل الحكاية دون تزوير او تشويه و كشفوا لحقيقة كاملة عن فلسطين التي ضاع حقها بين الامم وعلى المنابر الاقليمية و الدولية لان هناك مسؤولين لم يكونوا في حجم المسؤولية ..
كاتبة تونسية |