صنعاء نيوز/محمد جواد الميالي -
توصف الثورات بأنها غليان الفقراء على حكام الدول الطغاة، لكن تختلف أحقياتها ومطالبها بحسب نوع النظام.. فبين أن يكون ديمقراطياً يشوبه الفساد أو دكتاتورياً ينفذ الإبادات، وتبعاً لذلك تكون الشعارات متباينة بين من يريد الوصول إلى السلطة، وبين من ينادي بالحرية.
الثالث من آذار لعام 1991 أنطلقت شرارة الإنتفاضة الشعبانية، أربعة عشر محافظة عراقية، لا تريد سوى الخلاص من النظام الدكتاتوري، الذي حكم بالحديد والنار، ورغم التضحيات والاندفاع، لكن لم يكتب لها النجاح، فلماذا فشلت؟!
لأن أمريكا كانت تنظر لقائد العراق القادم المحتمل (السيد محمد باقر الحكيم) على أنه عراقي لايمكن له ولا لأتباعه من الشيعة أن يكونوا أتباعا لها، لذلك أعطوا الضوء الأخضر لصدام بإبادة الثوار آنذك.. لم تنادي هذه الإنتفاضة سوى بالحرية، ولم تستطيع دول الخارج أن تركب موجتها، لأن القائد فيها كان يؤمن بالهوية الوطنية فقط، أما ما حدث في أحتجاجات 1 من تشرين الأول سنة 2019 في بغداد وباقي محافظات الجنوب الشيعي، والتي كانت تحتج على تردي الوضع الإقتصادي والمعيشي للبلد، وأنتشار الفساد الإداري والبطالة، ولأن النظام كان فيه فسحة من الديمقراطية في وقتها، إذاً كان لابد من أن تكون هناك غايات أخرى لبعض المتظاهرين..
بما أننا نعيش في قرية صغيرة تقودها مواقع التواصل الإجتماعي، كان من السهل أن يتم صناعة رأي عام يقود القطيع، ويكون هو القائد.. فكانت الموجة سهلة الركوب من قبل الداخل والخارج، وتكللت هذه الثورة بالنجاح النسبي بعد وصول البعض إلى قبة البرلمان..
الإحتجاجات تعتبر ظاهرة حضارية وثقافية في الأنظمة الديمقراطية، لذلك كانت آمال الشعب كبيرة في أنها، يمكن أن تحدث التغيير المرجو منها بعد إنتخابات 2021، لكن ما حدث كان صادماً للجميع، حيث أن دخولهم الجلسة كان بشكل، بين أن كل مجموعة تمتثل لقائدها بدل العراق، ومن وعد المحتجين بالتنازل عن الإمتيازات والرواتب قد دخل القبة "بالتكتك" وخرج "بالجكسارة" ومن كان يطالب بإصلاح النظام قد صوت، لبقاء السيد الحلبوسي على قمة الهرم البرلماني، ليس هذا فقط بل تحولت الأغلبية السياسية وإنهاء المحاصصة، بتوحيد الأخوة الكراد و الأشقاء السنة، ولكنهم فرقوا الشيعة فيما بينهم، حيث الأغلبية بنظرهم أن يشارك الجميع في السلطة ماعدا البيت الشيعي؟!
هذا الإقصاء لم يأتي من فراغ، توحد الآراء للسنة والكرد لا يمكن أن يكتب له النور لولا أجتماعات تركيا والإمارات، التي رسمت خارطة الطريق للصلح بين الخنجر والحلبوسي، أما البارتي واليكتي فكان للعم سام الدور الكبير بإنهاء الخلافات فيما بينهم، وبالتالي نصل إلى نقطة البداية التي كانت ومازالت تؤمن بها أمريكا، بأنها لا تريد أتباع شهيد المحراب من الشيعة، لذلك وضعت خطوطا عريضة لتفرقة البيت الشيعي، وعزل الإطار التنسيقي، تمهيداً لإنهاء الوجود السياسي للمعتدلين في السلطة..
لا يمكن أن تنجح النظرية الصفرية التي أسسها ميكيافيلي، وهذا شيء لم ولن يغيب على من أسس هذه الطبخة، التي وضعت لتكون تعويضاً عن خسارة "داعش" التي لم تأتي بالنجاح المطلوب منها، فالقادم سيكون أنتقالة إلى نظرية الضرب من الداخل، عن طريق زرع الفتنة بين المكون الشيعي، وقد تحققت بداية ذلك بأول جلسة برلمانية، حيث أن الأغلبية والنزاهة أتضحت معانيها بتحول "خنجر الغدر إلى سيف الإسلام" والتغيير الذي طالبت به تشرين ومن ركب موجتها من الداخل، هو ببقاء رئيس البرلمان والجمهورية، وتغيير فقط رئيس الوزراء، لأنهم ينظرون للطائفية بأنها بتوحد الشيعة فقط!
القادم سيتحكم به طرفان، أحدهما خارجي يستخدم الرأي العام لتظليل الحقائق وصناعة قطيع غبي، والآخر داخلي سيكون أداة لسفك الدماء وتطبيق النظرية الصفرية، و ما فشلت به داعش ستحققه الطبخة القادمة، بأيدي شيعية. |