صنعاءنيوز/تحقيق/ صقر الصنيدي - اليمن كانت يوماً محمية لطيور وحيوانات لا توجد في مكان آخر..
العجز في تمويل برامج الحماية يعرِّض المزيد للخطر!
إرسال نمر يمني للتكاثر في الإمارات!!
جاهداً أحاول نسيان تلك الحادثة التي مر عليها ما يزيد عن ثلاثة أعوام، لكن جهودي تذهب سدىً والصور التي التقطتها عدسة سائح أمريكي تفرض مضامينها مجموعة من السلاحف تم قتلها بطريقة بشعة ملقية في إحدى مناطق جزيرة سقطرى، وتحديداً في محمية السلاحف.. ما خلف الصور كان أشد إيلاماً قيل أن من قتل تلك المخلوقات النادرة له مطالب ويريد إيصال صوته عبر انتهاك حقوق الحياة لهذه الكائنات التي لا يوجد أي مبرر منطقي أو غير منطقي لقتلها، وجدت تلك الصور فرصة للنشر المحدود ووجدت القضية فرصاً عديدة لتموت دون أي عقوبة لمرتكبي البشاعة التي يصعب نسيانها، ربما من قليلين يقدّرون حق الحياة لكل كائن سواءً معرض للانقراض أو في وضع آمن.
يشكِّل ذلك إحراجاً كبيراً لبلد وقع على اتفاقية سايتس التي تعني بحماية الأنواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض مطلع 1997م وتلزمه الاتفاقية منع الاتجار بالأنواع المهددة المنصوص عليها في الدليل الوطني المتضمن لها.
لكن آلية الحماية معقدة ويصعب تتبع ومراقبة كل الكائنات المهددة بالانقراض وربطها بشبكة معلومات كما يحدث في بعض البلدان التي يتواجد فيها أنواع مهددة ويتم إتباع خطوات وإجراءات مختلفة من قِبل الهيئة العامة لحماية البيئة المعنية بالشأن وهذه الإجراءات تصبح أحياناً عرضة للانقراض فبمجرد عدم وجود تمويل كافٍ لأي من برامجها يختفي ويتدهور شق من النظام البيئي، وفي ما يتعلق بقضيتنا اليوم يبدو الأمر مزعجاً فبرنامج حماية الأنواع يسير بخطى مثقلة وبطيئة لعدم وجود تمويل كافي.
يقول عمر باعشن - المختص في إدارة حماية الأنواع في هيئة حماية البيئة - إنه تم في السابق عمل الكثير من التوعية والكثير من الجهود التي أثمرت ولا تزال نتائجها الإيجابية إلى اليوم، تمثّل ذلك في نشر التوعية في العديد من المناطق المستهدفة.
يقول باعشن: ذهبنا إلى مناطق كثيرة يوجد فيها حيوانات مهددة بالانقراض ولقينا تجاوباً من قِبل الأهالي الذين لم يكن لديهم فكرة عن أهمية الحفاظ على ما لديهم من أنواع عندما أراد الصندوق الدولي للرفق بالحيوان مخاطبة المجتمعات المحلية عبر نشر أدلة إرشادية استند إلى تاريخ اليمنيين وتقاليدهم التي حافظت على الأنواع حيث لم يكونوا يصطادون إلا الذكور من الحيوانات كالوعول والمها وفي وقت معلوم من السنة تأتي عقب فترة التزاوج لأجل إعطاء فرصة للتكاثر.
ويحذٍّر الصندوق الدولي من غياب واختفاء هذه التقاليد واستبدالها بعادات التفاخر بقتل تلك الحيوانات دون تمييز بين الذكور أو الإناث أو الصغير أو موسم التكاثر، كل هذا السلوك يوصل إلى الانقراض.
ولقد عبر القدامى عن اهتمامهم بالحيوان وظهرت رسومات ومنحوتات كالوعول والنسور والثعابين والثيران على الصخور وعلى شكل تماثيل وقرابين.. بالإضافة إلى استوحاء الفنون الموجودة على الحلي والأواني الفخارية وزخرفة أفاريز سطوح المنازل وبوابات المعابد التي تعلوها قرون الوعل، ومع كل تلك الاحتياجات إلا أن ظاهرة الصيد الجائر لم تحدث للإدراك بأهمية الموارد المحدودة التي تمدهم بالاحتياجات الضرورية.
قال عمر باعشن: إن هذا الإدراك ما زال حياً يريد فقط من يوقظه، لقد كنا في سيئون حيث توجد أنواع مهددة بالانقراض كالجندب أو غيره وتفاجأنا بالحضور الكثيف من الأهالي للاستماع إلى نصائحنا حول ضرورة المحافظة على الكائنات وإيقاف العبث في صفوف من تبقّى منها، وساعدتنا الإذاعة المحلية في ذلك الحشد الذي اكتظت به إحدى القاعات الكبرى وكنا سعداء ونحن نلقي كلمة نعرف أنها ستذهب إلى كل مكان في الوادي وبفضلها ستحمي ثروة هامة.
يقول جميل الضياني - أحد أهم كوادر التوعية والإعلام في هيئة حماية البيئة: إن تجاوب الأهالي واستجابتهم وتفاعلهم مبني على عدة عوامل أهمها أن يلحظوا تحسُّناً في حياتهم، مورداً محمية برع كنموذج فقد تحسّن وضعها وأصبح الدخول إليها عبر دفع مبلغ بسيط من المال يعود بالنفع على الناس الذين أصبحوا حماة لمحميتهم ومحافظين على مكوناتها.
ويورد الضياني - الذي يعمل في مجال التوعية منذ سنوات عديدة ويمتلك خبرة واسعة في طرق الحماية، عدة إجراءات احترازية لخلق صون أكثر للأنواع منها إشراك الجهات ذات العلاقة في العمل ليصبحوا شركاء فعليين فمثلاً قمنا بعمل دورة تدريبية للمراقبين في الموانئ البرية "حرض" وعرفناهم بالأنواع التي يتوجب عليهم بقبول إخراجها نظراً لتعرضها لخطر الانقراض وشملت كل الأنواع بكل صورها سوى حية أو ميتة بشكل كلي أو جزئي، وحالياً لا يتم السماح بخروج هذه الكائنات إلا بالرجوع إلى الهيئة وإصدار استمارة إذن بالخروج أو عدمه بناءً على تقييمنا البيئي وتعاد الكثير من الحيوانات إلى بيئتها قبل أن تغادر.
كما أن هناك أسلوب الإعادة من الدول الموقعة على اتفاقية سايتس والتي إن وصلتها أنواع مهددة تقوم بإعادتها التزاماً بالاتفاقية ويحدث هذا مراراً.
ويعود مسئول التوعية إلى التذكير بأكثر الإجراءات أهمية وهو وجود المحميات وإدراج أكثر من ثلاثين موقعاً طبيعياً ضمن المناطق المرشحة للمحميات وهذه الأماكن تعد أهم الوسائل للحفاظ على التنوع الإحيائي في البيئة الطبيعية وإعادة توطين الأنواع المهددة في بيئتها وصيانة للمخزون الوراثي والأنظمة الحيوية.
تشكِّل وسائل الصيد الحديثة خطراً حقيقياً على الأنواع المهددة وهي السبب الأول الذي جعلها تحمل التسمية وسواءً كان الصيد لغرض الانتفاع أو لغرض اللهو فالنتيجة واحدة يعرفها المختصون ويجهلها الصيادون الذين لا يمتهنون ذلك إنما يهوونه.. ففي إحدى المناطق التابعة لمحافظة تعز وتحديداً في المناطق المحاذية للعدين والسلام كاد الوبر الصخري وهو أحد الأنواع المهددة أن يختفي ولم يكن أحد يراه إلا عبر شقوق تأوي أعداداً محدودة وكان هناك من يوجه الكلاشينكوف لاصطياد تلك الأعداد التي أوشكت على الاختفاء ومن دون وجود أي حملات توعية أو تأنيب عادت مؤخراً الأعداد إلى الازدهار فقط عندما توقف التنافس في من يجيد القنص وينال جائزة يصل وزنها إلى 3 كيلوجرامات وهي حجم الوبر الذي لا يختلف مذاقه عن مذاق الأرنب البري، وحالياً يتحدّث الأهالي عن عودة كثيفة للوبر وشجاعة غير مسبوقة في التنقل والظهور أمام الشقوق التي يتخذها مسكناً عقب تخفيه المثير للشفقة من أمام فوهات القنّاصين الذين ملُّوا لعبة الموت مع كائن تستهدفه مخلوقات أخرى لجعله وجبة طازجة.
يقول أحد من استهدف هذا الكائن أنه لم يكن يسمع غير من يخبره بجودة ومذاق لحوم الوبر وإن كانت وصلته أي رسائل أخرى لاستجاب لها وتغلّب عن احتياجه للقليل من الغذاء، ويضيف: لم يخبرنا أحد أنها من الأنواع المهددة بالانقراض وأننا ندعم ذلك، ثم يتذكر كائنات أخرى كان لها تواجد أصبحت اليوم لا تشاهد ولو بالعمر.. فبينما كنا في طفولتنا نجد النمس "نوع مهدد" والقنفذ "نوع مهدد" والوشق "مهدد" والضبع "مهدد" أصبح الآن مستحيل رؤية هذه الكائنات من الجيل الحالي وإن صادف ورأيناها فنعرف أنها قادمة من مكان آخر وتريد الوصول إلى مكان آخر أيضاً وكل هذا بسبب وجود الأسلحة التي تقتل بها هذه الحيوانات والتوسع العمراني لحركة الحياة.
يقول جميل الضياني إن هذا حدث في منطقته التابعة لمحافظة عمران والقريبة من قلب المدينة.. فقد أدى التوسع العمراني والكثافة السكانية وأدوات الصيد إلى اختفاء أنواع كانت متواجدة مثل النمر العربي الذي عرفته كثير من جبال عمران وصعدة وبيحان والمسيلة وأصبح غريباً عنها اليوم ونادراً ما يشاهد أو يتحدث الأهالي عن رؤيتهم له.
تشكِّل بعض هذه الأنواع خطراً على الإنسان لكنها قليلة وتتوزع مناطق نفوذها مع الآخرين ولا تصل إلى الاعتداء إلا في حالة إحساسها بخرق مناطقها وخطورتها لم تكن سبباً في صيدها فإن كان هذا فلماذا تنقرض أنواع لا تشكِّل أدنى تهديد للإنسان ومنها ما يمثِّل له مصدر أمان؟!
إن أجمل صور للطبيعة هي تلك التي تضم مكوناتها دون نقص أو انتهاك فوجود الأنواع المختلفة في بيئتها يمنحنا إحساساً افتقدناه، إحساس يجعلنا نشعر أننا وسط الطبيعة وفي انسجام معها وليس في تضاد وصراع.
وحتى نطلعكم على الأنواع الأكثر تهديداً بالانقراض والمتواجدة في اليمن نورد بعضاً منها النمر العربي وأهم علاماته أن شعراً كثيفاً يكسوه ذا لون أبيض ومصفر متجانس مع بروز ورديات مرقطة سوداء ولا تتواجد نقطة في مركز الوردة كما في غيره من النمور، وهناك الوعل ويستوطن صعدة وحضرموت والمهرة، المها التي تتواجد على الحدود مع الربع الخالي ولم تثبت الدراسات وجودها في المدى القريب، والثعلب ذو الجسم الرشيق والمكسو بشعر أغبر ويتواجد في أنحاء عديدة، والذئب العربي يتواجد بالقرب من جداول المياه والعيون ويوجد في لحج وعدن والمهرة وحضرموت وشبوة، والخفّاش والمعروف بتواجده في صنعاء وتعز ولحج وأبين وحضرموت، والوشق الموجود في أبين ولحج وتعز ومأرب، والغزال الجبلي موجود في إب وحضرموت والمهرة والحديدة والجوف وشبوة، والقنفذ الصحراوي له وجود في لحج وشبوة ويمتاز بدرع شوكي مبرقش باللونين الأبيض والأسود، وضربان "آكل العسل" يوجد في أبين وصعدة وحضرموت، وابن آوى له وجود في عدن والمهرة وحضرموت، والحباري وهو طير مهدد بالانقراض ويوجد في حضرموت والجوف والمهرة، وأبو معول يتواجد في محمية برع ولحج ولودر، والرفراف رمادي الرأس يتواجد في محمية عتمة وأبين، والتمير السقطري طير يوجد في سقطرى، هذه الأنواع وغيرها تحتاج إلى اهتمام حتى لا نقول في المستقبل القريب كانت!
نمر يمني في الخارج!!
منذ سنوات سافر أحد النمور العربية المهددة بالانقراض من موطنه الأصلي اليمن إلى حديقة الإكثار من الأنواع في الإمارات العربية.. لقد عاش سنوات عصيبة عندما عجز عن إيجاد نصفه الآخر في البيئة التي ولد فيها وتوصل المختصون إلى سفره بحثاً عن شريكة العمر التي سريعاً ما وفرت له في حديقة الإكثار وأنجبا ذكرين لم يكن مقدّر لهما الوجود لو بقى الأب في موطنه الأصلي، لكنه لم يعد.
وكما يعلق أحد المهتمين يبدو أن الغربة أعجبت النمر اليمني الذي يعيش خارج بيئته وكوَّن أسرة جديدة بعيداً عن مسقط الرأس ولم يتسن لنا إيجاد رئيس هيئة حماية البيئة للاستفسار حول إمكانية العودة لهذا الكائن ولو من باب الزيارة والحنين للوطن.
|