صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/
وإذا كان النموذج الصيني يمثل الاستجابة الايجابية لتحديات العولمة بما تعنيه هذه الاستجابة من الحد من آثار العولمة السلبية والاستفادة إلى أبعد حد من الفرص التي تخلقها، يشكل العالم العربي بالمقابل النموذج المثالي للاستجابة السلبية التي جعلت منه المنطقة الأقل استفادة من الفرص التاريخية التي فتحتها العولمة والأكثر تأثرا بالمشاكل الخطيرة التي طرحتها على جميع الشعوب والبلدان على حد سواء.
وهكذا بقدر ما نجحت الصين في إعادة تأهيل نفسها للقرن الجديد واكتساب مواقع قوية في جميع الميادين التي تخص المجتمع العولمي المتنامي، الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والإستراتيجية، يبدو العالم العربي، بالعكس من ذلك، وكأنه خارج العولمة أو على هامشها، لا يملك فيها أي موقع متميز، لا على الصعيد الاستراتيجي ولا الاقتصادي ولا السياسي ولا الاجتماعي ولا التقني ولا العلمي ولا الرمزي الثقافي المتعلق بالهوية يعكس التأخر الطويل في إدراك حقيقة العولمة في العالم العربي غياب أي إستراتيجية واعية للرد الايجابي على تحدياتها آما يعكس الالتحاق السلبي بها والعجز المستمر عن بناء السوق العربية الإقليمية القادرة على توفير شروط الاستجابة الناجعة لها.
كيف نفهم هذا العجز وما هي آثاره وما هي آفاق الإصلاح المحتملة لهذا الوضع وتلك العلاقة في المستقبل؟
الخلفية التاريخية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية لعولمة العالم العربي فشل التجربة القومية لا نستطيع في نظري أن نفهم طبيعة الاستجابة التي قادت العالم العربي إلى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعرفها اليوم، ولا الاستجابات التي نقلت بلدانا كبرى مثل الصين أو الهند إلى مقدمة مسرح الاقتصاد والسياسة العالميين، مستفيدة من الفرص التي قدمتها العولمة، إلا إذا حللنا السياق الذي حكم إستراتيجية الانخراط في العولمة لكل منها.
ويبدو لي أن نوعية الاستجابة التي طورتها المجتمعات المختلفة تجاه العولمة مرتبطة بالطريقة التي واجهت فيها حقبة ما بعد الوطنية القومية، والحلول التي قدمتها لجملة المشاكل التي رافقتها، وفي مقدمها إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي بما يتفق مع متطلبات الانخراط في شروط الإنتاج العالمية أو المعلومة.
فكما ساهمت النزعة الوطنية الصينية، المتمحورة حول الاحتفاظ بوحدة البلاد ضد عوامل التفكك الداخلية وبمكانة الصين العالمية، في التشجيع على التحول الانقلابي من السياسات الاقتصادية الاشتراكية التقليدية والانفتاح على السوق العالمية بهدف ضمان وتيرة التنمية والازدهار الاقتصادي، يبدو غياب الحوافز الوطنية وفساد النخب الاجتماعية في دول العالم العربي هو السبب الرئيسي الذي يفسر الإعراض عن بناء الوحدة الاقتصادية أو العجز عن التقدم في مشروع بنائها.
وهو ما يعكس في الواقع الإخفاق الكبير الذي أظهرته النخب العربية، ومن ورائها المجتمعات نفسها، في إدراك حقيقة العولمة وأهمية إيجاد الحلول الفعالة لمشاكل انحسار الوطنية القومية لحركة سياسية فكرية محركة للدولة ومقومة للسلطة، وكمجموعة من البرامج العملية التي لا غنى عنها لتفعيل المجتمع وضمان وحدته السياسية قد يبدو هذا التفسير مفاجئا في الوقت الذي لا تزال الأفكار الوطنية والقومية تسيطر بشكل قوي على الخطاب السياسي العربي الرسمي والشعبي على حد سواء.
بيد أن هذه السيطرة التي تتعارض آليا مع الممارسة تظهر، بالعكس من ذلك، أن الوطنية القومية قد تحولت إلى قناع تستخدمه القوى المختلفة لإخفاء الواقع الفعلي أآثر مما تعبر عن ممارسة فعلية.
لقد تحولت الوطنية إلى حجاب، بالمعنى الديني للكلمة، يستخدم لاتقاء شر الواقع غير الوطني وغير القومي والتأثير عليه أآثر مما يعبر عن هذا الواقع أو يشير إليه.
لكن النتيجة المهمة التي نريد التأكيد عليها والتي تشكل العامل الرئيسي في تكوين سياق اندراج المجتمعات العربية في عصر العولمة هو ما أسميه التغرير في الفكرة الوطنية القومية أو التخبط المستمر فيها وعدم النجاح في الخروج السليم والمنظم منها نحو آفاق أرحب تساعد العالم العربي على مقاربة التحولات الدولية الجديدة ولا يرجع هذا التغرير وما رافقه من فشل في تجاوز إطار الدولة الوطنية أو القطرية إلى عامل واحد ولكن إلى عوامل متعددة.
فقد اكتشف العرب، آما اكتشفت شعوب كثيرة أخرى، في سياق البحث المستمر في مسألة التقدم وتجاوز الانحطاط التي شغلتهم لأكثر من قرنين، فكرة الدولة الوطنية أو الدولة الأمة.
واستقر في ذهنهم، آما حصل لجميع الأمم التي عاشت من حولهم، على أنها الإطار السياسي والثقافي الوحيد لتوفير شروط النهضة الحضارية والاقتصادية.
وبالفعل تركز جهد النخب العربية في آل مكان، وبصرف النظر عن أصولها ومذاهبها الدينية والفلسفية، على تحقيق الاستقلال الذي يشكل الشرط الرئيسي لبناء هذه الدولة ذات السيادة القومية.
وقد كان الصراع من أجل الاستقلال محور نضال العرب ضد الهيمنة القومية التركية التي ورثت السلطنة العثمانية، واستمر بعد ذلك محور الصراع ضد الهيمنة الأوروبية التي خلفتها، في المشرق والمغرب العربيين.
وما إن تحررت الشعوب العربية من هذه السيطرة ونالت استقلالها حتى تطلعت، أو تطلع قسم كبير منها، إلى بناء دولة وطنية يتفق مفهومها بشكل أآمل مع مفهوم الدولة القومية الأوروبية الحديثة، أي يكون فيها التوافق قويا وحقيقيا بين حدود انتشار الثقافة الواحدة والدولة.
وفي ظل هذه الحركة الوطنية تبلورت البنيات والمؤسسات والقوى والقيم والمفاهيم والرموز الجديدة التي ستطبع تفكير وسلوك المجتمعات العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال وتشرط ردود فعلها الداخلية والخارجية خلال العقود الثلاث التي ستعقب الاستقلال... يتبع