صنعاء نيوز/ثامر الحجامي -
لم يكن السيد محمد باقر الحكيم إبنا للمرجع الأعلى للشيعة السيد محسن الحكيم "قدس سره" وحصل على الهالة والقداسة من هذا العنوان فحسب، كما إنه لم يكن ممثلا لمرجعية والده في الساحة العراقية منذ بداية ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فقط، إنما كان شخصية فذة أخذت على عاتقها الطابع الحركي والتفاعل مع قضايا الأمة، في مرحلة كانت هي الأصعب في تحولاتها الثقافية والإجتماعية والسياسية.
لذلك فإن الحديث عن اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم " قدس سره" سيأخذ جوانب متعددة، فيها الطابع الإجتماعي والديني والسياسي والثقافي، ويؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ العراق الحديث، كانت فيها المواجهة في ذروتها بين أطراف متعددة، إستهدفت الأمة الإسلامية والعربية في أهم قضاياها وهي قضية فلسطين، وإستهدفت المجتمعات العربية وثقافتها، من إنتشار الحركات الشيوعية والقومية، وعلاقة الشعوب العربية مع السلطات الحاكمة فيها، لا سيما العراق الذي رزخ تحت سلطة غاشمة، قتلت إبناءه وسلبت ثرواته، ومارست مختلف أساليب الظلم والجور والتنكيل، فكان السيد الحكيم الصوت الهادر الذي فضح ذلك النظام، والسيف الذي قارعه حتى سقوطه.
فهو إضافة الى زعامته للمعارضة العراقية في الخارج، ودوره الكبير في توحيد صفوفها ولم شتاتها، فقد كان أستاذا بارعا في الحوزة العلمية، وأخذ الصدارة في الخطابة والتدريس في حوزة النجف الأشرف قبل هجرته، وإستمر في بحوثه الفقهية والعقائدية بعد الهجرة، فكان كالبحر لا ينضب من العلم والفقه، ترجمها الى عشرات الكتب والبحوث في الفقه والأصول والتفسير والعقائد، وحريصا على القاء محاضراته الكثيرة الغزيرة بالعلوم، ينهل منها طلبة العلم مختلف صنوف المعرفة، لا تشغله ساحات الجهاد وإلتزامه بقيادة المجلس الأعلى، عن القيام بدوره العلمي والثقافي.
كما حرص السيد الحكيم على إنشاء مؤسسة دارالتبليغ الإسلامي، التي تحولت الى " مؤسسة شهيد المحراب" لاحقا، وكانت تهتم بكافة الجوانب الفكرية والإنسانية، وتقوم بدور تثقيفي واسع من خلال إقامة الدورات الثقافية وبناء المعاهد والمدارس الدينية، ولها مقعد دائم في الأمم المتحدة، كما أسس الحكيم منظمة تعنى بحقوق الإنسان، وتوثق الجرائم التي إرتكبها نظام الطاغية بحق أبناء الشعب العراقي، وإستمر بعمله الدؤوب ليس لمذهب أو طائفة معينة، وإنما خدمة لأبناء العراق جميعا، والشهادات التاريخية لمعاصريه تؤكد أنه كان رمزا للوحدة الوطنية، وقائدا لن يتكرر في التاريخ.
السفر الخالد في مسيرة السيد الحكيم يؤكد أنه ليس زعيما سياسيا فحسب، وليس مجاهدا سكن الأهوار والجبال دفاعا عن وطنه، إنما كان جبلا من نور، حمل مشعل الجهاد في كف، ومصباح العلم والثقافة والإنسانية في الكف الآخر، وترك إرثا خالدا من الفكر الإنساني لن ينضب أبدا.