صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - الدكتور عادل عامر
تُعد الحرية الفكرية واحدة من أهم الحريات الاساسية التي يجب أن يتمتع بها الانسان ، وذلك لارتباطها الشديد بجوانبه الروحية ، والتي تسمح له بتكوين آرائه وأفكاره في مختلف المسائل ، وذلك لان الفكر هو اثمن المواهب الانسانية ، وهو وسيلة لاكتساب العلم والمعرفة والحكمة ، كما انها الاداة التي تعبر عن حرية ارادة الانسان ،
وتمكنه من التمييز بين الفضائل والرذائل ، وبين الخير والشر ، لذا كان انطلاق الفكر في أي عصر دليلاً على مدنية هذا العصر وحضارته ورقي افراده وسموهم ، بينما كان تقييده سبباً في انحطاط ذلك العصر وتفشي الجهل فيه وفي افراده ، فكل انسان يكتسب حقوقاً معنوية اساسية لكونه انساناً ، وهي حقوق شاملة عرفها الانسان باعتباره ينتمي الى الجنس البشري وهي ترمي الى حمايته من العنف والاستبداد
ومن ثم الى ضمان حقه في الحياة ، وذلك في اطار المصلحة العامة ، وأن الحرية الفكرية واسعة ، حيث انها تشمل الحرية الدينية ، والصحافة والاجتماع وتكوين الجمعيات الى جانب حرية التعليم والتعلم ، حيث أن جميع هذه الحريات هي في الاصل تنبع من حرية الرأي والتعبير ، فطرق التعبير عن التفكير تختلف اشكالها من مجتمع الى اخر ، فتارة تتم عبر الوسائل المباشرة كالحديث المباشر الصادر من فرد الى فرد او عبر الوسائل غير المباشرة ، كالوسائل المرئية أو المقروءة وكلها تعتبر من قنوات الاتصال بالجماهير والمجتمع ، حتى يتم خلق جو ايجابي
ومنفتح لابد ان يمارس الجميع حقهم في الاطار السليم ومن دون التعدي على حقوق الاخرين ، اي يجب ان تكون وسائل حرية الرأي والتعبير عن الافكار في المجتمع تتم عبر الطرق السلمية ، لا عن طريق العنف والإرهاب ، فإذا طال العنف والإرهاب التفكير وطرق التعبير عنه نكون بذلك أمام ظاهرة الارهاب الفكري . وذلك لان الإرهاب لا يعني فقط تفجير مبنى أو مؤسسة ، ولا يتمثل فقط في اندفاع انتحاري بين جموع المدنيين المسالمين وتفجيره عبوة ناسفة بشخصه وبهذه المجموعة من الناس ، أنما هناك نوع آخر من الارهاب ، وهو اخطر انواع الارهاب الذي قد يتعرض له الانسان ، وهو ارهاب الفكر .
إن الفكر والتفكير عملية تنحصر في داخل النفس ، وتنطوي في السريرة ، فإذا انطلق من الباطن إلى الظاهر ، أُعلن للناس صراحة أو دلالة ، كان أثره ابلغ ، وأفقه وأوسع ، فالتعبير الخارجي عن الفكر الباطني يسمى بإبداء الرأي ، ومن المعروف أن إبداء الرأي متمم لحرية الفكر والضمير والعقيدة ، إذ تبقى ناقصة إذ لم يتمكن المرء من التعبير عن أفكاره و آرائه ، سواء أكان ذلك في أحاديثه وفي مجالسه الخاصة ، أم في خطبه في المجالس والأندية العامة ، أم في مذكراته ومقالاته وكتبه وإذاعاته ، وبهذا المعنى أصبحت حريات مقدسة ومكرسة في جميع الدساتير وإعلانات الحقوق والمواثيق الإقليمية والدولية .
وعليه لا يجوز حرمان شخص من ممارسة هذه الحقوق ، بفرض رأي عليه أو التدخل في آرائه ، لأننا سوف نكون امام ظاهرة الارهاب الفكري ، والتي تكون اشد أثراً من الارهاب المادي .
وعليه فأن موضوع الارهاب الفكري هو واحد من أهم المواضيع الحيوية وذات الخطر الكبير ، حيث ان خطره يهدد الأمن والنظام العام في المجتمع ، إلا انه من المواضيع قليلة المعالجة ، حيث انه لم يحض باهتمام الكتاب والباحثين ، على الرغم من تشعبه وتوسع انماطه وأساليبه ، حيث ان صوره واسعة وآثاره كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية من فتن وحروب طائفية ، وانتشار التطرف والأفكار المتطرفة ، وكذلك التحريض على العنف والذي ساهمت فيه وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، وكذلك ساهمت فيه مناهج التعليم والمحاضرات والخطابات الدينية ، كما كان للمذاهب والرموز الدينية دور في اجأجة نيران الارهاب الفكري أو في اخمادها ، لما لهم من تأثير بارز في حياة الافراد و سلوكهم ، وهذا ما سنتطرق اليه في بحثنا في الارهاب الفكري والأساس التشريعي والقضائي في مكافحته .
إن للإرهاب صور متعددة منها الارهاب المادي أو الجسدي ، والإرهاب المعنوي أو الفكري ، وأن اهمية البحث تتجسد في أن هنالك تركيز على ظاهرة الارهاب المادي فقط دون الارهاب المعنوي على الرغم من ان الضرر الذي يصيب المجتمع من الارهاب المادي يوازي الضرر الذي يصيب المجتمع من الارهاب الفكري ، إلا انه من المواضيع قليلة المعالجة وهذا ما دفعنا الى البحث فيه ومعالجته.
إن الارهاب الفكري وأساس مكافحته هو من المواضيع الشيقة والحديثة ، والتي دفعتنا الى البحث فيه ودراسته ومعرفة كيفية امكان القضاء عليه أو التقليل منه ، وكذلك فان هذا الموضوع والمتمثل بأنماط وأساليب مختلفة منها استخدام الافكار المتطرفة والتحريض على العنف والإساءة الى الاديان والمذاهب والرموز الدينية وغيرها من الاساليب ، إلا أن هذا الموضوع الواسع لم يتم احاطته بدراسات ملمة له ، على الرغم من اهميته وتشعبه ، فمن خلال البحث في هذا الموضوع وجدنا قلة المصادر والقرارات القضائية الخاصة بالموضوع سواء كان في العراق أو القوانين المقارنة .
من اجل التعريف بالإرهاب الفكري والبحث في أساليبه ، لابد من تقسيم هذا المبحث الى مطلبين ، نتطرق الى تعريف الارهاب الفكري في المطلب الاول ، ونبحث في اساليب الارهاب الفكري في المطلب الثاني .
المطلب الاول
تعريف الارهاب الفكري
من أجل الوقوف على معنى الارهاب الفكري ، لابد من البحث في المعنى اللغوي والاصطلاحي للإرهاب الفكري ، وهذا يتطلب منا البحث في المعاجم اللغوية وأراء الفقهاء من أجل فهم معنى هذا المصطلح ، وعلى هذا قسمنا هذا المطلب الى فرعين ، نتطرق الى المعنى اللغوي للإرهاب الفكري في الفرع الاول ، والى المعنى الاصطلاحي للإرهاب الفكري في الفرع الثاني .
الفرع الاول
التعريف اللغوي للإرهاب الفكري
لابد من التطرق الى البحث في كلمة الارهاب لغةً ، وذلك بالرجوع الى بعض قواميس اللغة ، وبعد ذلك نبحث عن المعنى اللغوي لكلمة الفكري ، وهذا ما سوف نتطرق اليه في هذا الفرع .
إن كلمة ارهاب مشتقة من الفعل رهب ويقال رهب فلاناً اي خوفه وفزعه ، ورهب رهبة ورهبآ – خافه ، وارهبه خوفه ، ويقال رهبوت خير من رحموت أي ترهب خير من ان ترحم ، والراهب المتعبد ومصدره الرهبة والرهبانية بفتح الراء فيهما والترهب تعني التعبد
، ويقال أرهبته ورهبته واسترهبته : ازعجت نفسه بالإخافة ، وأيضاً ترهب فلان أي تعبد في صومعته ، ومن المجاز أرهب الابل عن الحوض ذادها وأرهب عنه الناس بأسه ونجدته ، وترهب الراهب اي انقطع للعبادة
وإن كلمة الارهاب ومشتقات الفعل رهب قد وردت في القرآن الكريم كونه مصدر وينبوع البيان في مواضع ومناسبات مختلفة منها : ما يدل على الفزع والخوف اي بمعنى ان خوف المنافقين منكم اشد من خوفهم من الله حيث قال تعالى في سورة الحشر الآية ( 13) ( لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) ،
وكذلك قد يعبر عنها بالخشية وتقوى الله كما في سورة البقرة الآية (40) ( لقوله تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) ، وكذلك وردت بمعنى الرغبة والرهبة اي الرغبة في الثواب والرهبة من العقاب كما في سورة الانبياء الاية (90) وذلك في قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) ، وكذلك قوله تعالى في سورة الاعراف الآية 16 ( قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ واسترهبوهم وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) أي أرهبوهم وخوفوهم وفزعوهم ، وغيرها من المواضع والمناسبات .
ومن كل هذه التعاريف اللغوية السابقة للإرهاب نرى بأنها متفقة على معنى العنف المستخدم لغرض بث العنف والفزع بين الناس لتحقيق اغراض سياسية ، ويرى جانب من الفقه أن الاغراض السياسية لا تعتبر صفة اساسية ومميزة في تعريف الارهاب ، فقد تستخدم المنظمات الارهابية وعصابات الاشرار الارهاب كوسيلة لإجبار ضحاياها على تنفيذ طلباتهم ورغباتهم الاجرامية
أما بالنسبة للمعنى اللغوي لكلمة الفكري :
فَكر – التفكر أي التأمل والاسم الفكر والفكرة ، والمصدر الفكر بالفتح ، وأفكر في الشيء فكر فيه بالتشديد وتفكر فيه ، ورجل فكير أي كثير التفكر.
والفكر هو أعمال النظر في الشيء ، كالفكرة والفكري وبكسرهما أفكار ، وفكر فيه وأفكر وفكر وتفكر ، ويقال مالي فيه فكر أي حاجة.
وكذلك فقد وردت كلمة الفكر ومشتقاتها في القرآن الكريم في عدة مواضع نذكر منها : قوله تعالى (اقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. وقوله تعالى ( إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
وبهذا نجد أن الفكر هو عبارة عن جهد ذهني للإنسان القادر العاقل ، وهو كما يمكن أن يكون فكر بناء نافع ، يمكن أن يكون فكر هدام ضاراً وذلك حسب غايته المقصودة ، وعلى هذا نجد أن هنالك صلة وثيقة بين الارهاب والفكر ، فمتى كان الفكر مستقيماً أنعدم الارهاب ، أما أذا كان الفكر منحرفاً فيكون الارهاب سائداً منتشراً ، وبالتالي لا يمكن مقاومة الارهاب إلا بمقاومة الفكر المنحرف أبتداءً .
تعريف الارهاب الفكري اصطلاحاً
من أجل الوقوف على تعريف الارهاب الفكري سنبحث في تعريف الفقهاء لهذا المصطلح .
عرّف حسن بن علي السقاف الارهاب الفكري بأنه ( رمي مخالفيهم من المذاهب الأخرى بالابتداع والشرك و الجهمية والتعطيل والإلحاد ، وأنهم اعداء السنة والتوحيد ويدخل في ذلك أخترع تقسيم التوحيد الى توحيد الوهية وتوحيد ربوبية
وعّرف عبد الستار الطويلة الارهاب الفكري بأنه ( محاولة فرد أو مجموعة من الأفراد أو الجماعات ، فرض رأي أو فكر أو مذهب أو دين أو موقف معين من قضية من القضايا ، بالقوة والأساليب العنيفة ، على أناس أو شعوب أو دول ، بدلا من اللجوء إلى الحوار والوسائل المشروعة الحضارية ، وهذه الجماعات أو الأفراد تحاول فرض هذه الأفكار بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال ، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر.
فيما عرف أحمد طه خلف الله الارهاب الفكري بأنه :
( تجاوز مرحلة التطرف إلى مرحلة أخرى تنطوي على فرض الرأي أو المعتقدات بالقوة ، أو بمعنى آخر فـإنه إذا كـان التطرف يقوم على العنف الفكري فإن الإرهاب يعتمد على العنف المادي ، ومن وجهة نظر جماعات الإرهاب فإن كل شيء في المجتمع باطل ويجب تغييره ، وأنه لا سبيل لهذا التغيير إلا بقوة السلاح وممارسة الإرهاب في المجتمع
وأخيراً نذكر تعريف د. خالد بن عبد الرحمن القريشي للإرهاب الفكري ونصه ( نشاط يستهدف إفساد أي معتقد -أو- سلوك باستخدام الوسائل والأساليب المعنوية التي تخلّ بأمن و أمان الوطن و تؤثر على المواطنين
بعد عرض كل هذه التعاريف ورؤية الاختلاف في وجهات النظر في تعريفاتهم ، يمكن أن نعرف الارهاب الفكري من حسب ــــ وجهة نظرنا ـــــ على أنه عدوان بشري مبني على اسس فكرية وذلك باستخدام مختلف وسائل الضغط النفسي والبدني والاجتماعي والاقتصادي من اجل التحكم في ارادة الفرد والمجتمع لتحقيق اهداف فكرية أو دينية أو سياسية أو اجتماعية أو كل ذلك معاً . |