صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - الدكتور عادل عامر
كثيراً ما تثار فكرة النظام العام سواء لدى الفقه أو القضاء أثناء نظر وتداول الدعاوى القضائية , إلا أنه نظراً لمرونة مفهوم ومدلول النظام العام يقف الكثير منا أمام بعض القواعد والإجراءات بحسبان ما إذا كانت تعد متعلقة بالنظام العام من عدمه .
ورغم كثرة تداول فكرة النظام العام إلا أن الفقه والقضاء لم يتفقا على تعريف حاسم لهذه الفكرة وان كان القضاء قد عرفه بشكل مرن دون حسم لهذا التعريف وهو الأمر الذى من خلاله نحاول التقريب الى هذا التعريف من خلال جمع آراء الفقهاء وقضاء المحاكم وعلى رأسها قضاء محكمة النقض .
تعريف النظام العام :
هو مجموعة القواعد التى يقوم عليها كيان وأساس المجتمع والتى يترتب على تخلفها إنهيار المجتمع ، وان أمثلة تلك القواعد هى المتعلقة بحقوق وحريات الأفراد في المجتمع وكذا القواعد المتعلقة بالكيان السياسي للدولة كنظام الحكم في الدولة وشكله (( جمهورياً – ملكياً – فيدرالياً .... )) ، والمتعلقة أيضا بتكوين السلطات في الدولة وتحديد الاختصاص لكل سلطة كالسلطات الثلاث (( التنفيذية والتشريعية والقضائية )) ، كما يعد أيضا من النظام العام النظام الإقتصادى للدولة والأسس الإجتماعية فيها (( كنظام الأسرة ونظام العمل )) .
نسبية النظام العام :
تختلف فكرة النظام العام بإختلاف المكان والزمان فمفهومه يختلف في الدول الإسلامية عن الدول العربية ، كذلك في المجتمع الواحد يختلف مفهومه في زمن معين عنه في زمن آخر كما هو الحال بشأن تغيير النظام الاقتصادى للدولة من رأسمالى إلى اشتراكى ،،،
النظام العام والقاعدة القانونية :
إن ارتباط فكرة النظام العام بالقواعد القانونية يرجع الى تقسيم القاعدة القانونية الى قاعدة آمرة وأخرى مكملة :
فالقاعدة الآمرة : هى القاعدة التى تنعدم معها سلطان إرادة الأفراد بشأنها بمعنى أنه لا يجوز للأفراد الإتفاق على ما يخالفها .
والقاعدة المكملة : هى القاعدة التى يجوز للأفراد الإتفاق على ما يخالفها .
أهمية النظام العام والآثار المترتبة عليه :
ربط المشرع المصرى بين فكرة النظام العام والقاعدة القانونية الأمر الذى تولد عنه تقسيم القاعدة العامة الى قواعد آمرة وأخرى مكملة .
وقد رتب آثار وأحكام على جعل القاعدة القانونية مرتبطة بالنظام العام فقرر المشرع حماية خاصة للقواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام نظراً لأهميته ودوره الكبير في قيام كيان المجتمع .
· حيث قرر المشرع البطلان على كل اتفاق أو اجراء يخالف النظام العام وجعل لكل ذى مصلحة حق التمسك به ,كما يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع ببطلان الاجراء من خلال محامى صاحب الحق لمخالفته النظام العام في أى مرحلة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض شريطة أن تكون عناصره الواقعية كانت مطروحة في مراحل النزاع من قبل .
(( وهذا ما قررته محكمة النقض في حكمها الصادر في الطعن رقم 327 لسنة 52 ق جلسة 22/11/1987 ))
متى يكون الاجراء الباطل متعلق بالنظام العام :
1- اذا نص المشرع صراحة على ذلك
من أمثلة ذلك :
نصت المادة 25 من قانون المرافعات : يجب أن يحضر مع القاضى في الجلسات وفى جميع اجراءات الاثبات كاتب يحرر المحضر ويوقعه مع القاضى والا كان العمل باطلا .
2- اذا أوجب على القاضى الحكم من تلقاء نفسه
من أمثلة ذلك :
ما نصت عليه المادة 3 من قانون المرافعات : انه لا تقبل أى دعوى كما لا يقبل أى طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أى قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة ... هنا تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم القبول .
وكذا اذا لم تراعى مواعيد الطعن في الاحكام ... تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى .
3- اذا كان الاجراء معدوما ً
من أمثلة ذلك :
- لو صدر الحكم من هيئة قضائية أحد أعضائها انتفت عنه صفة العضوية القضائية .
- لو استمر قاضى في عمله رغم صدور قرار بقبول استقالته أو نقله لأعمال ادارية .
- لو أصدر الحكم شخص آخر غير القاضى .
- لو كان مستندا الى أوراق مزورة أو الاستناد الى نصوص قانون ملغاه .
4- اذا كان الاجراء يتصل بالمصالح العامة
من أمثلة ذلك :
كل اجراء يخالف المصالح العامة للدولة يترتب عليه البطلان ويتولى مفهوم المصالح العامة للدولة القضاء والفقه .
حيث أن القواعد القانونية التى تعتبر من النظام العام هى قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد ويجب على جميع الافراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها .
والذى له الحق في التمسك بالبطلان للإجراء المتعلق بالنظام العام :
1- الخصوم والنيابة العامة
2- كل ذى مصلحة
3- تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها
كما أنه من المفيد أن نشير إلى أن المراد بتنازع القوانين هو تزاحم قانونين أو أكثر لدولتين أو أكثر بشأن حكم علاقة قانونية تشتمل على عنصر أجنبي، فإذا كان أحد أشخاص العلاقة أجنبيا، أو كان موضوعها تم في بلد أجنبي، أو كان سببها وقع في أرض أجنبية، فإننا نكون بصدد مشكلة تنازع القوانين، أي أن قانونين أو أكثر تتنازع حكم العلاقة القانونية المعروضة ويجب البحث عن الفانون الواجب التطبيق.
ومسألة تنازع القوانين من المسائل المهمة التي يدرسها القانون الدولي الخاص، فلنتصور أن مواطنا مسلما من المغرب يتزوج اثنتين ويذهب إلى فرنسا، ثم يثور نزاع بينه وبين إحدى زوجته أمام المحاكم الفرنسية التي لا يبيح قانونها التزوج باثنتين، أو لنتصور فرنسيا يتوفى بالمغرب، وأحكام الشريعة في الميراث تجعل للذكر من الأولاد مثل حظ الأنثيين بينما القانون الفرنسي يسوي في الميراث بين الذكر والأنثى، لاشك أنه سوف تحدث أضرار بليغة لو لم تكن هناك قواعد قانونية تبحث عن القانون الواجب التطبيق على أمثال هذه المعاملات.
فعلى أي أساس يقبل تطبيق القانون الأجنبي؟
لقد هجرت اليوم نظرية الفقهاء الهولنديين التي كانت تقول بتطبيق القانون الأجنبي على سبيل المجاملة الدولية وأصبح الخلاف يدور حول إيجاد أساس أقرب إلى المنطق القانوني من هذه المجاملة، ففي البلاد الانجلوأمريكية سادت نظرية الحقوق المكتسبة ومقتضاها أن القاضي يتعين عليه تطبيق القانون الأجنبي على أساس الاحترام الواجب للحقوق المكتسبة طبقا لهذا القانون، وسادت في الفقه الإيطالي نظرية أخرى تسمى نظرية الاندماج أو الاستيعاب، وطبقا لهذه النظرية يطبق القاضي القانون الأجنبي على أساس أنه اندمج في قانونه، فحين تشير قاعدة الإسناد في قانون القاضي بتطبيق قانون أجنبي فإن قاعدة القانون الأجنبي تندمج في قانون القاضي، فتستوعبها قاعدة الإسناد الوطنية حتى تصبح كأنها قاعدة وطنية، وكان القاضي وهو يطبق القاعدة الأجنبية يطبق قاعدة الإسناد في قانونه هو.
وسادت في وقت ما نظرية ثالثة تقول بتطبيق القانون الأجنبي كما هو أي باعتباره قانونا أجنبيا ولم يندمج في قانون القاضي، وإنما يطبقه القاضي بمقتضى تفويض من المشرع الأجنبي أملته قاعدة الإسناد في قانون القاضي، كما ساد اليوم لدى الفقه الفرنسي، ولدى القضاء في كثير من البلاد رأى يقول بتطبيق القانون الأجنبي باعتباره واقعة لا باعتباره قاعدة قانونية، وهذا الرأي هو الذي سار عليه القضاء، سواء في أمريكا أو في انجلترا أو اسبانيا على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه. |