صنعاء نيوز/ إبراهيم أمين مؤمن-مصر - بعد أن برأ فهمان تماما من الصاعقة التي أصابته بعد أن سافر إلى المستقبل وشاهد بنفسه أهل النار يعذبون -وقد كان منهم كاجيتا- دعا جاك مجددا لاستئناف التجارب قائلا: «جرّب التصادم هذه المرة على 350 تيرا إلكترون فولت.»
ابتسم جاك له وهو يقول: «300 تيرا إلكترون فولت سفّرتك إلى المستقبل حيث انتهت الحياة الأرضية، فما بالك ب 350!»
بادله فهمان الابتسامة، ثم قال حزينا: «هل تصدقني لو قلت لك إني أفضل السفر إلى إبليس في وقتنا الحاضر عن السفر إلى المستقبل لرؤية أهل الجنة؟»
تقلصت ملامح جاك بعد الابتسامات العريضة التي كانت تبسط وجهه بسطا بسبب إخلاص فهمان الذي لم يعهد بمثله في الحياة، وقال بتأثر وهو يهز رأسه: «أصدقك.»
- «ما دمت تصدقني فعلام الانتظار، هيا نجري الارتطام.»
***
توجه جاك على الفور إلى ليناك 64 (هو من يدفع حزم البروتونات) لوضع حزمتي البروتونات، ووقف فهمان مجددا داخل الفقاعة الرابيديومية بعد أن ارتدى البذلة الفضائية وأمسك بالمجس.
كانت يدا جاك تضطرب بشدة خوفا على صديقه من أن يحدث له مكروه مرة أخرى.
أطلق جاك حزمتي البروتونات وتصادمت بعد ثلث ساعة، وتولدت الثقوب السوداء المجهرية، وبوساطة برنامج حاسوب تمكن جاك من جعلها في صورة دائرية كما كان سابقا في التجربة الأولى (تجربة 300 تيرا إلكترون فولت).
أمسك فهمان بالمنظار في انتظار أن يضرب جاك جانبا من ذرات الرابيديوم السالبة في أحد قلوب الثقوب السوداء -التي تحيط به في شكل دائرة- لتخليق الثقب الدودي ليرى به ما خلفه (الثقب الأسود) من أكوان. لكنه لم يتمكن إذ حدثت كارثة!
حدث خلل في جهاز الليزر، فأحدث تفاوتا في قوى حزم الليزر المنطلقة؛ مما تسبب في تفاوت قوى أفق أحداث الثقوب الجاذبة، وهذا التفاوت في القوى تسبب في وجود قوى تنافر في جزء من الفقاعة لم يقابلها نفس قوى التنافر في الجزء المقابل فدفعت فهمان قوى التنافر الأكبر الناجمة عن الثقب الأسود فوقع المنظار من يده على الفور، وارتطم بالجدار بتأثير قوى جذب الثقب (طبعا التي تحولت إلى قوى تنافر بسبب الفقاعة ذات المادة السالبة التي تحيط بفهمان) فشج رأسه، بعد أن كُسرت خوذة البذلة وأغمي عليه على الفور، فسكن أمام عيني جاك بلا حراك.
أوقف جاك كل شيء وهو في قمة الهلع، وقد ألجمت الكارثة أوصاله فصرخ، وحين توجه نحوه سقط على الأرض، حاول النهوض فلم يستطع، لم يكترث جاك بما حدث له وإنما وصل إلى فهمان زحفا.
صرخ به: «فهمان، فهمان، فداك روحي وكل ما أملك، يا ليتني كنتُ مكانك.»
مد كلتا يديه إليه وهما لا تكادا تستقران من شدة الرعشة التي ضربتهما، نزع عنه خوذة البذلة الفضائية التي تهشمت تماما، مد إحدى أذنيه إلى قلبه فسمع دقاته تتصاعد فتنفس الصعداء وتمالك نفسه وقال: الحمد للرب.
وكما دبت الكارثة في قدميه فأعجزتهما عن الوقوف استنهضت أيضا عزيمةُ إنقاذه فرد الله الروح إليهما، فحمله جاك على الفور وهو يحاول جاهدا وقف نزيف الرأس بكل السبل، واستدعى له طبيبا.
***
بينما جاك يحاول وقف نزيف الرأس ودموعه الحارة كالجمر تتساقط، دخل الطبيب.
أسعفه، كما أوقف النزيف تماما من خلال عملية جراحية، وجلس ينظر إلى جاك دهشا من شدة هلعه وحزنه على الرغم من أن الطبيب يعلم أن جاك أمريكي الجنسية.
أفاق فهمان بعد لحظات، وقبل أن يهمس بكلمة هبّ الطبيب من جلسته وقال له: «لابد من الراحة بضعة أيام دكتور فهمان فجراحك غائر وواسع.»
سأله جاك عن حالته فقال الطبيب: «كما سمعت دكتور جاك، الجرح غائر وواسع، ولقد أصيب أيضا بكدمات حادة في بعض الأجزاء من جسده، لذلك سوف يحتاج إلى علاج طبيعي.» ورحل الطبيب.
فور رحيل الطبيب حاول فهمان النهوض فلم يستطع، فالجرح أصابه بالدوخة، والكدمات آلمته.
قال جاك: «أتريد أن تذهب لدورة المياه يا فهمان؟ حسنا، سأتصرف.»
قال فهمان بصوت فيه حسرة: «ألا نستكمل التجارب؟»
ذهل جاك وقال: «تجارب! ألم تسمع قول الطبيب؟ قال بضعة أيام.»
- «وهل يمهلني إبليس وحزبه بضعة أيام حتى آتيه، أكيد هو وحزبه يلتفون حول كاجيتا ويتناوبون عليه الوسوسة حتى يدمر العالم.»
قال جاك دامعا: «يا فهمان، إن كان لي خاطر عندك فلا تفكر في هذا الأمر قبل أن تتعافى، أرجوك وأتوسل إليك.»
نظر إليه فهمان نظرة حب وإجلال وقد قرر أن يمتثل لرغبة جاك، بعد لحظات غلبه الإعياء فنام رغما عن أنفه.
***
فور وصول كاجيتا وفريقه أرض مطار طوكيو الدولي كان في استقباله سيارة طائرة من أجل أن تقوده إلى "كانتيه".
أمر كاجيتا فريقه بالذهاب إلى أهليهم، كل واحد منهم لم يجد في نفسه غضاضة من أمر كاجيتا إلا ناكامورا فقد امتعض، ودارى امتعاضه ببسمة عريضة، حدق كاجيتا بتلك البسمة واستقرأها جيدا، فقال في نفسه: ويلك يا ناكامورا ماذا تريد أن تفعل بي؟ بل ماذا تريد أن تفعل بقنابل الثقوب السوداء إذا حزتها؟
ورفع كاجيتا يده نحو الصرة التي تحوي القنابل الخمسة وذرات الرابيديوم، يتحسسها ليتأكد أنها ما زالت في حوزته ولم يسرقها منها ناكامورا، وناكامورا ينظر إلى يده ويتمنى لو تنسلخ الصرة من جيبه وتطير في الهواء وتذهب إليه.
***
دخل القصر، فهب رئيس الوزراء واقفا، وعلى وجهه ارتسمت علامات الحرص فألجمت لسانه عن التعبير عما بداخله، فأشار بيده إليه إشارة تساؤل عن نتائج رحلته.
فتهلل وجه كاجيتا، فانفرجت أسارير الرئيس وأسرع إليه واحتضنه في غبطة غامرة وهو يقول: «نجحت، نجحت، صح؟»
قال كاجيتا: «إن كاجيتا لا يعجزه شيء يا سيادة الرئيس.»
ابتعد عنه رئيس الوزراء قليلا ويداه تربتان على كتفيه، أما عيناه فتمتلآن طمعا وسروروا.
قال كاجيتا: «أخيرا سيادة الرئيس، أخيرا سآخذ العزاء في أهلي الذين ماتوا في هيروشيما.»
تركه الرئيس وجلس على كرسي العرش الذي لا يحب أن يفارقه بتاتا، وقال: «بل قل آن الأوان لتحكم اليابان العالم.»
استاء كاجيتا قليلا، وجلس على الفور ثم ما لبث أن قال: «قبل أن نقيم سرادقات العزاء علينا بتطهير خريطة العالم.»
وفتح هاتفه، وأخذ يقلب في بضع صور، فلما عثر على الصورة التي يريدها ثبتها على الهاتف.
قال وهو يشير على جزء منها وهي مساحة الولايات المتحدة: «سيادة الرئيس، هذه خريطة العالم، رجاء، انظر إلى هذه المساحة.»
حدق الرئيس على الجزء المشار إليه وقال: «هذه الولايات المتحدة الأمريكية، ما شأنك بها؟»
- «أريد محوها من الخريطة.»
وقبض على يده ثم بسطها ونفخ فيها كأنما يريد أن يزيل ما علق بها من قاذورات وقال مستدركا: «هكذا أنفخ فيهم فيكونون كالهشيم تذروه الرياح.»
دهش الرئيس وقال ممتعضا: «أنا لا أريد استئصال شأفتهم وإنما حكمهم، ثم من يسكنها فيما بعد إنْ أنا وافقتك على ذلك؟»
قال كاجيتا في نفسه: أيها الأحمق، جنون العظمة سوف يضيع علينا حقنا في طلب أجساد أهلينا التي ذابت وذرتها الرياح مع الغبار النووي.
وأراد أن ينتصر لرأيه، فقال: «سيادة الرئيس، لقد فرضتْ عليك أمريكا بأن تكون حليفا لهم وعليك الانتقام منهم من أجل ذلك.»
- «كان يجب أن أساورهم حتى لا أفقد مكانتي، فتاريخ الانقلابات العسكرية على مر العصور كان بيد أمريكية، وهذه الانقلابات لا تخفى على أحد، ولا يرتاب في أمرها أحد.»
- «لكني أريد الانتقام.»
وقف فور أن قال كاجيتا كلمته، ووقف له كاجيتا احتراما لشخصه، ثم ما لبث أن مرر الرئيس يده على لحيته وهو يسير الهوينى وأخذ يفكر بعمق، ولما اهتدى لحل قال: «اسمع يا كاجيتا، سنهلك أساطيلهم البحرية التي يتفاخرون بها، لكن اعلم أني سأفعل ذلك من أجل إرضائك، فمسألة الانتقام هذه لا أكترث لها.»
سكت كاجيتا حزنا، أما الرئيس فسكت يتدبر أمرا آخر، قال بعدها: «قل لي يا كاجيتا، كيف لهذا البيض المتناهي في الصغر (يقصد طبعا قنابل الثقوب السوداء) أن تفعل ما لم تستطع فعله القنابل الهيدروجينية، أو حتى الذرية؟ قرّب لي الفكرة.»
زفر كاجيتا زفرة طويلة وقال له: «سيدي الرئيس، الانفجار الذي حدث لنا من انشطار أنوية النيوترونات واليورانيوم، وهذه أيضا ذرات (يشير في هذه اللحظة إلى الصرة) ولكنها تتحول إلى ثقوب سوداء فور ضرب ذرات الرابيديوم الموجودة في وسطها بالليزر.»
عاود الرئيس وسأله مجددا: «لم تجبني يا كاجيتا عن سؤال سابق، من يسكنها إذا وافقتك على هلاكهم جميعا؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ستجذبهم الثقوب السوداء وترمي بهم في كون لا يعرفه أحد، أما مساحة أراضيهم فستنقص من مساحة الكرة الأرضية، لأن القنابل ستجذب ما حولها من مادة وترميها في كون آخر.»
دهش الرئيس، ولم يستسغ الأمر لشدة الدهشة.
فاستطرد كاجيتا: «مساحة الكرة الأرضية 510 مليون كم2 ويطرح منها مساحة أمريكا 9,826,675 كم²، هذه هي مساحة الكرة الأرضية الجديدة سيادة الرئيس.»
***
أقبل إليه، فلما دنا منه بسط يده إليه وقال: «القنابل.»
فأومأ كاجيتا برأسه إيماءة استفهام ودهشة.
قال الرئيس: «ما بك؟ لم تندهش؟ أريدها.» وبسط كلتا يديه.
أمسك كاجيتا نفسه عن الضحك وهو يسرع بإخراج القنابل المصرورة بورق لين، قال كاجيتا: «ها هي.»
احمرّ وجه الرئيس وقال له ناهرا وفي نيته أن يبطش به ويجعله أحدوثة تلوكها الألسن: «أتستغباني أيها الحمار! أين القنابل؟»
يعلم كاجيتا مقدار الصلف الذي يملأ كيان الرئيس، لذلك باغته قولٌ تردد على سمعه: لا تثريب عليك، فلولا صلفك ما أرسلتني إلى مصر لصناعة القنابل.
أجابه كاجيتا: «انظر سيادة الرئيس، حدق بهؤلاء جيدا، حدق.» يكلمه وهو يشير بإصبعه نحو الخمس قنابل التي بحوزته.
قال الرئيس وهو يمد يده نحو الصرة: «هاتها، هاتها، رويدا رويدا.»
لم يتمالك كاجيتا نفسه وانفجر في الضحك هذه المرة، وقال وهو يخرج من جيبه صرة أخرى ويشير إليها: «لا تخش سيادة الرئيس فإنها لا تُفعّل إلا بضرب ذرات الرابيديوم هذه بالليزر.»
فتمالك الرئيس أعصابه، أخذها وحدق بها جيدا وقال: «إنها أحدّ من شفرة الموس بيد أنها أدق من بيض البرغوت، كيف تعمل هذه الملعونة؟
***
لمن لم ينشر الجزأين السابقين، أحدهما أو كلاهما
|