صنعاء نيوز/ - من متطوعة إلى معلمة
سعاد تعثر على مسار جديد بعد أن فقدت كل شيء.
16مارس, 2022م
“النازح”، بلغة المنظمات الإنسانية، هو الشخص الذي يضطر إلى الفرار من منطقة في بلده إلى منطقة أخرى.
ولكن هذا المصطلح القانوني يحجب الحقائق المروّعة التي يواجهها هؤلاء الأشخاص في بلد يمزقه النزاع.
وقد فقد نحو 4 ملايين شخص في اليمن ممتلكاتهم ومنازلهم على مدى السنوات السبع الماضية، وأجبروا على البحث عن مناطق أكثر أماناً في محاولة منهم للبقاء على قيد الحياة.
وسعاد واحدة من هؤلاء الناس. وقد غادرت قريتها الواقعة في محافظة ريمة بصحبة أطفالها وزوجها الراحل وتوجهت إلى العاصمة صنعاء ثم إلى مخيم “للنازحين” في محافظة مأرب.
وتقول سعاد، التي تكشف قصتها عن حقيقة هامة أخرى: “أجبرتنا الحرب على ترك منازلنا والتوجه إلى مخيمات النازحين التي كان عليها فيها تحمل الآلام والمعاناة بمفردنا”. وتضيف قائلة: “حتى الناس الذين يواجهون مشقات هائلة لا يمكن تحديدهم ببساطة من خلال تسميات أو تصنيفات من قبيل “النازحون” أو “ضحايا الحرب”.
والواقع أن حالة سعاد تُبيّن لنا أن أعداد الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات النازحين هم أكثر من ذلك بكثير. وفي الوقت الذي تروي فيه سعاد قصتها داخل مسكنها الصغير بعد ظهيرة يوم من الأيام غير البعيدة العهد، تتبادر إلى الذهن كلمات مثل الأم، والأب، والمتطوعة، والمعلمة والباحثة، والناجية.
وتُردف سعاد قائلة: “مع استمرار الحرب واشتدادها، اختار العديد من الأشخاص من أمثالي مغادرة ديارهم والتوجه إلى محافظات لا يعرفونها. وفي محاولة منا لتجنب ويلات الحرب وجدنا أنفسنا عالقين – ومجبرين على التنقل بين مختلف مناطق اليمن. ونحن نقيم الآن في مخيم الجفينة، ونعيش في ظروف سيئة”.
فقد ما يقرب من 4 ملايين شخص منازلهم منذ نشوب الحرب في اليمن، واضطروا إلى الفرار والبحث عن الأمان في مكان آخر من البلد. وسعاد وأطفالها هم من بين الكثير من “النازحين” الذين يكافحون من أجل تدبير أمور عيشهم في مخيم الجفينة الواقع في محافظة مأرب.
وهناك عدد قليل من الأماكن التي يمكن للناس أن يقصدوها للعثور على الإغاثة. وقد انهارت تقريباً كل الخدمات الأساسية المتاحة في البلد، تاركة ملايين الناس في أوضاع كارثية. ويواجه البلد الآن أكبر حالة طوارئ للأمن الغذائي في العالم حيث يحتاج 20 مليون نسمة – 66 في المائة من سكان البلد – إلى المعونة الإنسانية.
وتقول سعاد في هذا الصدد: “في أيام إقامتنا الأولى في هذا المخيم لم أستطع تحمل العيش في خيمة. وكانت هذه الخيمة فارغة من كل متاع – ليس بها سوى بعض البطانيات والمراتب المطروحة على الأرض. وكان الوضع المعيشي صعباً للغاية، لي ولأسرتي، من جميع الجوانب، لا سيما بسبب انعدام الضروريات الأساسية. وشكّل العيش في هذا المخيم صدمة كبيرة بالنسبة لي. ولم أكن أتوقع قط أنني سأعيش في مكان كهذا”.
وتردف قائلة: “كنّا نكرس وقتنا للكفاح من أجل توفير الضروريات الأساسية للحياة يومياً. وتحسّن وضعنا بعد ذلك وعثر زوجي على وظيفة ساعدتنا في تغطية احتياجاتنا الأساسية.
“ولكن حينما وصل فيروس كورونا إلى اليمن، برزت عقبات جديدة. وطبع الخوف والقلق الدائمان حياتنا، خاصة بسبب صعوبة الحصول على المياه النظيفة وضرورة تطبيق تدابير الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.
“ولم تسلم أسرتي من هذه الأزمة. فقد أودت بحياة زوجي وفرضت عليّ مواجهة تحدّ أكبر لم أتوقع حدوثه قط. وتبيّن أن القدوم إلى مخيم النازحين لم يكن أقسى جزء في التجربة. وفي غياب دعم شريكي في هذه الحياة، اضطررت إلى الاضطلاع بدور الأم والأب على حد سواء”.
قدمت سعاد إلى مخيم النازحين مع زوجها وأطفالها. وتقول سعاد، التي توفي زوجها بعد فترة قصيرة من وصولهم إلى المخيم: “لم يكن القدوم إلى مخيم النازحين أقسى جزء في التجربة”. وتضيف قائلة: “في غياب دعم شريكي في هذه الحياة، اضطررت إلى الاضطلاع بدور الأم والأب على حد سواء”.
باب جديد يُفتح
لم يكن لدى سعاد مجال يتاح لها فيه التعبير ولو عن حزنها. فقد كانت بحاجة إلى التركيز على ضمان بقاء أطفالها.
وساعدتها فرصة التطوع في الهلال الأحمر اليمني على تخفيف عبء المسؤوليات الإضافية الملقاة على كاهلها بعد وفاة زوجها. وقد قدّم الهلال الأحمر هنا يد المساعدة لملايين النازحين في النصف الأول من عام 2021، رغم أن الاحتياجات لا تزال هائلة.
وتقول سعاد في هذا الشأن: “قبل شهر من وفاة زوجي علمت من متطوعي الهلال الأحمر الذين كانوا يوزعون المساعدات الإنسانية على النازحين بوجود وظيفة شاغرة في الهلال الأحمر لإجراء الاستقصاءات الميدانية. فالتحقت بهم وأصبحت عاملة في هذا المجال مع أفرقة الهلال الأحمر اليمني.
وواصلت سعاد بذل قصارى جهدها للعثور على فرصة عمل تُؤمّن ضروريات العيش لأطفالها مثل الغذاء ومياه الشرب.
وتوضح ذلك فتقول: “لم أُعر اهتماماً للظروف الصعبة التي واجهتها أنا وأطفالي، أو لانعدام الأمن الذي تعرضنا له كنازحين، أو حتى الأمطار والفيضانات التي غمرت خيمتنا. لقد كان العثور على وظيفة هو شغلي الشاغل”.
وفي نهاية المطاف حصلت سعاد على فرصة للعمل كمعلمة للطور الابتدائي في مدرسة الثورة القريبة من المخيم.
وتصف سعاد ذلك فتقول: “حصلت على فرصة العمل هذه وأصبحت معلمة في مدرسة ابتدائية بفضل الدعم الذي تلقيته من والدي الذي شجعني على مواصلة تعليمي حتى بعد الإنجاب. ولم أتوقع قط أن يكون تعليمي طوق نجاة لي ولأسرتي في يوم من الأيام”.
وتضيف قائلة: “قصص كفاحنا كنازحين لا تنتهي أبداً. وهي لا تتعلق فقط بالجهود المستمرة التي نبذلها لتوفير الغذاء والماء، بل تتعلق أيضاً بالتعامل مع برودة الطقس والمناخ القاسي في الخيام الهشة. ويتملكنا أيضاً خوف دائم من تفشي الأمراض والأوبئة”.
ولكن يتعين علينا العثور على سبل تتيح لنا إيجاد طريقة جديدة للحياة كلما ظهرت ظروف صعبة تؤدي إلى تدمير ما بنيناه”.
حصلت سعاد، في نهاية المطاف، على فرصة للعمل كمعلمة للطور الابتدائي في مدرسة قريبة. وتقول في هذا الشأن: “حصلت على فرصة العمل هذه بفضل الدعم الذي تلقيته من والدي الذي شجعني على مواصلة تعليمي حتى بعد الإنجاب. ولم أتوقع قط أن يكون تعليمي طوق نجاة لي ولأسرتي في يوم من الأيام. |